مصر والمحنة الاقتصادية... تعثر قد يمتد لسنوات

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: يعد الاقتصاد المصري واحداً من أكثر اقتصاديات دول منطقة الشرق الأوسط تنوعاً، حيث تشارك قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة والخدمات بنسب شبه متقاربة في الاقتصاد المصري.

ففي عام 2011 تراجعت كافة مؤشرات الاقتصاد المصري نتيجة لتراجع الدخل في قطاعات السياحة والبناء والتشييد والاستثمار إلى أدنى مستوياته في ثلاثة عقود وذلك كنتيجة مباشرة للاضطراب السياسي والاجتماعي الذي أعقب سقوط النظام السابق.

إذ بلغت ديون مصر أعلى مستوى لها في نهاية العام 2011، حيث وصلت إلى 1.25 تريليون جنيه، أي حوالي 206 مليارات دولار، منها ما يقرب من 210 مليارات جنيه ديون مستحقة للخارج، وبحسب التقارير الرسمية فإن تكلفة الدين تستنزف ما يزيد على ثلث إيرادات الاقتصاد المصري، فيما يظهر استطلاع بأن الاقتصاد المصري سينمو مابين عامي 2012-2013. 

في حين يرى محللون أن الوضع الاقتصادي في مصر صعب لكن الخروج من هذا المأزق يحتاج أولاً إلى رؤية، ثم سياسات وآليات تنفيذية. و أن هذه المرحلة من تاريخ مصر تحتاج إلى شخوص غير تقليديين لأننا في مرحلة غير تقليدية.

وأنه ليس من الصعب إصلاح وضع الاقتصاد المصري إذا ما أحسن استغلال الموارد المصرية المعطلة، ومنها الموارد البشرية والسياحة والصناعة وغيرها من محركات الاقتصاد التي تأثرت بالمرحلة السياسية الراهنة وتحتاج إلى برامج إصلاح جذرية.

حافة الهاوية

فقد تراجعت مصر خطوة عن أزمة مالية محتملة بفضل استئناف المحادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن مساعدة طارئة لكن من المستبعد أن تتفادى هبوطا في العملة أو ترى انتعاشا سريعا للاستثمار وهو ما تحتاجه لتنشيط النمو، ويترنح الاقتصاد المصري منذ سبعة أشهر حين رفضت الحكومة التي عينها الجيش محل حكومة الرئيس المخلوع حسني مبارك قرضا من صندوق النقد الدولي بقيمة ثلاثة مليارات دولار. وتلاشى الاستثمار وتراجعت الاحتياطيات الاجنبية منذرة بأزمة في العملة بينما توجد حالة من عدم اليقين بشأن سياسات الحكومة الديمقراطية التي ستحل محل الجيش، وقد تنكسر هذه الحلقة بفضل اتفاق مع صندوق النقد ليس فقط من خلال ضخ سيولة جديدة بل من خلال الزامها بمجموعة من السياسات للسيطرة على عجز الميزانية وتطبيق إصلاحات اقتصادية.

لكن التفاوض على أي اتفاق مع صندوق النقد سيجري في ظروف سياسية صعبة وستتولاه حكومة من المتوقع أن تسلم السلطة بعد أشهر، وربما فات الوقت بالفعل للحيلولة دون بعض التراجع في الجنيه المصري وهو ما قد يرفع تكلفة المعيشة للفقراء، وقالت علياء مبيض كبيرة الاقتصاديين لمنطقة الشرق الاوسط في باركليز كابيتال ان مصر قد تتوصل الى اتفاق مع صندوق النقد سريعا وربما في وقت يسمح ببدء صرف القرض في مارس اذار، لكنها أضافت "في هذه المرحلة لا بد من حزمة شاملة من اجراءات السياسة المتناسقة والالتزامات لاستعادة ثقة المستهلكين والمستثمرين، وقالت ان هذه الحزمة يجب أن تتضمن خطوات لاحتواء عجز الميزانية واستعادة الامن العام والتقدم نحو التحول الديمقراطي واجتذاب المساعدات من مانحين دوليين اخرين بالاضافة الى صندوق النقد. وأضافت أنه حتى عند التوصل الى اتفاق مع صندوق النقد فمن المرجح أن تبقى العملة تحت ضغط في الوقت الراهن.

