
شبكة النبأ: لازالت الساحة السودانية
تعج بالمتغيرات والإحداث المتسارعة التي تنذر بنشوب حرب أهلية متجددة
بين أبناء دولتين ولدتا من رحم واحد، فدولة الجنوب الفتية التي أعلنت
استقلالها في تموز من العام الماضي ما زالت في دور الإنشاء والتكوين
تواجه الكثير من التحديات أهمها مسألة الأمن وبناء الدولة ولازالت تتهم
حكومة الشمال بزعزعة أمنها واستقرارها من خلال دعم ومساندة بعض
الجماعات المتمردة.
ويرى بعض المراقبين ان الإحداث الأخيرة التي شهدتها السودان وأوقعت
العديد من القتلى والجرحى وتسببت بتشريد الآلاف من السكان، يمكن ان
تسهم بشكل كبير بنشوب حرب شامله بين الدولتين خصوصا وان لتلك الخلافات
ضغائن تاريخية سببتها النزاعات القبلية وستمرت لسنوات طويلة سقط فيها
العديد من الضحايا وخلفت الكثير من الدمار.
عنف قبلي
فقد صرح مسؤول محلي بأن اكثر من ثلاثة الاف شخص قد قتلوا في اعمال
عنف قبلية في منطقة بيبور الواقعة في ولاية جونقلي شرق البلاد. وقد ترك
عقدان من الحروب مع سلطات الخرطوم في الشمال، الجنوب الذي اصبح مستقلا
تحت اسم دولة جنوب السودان في خراب تام. فضلا عن ذلك فان الاسلحة تنتشر
بكثرة في هذه الدولة التي تشهد خلافات قبلية عميقة. "والتحدي الاكبر
هو بدون ادنى شك الامن" كما كتب جورجيو موسو البرفسور في جامعة جنوى
مؤخرا في مقالة، مضيفا "ان العديد من الاضطرابات الداخلية الاخيرة
مرتبطة بالتوترات الدائرة داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان/الجيش
الشعبي لتحرير السودان، الحزب الحاكم وقواته المسلحة، والتي تتورط فيها
نخب يفترض ان تسويها. بحسب فرانس بريس
وقد تغلب الجيش على عدة قادة متمردين بقتل بعضهم واقناع الاخرين
بالانضمام مع رجالهم الى صفوفه حتى وان بلغ قوامه مئة الف رجل وما زال
منقسما قبليا. وتتهم مجموعات متمردة عدة الحكومة بالفساد وتزوير
الانتخابات وضمان هيمنة قبائل الدينكا التي ينتمي اليها الرئيس سالفا
كير. وما زال الجنوب يتهم الخرطوم بتشجيع الحرب الاهلية من خلال تسليم
اسلحة الى هذه الميليشيات المتمردة الامر الذي نفاه الشمال على الدوم.
كذلك فان التوترات التاريخية بين المجموعات المتنازعة تفاقمت بسبب
الحرب فيما تزعزعت البنى التقليدية للمجتمع بشكل كبير بسبب شبيبة تسلحت
من اجل البقاء. ولفت الخبير في شؤون السودان جون اشوورث الى "ان شعب
جنوب السودان مصدوم ومتعود على استخدام العنف كوسيلة لتسوية خلافاته،
وسيمر وقت طويل قبل ان يغير موقفه".
واحد اكثر المشكلات حساسية هي في ولاية جونقلي حيث تسبب العنف الى
نزوح الاف الاشخاص و اعلنت السلطات المحلية حصيلة قاربت الثلاثة الاف
قتيل. واوضحت جان هنري من منظمة هيومن رايتس ووتش "ان العنف بين
القبائل الذي نراه ليس جديدا لكن الاحداث الاخيرة تشكل مرحلة بالغة
الخطورة". وتؤكد الامم المتحدة ان اعمال العنف القبلية هذه وعمليات
سرقة المواشي في جونقلي ادت الى سقوط اكثر من 1100 ضحية العام الماضي.
واعتبرت هنري ان "على الدولة ان تعمل بسرعة على تطبيق القانون في
المناطق الريفية".
