
شبكة النبأ: دخل الرئيس الامريكي
باراك أوباما البيت الابيض عام 2009 حاملا غصن الزيتون لايران عاقدا
العزم على أن يظهر للعالم أن واشنطن لن تلعب دور الشرير في العلاقات
التي شابتها مرارة على مدى ثلاثة عقود.
اختار أوباما كلماته بعناية حين تعامل مع ايران في السر والعلن
وشملت هذه الاتصالات خطابات سرية للزعيم الاعلى الايراني آية الله علي
خامنئي. وأكد الرئيس الجديد أنه يريد "بداية جديدة" مع دولة تطلق على
الولايات المتحدة لقب "الشيطان الاعظم" ووصفها سلفه الرئيس جورج بوش
بأنها جزء من "محور الشر" الذي ضم في ذلك الوقت ايران والعراق وكوريا
الشمالية.
وقال مساعدون لاوباما انه حاول بذل جهد اضافي للتعامل مع ايران بحيث
اذا فشلت المقامرة لا يستطيع الحلفاء والاعداء على حد سواء أن يقولوا
ان الولايات المتحدة هي "الشريرة" بل على العكس سينضمون لجهود الضغط
على طهران.
بعد ذلك بثلاثة أعوام تصاعد التوتر بشأن برنامج ايران النووي الى
أعلى مستوياته منذ سنوات. وتهدد طهران باغلاق مضيق هرمز وتزايدت فيما
يبدو احتمالات الحسابات الخاطئة التي يمكن أن تؤدي الى مواجهة عسكرية
وأزمة نفط عالمية. وأتاحت الدبلوماسية الفرصة لأساليب اكثر قسوة فحاول
أوباما وحلفاؤه الاوروبيون عزل الجمهورية الاسلامية بأقسى عقوبات تفرض
عليها على الاطلاق.
وتكشف مقابلات مع مسؤولين أمريكيين عن استراتيجية تعتمد على
المتابعة وانتظار تطور الاحداث والاعتقاد بأن تأثير الغرب على ايران
ربما يزيد اذا اكتوت طهران بنار العقوبات وتأثرت بالاضطرابات التي
تجتاح الشرق الاوسط. بحسب رويترز.
وتكهن مسؤول بأن تسقط حكومة الرئيس السوري بشار الاسد أحد الحلفاء
الرئيسيين لايران في نهاية المطاف مما سيزيد من مخاوف الزعماء
الايرانيين. وقال بن رودز نائب مستشار الامن القومي بالبيت الابيض
"تقييمنا أن نظام الاسد لن يصمد.
"سقوط نظام الاسد سيؤثر كثيرا على وضع ايران الاستراتيجي في العالم
والمنطقة. اجتماع هذه العقوبات مع سقوط نظام الاسد يمثل درجة من الضغط
لم تتعرض لها الحكومة الايرانية من قبل قط."
ويؤكد البيت الابيض أن الولايات المتحدة لا تنتهج استراتيجية تسعى
الى "تغيير النظام." وقال رودز "بالطبع لا. سياسة الولايات المتحدة هي
تغيير سلوك ايران من خلال عقوباتنا ومن خلال العزل وليس تغيير النظام
الايراني."
ويقول مساعدون ان أوباما لايزال مستعدا لبدء محادثات مع ايران. لكن
بعد سنوات من خيبة الامل ومع اقتراب انتخابات الرئاسة الامريكية علاوة
على ضغوط الكونجرس وحلفاء مثل اسرائيل على الرئيس الامريكي لاتخاذ موقف
حازم يقول مسؤولون ودبلوماسيون أوروبيون ان واشنطن ترى أن الخطوة
التالية متروكة لايران.
ووصل أوباما الى هذه المرحلة بعد عروض بالسلام رفضتها ايران
واحتجاجات شعبية في شوارع طهران قابلتها السلطات بالقمع علاوة على تبدد
الآمال في التوصل الى حل للازمة النووية الايرانية.
في مستهل عام 2012 الذي يشهد انتخابات الرئاسة الامريكية يتصدر مسعى
ايران المشتبه به لحيازة قنبلة نووية أولويات السياسة الخارجية
لاوباما. بدأ أوباما بالتواصل الذي شارك فيه مباشرا وهو أمر غير معتاد.
