البحرين... إصلاحات ساقطة وسلطة مارقة

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: في رهان على الوقت تسعى السلطة البحرينية للخروج من الأزمة السياسية التي تعيشها منذ شهور، أملا في رضوخ المعارضة التي تشكل أغلبية مطلقة للامر الواقع وتقبل الممارسات الحكومية التي تتسم بالعنصرية والتهميش، خصوصا لدى تملك اليأس تطلعات الإصلاح التي تداعت لها مختلف مكونات الدولة، انسجاما مع رياح التغيير التي شهدتها المنطقة.

في الوقت الذي يستمر القمع كأسلوب للتصدي للحراك السلمي المطالب بالحقوق المفترضة، دون الالتفات الى الخسائر المادي والمعنوية التي تسفر عن العنف المفرط المتبع، ليكون حصن للنظام الذي كان قاب قوسين او أدنى من الانهيار لولا الدعم العسكري الخليجي الذي جاء كطوافة نجاة.

تحقيق دولي

فقد طالبت كبرى جماعات المعارضة الشيعية في البحرين باجراء تحقيق دولي في وفاة شاب من المحتجين بعد أن قالت جماعة حقوقية ان جثته عليها اثار تعذيب. ونقل المركز البحريني لحقوق الانسان عن عم القتيل قوله ان جثة ابن أخيه وهو شاب عمره 24 عاما عليها علامات واضحة للتعذيب رغم أن وزارة الداخلية قالت ان تقريرا للطب الشرعي أفاد بأن الشاب الذي اختفى ولقي حتفه غرقا.

وقالت جمعية الوفاق الوطني الاسلامية أكبر كتلة شيعية معارضة في البحرين ان لجنة تحقيق محايدة غير بحرينية يجب أن تحقق في هذه الحالة وفي حالات قتل أخرى. وقالت الحركة في بيان ان هناك فقدانا تاما للثقة في نزاهة أجهزة القضاء والامن البحرينية.

ونقلت وكالة انباء البحرين الرسمية عن المفتش العام بوزارة الداخلية اللواء إبراهيم الغيث قوله في بيان "تلقت غرفة العمليات الرئيسية بلاغا مفاده أن هناك جثة تطفو على سطح الماء بالقرب من الشاطئ في جزر أمواج بمنطقة قلالي"، وبعد انتشال الجثة والتحريات "اتضح أنها جثة الشاب المفقود" يوسف أحمد عباس.

واشار الى ان اسم يوسف عباس "لم يكن موجودا في كشوفات الموقوفين لدى الادارة العامة للمباحث والادلة الجنائية او اي مديرية امنية اخرى ولم يكن مطلوبا في أي قضايا جنائية". واضاف المفتش العام "ان تقرير الطبيب الشرعي الذي انتدبته النيابة العامة، وقام بفحص الجثة، انتهى الى أن سبب الوفاة هو الغرق وأن الوفاة حدثت قبل ما يزيد عن يوم".

لكن جمعية الوفاق الوطني الاسلامية ابرز قوى المعارضة الشيعية في البحرين قالت ان اسرة الشاب كان تم ابلاغها ان ابنها كان موقوفا عند وفاته.

وقال مطر مطر عضو الجمعية والنائب السابق "ابلغت اجهزة الامن اسرة الضحية انه كان يخضع للاستجواب". بحسب فرانس برس.

بيد ان المفتش العام بوزارة الداخلية قال ان "والد المتوفي كان قد أفاد في البلاغ الذي قدمه لمديرية الشرطة بشأن فقدان ابنه أن الشاب عادة ما يتوجه الى شاطئ البحر من دون ان يتمكن من العودة للمنزل بمفرده، بسبب معاناته من بعض الاضطرابات النفسية"، بحسب ما اوردت الوكالة الرسمية.

وكانت مملكة البحرين شهدت في منتصف شباط/فبراير 2011 على خلفية انتفاضات وثورات الربيع العربي، انطلاق حركة احتجاجية قادها بالخصوص ناشطون من الشيعة الذين يشكلون الاغلبية في المملكة ويطالبون بملكية دستورية في هذه البلاد التي تحكمها عائلة سنية.

وتم قمع هذه الحركة الاحتجاجية بشدة بعد شهر ونصف الشهر بدعم من قوات ارسلت من دول خليجية. ونددت لجنة تحقيق مستقلة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي ب"الاستخدام المفرط وغير المبرر للعنف" من السلطات ما اوقع 35 قتيلا بينهم خمسة قضوا تحت التعذيب.

وقالت السلطات انها تحترم توصيات هذه اللجنة.