ومنذ نهاية الحرب مع الشمال في كانون الثاني/يناير 2005 تتقدم
الامور لكن ببطء. والفساد الزاحف وضعف مستوى الموظفين زاد من صعوبات
الدولة التي يتوجب عليها مساعدة مئات الاف اللاجئين العائدين من الشمال.
ويرى هاشوورث ان هذه الدولة التي تملك ثروة زراعية ضخمة واحتياطات
كبيرة من المناجم ينتظرها "مستقبل هام" و"يرفض قطعا" وصفها ب"دولة
فاشلة". وقال انها "دولة فتية وحديثة تتطور ببطء وتنقصها الخبرة والبنى
التحتية لكنها انجزت خطوات كبيرة وما زالت تذهب قدما". واضاف "ان العنف
في جونقلي وغيرها امر مأساوي لكن يجب عدم المبالغة اذ ان العديد من
الاشخاص يعيشون في سلام معظم الوقت".
هجمات انتقامية
في سياق متصل وقال برانابا ماريا ل بنجامين المتحدث باسم الحكومة ان
57 شخصا على الاقل قتلوا في تجدد للاشتباكات عندما هاجم مقاتلو مورلي
ثلاث من قرى لو نوير في ريف ارور بشمال ولاية جونقلي. واضاف "الحكومة
لا تستطيع ان تسيطر على كل شيء. انها منطقة شاسعة .. قتل احد عشرة رجلا
والباقون نساء واطفال." وقال بنجامين ان المهاجمين اصابوا ايضا 53 شخصا
وسرقوا ماشية. واضاف ان الحكومة سترسل تعزيزات من الجيش والشرطة
للمنطقة في جونقلي المتاخمة لاثيوبيا. وأضاف "من المرجح ان هذه كانت
هجمات انتقامية." وهي أحدث محصلة للقتلى في أحداث عنف طائفي أدت الى
تشريد 60 ألف شخص. وتسعى الحكومة جاهدة الان لفرض سيطرتها على اراض
تحتاج الى التنمية تماثل مساحة فرنسا تقريبا.
وابتليت البلاد باشتباكات عرقية بشان الماشية والأراضي والنزاعات
الدموية لعقود لكن العنف تزايد وساعد على ذلك تدفق الاسلحة التي خلفتها
الحرب الاهلية وصراعات اخرى. واندلع القتال بين جماعتي (لو نوير) و/مورلي/
في مناطق نائية من ولاية جونقلي التي تضم كثيرا من الحقول النفطية غير
المستكشفة وتسيطر عليها شركة توتال الفرنسية. بحسب رويترز
وقالت منظمة (اطباء بلا حدود) للاغاثة انها اجلت 13 مصابا بطريق
الجو الى ولاية أعالي النيل المجاورة. وقالت المنظمة في بيان " ان خمس
نساء ورجلان اصيبوا بطلقات نارية والستة الاخرين كانوا اطفالا لا
تتجاوز اعمارهم الخمس سنوات وحالاتهم تتراوح بين ضرب واصابات بطلقات
نارية." وتقول مصادر من الامم المتحدة وأخرى حكومية ان العنف بدأ عندما
هاجم نحو 6000 من رجال لو نوير بلدة بيبور التي تتمركز فيها موري بشكل
رئيسي ومناطق سكنية أخرى في جنوب جونقلي مما لادى الى تشريد 60 ألف شخص
وسرقوا الاف الماشية. وبعد استمرار حملة لو نوير عدة ايام هاجم رجال
مورلي قريتين في ريف اكوبو بشمال جونقلي مما أدى لمقتل 24 شخصا على
الاقل حسب ما قالت الحكومة.