وقال مصدر في صندوق النقد ان مصر ستبدأ المحادثات مع الصندوق في القاهرة بشأن امكانية الحصول على قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار لاجل 18 شهرا لسد الاحتياجات الفورية في ميزان المدفوعات، وسبق لصندوق النقد أن أجرى مفاوضات ناجحة مع حكومات مؤقتة كما حدث في البرتغال مثلا العام الماضي. لكن في الحالة المصرية هناك قدر أكبر من الضبابية السياسية، ومن المتوقع أن تفضي انتخابات مجلس الشعب التي انتهت الى حكومة ائتلافية بزعامة الاخوان المسلمين الذين لم يسبق لهم أن وصلوا الى الحكم. ويعتزم المجلس العسكري الحاكم الاستمرار في حكم البلاد حتى نهاية يونيو حزيران، حيث من المقرر انتخاب رئيس جديد بحلول ذلك الموعد وهناك تفاصيل أساسية للنظام السياسي الجديد لم تقرر حتى الان منها توزيع الصلاحيات بين الرئيس والبرلمان، ورفض المجلس العسكري الحاكم في العام الماضي قرض صندوق النقد الدولي بدافع من الكبرياء الوطني والاحجام عن الزام نفسه بالشروط التي يطلبها الصندوق مثل القيود على الانفاق الحكومي. وقد تكون لدى أي حكومة مصرية جديدة تحفظات مماثلة لكن هناك مؤشرات على أن الصندوق والساسة المصريين ينجحون في التغلب على هذه المعوقات. ولم تعارض جماعة الاخوان المسلمين فكرة مساعدة صندوق النقد. ومنذ أن أصبح واضحا أن الاخوان سيهيمنون على الحكومة المقبلة فتحت قنوات اتصال مع الحكومة التي عينها المجلس العسكري وهذا يشير الى أنه قد يتم التوصل الى اتفق مع صندوق النقد بموافقة ضمنية من الاخوان، ومن الخيارات المحتملة أن يقدم الصندوق المساعدة بموجب تسهيل أطلقه في نوفمبر تشرين الثاني وأطلق عليه أداة التمويل السريع. وهذا لا يتطلب الشروط التقليدية للصندوق المرتبطة بالقروض لكن الصندوق يقول ان الدول لا يزال يتعين عليها أن توضح التزامات سياساتها في خطاب نوايا وأن تكون مستعدة للتعاون مع صندوق النقد لمعالجة صعوباتها.

ومن المؤشرات الايجابية أيضا البيان الذي أصدره وزير المالية المصري ممتاز السعيد هذا الشهر وقال ان عجز الميزانية لن يتخطى 8.6 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي في السنة المالية التي تنتهي في يونيو حزيران 2012 مقارنة مع تقدير رسمي في يونيو الماضي بنسبة 9.5 بالمئة في السنة المالية 2010-2011.

وقال صندوق النقد ان الاجراءات المالية التي أعلنتها الوزارة في يونيو 2011 قد تكون معايير لاتفاق قرض، وقال صايم علي كبير الاقتصاديين لمنطقة شمال افريقيا في بنك ستاندرد تشارترد ان الوضع الاقتصادي سيجبر الساسة المصريين على أن يكونوا واقعيين وان اتفاق صندوق النقد "قد يكون الخيار الوحيد الباقي لمصر لتفادي أزمة خطيرة في ميزان المدفوعات، وقال "الطريقة الوحيدة لتهدئة السوق هي أن تكون هناك مؤسسة بمثل تخصص وخبرة صندوق النقد تشرف على برنامج الاصلاح الاقتصادي." وأضاف أن من المرجح أن يتضمن اتفاق صندوق النقد التزامات باصلاحات في الميزانية والضرائب والدعم الحكومي ستكون مصر مجبرة على القيام بها في نهاية المطاف بسبب الظروف الاقتصادية القاسية.