في بدايات ولايته الرئاسية بعث الرئيس الامريكي برسالة شخصية الى
الزعيم الاعلى الايراني صاحب القول الفصل في شؤون بلاده ليظهر جديته في
مد يده لطهران. وقال مسؤول أمريكي "رسالة من الرئيس كانت أوضح اشارة في
استطاعتنا الى نوايانا." ولا توجد علاقات دبلوماسية رسمية بين الولايات
المتحدة وايران.
وقال مسؤولون ان أوباما شارك في كتابة الرسالة التي وضعت في
الاعتبار الخلافات على صعيد القضية النووية وغيرها من القضايا وأوضح أن
هناك مسارين وعبر عن رغبة في علاقة مختلفة. وكان هذا اختبارا لمعرفة ما
اذا كان يمكن بدء حوار جاد.
وفي رسالة لم يسبق لها مثيل في مارس اذار 2009 بمناسبة العام
الفارسي الجديد لشعب وقادة ايران أشار أوباما مرارا الى "الجمهورية
الاسلامية الايرانية." وكان هذا اعترافا بالاسم الرسمي للبلاد واشارة
الى أن "تغيير النظام" ليس سياسة الولايات المتحدة.
وقال رودز ان النية كانت اظهار "رئيس أمريكي لا يلعب دور الشرير في
السياسة الايرانية. "حين يكون لديك رئيس أمريكي لا يلعب هذا الدور
ويقول ان التاريخ بين البلدين كان صعبا ويدعو الى التطلع الى الامام
يفقد النظام (الايراني) واحدة من أقوى أدواته الدعائية."
لكن رد خامنئي على رسالة أوباما في عام 2009 لم يحتو على ما يشجع
الادارة الامريكية لتتحرك بناء عليه. وأرسلت رسالة ثانية الى خامنئي
مرتبطة بهذا الرد.
وفي أواخر 2009 بدأت سياسة أوباما تتغير. في سبتمبر ايلول خرج على
العالم في قمة مجموعة العشرين في بيتسبرج يحيطه زعيما بريطانيا وفرنسا
ليكشف عن أن ايران تبني محطة سرية للوقود النووي تحت الارض قرب مدينة
قم. في الليلة السابقة حرص أوباما على ان يطلع مساعدوه المسؤولين
الصينيين والروس على أمر المنشأة لانهم لم يعلموا بأمرها.
في اكتوبر تشرين الاول وخلال محادثات مباشرة في جنيف عرضت الولايات
المتحدة وحلفاؤها امداد ايران بالوقود النووي لاستخدامه في مفاعل نووي
مدني بطهران. في المقابل ترسل ايران اليورانيوم المخصب الى خارج البلاد
لمعالجته بحيث يصبح غير صالح للاستخدام في صنع سلاح نووي محتمل.
لم تتحمس ايران كثيرا للعرض. وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير حين
أعلنت ايران في فبراير شباط 2010 أنها ستبدأ تخصيب اليورانيوم لدرجة
نقاء 20 في المئة. وقال مسؤول ان بحلول نهاية 2009 "كنا انتقلنا تماما
الى فكرة السعي لاستصدار قرار من مجلس الامن التابع للامم المتحدة."
ويؤكد منتقدو أوباما وخصومه السياسيون أن محاولته في البداية
للتواصل كانت خطرة وساذجة. ويختلف مساعدون حاليون وسابقون للرئيس
الامريكي مع وجهة النظرة هذه تماما. وقال دينيس روس الذي كان اكبر
مستشاري البيت الابيض لسياسة الشرق الاوسط حتى الشهر الماضي "لم يكن
هناك اي وهم او سذاجة بشأن طبيعة النظام. لم يكن هناك اي افتراض بأننا
سنواصل هذا بغض النظر عن سلوكهم." وأضاف "كان الافتراض دوما هو أن هذا
سيسهل علينا حشد التأييد لضغط حقيقي عليهم لو كانوا غير مستعدين
للتجاوب."
كما انتقد أوباما أيضا على اعتبار أنه يفوت فرصة ذهبية حين اندلعت
اكبر احتجاجات تشهدها الجمهورية الاسلامية في تاريخها بعد انتخابات
الرئاسة الايرانية في يونيو حزيران 2009 والتي ثارت نزاعات حول
نتائجها.
في نهاية المطاف أخمدت الاحتجاجات باستخدام العنف وأخذ هذا الولايات
المتحدة فيما يبدو على حين غرة. لكن مساعدين دافعوا عن رد الفعل
الامريكي الهاديء. وقال جيم ستاينبرج نائب وزير الخارجية سابقا "كنا
نعلم أن التأييد الواضح يمكن أن يضر بالمعارضة الايرانية نوعا ما...