وقال حاكم جونقلي كول مانيانغ ان "بلدة جينغ جوك بمقاطعة اكوبو
الشمالية تعرضت لهجوم ادى الى مقتل 22 شخصا" واصابة 20 اخرين بجروح
خطرة نقلوا الى المستشفى. وتابع "كما وقع هجوم في قرية كايكوين في
اكوبو الغربية مما ادى الى مقتل امرأتين وسرقة ماشية". واعلنت حكومة
جنوب السودان ولاية جونقلي "منطقة كوارث"، فيما قالت الامم المتحدة
انها ستبدأ عملية "واسعة" لمساعدة نحو 60 الف شخص متاثرين بالعنف. بحسب
وكالة فرانس برس
الامم المتحدة
في السياق ذاته اعلنت هيلد جونسون الممثلة الخاصة للامم المتحدة في
جنوب السودان ان "لا ادلة" على وقوع مجازر في جنوب السودان اثر اندلاع
اعمال عنف بين قبائل في هذا البلد، لكنها تداركت ان ستين الف شخص
يحتاجون الى مساعدة عاجلة. وقالت جونسون بعدما زارت السبت مناطق احرق
فيها ثمانية الاف شاب مسلح منازل واجبروا سكانها على النزوح، انه تبين
ان لا اساس للمعلومات التي تحدثت عن مقتل اكثر من ثلاثة الاف شخص اثر
مهاجمة شبان مسلحين لمنطقة بيبور في ولاية جونقلي.
وكان جوشوا كونيي المفوض المسؤول عن بيبور البلدة الواقعة في ولاية
جونقلي قال "احصينا الجثث ووجدنا حتى الآن ان 2182 امرأة وطفلا و959
رجلا قتلوا". لكن هذه الحصيلة لم تؤكدها الامم المتحدة ولا جيش جنوب
السودان. بحسب وكالة فرانس برس
واعلن المنسق الانساني لجنوب السودان ليز غراندي ان "عشرات وربما
مئات" الاشخاص قد يكونون قتلوا خلال اعمال العنف هذه. ولا تزال حصيلة
القتلى غير واضحة، لكن جونسون اكدت ان جنود الامم المتحدة قاموا بحماية
المدنيين الذين يقيمون في اكبر مدينتين في الولاية، اي بيبور
وليكونقيلي. وشددت على ان "مهمتنا تقضي بحماية المدنيين وهذا ما قمنا
به". واوضحت ان نحو ستين الف شخص يحتاجون الى مساعدة عاجلة بعدما احرقت
منازلهم، مضيفة "هناك اناس من دون مأوى اثر احراق مساكنهم وسرقة
مواشيهم". وتابعت "لا بد من وقف دورة العنف هذه لتتيح المساعدة
الانسانية وضع حد لهذه الاعمال الثأرية المستمرة".
واعلن جنوب السودان جونقلي "منطقة (وطنية) منكوبة" فيما قالت الامم
المتحدة انها ستنفذ "عملية عاجلة واسعة النطاق" بهدف مساعدة من طاولتهم
اعمال العنف. وخلصت ممثلة المنظمة الدولية الى ان "هذه العملية العاجلة
ستكون من الاكثر تعقيدا وكلفة" بالنسبة الى الامم المتحدة منذ انتهاء
الحرب الاهلية في السودان العام 2005.
اول عقد نفطي
من جهة أخرى أعلن وزير النفط والمناجم في جنوب السودان ان جنوب
السودان ابرم اول عقد نفطي مع الخارج منذ استقلاله في تموز/يوليو، عبر
توقيع اتفاقات مع شركات صينية وهندية وماليزية. وقال ستيفن ديو داو "اليوم
اكدنا لشركائنا اننا نلتزم العمل معا لتعزيز مصالحنا عبر استثمار النفط".
وتشكل العائدات النفطية 98 بالمئة من ميزانية الدولة الافريقية
الفتية التي انفصلت عن الشمال بعد عقود من الحرب الاهلية. وقد سيطرت
على 75 بالمئة من الانتاج النفطي السوداني. ويختلف السودان وجنوب
السودان حول تقاسم عائدات النفط، علما ان حقول انتاج النفط تتركز في
دولة الجنوب في حين تتواجد مراكز المعالجات وانابيب التصدير والموانئ
والمصافي في الشمال. بحسب وكالة فرانس برس
ويتفاوض الجانبان حول الامر بوساطة الاتحاد الافريقي، لكن جولة
مفاوضاتهما الاخيرة التي جرت في العاصمة الاثيوبية اديس ابابا في تشرين
الثاني/نوفمبر الماضي فشلت.