وقال محللون ان التوصل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي سيحمي البلاد من كارثة بالحيلولة دون أي انهيار غير محكوم للجنيه المصري من شأنه تعطيل الواردات والاضرار بقدرة المصانع على التشغيل، وقالت علياء مبيض "التحدي هو تفادي خفض فوضوي كبير بنسبة 30 أو 40 بالمئة من شأنه اثارة مزيد من الهلع، وأضافت "من المتوقع أن يكون هذا ممكنا في اطار حوار مفتوح ومنتظم مع صندوق النقد بشأن السياسات، وربما كان يمكن لقرض من صندوق النقد بقيمة ثلاثة مليارات دولار قبل سبعة أشهر أن يعيد التدفقات الرأسمالية الى مصر الا أن اقتصاديين يرون أن اتفاقا بهذا المبلغ لم يعد كافيا. ويستشهدون بالهبوط الحاد في الاحتياطيات النقدية التي تراجعت الى النصف على مدى العام الماضي لتصل الى 18.1 مليار دولار في ديسمبر كانون الاول. بحسب رويترز.

وتنكمش الاحتياطيات في الاونة الاخيرة بمقدار ملياري دولار شهريا ولذلك فان الثلاثة مليارات دولار لن تعوض الا ستة أسابيع من التراجع وستغطي قيمة واردات السلع والخدمات لمدة تقل عن شهر. ويتوقع صايم علي أن تحتاج مصر نحو 20 مليار دولار من التمويل الخارجي على المدى الطويل حتى يستقر ميزان المدفوعات، وهذا يشير الى أن صندوق النقد قد يضطر في النهاية لامداد مصر بمساعدة أكثر بكثير مما كان متصورا في البداية وأن المساهمات من مانحين اخرين ستكون مهمة، وتلقت مصر تعهدات مبدئية بمساعدات تتجاوز قيمتها الاجمالية عشرة مليارات دولار من قطر والسعودية والامارات العربية المتحدة ودول أخرى لكن التدفق الفعلي للمساعدات بطيء وهو ما قد يعكس توترات دبلوماسية بشأن محاكمة مبارك، لذلك لا يزال الاقتصاديون يتوقعون هبوط الجنيه المصري تدريجيا خلال الاشهر المقبلة. ويتوقع ستاندرد تشارترد أن يصل سعر الجنيه الذي هو قريب حاليا من أدنى مستوياته في سبع سنوات عند 6.03 جنيه للدولار الى 6.3 جنيه بحلول يونيو هذا العام. وقال علي انه قد يصل الى سبعة جنيهات أو 7.5 جنيه بحلول منتصف العام وربما يقترب من ثمانية جنيهات بنهاية 2012 اذا لم يمض التحول السياسي بسلاسة. وقالت علياء مبيض ان الجنيه قد يصل الى نحو 6.5 جنيه للدولار بحلول يونيو والى سبعة جنيهات بحلول سبتمبر أيلول.

لكن الاستثمار لم يتلاش تماما في مصر. ففي القاهرة تستمر التجديدات في فندق النيل ريتز كارلتون الذي يقع بالقرب من مقر الحزب الوطني المنحل حزب مبارك الذي أضرمت فيه النيران في انتفاضة العام الماضي. وتنشيط السياحة مهم لتعزيز الاحتياطيات الاجنبية. وقال بنك الاستثمار أرقام كابيتال ومقره دبي هذا الشهر انه استحوذ على شركة الرشاد للوساطة المالية المصرية، لكن في ظل توقعات بهبوط العملة وحالة عدم اليقين السياسي لا تزال هناك عوائق كبيرة للمستثمرين المحليين والاجانب. وتظهر أحدث البيانات أن الاستثمار الاجنبي المباشر في مصر انكمش الى 440 مليون دولار في الربع الثالث من العام الماضي من 1.60 مليار دولار قبل عام، وقال علي "ربما نحتاج ثلاثة أو أربعة أشهر حتى يتضح من يحكم مصر وما هي السياسات المطبقة.

البورصة

في سياق متصل لم يعلم أبو عمر وهو مستثمر صغير بالبورصة المصرية أن حلمه هو وملايين المصريين في 2011 بوطن يعيش فيه بحرية وديمقراطية وكرامة انسانية سيكبده معظم تحويشة العمر، لكن الامل لا زال يراوده في انتعاش البورصة التي يعتبرها "المصباح السحري" لخروج مصر من أزمتها الاقتصادية، كان أبو عمر قد عاد الى مصر قبل بضع سنوات بمدخرات تبلغ نحو مليوني جنيه (2. 332 ألف دولار) على أمل استثمارها في وطنه. وحقق بالفعل بعض المكاسب لكن سرعان ما تبدد الكثير من ثروته قبل أن يأتي عام الثورة ليجهز على جانب كبير منها ويتركه بمحفظة مالية لا تتجاوز 300 ألف جنيه ومديونية تصل الى 100 الف جنيه لشركة سمسرة، وأبو عمر - الذي لم يرغب في الكشف عن اسمه الحقيقي - واحد من الاف المستثمرين الذين اكتووا بنيران خسائر البورصة التي فقدت نحو 196 مليار جنيه من قيمتها السوقية وهوى مؤشرها الرئيسي نحو 50 بالمئة منذ بداية العام.