اشتباكات عنيفة

في السياق ذاته اصيب العديد من الاشخاص خلال تفريق تظاهرة جديدة دعا اليها ناشطون شيعة في البحرين، وفق ما افادت الجمعة مصادر قريبة من المعارضة. وقال محمد مسقطي رئيس منظمة الشبان البحرينيين لحقوق الانسان المعارضة ان مئات من الاشخاص حاولوا التظاهر في العاصمة المنامة، لكن الشرطة قامت بتفريقهم مستخدمة الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي.

واغلقت الشرطة الطرق المؤدية الى المنامة لمنع المشاركين في تجمع للمعارضة في جد حفص القرية الشيعية القريبة من التوجه الى مكان التظاهرة، بحسب المعارضة. واوضح مسقطي ان الناشط نادر عبد الامام نقل الى المستشفى بعد اصابته في وجهه جراء قنبلة صوتية.

من جهته، قال مطر مطر النائب السابق عن حركة الوفاق، كبرى احزاب المعارضة الشيعية، ان 13 شخصا اخرين تمت معالجتهم في المنازل خوفا من تعرضهم للاعتقال في المستشفيات.

وذكرت وزارة الداخلية البحرينية ان قوات الامن فرقت تظاهرة غير مسموح بها من دون ان تتحدث عن وقوع اصابات. واظهر شريط بثه ناشطون على موقع يوتيوب تظاهرة صغيرة الحجم تطالب بالافراج عن المحتجزين في مواجهة رجال شرطة عملوا على تفريقها بواسطة الغاز المسيل للدموع.

تعديلات دستورية

من جانبه أعلن ملك البحرين تعديلات دستورية تمنح البرلمان مزيدا من السلطات المتعلقة بالرقابة على الحكومة لكن المعارضة قالت انها بعيدة عن مطالب بالديمقراطية كانت قد احدثت اضطرابات طيلة عام في الدولة الخليجية.

ولم يتطرق خطاب الملك حمد بن عيسى ال خليفة للاشتباكات التي تندلع بشكل شبه يومي بين شرطة مكافحة الشغب ونشطاء المعارضة وأغلبهم من الشيعة منذ رفع الاحكام العرفية في مايو ايار بعدما سحقت الحكومة التي يقودها السنة الحركة المطالبة بالديمقراطية.

وتنظر الولايات المتحدة والسعودية للبحرين التي تستضيف الاسطول الخامس الامريكي كحليف رئيسي ضد ايران ذات الاغلبية الشيعية.

وخرجت التعديلات التي تكرس صلاحيات استجواب الوزراء وسحب الثقة من مجلس الوزراء من بوتقة الحوار الوطني الذي نظمه الملك حمد بن عيسى العام الماضي بعدما سحقت الحكومة انتفاضة يهيمن عليها الشيعة للمطالبة بالديمقراطية.

وانسحبت جمعية الوفاق حزب المعارضة الرئيسي من الحوار الوطني قائلة انه لا يقدم اصلاحا حقيقيا. وقال الملك في خطاب أذاعه التلفزيون "لقد اثبت شعبنا الوفي ان ارادته قد اتجهت عبر كل الاحداث الى استمرارية المشروع الاصلاحي... واليوم نستكمل المسيرة مع كل من لديه رغبة وطنية صادقة في مزيد من التقدم والاصلاح." واضاف "اؤكد على أن الديمقراطية ليست مجرد نصوص واحكام دستورية وتشريعية فالديمقراطية ثقافة وممارسة والتزام بحكم القانون واحترام للمبادئ الدولية لحقوق الانسان." بحسب رويترز.

وتابع "كما ونهيب بكافة فئات المجتمع..القبيلة.. العائلة.. الاسرة.. أن تعمل جميعا على ان يلتزم ابناؤها باحترام القانون وهي مسئولية يجب أن يتحملها الجميع خاصة عندما يرتبط احترام القانون بمبدأ التعايش المشترك والتسامح."

ويترأس الشيخ خليفة بن سلمان ال خليفة وهو احد افراد الاسرة الحاكمة مجلس الوزراء منذ استقلال البحرين عام 1971.

ومن المتوقع ان يتزايد التوتر قبل 14 فبراير شباط الذي يوافق الذكرى السنوية الاولى لاندلاع الاحتجاجات العام الماضي في اعقاب نجاح التونسيين والمصريين في الاطاحة برئيسيهما.

وقالت الوكالة ان الحكومة وافقت على برنامج يتكلف 5.35 مليون دينار (14.2 مليون دولار) يستفيد منه حوالي 21 ألف عامل بحريني في القطاع الخاص يحصلون على اقل من 250 دينارا شهريا في المملكة التي تعد مركزا اقليميا للعمل المصرفي.

وقالت الحكومة ان الاصلاحات المقترحة جاءت نتيجة للمحادثات بين المعارضة البحرينية والجماعات الموالية للحكومة والتي بدأت في يوليو تموز واستهدفت رأب الصدع العميق الذي حدث عندما سحقت الحكومة الاحتجاجات التي قادتها الاغلبية الشيعية مطلع العام الماضي.

