شبكة النبأ: الذين شاركوا في الحرب
العراقية الإيرانية او بقية حروب القائد الضرورة صدام حسين يتذكرون
الخنادق والثكنات التي كانوا ينحشرون فيها كجرذان خائفة.. توقعا لسقوط
قنبرة مدفع او قذيفة هاون على رؤوسهم.
المجتمع العراقي بأجمعه كان يعيش قلق الثكنة والخندق وتلوناته من
لباس خاكي او زيتوني والحذاء والبوت القهوائي او الماروني، بحكم ان كل
عائلة لها تقريبا حصة في هذا التلون، اب او ابن او اخ او زوج.. صادفت
احدى سنوات الحرب العراقية الايرانية ان كنت انا واخي ووالدي في صفوف
الجيش العراقي كل في قاطع عمليات وصنف مختلف عن الاخر.. مرحى لقد
دافعنا عن حدود العراق من شماله الى جنوبه.
وكان من ضمن هذه الانعكاسات لقلق الثكنة والخندق هو خطاب العسكر،
حيث بيانات القيادة العامة للقوات المسلحة ومفردات من قبيل (هجوم –
قطعات – تعرّض – معركة – تكبّد – خسائر – قتلى – شهداء – جحافل – صقور
الجو – ابطال السمتيات)، الى اخر تلك التعابير التي تفنن في ابتكارها
جمع من ابواق النظام السابق، والتي درج على ترديدها مذيعو النشرات
الاخبارية بسمتهم المتجهم وصوتهم الجهوري الذي ينذر بالويل والثبور.
رغم بعد المسافة عن ثلاثة حروب خاضها طاغية العراق الا ان عسكرة
المجتمع لازالت موجودة بصورها الرمزية الكثيرة وبظهورها العلني في
الشوارع والساحات.. من خلال الخطاب او الثكنة او الخندق او نقاط
التفتيش.
في الساحة السياسية العراقية تجد ايضا هذا التكثيف لرمزيات الثكنة
والخندق ولعل القائمة العراقية هي اكثر الجهات السياسية التي لاتريد
مفارقة هذا الزمان الماضي عبر قياداتها والناطقين باسمها على كثرتهم
وتعددهم.. قد يعود ذلك في جزء منه الى الخلفيات السياسية التي يتحدر
منها اعضاء القائمة (ضباط سابقون – بعثيون – قوميون) او ربما بسبب
تمثيلها لمكون طائفي كانت بيده مقاليد السلطة والعسكر في يوم ما، او
ربما لاسباب اخرى.
ظافر العاني، كأنه لم يبارح مكانه وهو يقف امام كاميرا الجزيرة
الفضائية مرتديا الزيتوني، لباس المحظوظين والمخيفين في عراق صدام
حسين، وهو يقدم تقاريره لتلك القناة لاعنا امريكا التي تريد تدمير
العراق ومسبّحا بحمد القائد الضرورة.. بلهجة فيها من النفاق والتطبيل
الشيء الكثير.. يخرج علينا هذه الايام في استعادة لمشهد سابق وهو يقدم
اربعة سيناريوهات قد تنهي الازمة الساسية او تعمقها اخطرها الحرب
الاهلية.
صالح المطلك ايضا لايتردد من تقديم سيناريو اخر لكنه هنا يسميه
بالعنف الطائفي.. وقل مثل ذلك عن اياد علاوي او حيدر الملا او ميسون
الدملوجي او غيرهم من اقطاب ثقافة الثكنة والخندق، والذي يصح عليهم
تسمية قادة حرب وليس سياسيين.. لكن الفضاء العراقي يسمح بظهور تلك
الشخصيات بسبب من ثقافة جمعية تعلّي من قيم العسكر والبندقية والقوة.
في توصيفه للصراع الحالي بسبب قضية الهاشمي، يؤكد المفكر العراقي
ميثم الجنابي في مقالة منشورة في جريدة العالم البغدادية على حلقتين،
قائلا: (وإذا كان الصراع الحالي يتخذ في مظاهره صراع المالكي –
الهاشمي، فلأنه يعكس من حيث الجوهر التوجهات المتناقضة بين فكرة الدولة
والشرعية والمستقبل التي يمثلها المالكي، وبين نفسية السلطة والمؤامرة
والماضي التي يجسدها الهاشمي. وليس اعتباطا أن تلتف "العراقية" التي لا
نرى فيها غير عرق الحمية الحزبية والجهوية والطائفية، مع"الكردستانية"
الممثلة النموذجية لفكرة العرق والقومية الصغيرة الضيقة. بمعنى التقاء
غرماء الأمس قبيل وبعد الانسحاب الأميركي من العراق. وهو التقاء يعكس
أولا وقبل كل شيء نفسية وذهنية "الأقلية"، بمعنى العيش والعمل والتفكير
بمعايير الماضي والجزئية والحزبية، وبالضد من فكرة الدولة العامة
والفكرة الوطنية العامة والمستقبل العام).
هذه الحمية الحزبية والجهوية والطائفية قد تكون ايضا من اسباب هذا
التوجه الذي يغلب على القائمة العراقية، توجه يميل الى العنف والى
التهديد باستعماله او الركون اليه والصدام مع الاخرين لكل خلاف سياسي
يفترض ان يكون مسرحه مجلس النواب او قاعات الاجتماعات الوزارية او
طاولات الحوار.
المؤتمر الوطني على الابواب، لكن اي باب منها؟ بغداد ام اربيل ام
النجف ام البصرة؟ الطارقون لازالوا وقوفا على جميع الابواب.. العراقية
تميل الى عقده في اربيل بحكم هذا الالتفاف الجديد مع الكردستانية،
والاخرون يصرون على بغداد، باعتبارها العاصمة الموحدة للدولة العراقية.
جميع المصرين على عقده في اربيل هم الذين ينادون بالشراكة الوطنية
التي هي تلفيق لمصطلح الطائفية والعرقية، وتجاوز على اصوات الناخبين
وعلى افرازات الديمقراطية الحقيقية التي تعني في ما تعنيه تشكيل
الحكومة من الاغلبية السياسية والخاسرون لهم مقاعد المعارضة.
الكثير من التطورات لازال يسابق موعد انعقاد هذا المؤتمر المزمع،
واستعد الخاسرون في ثكناتهم وخنادقهم، بينهم القناص، وبينهم حامل
الاربي جي سفن، وبينهم رامي الدوشكة.. التصريحات والبيانات العسكرية
تتطاير من جميع الجهات التي تمثل القائمة العراقية.. انها حرب الخنادق
والثكنات المكشوفة.. من قال ان القائمة العراقية قد غادرت زمن القائد
الضرورة؟ |