وعانت بورصة مصر في 2011 من أحداث لم تشهدها منذ تأسيسها في عام 1883 فبعد الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك بعد 30 عاما في الحكم شهدت مصر أعمال عنف وانفلاتا أمنيا شديدا. وعمل ذلك على هروب الاستثمارات الاجنبية والمحلية وهروب السياح وهبوط العملة المحلية وارتفاع الفائدة على سندات وأذون الخزانة الحكومية.

وقال أبو عمر الذي عمل في الكويت وعدد من الدول الخليجية "قررت في 2006 العودة لمصر والاستثمار بها. ولكن واجهت بعض المشاكل البيروقراطية وطلبات صريحة بدفع رشى من قبل بعض الموظفين حتى أنجح في الانتهاء من الاوراق التي أريدها. وبعد مقابلة صديق لي ذكرني بأننا نملك أسهما في شركة مصرية خليجية حصلنا عليها أثناء عملنا في الخليج، أردف في مقابلة مع رويترز "ألغيت فكرة اقامة مشروع استثماري وذهبت لشركة سمسرة واشتريت أسهما في شركة اخرى وبذلك أصبح اجمالي استثماراتي في البورصة نحو مليون جنيه مصري، وقال أبو عمر وهو يحتسي القهوة وقد ارتسمت على وجهه نظرة حزن عميق "خسرت في البداية أموالا كثيرة الى أن تفرغت تماما للبورصة وتعلمت التحليل المالي وبدأت في دراسة الشركات، وتابع أنه اشترى أسهما أخرى في قطاعي الاسكان والكيماويات "وخلال عدة أشهر استعدت ما خسرته من أموال مرة أخرى. لكن مع الازمة المالية العالمية وقرارات البورصة بايقاف وشطب بعض الاسهم خسرت من جديد بعد أن وصل رصيدي الى 2.2 مليون جنيه، ولم يفلت أبو عمر من اغراء أسهم المضاربة فاستثمر فيها. ويصف هذه الفترة قائلا "اعتقدت انني أذكى مستثمر في البورصة وهذه غلطة كبيرة. وبدأت أبيع لاتمكن من العيش أنا وأولادي ولجأت الى الاقتراض من شركات السمسرة، ومع اندلاع الثورة في مطلع 2011 تسارعت وتيرة هبوط البورصة وهوت أسعار بعض الاسهم في محفظة أبو عمر نحو 80 بالمئة.

وتوقف التداول في البورصة 38 جلسة الى أن هدأت الاوضاع بعد تنحي مبارك، وكان مقر البورصة المصرية ساحة للعديد من احتجاجات صغار المستثمرين الافراد المطالبين بتأجيل عودة التداول في السوق خوفا من هبوط أسهمهم وتكبدهم لخسائر فادحة بسبب الاحداث السياسية، وقال أبو عمر "مع بدء الثورة في 25 يناير وتوالي الاحداث من فتنة طائفية الى أحداث السفارة الاسرائيلية وأحداث ماسبيرو وغيرها... وصلت قيمة محفظة أوراقي المالية الان الى 300 ألف جنيه فقط بخلاف مديونيتي لشركة السمسرة التي أتعامل معها، وكان يشير الى المصادمات العنيفة التي وقعت بين محتجين وقوات الامن أمام السفارة الاسرائيلية ومبنى التلفزيون المصري بالقاهرة وأسفرت عن مقتل واصابة العشرات، وفي المقابلة التي جرت بوسط القاهرة قال أبو عمر بنبرة هادئة انه "متفرغ تماما" الان للاستثمار في البورصة والدفاع عن المستثمرين في مختلف القضايا، واضاف "لابد ان نعرف جميعا أن البورصة هي مصباح مصر السحري للخروج من كبوتها الاقتصادية. نستطيع من خلالها تدعيم وتقوية الشركات وتوسعتها وخلق فرص عمل جديدة تقضي على البطالة. بحسب رويترز.

