الدور المستقبلي لمكتبة الإسكندرية

د. إسماعيل سراج الدين

إن البحث عن المستقبل واستشرافه هو هدف رئيسي من أهداف مكتبة الإسكندرية منذ إنشائها، ونعتمد في تنفيذ ذلك على خطة طموحة من أجل التطلع لهذا المستقبل من خلال عدة محاور، ليس هذا فقط بل قمنا خلال عام 2010 بتأسيس وحدة للدراسات المستقبلية، تكون بمثابة حضانة للأفكار، تسعى للأفكار الخلاقة والجديدة، خاصة أن نمط الدراسات المستقبلية تطور في العالم خلال السنوات الماضية لدرجة معقدة دخل فيها بقوة علوم مثل الرياضيات والفلسفة وغيرها من العلوم، بل أصبحت هذه الدراسات جزء رئيسيا تعتمد عليه المجتمعات في رسم صورتها المستقبلية.

ومكتبة الإسكندرية تعمل من أجل تنفيذ هذا الهدف على خمسة محاور أساسية وهى: المحلى، القومي، العربي، الأورومتوسطي، ثم العالمي، ولأن مكتبة الإسكندرية مؤسسة ذات طبيعة خاصة ومنوط بها أدوار عديدة فقد استطعت مع فريق العمل الذى يتمتع بروح الشباب أن نحقق العديد من الطموحات تجاه هذه المحاور الخمس، وما زال لدينا آمال وطموحات أن نحقق المزيد خلال الفترة المقبلة، خاصة في ظل الروح الجديدة التي بثتها ثورة 25 يناير.

لقد ضاقت مساحة المكتبة وقاعاتها بكم الأنشطة والجمهور المصاحب لها، مما جعلنا نفكر في خطط جديدة للتوسع ومنها إنشاء مبنى إداري للمكتبة بمنطقة أبيس بالإسكندرية كي يستوعب العديد من الأنشطة التي تهدف خدمة جمهور إسكندرية والمحافظات المجاورة، كما بدأنا نشاطا ثقافيا وفكريا في بيت السنارى بالقاهرة والذى تم إسناد الإشراف عليه للمكتبة من خلال وزارة الثقافة، ليكون هذا المكان الأثري الرائع قبلة للمثقفين والمفكرين ليس هذا فقط بل تنوى المكتبة إنشاء مكتبة للرسائل العلمية بمدينة برج العرب غرب الإسكندرية هذه المنطقة التي تفتقر لخدمات البحث العلمي للطلاب والباحثين، وغيرها من المشروعات التوسعية التي ما زالت في الأفق.

كما أن أداء مكتبة الإسكندرية شجعني على أن أخوض بقوة في العديد من المشاريع الجديدة التي سوف تكون نقلة بكل المقاييس للمجتمع المصري والعربي، ومنها على سبيل المثال مشروع "مدينة العلوم" والمزمع تنفيذه على مساحة 126 ألف متر مربع في المنطقة بين القاهرة والصحراء الغربية داخل حدود محافظة 6 أكتوبر وهو مشروع وطني بالدرجة الأولى تم نقل مسئولية تنفيذه من وزارة التعليم العالي إلى مكتبة الإسكندرية منذ عام 2009، وهى ثقة كبيرة أن يتم إسناد هذا المشروع للمكتبة وقد اتفقت مع مجلس الأمناء على ضرورة القيام بالمزيد من الدراسة نظرا لكونه أكبر مشروع مستقبلي للمكتبة، نظرا لأهميته في تعزيز العلوم في مصر بما يضمن مستقبل أفضل للبلاد، ومن المنتظر أن يتم الانتهاء من الرسومات الهندسية للمشروع في خضون 18 شهر.

لقد استطاعت المكتبة خلال الفترة الماضية أن تقفز قفزات واسعة في مجال المقتنيات والفهرسة وأن تقدم للباحثين 60 ألف دورية إلكترونية و90 ألف كتاب إلكتروني، من خلال اشتراكات المكتبة في 41 قاعدة بيانات متخصصة؛ تحوي 53 ألف و892 دورية إلكترونية و63 ألف و780 كتاب إلكتروني، كما بلغ عدد مستخدمي المصادر الالكترونية التي توفرها المكتبة الرئيسية 24 ألف و303 مستخدم، والتي تضم مجموعات ثرية ومتنوعة من المقالات العلمية، وفصول الكتب، والأبحاث المقدمة في المؤتمرات، والرسائل الجامعية، والبيانات الإحصائية. وتوفر المكتبة، إلى جانب المجموعة السابقة المتاحة عبر قواعد البيانات المتخصصة، 180 ألف كتاب إلكتروني من خلال مستودع الأصول الرقمية DAR، http://dar.bibalex.org/، كانت قد رقمنته المكتبة من مقتنياتها المطبوعة.