واعلن بعدها السودان انه "سيأخذ حقوقه من رسوم استخدام منشآته
النفطية عينا وحدد ذلك ب23% من اجمالي النفط المصدر عبر الاراضي
السودانية".
اتهامات متبادلة
في السياق ذاته اتهم جنوب السودان الخرطوم بتعطيل تصدير 3.4 مليون
برميل من النفط الخام وتحويل نحو نصف مليون برميل الى مصافيها وبناء خط
أنابيب لمواصلة تحويل مسار نفطه. وقال وزير البترول والتعدين في جنوب
السودان ستيفن ديو داو ان السودان حول مسار حصص بلاده من خام مزيج
النيل لشهر ديسمبر كانون الاول الى مصفاتي الابيض والخرطوم. واضاف "اي
تحويل لمسار نفط (جنوب السودان) دون موافقته ليس إلا سرقة ومنع مغادرة
الخام للميناء غير قانوني وانتهاك للقوانين والمباديء الدولة."
وقال ديو داو ان الخرطوم باعت أكثر من نصف مليون برميل من نفط جنوب
السودان لمشتر سوداني لم يتم الكشف عنه وبدأ في بناء خط انابيب سينقل
بشكل دائم 13 في المئة من خام دار الجنوبي الى مصاف في الخرطوم. واتهم
ديو داو الخرطوم بمنع ناقلتين تحملان 1.6 مليون برميل من نفط بلاده من
مغادرة بورسودان وثالثة من تحميل 600 ألف برميل وأخريان من دخول
الميناء لنقل 1.2 مليون برميل. وقال ان الشركات التي تشتري الخام من
السودان في الوقت الذي يتعرض فيه نفط الجنوب للسرقة "لن تقوم بأعمال
أخرى مع حكومة جنوب السودان". واضاف "يذكر جنوب السودان الخرطوم مرة
أخرى بأن المليون وستمائة ألف برميل من مزيج دار المحملة حاليا في
ناقلتين لم تعد ملكا لجنوب السودان." بحسب رويترز.
وقال الرئيس السوداني عمر حسن البشير ان الخرطوم ستفرض رسوما على
جوبا الى أن يتم التوصل الى اتفاق بشأن رسوم المرور دون ان يدلي
بتفاصيل. وزاد توتر العلاقات بين البلدين في نوفمبر تشرين الثاني عندما
اتهم جنوب السودان الخرطوم بمنع تصدير 1.6 مليون برميل مؤقتا في
بورسودان. وهدد السودان باستقطاع 23 في المائة من صادرات نفط جنوب
السودان كمدفوعات عينية الى أن يتم التوصل الى اتفاق نهائي.
اول سفير لإسرائيل
من جهة أخرى فقد اختارت وزارة الخارجية الاسرائيلية الدبلوماسي
حاييم كورين ليكون اول سفير لاسرائيل في دولة جنوب السودان. وقال
المتحدث باسم الوزارة يغال بالمور ان حاييم كورين الذي يتحدث العربية
ويتقن عدة لهجات سودانية سيكون سفيرا متنقلا، مقره في القدس. وقام رئيس
جنوب السودان سالفا كير في 20 كانون الاول/ديسمبر بزيارة قصيرة الى
اسرائيل بعيدا عن الاضواء.
واعلن وزير الخارجية الاسرائيلي افيغدور ليبرمان في 28 تموز/يوليو
الماضي عن اقامة علاقات دبلوماسية بين اسرائيل وجمهورية جنوب السودان
التي استقلت في التاسع من تموز/يوليو. ولا تقيم الدولة العبرية علاقات
مع السودان الذي تتهمه بانه يشكل قاعدة للمتطرفين الاسلاميين.
في المقابل قدمت اسرائيل الدعم للمتمردين الجنوبيين ومعظمهم من
المسيحيين والارواحيين في معركتهم ضد الحكومة السودانية في الشمال.
واعترفت الحكومة الاسرائيلية رسميا بدولة جنوب السودان في 10
تموز/يوليو الماضي. |