يزداد الوضع في سوريا تأزماً خاصة مع قرار الجامعة العربية بوقف
إرسال المزيد من المراقبين العرب ورفض المعارضة السورية لهم منذ
البداية. وهذا يعني أن الملف السوري قد اقترب من مرحلة التدويل
والانتقال إلى مجلس الأمن.
لكن تحركات وقرارات مجلس الأمن المقبلة تبدو غير ممكنة، خاصة مع
رفض كل من روسيا والصين لهذا الأمر. بالإضافة إلى أن أي تدخل عسكري
دولي في سوريا سوف يعرض إسرائيل لخطر ضربة عسكرية من قبل سوريا
وحلفائها في المنطقة. هذا الأمر ومن وجهة نظر غربية يستدعي أن يتدخل
طرف آخر في الملف السوري بحيث لا يكون هناك أي مبرر لرد فعل سوري محتمل
ضد إسرائيل.
ويبدو أن الخيار قد وقع مؤخراً على تركيا كدولة (مسلمة) وقوية
وحليفة للغرب لتقوم بهذا الدور. لكن هناك العديد من العوامل التي تؤخر
هذا الدور المحتمل. فتركيبة الشعب التركي الذي يحتوي على اكثر من
اربعين مليون (علوي) لهم امتداد تاريخي وديني مع العلويين في سوريا
ولهم نواب في البرلمان التركي ستعارض أي تدخل عسكري تركي في سوريا
بعيداً عن أية حلول أخرى.
العامل الآخر هو الوجود الكردي في تركيا وبخاصة مؤيدو حزب العمال
الكردستاني الذي ما زال يقود حركة تحرر عسكرية ضد الدولة القومية
التركية. ولا يخفى على أحد الدعم الذي كانت دمشق تقدمه لهذا الحزب وما
له من امتدادات وعلاقات ما تزال قائمة مع قياداته.
ويعتقد المراقبون أن سوريا ما تزال قادرة على تحريك هذه الأوراق كرد
على اي تدخل عسكري تركي محتمل.
من هنا جاءت تصريحات أمير قطر بإمكانية تشكيل قوات عربية لتتدخل في
الملف السوري على غرار قوات درع الجزيرة في البحرين، حيث أرسلت كل من
السعودية والإمارات قواتهما لدعم النظام البحريني ضد التحرك السلمي
للشعب هناك.
إلا أن التناقض العربي بين كلا الحالتين السورية والبحرانية يبدو
واضحاً وجلياً. فالشعب البحريني بتحركه السلمي لم يلق أي دعم من قوات
درع الجزيرة بل على العكس من هذا فإن هذه القوات توجهت لقمع هذا الشعب
في حين أن موقفها في سوريا سيكون بحسب مراقبين مغايراً لهذا. فهذه
القوات إن تشكلت فستكون مهمتها الإطاحة بالنظام الحاكم في سوريا وتأييد
الشعب الذي لم تعد ثورته سلمية خاصة مع وجود ما يعرف بالجيش السوري
الحر (المسلح).
والسؤال الموجه هنا ما هو دور هذه القوات العربية المعتزم تشكيلها
وتدخلها في الشأن السوري؟ ولماذا تناصر الشعب السوري هنا وتتهجم على
المسالمين في البحرين هناك؟ وإذاً كانت القضية هي قضية حماية مدنيين
فلماذا لا تتوجه هذه القوات العربية لحماية الشعب في البحرين من تلك
الآلة العسكرية القاتلة التي تبيد شعبها وتضطهده منذ زمن؟ ولماذا لا
تتحرك الجامعة العربية لوقف نزيف الدم في هذه الدولة العربية والمسلمة
وترسل مراقبين وتسمح لوسائل الإعلام الأجنبية بالدخول والتحرك بحرية؟
الغريب في الأمر أن النية في تشكيل هذه القوات العربية يأتي
متزامناً مع صعود نجم الحركات السلفية في دول الربيع العربي وتزايد
نفوذها. وهذا ما يفسر دعم الولايات المتحدة الأمريكية لهذه الحركات
التي كانت تعاديها في الماضي.
ويخشى البعض أن تقوم قوات الدرع العربي هذه بتنفيذ أجندة أجنبية
طائفية واضحة فبدلاً من أن تتوجه إلى فلسطين مباشرة تضيع البوصلة
وتتوجه إلى دمشق. ويستغرب كثير من المراقبين الإجماع العربي المفاجئ
بخصوص الملف السوري والصمت عن ما يجري في البحرين اليوم وما فعلته
إسرائيل في الماضي من مجازر في جنين وغزة في فلسطين وقانة في جنوب
لبنان حيث تناثرت جثث الأطفال الرضع وقطعت رؤوسهم في حين أن الجامعة
العربية لم تحرك أي قلم ولم يكن لها أي موقف يذكر واليوم تستأسد
وتستبسل...!
لقد وصل الوضع في المنطقة العربية إلى مراحل متقدمة باتجاه الانفجار
وما قضية القوات العربية المعتزم تشكيلها وإرسالها إلى سوريا إلا بداية
له. فتسارع الأحداث والحشود في كل من الخليج العربي والبحر المتوسط
تنذر بوقوع ما لا يحمد عقباه ولن تبقى القضية محصورة في هذا النظام أو
ذاك لكنها ستتسع لتصبح ضد هذه الفئة وتلك وعندها لن نخرج من هذه الفتنة
إلا بفرج إلهي نرجو أن يكون قريباً بإذن الله.
nasirbahrani@gmail.com |