ومؤخرا افتتحنا "مكتبة الخرائط" وهى أحدث خدمة يقدمها قطاع المكتبات لتلبية حاجات ومتطلبات القراء ورواد المكتبة من الباحثين، وذلك تماشيًا مع دور مكتبة الإسكندرية كهيئة داعمة للبحث العلمي في مصر، وتحقيقًا لأهدافها في أن تكون نافذة مصر على العالم ونافذة العالم على مصر، وهى تضع تحت تصرف القراء كم معرفي هائل من الخرائط التي يبلغ عددها حوالي 7000 خريطة تجمع بين المجموعات الحديثة والخرائط التاريخية، وأكثر من 500 أطلس، بالإضافة إلى 11 كرة أرضية سياسية، ومناخية، وطبيعية، ومنها ما يوضح توزيع المعادن والأحجار الكريمة، وغيرها. ومن بين أهم مقتنيات مكتبة الخرائط نسخة طبق الأصل نادرة من خريطة "صورة الأرض للشريف الإدريسي"، وكذلك نسخة طبق الأصل للخريطة المعروفة باسم "خريطة مخطوطة للخليج العربي وبلاد ما بين النهرين" ويعود أصل هذه الخريطة إلى القرن السابع عشر.

كما استحدث قطاع المكتبات في الفترة الأخيرة مجموعة من الخدمات التقنية والبرامج التعليمية المتميزة من أجل خدمة الباحثين والقراء من كافة الأعمار، وتسهيل البحث والوصول إلى كافة أوعية المعرفة، واستطعنا تحقيق عددًا كبيرًا من الإنجازات في الشهور الستة الأخيرة في مجال الخدمات المكتبية التي تقدم لرواد المكتبة ومستخدمي مواردها بصفة مباشرة أو غير مباشرة وذلك من خلال الخدمات التكنولوجية المتطورة وخدمات معلومات المكتبة الرئيسية والمكتبات المتخصصة بمكتبة الإسكندرية، ومنها: مكتبة الفنون والوسائط المتعددة والمواد السمعية والبصرية، ومكتبة طه حسين للمكفوفين، ومكتبة الطفل، ومكتبة النشء.

كما أن معظم الأنشطة تركز في الوقت الحالي على المجتمع الأكاديمي في مدينة الإسكندرية، حيث أن القطاع قدم في الفترة الأخيرة للطلبة والباحثين وأعضاء هيئات التدريس بالعديد من كليات جامعة الإسكندرية وجامعة دمنهور وجامعة فاروس دورات تدريبية متعددة بمقار تلك الكليات حول مصادر المعلومات المتخصصة والخدمات المكتبية التي توفرها مكتبة الإسكندرية في مجالات تخصص تلك الكليات، مع دعم هذه الدورات التدريبية بتقديم جولات متخصصة داخل المكتبة للتعرف على تلك المقتنيات والخدمات على الطبيعة داخل المكتبة، وقد شمل هذا البرنامج التعريفي العديد من كليات هاتين الجامعتين، ومنها كليات طب الأسنان والهندسة والصيدلة والسياحة وإدارة الأعمال والآداب والحقوق.

كما قام القطاع بتقديم جلسات تعريفية بالخدمات المكتبية لطلاب معهد إعداد الدعاة بالإسكندرية، حيث تم التعريف بموارد المكتبة المتخصصة في الدراسات الإسلامية. وقد بلغ عدد المستفيدين من هذه الخدمات، أكثر من 1700 شخص من طلاب الدراسات العليا والطلاب النظاميين وكذا أعضاء هيئات التدريس بتلك الجهات الأكاديمية، ليس هذا فقط بل نعتزم توسيع نشاط هذا القطاع التعليمي للوصول إلى جمهور أكبر ليشمل المجتمعات الأكاديمية وغير الأكاديمية في الإسكندرية وباقي محافظات الجمهورية.

وأخيراً قمنا بتأسيس صندوق منح دراسية لتدريب المكتبيين باسم الدكتورة سهير وسطاوي؛ الرئيس السابق لقطاع المكتبات، وذلك تكريما لها بمناسبة انتهاء فترة عملها بمكتبة الإسكندرية، ويقدم هذا الصندوق الذى أسهمت الدكتورة وسطاوى فيه بمبلغ 5 آلاف جنيه، منح دراسية سنوية بلغت قيمته 15 ألف جنيه، ويهدف إلى تدريب المكتبيين المتميزين بالخارج على أحدث الوسائل التكنولوجية وأحدث الطرق العلمية في مجال المكتبات.

ونحن على أبواب إنجاز جديد حيث يتم الآن الإعداد لإصدار الطبعة الأولى من دليل مكتبة الإسكندرية للكتابة العلمية والببليوجرافية BA Manual of Style، والذي أعده قطاع المكتبات بثلاث لغات هي العربية والإنجليزية والفرنسية، ويعد الدليل الأول من نوعه الذي يتم إصداره في العالم العربي.

لقد ولدت مكتبة الإسكندرية شابة بشبابها الذين يبلغ متوسط أعمارهم 29 عامًا، والذين حملوا عبء ومسئولية وضع المكتبة على خارطة المكتبات الدولية، وأدركوا منذ اللحظة الأولى أنهم في منافسة شرسة، تحملوا كافة مشاقها وكانوا عند حسن الظن؛ إذ تفوقوا على أقرانهم في الدول الأخرى، وما زال لديهم الجديد ليقدموه خلال السنوات القادمة.

* مدير مكتبة الإسكندرية

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 19/كانون الثاني/2012 - 25صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م