مزرعة العقارب

هادي جلو مرعي

ماتت الحاجة سكينة من زمن بعيد، عرفتها مذ كنت طفلاً، وكان بناؤها شامخاً في قريتنا الصغيرة المسماة (السعادة)، وكانت تبيع المثلجات المعدة بطريقة بدائية، وكانت قلعتها تطل على أربع جهات يمر بها الجميع، وفي الأعياد يكون الربح وفيراً، فليس من أسباب للسعادة تلك الأيام سوى الجري في دروب القرية, واللعب بالتراب، أو عمل عربة صغيرة من علب زيت السيارات نزينها وندفعها بسرعة في الحواري لاهين لا نعرف من دنيانا سوى ما نعرفه من مساحة القرية, أو شراء المثلجات من دكان الحاجة الذي لا نعرف منه سوى الكوة الصغيرة المطلة على أحد الدروب.

قلعة الحاجة سكينة كانت مطلة أيضاً على بستان وارف ذوى رويداً ,وغاب مع الزمن، ومع التجريف والبناء الزاحف، وكان القدر رتب لأمي الأرملة المسكينة أن تحصل على قطعة أرض من بقايا البسستان، أسست عليها مسمى بيت من حجرتين مادتهما الطين والتبن والحجارة المفخورة بحرارة الشمس ,حيث لم يرتق ذلك الحجر ليكون طابوقاً مفخوراً كما هو الحال مع أصحاب الأموال، وكانت الدار متواضعة وبقيت للآن على ما هي عليه بإستثناء بعض التحسينات التي أجريناها كلما أصاب جيوبنا دفُ ما.

تغافلنا عن مشكلة خطيرة، ثم تجاهلناها مضطرين، فالعقارب السوداء كانت تسكن قبلنا في تربة البستان .تعيش هانئة, وتنجب سلالات متطورة، وكنا نسمي الكبير منها (الجرار) لأنه يجر ذنبه الكبير خلفه, ويبدو مخيفاً ,ويتميز عن سواه من العقارب بقرصة حادة تدفع السم في الجسد الآدمي وتبعث فيه ألماً حاداً يتطلب تدخلاً عاجلاً إما بالنعناع، أو بمص مكان القرصة, وربط العضو المصاب من أعلى لوقف تدفق الدم في الأوردة، وهو بذلك يضاهي في تقنيته السمية أفعى سيد دخيل المشهورة.

تعودنا أن نقتل العقارب بالأحذية، لكن الغالب في الإستخدام هو( النعال البلاستك) الذي يتميز بخاصية قتل العقرب بسرعة فائقة، وفي مرات عديدة تكون العقرب أكثر إستجابة لضربة النعال، بينما تستطيع الإفلات من العصا، أو الحذاء؟، وربما يعود السبب لخاصية الإنبساط في النعل, وسعة وإمتداد حجمه، وتختلف النعل التي إستخدمتها خلال السنوات العشرين الماضية من عمري الذي قضيته في ممارسة هواية قتل العقارب، وقد أكون عملت حلفاً جماعياً من خلال الإفادة من النعل البلاستيكية المصنعة في الصين وإيران وسوريا، حيث تعودنا إستخدام هذه الماركات ,ويكون المستخدم عراقياً.

 في حالات ليست بالكثيرة ,ولضيق الوقت, أو لدخول العقرب في جوف حائط, أو اختفائه عن ناظري فكنت أستخدم النفط وأرشه في المكان فهو يساهم في تكسير وتوهين جسد العقرب، وفي مرات كنت أوقد النار في المكان حين أعجز تماماً عن الوصول الى العدو! وفي مرة إستخدمت مادة تنظيف شديدة الفاعلية رميتها في موضع وجود العقرب.

وفي الصيف يكون نشاط العقارب أكثر لإرتفاع درجات الحرارة، واضطرارها للخروج من مخابئها، بينما ينحسر نشاطها شتاءاً..

في شتاء هذا العام نهاية 2011 إكتشفت أمراً سبب لي الحيرة فعلى الرغم من البرودة الشديدة ظلت العقارب تظهر لي, ولكن بوهن وضعف وأكثر إستجابة لضربة النعال البلاستك ,ما أثار في جملة من التساؤلات، أولها: هل أن وجود البرد لوحده غير كاف لدفع الحشرات والأفاع والعقارب لتمارس دورتها في السبات الشتوي؟ وهل لتأخر نزول المطر أثر في ذلك؟ وربما كان المطر مؤثراً في إحداث الأطيان وسد الجيوب التي تخرج منها هذه المخلوقات، مع توفر البرد الموهن لأجسادها.

مزرعة العقارب الى جواري، وما دمت أستطيع الحصول على نعال بلاستك من دول الجوار فأنا المنتصر في معركتي مع العدو. والى أمام الى أمام، الى أمام.

[email protected]

 

 

 

 

 

 

 

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 17/كانون الثاني/2012 - 23صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م