فتاوى الربيع العربي... أئمة ودعاة من وحي السياسة

 

شبكة النبأ: تزامنا مع الاضطرابات التي تشهدها بعض البلدان العربية، نتج عنها نوع جديد من الأسواق إلا وهو سوق الفتاوى، إذ أصبح سلاح الإسلاميين والسياسيين في الربيع العربي، فقد أدى الى انقسام رجال الدين في موقفهم من الثورات الشعبية، بين مؤيد للمحتجين وداعم لهم وبين معارض لهم ومؤيد للأنظمة الديكتاتورية، وتجلى ذلك من خلال فتاويهم.

فقد انتشرت في مصر عدة فتاوي تحث على المشاركة في الانتخابات واحترام الغير كفتوى التعددية السياسية التي لاقت قبولا شديدا، وفتوى تحريم عدم المشاركة في الانتخابات وشدد مفتي مصر في فتواهم على ضرورة المشاركة الانتخابية والامتناع عن التظاهر والتخريب، على عكس ما صرح به أحد علماء السلفية أن من خرج إلي المظاهرات آثم شرعا، وفي اليمن فقد أصدر رجال دين فتوى يحرمون من خلالها التظاهر والخروج على ولي الأمر بالقول أو بالفعل وتحريم التظاهر في الشوارع العامة، ولعل السعودية كانت أكثر البلدان جدلاً حول أصدر فتاوى تحرم الاحتجاجات، بحكم أنها بلد إسلامي ويطبق الشريعة الإسلامية، حيث قال المختصون بهذا الشأن إن التظاهرات لا تتعارض مع الإسلام، فالشرفاء يجب أن يتظاهروا لأن الوقت قد حان لذلك، والالتماسات لم تحقق أي تقدم، لأن الفتوى تأتي في غير مصلحة رجال الدين، فقد فقدوا العديد من المؤيدين بإصدارهم هذه الفتوى بسبب تجير السلطة لصالحهم.

إذ إن الفتاوى السياسية بدأت بالانتشار مع: حرب الخليج عام 1991 وانتقلت الظاهرة من الخليج إلى مصر والشام ومنطقة المغرب العربي.

وخلاصة القول أن غالبية الفتاوى خلال الربيع العربي اتسمت بالصبغة السياسية، علما بأن هذه الفتاوى من أهم الفتاوى التي تضاربت فيها الآراء بين موافق عليها ورافض لها، هذا إلى جانب مجموعة من الفتاوى التي تمس حياة المسلم.

فتاوى الانتخابات المصرية

فقد أثارة فتاوى دينية ترتبط بالانتخابات البرلمانية في مصر الكثير من الجدل حول توظيف الدين لصالح تيار سياسي على حساب تيار آخر، ومع ظهور طبقة سياسية كبيرة من أصحاب التيار الليبرالي في مصر وغيرها من الدول تعمق الخلاف بين تيارات دينية وهذا التيار، وباتت كلمة ليبرالي  تحمل بمعان ربما تثير توجسا ومخاوف لدى الناخبين .

فيما أفتى الداعية السلفي الشيخ محمود عامر، الذي ينتمي الى جمعية انصار السنة المحمدية، بتحريم التصويت في الانتخابات للمرشح المسلم الذي لا يصلي، والمسيحي، والعلماني، والليبرالي، الذين لم تتضمن برامجهم تطبيق الشريعة الإسلامية. وقال انه يهدف من فتواه الى منع حصول المرشح، الذي لا يتبنى المشروع الاسلامي او يسعى لفصل الدين عن الدولة، على اصوات الناخبين. بحسب البي بي سي.

كما افتى الشيخ عمر سطوحي، الأمين العام للجنة العليا للدعوة الإسلامية في الأزهر، بحرمة التصويت لكل من كان عضوا في الحزب الوطني المنحل في الانتخابات المقبلة، وحذر احد اعضاء الهيئة الشرعية للحقوق والاصلاح، وهو الدكتور هشام عقدة، من التنافس بين المرشحين الاسلاميين امام المرشحين الليبراليين والعلمانيين الذين قال انهم "لا يريدون تطبيق النموذج الاسلامي على امتنا"، موضحا انه "لايجوز ان نضعف المرشح الاسلامي، غير ان هناك من علماء الدين من رفض تسييس الفتاوى، ومن بينهم عبد المعطي بيومي، عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، الذي حذر من استخدام الفتاوى لاغراض سياسية.