وقد وصف رئيس الوزراء المصري كمال الجنزوري الوضع الاقتصادي في البلاد بأنه أسوأ مما يتصوره أحد وقال ان هناك حاجة للتقشف لكبح عجز الميزانية المتضخم، وخلال 2011 هوت أسهم سوديك بنحو 90 بالمئة وبالم هيلز 80 بالمئة وعامر جروب 76 بالمئة وحديد عز 75 بالمئة والقلعة وهيرميس 68 بالمئة والسويدي اليكتريك وطلعت مصطفى 58 بالمئة، ورغم قتامة الصورة لا ينوي أبو عمر الخروج من السوق ويقول "الشركات المقيدة بالبورصة أصبحت الان بربع قيمتها الحقيقية... الخروج الان يمثل انتحارا، ويبلغ مضاعف ربحية البورصة المصرية 3.14 مرة، وأكد أبو عمر أنه سيبيع جزءا بسيطا فقط من أسهمه عند ارتفاع السوق لتسديد ديونه ولن يفرط في باقي الاسهم لانها لا تعبر عن القيمة الحقيقية للاسهم، واضاف بصوت بدا متفائلا "ما زال لدى أمل في عودة الاسهم لقيمتها الحقيقية مع وصول مصر الى الاستقرار السياسي والاقتصادي والتحول للديمقراطية.

الاستثمار الاجنبي

من جهته قال البنك المركزي المصري ان الاستثمار الاجنبي في مصر تراجع خلال الصيف الى نحو ربع مستواه قبل عام مع هروب المستثمرين القلقين من الاضطرابات السياسية في المنطقة، وهبط الاستثمار الاجنبي المباشر خلال الاشهر الثلاثة من يوليو تموز الى سبتمبر ايلول الى 440.1 مليون دولار من 1.60 مليار دولار قبل عام مما ساهم في تكون عجز في ميزان المدفوعات قدره 2.36 مليار دولار مقارنة مع فائض قدره 14.7 مليون دولار قبل عام، وقال البنك المركزي في بيان ارسل بالبريد الالكتروني "تحقق هذا العجز تأثرا بتداعيات الاحداث التي تمر بها مصر والمنطقة العربية والتي أثرت سلبا على كل من الايرادات السياحية وتدفقات الاستثمارات الاجنبية الى مصر، غير ان اجمالي التحويلات الخاصة لاسيما من المصريين العاملين في الخارج ارتفع 31 في المئة الى 4.01 مليار دولار، وقال البنك المركزي ان ذلك ساعد في الحد من تفاقم العجز في ميزان المعاملات الجارية والذي اتسع بنسبة 67 في المئة عن مستواه قبل عام ليصل الى 2.18 مليار دولار.

وقال البنك المركزي ان الاستثمارات الواردة لتأسيس شركات جديدة أو زيادة رؤوس أموال شركات انخفضت 47 في المئة على اساس سنوي الى 521.9 مليون دولار خلال الفترة من يوليو الى سبتمبر وان ايرادات السياحة تراجعت 26 في المئة الى 2.7 مليار دولار، وقال سايمون كيتشن الخبير الاستراتيجي لدى المجموعة المالية-هيرميس في القاهرة "حتى أكون صادقا .. أعتقد أنه من المشجع أن الاستثمار الاجنبي المباشر مازال ايجابيا خلال فترة عدم يقين سياسي واقتصادي، واضاف "المصريون العاملون في الخارج ربما يرسلون اموالا اكثر الى بلادهم لدعم الاسر التي تعاني من التباطؤ الاقتصادي. بحسب رويترز.

 وقال البنك المركزي ان الاستثمارات بمحفظة الاوراق المالية في مصر تحولت الى صافي تدفق للخارج بلغ 1.7 مليار دولار مقابل صافي تدفق للداخل بلغ 5.9 مليار دولار قبل عام نتيجة لبيع كثير من المستثمرين الاجانب لما في حوزتهم من أوراق مالية بعد الانتفاضة الشعبية، وبلغ صافي مبيعات اذون الخزانة 1.4 مليار دولار مقابل صافي مشتريات بلغ 4.7 مليار دولار قبل عام.