وقالت منظمة اطباء من اجل حقوق الانسان التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها ان البحرين رفضت دخول مسؤول من المنظمة كان يريد حضور محاكمة مجموعة من الاطباء الذين اعتقلوا خلال الاحتجاجات.

وقالت المنظمة في رسالة على تويتر ان مسؤولي المطار اعادوا ريتشارد سولوم نائب مدير اطباء من اجل حقوق الانسان على الرغم من انه كان يحمل تأشيرة دخول صالحة ودعوة من وزير خارجية البحرين.

ونقلت وكالة انباء البحرين الرسمية عن وزارة حقوق الانسان في البحرين قولها ان سولوم بعث رسالة طلب فيها الاجتماع مع وزير حقوق الانسان ولكن تم ابلاغه ان يزور البلاد في فبراير شباط لعقد مثل هذا الاجتماع.

وقال مطر مطر ان سولوم كان سيحضر محاكمة مجموعة مؤلفة من 32 طبيبا وممرضا وجهت لهم اتهامات بعد ان شاركوا في احتجاجات وعالجوا متظاهرين. وكانت منظمة اطباء من اجل حقوق الانسان قد اصدرت تقريرا انتقدت فيه طريقة معاملة البحرين للاطقم الطبية خلال الاحتجاجات.

اعادة محاكمة رجلين حكم عليهما بالاعدام

الى ذلك ذكرت وسائل اعلام رسمية في البحرين أن محكمة استئناف أمرت باعادة محاكمة رجلين حكم عليهما بالاعدام لقتلهما رجلي شرطة دهسا أثناء احتجاجات تنادي بالديمقراطية في المملكة العام الماضي.

ومن ناحية أخرى قال ناشط حقوقي أمريكي انه منع من دخول البحرين لمتابعة جلسة استئناف في قضية سجن أطباء لاتهامات من بينها التحريض على الاطاحة بالحكومة أثناء الاحتجاجات.

وقالت وكالة أنباء البحرين ان محكمة التمييز وهي أعلى محكمة استئناف في المملكة قضت بنقض حكمي الاعدام على المواطنين البحرينيين بالاضافة الى حكم بالسجن المؤبد على بحريني اخر.

وكانت محكمة عسكرية قد أصدرت أحكام الاعدام والسجن في مايو أيار لكن اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق انتقدت المحاكم العسكرية في تقريرها الصادر في نوفمبر تشرين الثاني.

وقالت الوكالة "سوف يتم تقديم جميع المتهمين المحكوم عليهم بالادانة سواء من تم قبول طعنهم أو رفضه لاعادة محاكمتهم من جديد أمام المحكمة الاستئنافية العليا المدنية."

ووقع الامر أثناء عملية لاستعادة السيطرة على ساحة في المنامة أصبحت مركزا للاحتجاجات في فبراير شباط ومارس اذار.

وقال برايان دولي من مجموعة (حقوق الانسان أولا) الامريكية في بيان ينتقد المعاملة التي تلقاها سولوم "مازالت الحكومة البحرينية تقوض التزامها المعلن باصلاح حقوق الانسان وذلك من خلال اجراء محاكمات صورية ومهاجمة المدافعين عن حقوق الانسان ومنع المراقبين الدوليين من دخول البلاد."

العمال المفصولين

من جهتها قالت شركة الاتصالات البحرينية (بتلكو) انها ستعيد توظيف عمال كانت فصلتهم اضرابات عن العمل مرتبطة بالاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية لتصبح ثاني شركة في يومين تتخذ هذه الخطوة.

وكان أكثر من 2000 عامل معظمهم من الشيعة قد فصلوا من شركات تسيطر عليها الدولة في العام الماضي لمشاركتهم في اضرابات واحتجاجات ضد التمييز وهيمنة اسرة ال خليفة السنية الحاكمة.

وقال الشيخ حمد بن عبد الله ال خليفة رئيس مجلس الادارة في بيان ان الاتصالات البحرينية ستعيد العمال الذين فصلوا والذين يوافقون على الالتزام بقانون العمل البحريني والسياسات الداخلية لبتلكو.

ومارست لجنة تابعة لوزارة العمل ضغوطا على الشركة بعد ان وجدت مراجعة للوزارة أن 102 من 172 عاملا في بتلكو فقدوا وظائفهم وفصلوا بطريقة غير قانونية. وتعرضت البحرين لضغوط دولية لاعادة توظيف العمال الشيعة المفصولين.

وأعادت حلبة سباق (فورميولا واحد البحرينية) -المقرر ان تستضيف سباقا في ابريل نيسان بعد الغاء سباق 2011- العاملين المفصولين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 17/كانون الثاني/2012 - 23صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م