الأمر بالمعروف

في سياق متصل رفض وزير الأوقاف المصري، محمد عبد الفضيل القوصي، فكرة "فرض الأمر بالمعروف أو النهى عن المنكر" على المواطنين بالقوة، معتبرا أن ذلك يشكل "سلوكا غير مقبول ولا يقبله الدين الإسلامي،" في أحدث رد فعل على موضوع تأسيس صفحة على موقع "فيسبوك" للإعلان عن إطلاق هيئة لتولي فرض "الأمر بالمعروف" في البلاد.

وأوضح القوصي أن الشعب المصري بطبيعته "يرفض مبدأ فرض الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر بالقوة أو الجبر سواء على المسلمين أو غيرهم،" مؤكدا أن القدوة الحسنة والدعوة بالحسنى والحكمة هي روح الدين الإسلامي الحنيف، وأكد القوصي استعداد الوزارة من خلال علمائها والدعاة المتواجدين في كل المحافظات "للتصدي إلى أي فكر غير مقبول دينيا، وذلك بالحسنى والعقل والأدلة والبراهين من القرآن والسنة ومن خلال فتح الحوار العقلاني مع الجميع من أي تيار إسلامي للعمل جميعا من أجل استقرار وأمن المجتمع، وكانت صفحة تحمل اسم "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مصر" قد ظهرت على موقع "فيسبوك" مؤخراً، ما أدى إلى الكثير من الجدل حول إمكانية بدء الهيئة العمل على الأرض، خاصة في ظل الفوز العريض الذي حققته أحزاب إسلامية في المراحل الماضية من الانتخابات، وقد اتهمت تقارير صحفية حزب "النور" الذي يمثل التيار السلفي بالوقوف خلف الصفحة، ولكن يسري حماد، المتحدث الرسمي وعضو الهيئة العليا باسم الحزب، اعتبر أن الصفحة "من الدعاية المضادة للحزب، وقال حماد، في تصريح نقله الموقع الرسمي للحزب: "الصفحة المنتشرة على موقع فيسبوك باسم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي يزعم مؤسسوها أنها تابعة لحزب النور، الحزب لا يعلم عنها شيئا، ولا عمن قام بإنشائها ونرى أنها من الدعاية المضادة للحزب قبل بدء المرحلة الثالثة للانتخابات البرلمانية. بحسب السي ان ان .

وتابع حماد بالقول: "ننوه أن هذه الفكرة ليست من آرائنا، ولا من آراء أبناء حزب النور، حيث إن منهج التغيير الذي نؤمن به يعتمد على الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ؛ لتوضيح الشبهات حتى يتجنبها الفرد المسلم مع ترك حرية الاختيار بعد ذلك لأبناء الأمة. وقد أدى الفوز المتوقع للقوى الإسلامية إلى تزايد التقارير حول إمكانية تأثر الحريات الدينية والنشاطات السياحية في مصر، وإن كانت تلك القوى قد سعت مراراً لطمأنة سائر التيارات المصرية حيال نواياها بالفترة المقبلة.

مائدة الطعام في ليبيا

على صعيد ذو صلة منعت فتوى دينية أصدرها رئيس المجلس الليبي الأعلى للافتاء الشيخ الصادق الغرياني، من إقامة مائدة طعام في العاصمة الليبية طرابلس كان من المتوقع أن تمتد على 11 كيلومترا، وذلك بالتزامن مع الذكرى الستين لاستقلال ليبيا في الرابع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر في العام 1951، وكان تجمع ثوار طرابلس وإتحاد شباب ليبيا يعتزمان إعداد هذه المائدة التي أطلق عليها اسم "مائدة لم شمل الليبيين"، من ميناء المدينة القديمة في وسط طرابلس بجانب السرايا الحمراء في ساحة الشهداء وصولا إلى مطار معيتيقة بالقرب من مدينة تاجوراء، وأفتى الغرياني بعدم جواز إقامة مثل هذه المائدة إسلاميا لكونها تتسم "بالتبذير المنهى عنه شرعيا"، الأمر الذي أصاب المنظمين بخيبة أمل بما أنهم كانوا قد اتصلوا بمؤسسة غينيس للأرقام القياسية العالمية بهدف تسجيل هذه المائدة في موسوعتها، وقال أحد منظمي المائدة كنا نود تسجيل هذه المائدة الاجتماعية والإنسانية في الموسوعة العالمية، بالإضافة إلى أنها تعتبر خطوة أولى للمصالحة الوطنية، وأشار المصدر الذي فضل عدم الإفصاح عن هويته إلى أن منظمي "مائدة لم الشمل" كانوا ينوون جمع 22 ألف مواطن ليبي من مختلف المدن والمناطق على طاولة واحدة يبلغ طولها 11 كليو مترا، فتشكل بذلك نواة أو بادرة للمصالحة الوطنية التي ينشدها الليبيون، ولفت إلى هذه المائدة كانت ستنفذ مرتكزة على ما يقدمه أهالي مختلف المدن والمناطق الليبية من أطباق شعبية وتراثية، متسائلا أين يكمن "التبذير" في ذلك إن كان المشاركون في المائدة سيتناولون الطعام كله. بحسب فرانس برس.