الاسهم الدفاعية في 2012

فيما نصح محللون ماليون بتوخي الحذر في التعامل في الاسهم المصرية خلال النصف الاول من العام واستهداف الاسهم الدفاعية وتوقعوا أن تتجه البورصة للصعود في النصف الثاني من 2012 اذا تحقق الاستقرار السياسي والامني والاقتصادي في البلاد، وتخرج البورصة المصرية من "عام الثورة" مثقلة بخسائر جسيمة اذ هوى مؤشرها الرئيسي نحو 50 بالمئة خلال العام وفقدت أسهمه نحو 194 مليار جنيه (32.2 مليار دولار) من قيمتها السوقية وسط الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي صاحبت الثورة، وقال ولاء حازم مدير استثمار بشركة اتش سي للاوراق المالية والاستثمار "ننصح المستثمرين بتوخي الحذر في بداية عام 2012 وتركيز استثماراتهم في القطاعات الدفاعية مثل قطاعي الاتصالات والاغذية والمشروبات مع التركيز على الشركات ذات السيولة النقدية الجيدة والتي تقوم بتوزيعات أرباح مستقرة، ويرشح كريم عبد العزيز المدير التنفيذي لشركة الاهلى لادارة صناديق الاستثمار قطاع المطاحن للاستثمار في 2012 قائلا "العمود الفقرى لهذا القطاع هو التوزيعات أو الكوبونات المحصلة من أسهم القطاع وتتراوح هذه العوائد بين 9-11 بالمئة بخلاف الارباح الرأسمالية الناتجة عن ارتفاع أسعار هذه الاسهم، وأردف "الاستثمار بأسهم قطاع المطاحن هو أفضل ثاني استثمار بعد ارتفاع عوائد الدخل الثابت -أذون الخزانة- الى 12 بالمئة بعد الضرائب.

وتواجه مصر تحديا مزدوجا يتمثل في هبوط احتياطيات النقد الاجنبي وعجز الميزانية مما دفع أسعار الفائدة على ديون الحكومة قصيرة الاجل فوق 15 في المئة وهو مستوى قياسي يقول محللون انه لا يمكن تحمله، وقال حازم أعتقد أن الوضع السياسي في مصر وحتى انتهاء الانتخابات الرئاسية سيكون له أثر في أداء البورصة خلال عام 2012، في حالة مرور المرحلة السياسية بسلام أتوقع أداء جيدا للمؤشر في النصف الثاني من العام مع التوقع أن يقود القطاع المالي المؤشر في هذه الحالة، وعقب ثورة يناير عانى الاقتصاد المصري بشدة جراء الاحتجاجات والمظاهرات والاعتصامات الفئوية التي يطالب منظموها بزيادة الاجور أو تحسين ظروف العمل، وتبدو الحكومة عاجزة عن تلبية أغلب مطالب الموظفين والعمال الدائمين والمؤقتين خاصة في وقت يتراجع فيه الاقتصاد لتعطل السياحة وانسحاب مستثمرين أجانب من السوق، وقال حسام أبو شملة مدير قسم البحوث بشركة العروبة للسمسرة في الاوراق المالية لا أعتقد ان هناك قطاعات أنصح المستثمرين بالتركيز عليها. ولكن أعتقد ان الشركات التى يتولد لها دخل من خلال التصدير للخارج ومن خلال مساهمات فى شركات خارجية وفروع بدول أخرى ستعد الافضل بعيدا عن ضعف الاداء الاقتصادي محليا. بحسب رويترز.