خاصة حين بدا أن لديها الفرصة لتهيمن لم نرد ان نقوضها ونعزز قبضة
المتشددين."
واستمرت التوترات بين الولايات المتحدة وايران في التصاعد وجاءت
سلسلة من الاحداث لتظهر للعالم الخارجي وكأن "حربا ناعمة" غير معلنة
تدور.
واتهمت الولايات المتحدة قوة القدس الايرانية بالضلوع في مخطط
لاغتيال السفير السعودي في واشنطن. وهاجم فيروس ستاكس نت للكمبيوتر
اجهزة الطرد المركزي في محطة نطنز للتخصيب. واتهمت ايران اسرائيل
والولايات المتحدة.
وفي العام الماضي فقدت واشنطن طائرة بدون طيار في ايران مما أماط
اللثام عن برنامج قوي للمراقبة. وحدثت انفجارات غامضة في مخزن للصواريخ
الايرانية وقتل أربعة علماء نوويين ايرانيين أحدثهم قتل يوم الاربعاء
الماضي.
وقال مسؤول أمريكي "لم تكن لنا اي علاقة بمقتل أي من هؤلاء العلماء
او مخزن الصواريخ. الاشياء التي تنفجر في ايران لا علاقة لها بالولايات
المتحدة." وردت ايران على هذه الاحداث وعلى العقوبات الاقتصادية التي
تم تشديدها وكأنها واقعة تحت حصار. وهددت باغلاق مضيق هرمز وهو ممر
رئيسي لشحن النفط.
وقال جون ليمبرت استاذ دراسات الشرق الاوسط بالاكاديمية البحرية
الامريكية "يشعرون بأنهم تحت تهديد في الداخل. يتحدثون عن اطاحة ناعمة
والحرب السرية التي تشن ضدهم." وقلل مسؤولون أمريكيون من احتمال ان
تنفذ ايران تهديداتها.
وقال مسؤول أمريكي طلب عدم نشر اسمه ان ايران هددت باغلاق المضيق من
قبل وأضاف أن هذا يحدث عادة حين يشعر قادتها بضغط دولي. وأضاف "أشك في
رغبة الزعماء الايرانيين في حرب شاملة لكنهم سيواصلون اثارة الشعور
العام والمبالغة بأساليب يعتقدون أنها تدفع مصالحهم الوطنية الى
الامام."
ويقول مسؤولون ان أوباما لايزال مستعدا لمبادرة ايرانية للتفاوض
الجاد بشأن برنامج طهران النووي. ويشيرون الى أن هذا هو الهدف النهائي
لاستراتيجية الضغط. يقول تومي فيتور المتحدث باسم مجلس الامن القومي
للبيت الابيض "لدينا عدد من الاساليب لتوصيل وجهات نظرنا للحكومة
الايرانية وقد استخدمنا تلك الاليات بشكل متكرر في العديد من القضايا
على مدى السنوات." واستطرد قائلا "لكن اي رسالة أوصلناها للحكومة
الايرانية هي نفس ما نعلنه على الملا."
وفي الوقت الحالي يركز أوباما على عقوبات جديدة تستهدف البنك
المركزي الايراني ومبيعات النفط. وقال رودز "نرى بالفعل... أثرا كبيرا
على الاقتصاد الايراني والعملة الايرانية." وأضاف "الخطوة التالية
بالنسبة لنا هي التأكد خلال هذا من وجود مساحة باستمرار لتسلك الحكومة
الايرانية طريقا مختلفا بدلا من اعتبار ضغوطنا هدفا في حد ذاتها."
وبعد اعلان ايران بدء التخصيب في موقع تحت الارض قرب قم وفي ظل عدم
استبعاد اسرائيل احتمال شن هجوم منفرد على المواقع النووية الايرانية
ربما يكون الوقت المتاح قليلا.
وتقول أجهزة مخابرات أمريكية انه لا توجد أدلة على اتخاذ ايران
قرارا بالمضي في انتاج سلاح نووي.
لكن خبراء يشيرون الى أنها تتخذ خطوات للقيام بالعمل التحضيري حتى
تستطيع التحرك بسرعة اذا اتخذت القرار. ويقول ديفيد أولبرايت رئيس معهد
العلوم والامن الدولي انه اذا قررت ايران المضي قدما فانها تحتاج الى
عام تقريبا حتى تمتلك سلاحا نوويا واضاف "مازالوا لا يعرفون كيفية
التقدم دون أن يكتشف أمرهم." |