واعتبر أن فتوى الشيخ الغرياني أفسدت إظهار الصورة الحسنة لليبيين الذين ينشدون المصالحة الوطنية، كما انها أفسدت أيضا عملية نقل الأطباق والتراث الليبي عبر مختلف وسائل الإعلام التي تسجل حضورا كبيرا في البلاد بعد ثورة السابع عشر من شباط/فبراير، على حد تعبيره.

تجير رجال الدين في السعودية

فيما حشدت السلطات في السعودية، قوة المؤسسة الدينية المحافظة، لمنع موجة من الانتفاضات الشعبية من الوصول الى المملكة التي تضم أراضيها أكثر من خمس الاحتياطيات النفطية العالمية المؤكدة، وسيختبر هذا الطرح ما اذا كانت هذه الاساليب التقليدية ستفلح مع شعب معظمه من الشبان الذين نشأوا في عصر الثورة التكنولوجية، ولديهم القدرة على استخدام الانترنت في التنظيم ونشر الافكار عن الحقوق الاساسية والمشاركة السياسة، فقد حذر وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، ابن أخ الملك، من أن الاحتجاجات غير مسموح بها وأن التغيير لن يحدث الا عن طريق «مبدأ الحوار». واستخدموا أسلوب الخطابة الذي اعتاده السعوديون منذ زمن بعيد، الذي يستند الى فكرة أن السعودية متفردة كدولة وأنها نموذج للدولة الاسلامية الاولى و«اليوتوبيا الاسلامية»، حيث كلمة الله هي الشريعة والانصياع للشريعة أمر لا نقاش فيه، وساقوا سوراً من القرآن الكريم، وفهمهم للدولة الاسلامية الاولى يجب أن يأتي عن طريق النصح وليس احتجاجات الشوارع، وحتى جمع التوقيعات على عرائض الالتماس يتعارض مع ما أمر به الله، لكن الباحث فؤاد ابراهيم الذي أعد دراسات عن المذهب الوهابي السعودي قال ان عبارة «كبار علماء الدين» أصبح لها تأثير أقل بكثير الآن مما كان من قبل، وقال ابراهيم، المقيم في لندن، انهم يقولون «نحن نعيش في دولة إسلامية لسنا مثل مصر وتونس، نحن نطبق الشريعة وليس هناك سبب كاف يدعو الناس للثورة على الدولة الاسلامية، مثل هذه المزاعم يجرى الترويج لها لكن لم يعد كثيرون يصدقون ذلك الآن».

وتركز الوهابية، التفسير السعودي للمذهب الحنبلي السني، على طاعة أولي الامر تحت أي ظرف، ولا يرضى علماؤه كذلك عن الاحزاب السياسية المحظورة في البلاد، ولكن في أعقاب أزمة الخليج بين عامي 1990 و1991 بعد السماح للقوات الاميركية باستخدام الاراضي السعودية انشق العديد من العلماء الوهابيين. وباعتبارهم أكثر نشاطاً على الساحة السياسية قدم هؤلاء المنشقون اجتهادات تفيد بأن الدولة حادت عن مبادئ الاسلام في سياساتها الداخلية والخارجية، وأيدوا فكرة إجراء انتخابات برلمانية.