وقال وائل عنبة العضو المنتدب لشركة الاوائل لادارة المحافظ المالية لن أنصح المستثمرين بقطاعات محددة للاستثمار. ولكن لابد أن يعرفوا انه في حالة صعود السوق سنري جميع القطاعات والاسهم عند مستويات تفوق 100 بالمئة من الاسعار الحالية. الاسعار حاليا جذابة للغاية. الاسعار هبطت بشكل غير طبيعي، وهبطت أسهم سوديك بنحو 80 بالمئة وبالم هيلز 82 بالمئة وعامر جروب 69 بالمئة وحديد عز 79 بالمئة والقلعة 69 بالمئة وهيرميس 63 بالمئة وطلعت مصطفى 62 بالمئة، وأردف عنبة "المشكلة ليست في الاسهم أو القطاعات بالبورصة، المشكلة في الازمة الاقتصادية والسياسية التي تواجهها مصر. لا احد يعرف المستقبل أو ماذا سيحدث فيه. الرؤية غير واضحة بالمرة، ويقول خبراء اقتصاديون ان مصر تتجه صوب أزمة في العملة ما لم تحقق الاستقرار سريعا في الاقتصاد، وهوت الاحتياطيات الاجنبية المصرية الى نحو 20 مليار دولار في نوفمبر تشرين الثاني من 36 مليارا في نهاية 2010، وقال عبد العزيز في حالة نجاح الدولة فى اتمام الانتخابات البرلمانية والرئاسية أتوقع صعود السوق في النصف الثاني من 2012 بنحو 20 بالمئة خلال الربع الثالث ونحو 30 بالمئة فى الربع الاخير" مقارنة بالنصف الاول، واردف قائلا في النصف الاول من 2012 أتوقع استمرار الاداء السلبي ليتكبد المؤشر الرئيسي خسائر بنحو عشرة بالمئة، وقال محسن عادل العضو المنتدب لشركة بايونيرز لادارة صناديق الاستثمار "لابد أن يتعامل المستثمر بحذر في سوق الاوراق المالية خلال الربع الاول من 2012، أنصحه بالتركيز على قطاعات البتروكيماويات والصحة والادوية والصناعات الغذائية، وأردف "عليهم ببناء مراكزهم المالية في الربع الثاني وان يستعدوا لصعود السوق في النصف الثاني من العام بعد الاستقرار الامني والاقتصادي. سنري في النصف الثاني شهية شراء كبيرة من جميع المستثمرين وخاصة العرب والاجانب.

نمو الاقتصاد في 2012-2013

كما أظهر استطلاع أن الاقتصاد المصري سينمو بنسبة 1.8 بالمئة فقط في السنة المالية الحالية و 3.1 بالمئة في السنة المالية القادمة مع تعافيه ببطء من الاضطرابات السياسية التي عطلت الاقتصاد، وتوقع الاستطلاع الذي شمل عشرة اقتصاديين استقرار معدل النمو السنوي للناتج المحلي الاجمالي في أكبر الدول العربية من حيث عدد السكان عند 1.8 بالمئة في السنة المالية التي تنتهي في 30 من يونيو حزيران 2012 دون تغير عن مستواه في السنة المالية الماضية. لكن هذا التوقع أعلى من 1.3 بالمئة في الاستطلاع السابق الذي أجري في سبتمبر أيلول.

وتوقع المشاركون في الاستطلاع أن يتسارع النمو بعد ذلك الى 3.1 بالمئة في 2012-2013 لكنه سيظل بعيدا عن معدل الستة بالمئة الذي يقول الاقتصاديون ان مصر تحتاج اليه لتبدأ خلق فرص عمل كافية للسكان الذين يبلغ عددهم 80 مليون نسمة.

لكن اقتصاديين يقولون ان تحديد جدول زمني واضح لنقل السلطة الى المدنيين قد يعزز النمو قليلا في السنة المالية 2012-2013، وقال ديفيد كاون الخبير الاقتصادي لدى سيتي "نرى أن النمو سيتسارع في السنة المالية القادمة، وأضاف "حالما نتجاوز المسائل السياسية والانتخابات وما شابه نأمل أن تكون هناك عودة لمزيد من الثقة وهو ما قد يؤدي لارتفاع تدريجي في الاستثمار وبعض التعافي في قطاع السياحة، وكانت السياحة -وهي مصدر رئيسي للايرادات في مصر- تشكل أكثر من عشر الناتج المحلي الاجمالي قبل أن تثني الاضطرابات السياسية السائحين عن القدوم. وتتوقع مصر أن تحقق تسعة مليارات دولار فقط من السياحة في عام 2011 بانخفاض بمقدار الثلث تقريبا عن مستوى الايرادات قبل عام.

