لقد استطاع الشعب العربي ان يكسر الخوف، ويصنع ثورات عارمة في معظم
الدول العربية، وهو يردد شعار: الشعب يريد اسقاط النظام. وتمكن الشعب
ان يسقط بعض الانظمة الظالمة المتجبرة الجاثية على صدره منذ عشرات
السنين، وان يهز عروش الانظمة المتبقية، وقدم خلالها عشرات الالاف من
الشهداء والجرحى.
ولكن هذه الثورات مهددة والشعب العربي في خطر محدق، نتيجة عوامل
عديدة وتحديات عظيمة، منها مؤامرات الاعداء ضد الثورات، وغياب الوعي
المطلوب لدى اغلبية الشارع لتجاوز المرحلة الخطيرة، بضرورة التغيير
الجذري لثقافة الانظمة السابقة التي ما زالت سائدة، وغياب الاستراتيجية
لإقامة نظام ديمقراطي جديد يمثل ارادة الشعب، بالاضافة الى خطط اعداء
الثورات لاختطافها وتشويها وقتل الروح الثورية التغييرية، واصرار بعض
الثوار والمعارضين على الاستعانة بالغرب في عملية اسقاط الانظمة،
الانظمة الفاسدة التي تستمد الدعم والحماية من الغرب الذي هو عدو الامة
والمسؤول الاول عن مآسيها! مما جعل الامور تتجه الى المجهول، حيث سقط
الحاكم الفاسد وبرزت زمرة جديدة ترتدي ثوب الثورة ولكنها تحمل نفس
عقلية النظام السابق، فهي تبحث عن الحكم فقط، وهي مستعدة ان تقدم
التنازلات للغرب والتعهد بخدمة مصالحه على حساب الوطن والمواطنين!
هل وضع الشعوب العربية الان أفضل بعد عام من اندلاع الثورة، ام
الامور ما زالت في خطر بحاجة الى المزيد من الوعي والنضوج والتضحية
والصمود بوجه الاعداء من الخارج والداخل والثقافة والعقلية؟.
لقد اشعل الثائر محمد البوعزيزي نار الغضب الشعبي والثورة العربية،
التي سقط خلالها عشرات الالاف بين شهيد ومصاب، واعتقال عشرات الالاف،
وما زالت الارقام تسجل ارتفاعا بسبب قمع الانظمة الفاسدة التي ترفض
التغيير والاصلاح واعطاء الشعب حقه باختيار حكومته بشكل سلمي.
هذه ثورة الشعوب العربية وهي الان مهددة بعد عام من تفجيرها، اذ
انها تتعرض لمؤامرات من قبل اعداء العدالة والحرية والديمقراطية
الخائفة على عروشها والرافضة للتغيير، الذين يعملون على سرقة الثورة
وتنصيب من يخدم مصالحهم ومصالح الغرب، من خلال تفريغ الثورة من اهدافها
الحقيقية، ودعم شخصيات جديدة بلون الثورة ولكن بنفس عقلية وسياسة
الانظمة السابقة، ودعم البلطجية والمرتزقة المدنين الذين يقومون باعمال
تخريبية لتشويه سمعة الثورة والثوار!
كما ان حالة التشرذم والبحث عن المصالح الشخصية الصغيرة بين الثوار،
وعدم الاتفاق على استراتيجية محددة - لاقامة نظام ديمقراطي- بعد سقوط
الانظمة السابقة، وتسلل حالة الخوف والقلق والاحباط والملل عند شريحة
من الناس، وفكرة الاستعانة بأعداء الامة وهو الغرب، واللجوء للعنف
والتدمير والقتل، وكذلك قيام اعداء الثورة على نشر الفتن واللعب على
سياسة فرق تسد بين الثوار، تلك الامور تمثل خطرا كبيرا يهدد الثورة،
ويجعل مستقبل الشعب العربي مظلما ومخيفا.
ان ثقافة الانظمة السابقة والمتبقية الفاسدة والظالمة، المنتشرة
والمتغلغلة والمتعفنة في دوائر الدولة وخاصة الامنية، تشكل الخطر
الاكبر على الثورات وبناء نظام جديد، والمطلوب من الشعوب العربية ان
تكون واعية بأهمية وعظمة الثورة التي قامت بها، والانتباه من سرقة
الثورة ومن كل من يحمل ثقافة الانظمة السابقة ممن نفذ سياستها الفاسدة،
والعمل على تغيير هذه الثقافة وهذه هي المهمة الاصعب، ولهذا على الشعوب
ان تكون اكثر صبرا وصمودا لتحقيق الاهداف التي من اجلها اندلعت الثورة
وهي اقامة نظام عادل يمثل ارادة الشعب، كما عليها ان تتحد وتدعم كافة
الثورات في الوطن العربي الكبير، وان ترفض العنف والتدمير والقتل،
وترفض اي تدخل خارجي في شؤونها واستغلالها او تشويهها؛ فالثورة العربية
ثورتنا نحن الشعوب من المحيط الى الخليج، فيجب دعمها وحمايتها
واستمرارها حتى تتحقق الاهداف ومنها الاصلاحات الشاملة.
ان الشعوب العربية الحرة الثائرة في مرحلة خطيرة جدا، فهي مهددة
بالاسوأ والفوضى والدمار اذا فشلت في بناء دولة العدالة والحرية
والسلام والامان والنظام الديمقراطي الحر، بعيدا عن خطط الغرب
الاستعمارية المهيمنة بشعار جديد، العدو الذي يريد ان يسيطر على الثورة
والمنطقة من جديد باسم ثورة الربيع العربي. |