وانقسم رجال الدين السعوديون بشأن تأييد الانتفاضات في تونس ومصر وليبيا، ويخشى أنصارهم على المواقع الاسلامية على الانترنت أن تخدم الاحتجاجات مصالح إيران، كما يخشون أن تخدم الاحتجاجات مصالح الليبراليين الذين يريدون تقييد المؤسسة الدينية، وكثيراً ما يقول المسؤولون إن السعودية لها وضع خاص في الاسلام لأن بها الكعبة وقبر الرسول (ص)، ويمكن للسعوديين الاختيار بين آراء رجال الدين من داخل البلاد أو خارجها أو تجاهلهم جميعاً. ونشر أستاذ الفقه الإسلامي بجامعة القصيم، عبدالكريم الخضر، دراسة تُوزع بين النشطاء تبرر الاحتجاجات من وجهة نظر وهابية، وقال إن التظاهرات لا تتعارض مع الاسلام، فالشرفاء يجب ان يتظاهروا لأن الوقت قد حان لذلك، والالتماسات لم تحقق أي تقدم. بحسب رويترز.

 وقالت المدونة ايمان النفجان، «رغم أن السعوديين يبدون ظاهريا متحفظين فهذا لا يعني انهم يتبعون دون فهم كلمات المؤسسة الدينية الرسمية». وأضافت أن تحريم رجال الدين لتوقيع الالتماسات جعلهم يبدون كأن الزمن قد تجاوزهم»، موضحة أن «الفتوى تأتي في غير مصلحة رجال الدين، فقد فقدوا العديد من المؤيدين بإصدارهم هذه الفتوى.

علماء الدين في اليمن

كما أصدر عدد من علماء الدين في اليمن توصيات في ختام اجتماعاتهم التي دامت عدة أيام بيانا اعتبروا فيه الخارجين على ولي الامر بالسلاح في حكم البغاة وهو ما اعتبره علماء معارضون للنظام فتوى دينية بجواز مقاتلة معارضي النظام، وأشار بيان العلماء "الموالين للنظام" إلى "تحريم الخروج على ولي الأمر بالقول أو بالفعل وتحريم التظاهر في الشوارع العامة، كما أكدوا تحريم الاستجابة لما سموها "المخططات الداخلية والخارجية التي تستهدف الدولة وتحريم تضليل الشباب واعتبر البيان الخروج على ولي الأمر بالسلاح من أقصى درجات الخروج عليه وأشار إلى أن قيام القوات الحكومية والأمن بحماية المنشآت جهادا في سبيل الله، وحث البيان اليمنيين على الالتزام بـ"بيعة ولي الأمر" في إشارة إلى انتخاب الرئيس صالح عام 2006، وفي أول تعليق على البيان اعتبر مثقفون وناشطون حقوقيون ذلك الموقف "توظيفا صارخا للدين من قبل النظام لخدمة أهدافه. بحسب البي بي سي.

فيما اعتبره علماء معارضون للنظام مخالفا للدين وموقفا مضللا يخدم النظام باسم الدين محذرين من عواقبه في إباحة دماء اليمنيين ومن شأنه تعريض حياة كل من يعارض النظام للموت بغطاء ديني يمنح النظام تصريحا بقتل معارضيه.

حرمة الاحتجاجات

الى ذلك طالب المعارضون في اليمن بمقاضاة 500 من رجال الدين الذين أفتوا بحرمة الاحتجاجات المطالبة بإسقاط نظام الرئيس علي عبدالله صالح وأسرته من حكم اليمن المستمر منذ 1978، وقال بيان لشباب ثورة التغييرإنه يجب رصد وتوثيق كل من أفتى بتلك الفتوى ضد شباب الثورة، ونزولاً عند رغبة صالح، تمهيداً لمقاضاتهم عن كل جريمة ارتكبت ضد الثوار، وأشار الى انه سيتم نشر قائمة بأسماء كل الموقعين على تلك الفتوى ليوثق التاريخ لمن باعوا دينهم بعرض من الدنيا، وأضاف أن يد العدالة والقضاء ستطال كل عالم من علماء السلطة، مذكرين بـ«علماء الرئيس الليبي المختفي عن الأنظار معمر القذافي الذين أفتوا له بفتاوى تتماشى مع رغبته في الحكم، واتهمت المعارضة اليمنية الرئيس صالح بأنه حصل على ما يريده من رجال الدين كغطاء لقمع الثورة التي تطالبه بالرحيل عن السلطة. بحسب يونايتد برس.

وكانت جمعية علماء اليمن المرتبطة بالنظام أصدرت فتوى مذيلة بتوقيع 500 رجل دين بحرمة التظاهرات الاحتجاجية السلمية، ودعت السلطات الى القيام بمسؤوليتها في تأمين المرافق والأحياء وإخلاء المدارس والجامعات، لأن ذلك يعد جهاداً في سبيل الله.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 17/كانون الثاني/2012 - 23صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م