نقص الوقود

الى ذلك تسبب نقص البنزين في مصر في وقوف صفوف طويلة أمام محطات الوقود واثار شكوكا بين السائقين في ان هذا ربما يكون تمهيدا لخفض الدعم رغم التأكيدات الرسمية بأنه لا نية لرفع الاسعار، وسدت صفوف من السيارات شوارع في القاهرة وغيرها من المدن منذ بدأ ظهور النقص، ووصل كثير من السائقين الى مضخة البنزين في المحطات ليكتشفوا نفاد الوقود مما يؤجج التوتر في بلد يعاني بالفعل من اضطراب سياسي منذ شهور وترك كثيرا من المصريين في خيبة أمل من أن الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك في فبراير شباط الماضي لم تجلب المنافع الاقتصادية التي توقعوها.

وقال التاجر محمد ربيع الذي سافر من بلدته في محافظة الشرقية في دلتا مصر شمالي القاهرة الى العاصمة بحثا عن البنزين "ذهبت الى 15 محطة بنزين بحثا عن الوقود، واثار النقص تكهنات بأن الحكومة التي طلبت دعما من صندوق النقد الدولي لسد عجز كبير في الميزانية ربما تستخدم اسلوبا لتهيئة الناس لزيادة سعر الوقود وخفض الدعم الذي يؤثر على خزانة الدولة، وقالت الحكومة انها لا تخطط لهذا، وتكهن البعض بأن هذا يظهر مدى سوء الاوضاع المالية المصرية مع الانخفاض الحاد في احتياطيات البلاد من العملة الصعبة. وتصدر مصر خام النفط لكنها تستورد أيضا بعض المنتجات المكررة لتلبية الاحتياجات، وقال محمود نظيم وكيل أول وزارة البترول المصرية يوم الاثنين ان الحكومة لا تنوي زيادة اسعار البنزين وقال ان الامدادات زادت بالسوق المحلية، وقال في بيان للوزارة "بدأت شركات تسويق المنتجات البترولية في زيادة كميات البنزين التي يتم طرحها في المحطات والمستودعات والتي تم اقرارها لتصل الى 21.5 مليون لتر يوميا بزيادة حوالي 33 في المئة عن الكميات المعتادة، ولم يوضح سبب النقص، ويقول بعض المحللين انه مهما كان السبب الاصلي فهو ربما تفاقم بسبب عمليات تخزين خوفا من تجدد محتمل للاضطرابات في ذكرى اندلاع الانتفاضة التي أطاحت بمبارك في 25 يناير كانون الثاني. ويخشى البعض من تجدد العنف خلال الاحتجاجات من جانب المعارضين للمجلس العسكري الحاكم حاليا، ويشعر مديرو محطات البنزين بالحيرة، وقالت هويدا السيد نائبة مدير احدى محطات اكسون موبيل في القاهرة "لا يوجد بنزين تقريبا في انحاء البلد. الكميات التي تورد الينا ضئيلة للغاية ولا نعرف السبب . بحسب رويترز.

والاقتصاد المصري في حالة اضطراب بعدما تحولت سلسلة احتجاجات ضد المجلس العسكري الى العنف مما اضر بالاستثمار والسياحة، ومن شأن أي زيادة في أسعار البنزين أن تزيد الضغط على التضخم الذي يتسارع وكان أحد المحركات الرئيسية لانتفاضة 25 يناير. وارتفع التضخم في عام حتى ديسمبر كانون الاول الى 9.5 في المئة من 9.1 في المئة في عام حتى نوفمير تشرين الثاني، وقال عمال في عدة محطات للوقود في القاهرة ان المحطات تتلقى فقط ثلث حصصها المعتادة وان الصفوف تتكون في ساعة مبكرة تصل الى السادسة صباحا وتنفد الامدادات بحلول الظهيرة، ويعيش نحو خمس المصريين الذين يبلغ عددهم نحو 80 مليون نسمة على أقل من دولارين في اليوم. ويباع اقل أنواع البنزين جودة وهو البنزين 80 اوكتان مقابل جنيه مصري واحد (17 سنتا امريكيا) للتر وهو اقل بكثير من قيمته السوقية، وقال علاء الشيخ وهو مدير مصنع للملابس "أبحث عن البنزين منذ الليلة الماضية دون جدوى.. والان بعدما وجدت محطة تبيع البنزين سأملا خزان الوقود عن اخره.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 22/كانون الثاني/2012 - 28صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م