
شبكة النبأ: "اتسمت الكثير من
الخطابات المحيطة بالمأزق النووي الإيراني برفض طهران التزحزح من
موقفها فضلاً عن التشاؤم القائم بين المحللين الغربيين بأن الإجراءات
الدبلوماسية والاقتصادية المتزايدة تؤدي إلى الأثر المنشود على
الإطلاق. ومع ذلك، فُتحت عدة طرق لإحراز تقدم حتى في ظل قيام بيئة من
العقوبات الفعالة الآخذة في التزايد، وهشاشة الوضع السياسي في طهران
وبعض الأنظمة الحليفة، واستمرار العمل السري ضد البرنامج النووي.
"في هذه المذكرة السياسية المنشورة في معهد واشنطن لدراسات الشرق
الأدنى، يؤكد پاتريك كلاوسون بأن لدى العالم الغربي الوقت، سواء من
الناحية التكتيكية أو الاستراتيجية، لمنع الانعتاق. فمن خلال الاستمرار
في استغلال العديد من نقاط الضغط للجمهورية الاسلامية، باستطاعة
الولايات المتحدة وحلفاءها أن يُظهروا للنظام الإيراني بأن تكلفة
الأسلحة النووية هي أكثر من فائدتها. وفيما يلي ملخص لمذكرته".
مع بداية عام 2012 يظل قادة إيران واثقين من أن باستطاعتهم مواصلة
تخصيبهم لليورانيوم وإعادة معالجة البلوتونيوم وبرامج تطوير الصواريخ
رغم قرارات مجلس الأمن الدولي بوقف مثل هذه الأنشطة. وبناء على ذلك
فإنهم لم يُبدوا أي اهتمام في حل هذه الأزمة النووية.
مقدمة
يؤكد المتشائمون أن المجتمع الدولي يحاول التكيف الآن مع الواقع
المشؤوم بأنه ليس بالإمكان فعل شيء لوقف إيران من تطوير قدراتها على
صنع أسلحة نووية أو حتى الحصول على السلاح نفسه. وتحاول إيران بدورها
التكيف مع العقوبات المفروضة عليها والتي تزداد ثقلاً. وحتى لو كان
المجتمع الدولي مستعداً لاتخاذ خطوات لشل الاقتصاد الإيراني فإن قادة
طهران المتشددين سوف يقبلون ذلك باعتباره ثمناً للبرنامج النووي الذي
يقدرونه تقديراً عالياً جداً.
وتصر إيران على الاحتفاظ على الأقل بقدرة كبيرة من الانعتاق النووي،
بينما يصر الغرب بأنه لا يمكن لإيران أن تحصل على أكثر من برنامج تخصيب
شديد المحدودية. لكن أياً من الجانبين لا يشعر بالارتياح في الذهاب إلى
هذا الحد نحو التسوية.
وإذا ما وصل الإصلاحيون إلى السلطة في إيران سينصبُّ جُلُّ اهتمامهم
على القضايا الداخلية. وتوافقاً مع موقفهم القومي المتفاخر فإنهم ربما
لا يغيرون وضع إيران النووي كثيراً وسيتوقعون أن يميل الغرب إلى دعمهم.
العمل العسكري
حتى لو تم تدمير البرنامج الحالي على نحو كبير إلا أن إيران ستحتفظ
بالمعرفة اللازمة لإعادة بنائه. وبعد الهجوم ربما تقرر إيران صراحة أن
تعمل على تطوير أسلحة نووية. بل إن الهجوم العسكري ربما يحشد
الإيرانيين وراء النظام وربما تنتقم إيران عن طريق القيام بأعمال
إرهابية يطلق فيها حلفاؤها في «حزب الله» صواريخهم على إسرائيل أو
يشنون هجمات على الملاحة في الخليج الفارسي ومضيق هرمز. وبقدر ما يتعلق
بالجدول الزمني لإسرائيل نحو إيران، فربما تتخذ إسرائيل قراراها
بمهاجمة إيران دون إبلاغ الولايات المتحدة، مما قد يسبب الكثير من
التعقيدات للولايات المتحدة بغض النظر عن محصلة تلك الغارة.
أسواق الطاقة العالمية
من شبه المؤكد أن تبقى أسعار النفط مرتفعة كما هي في الوقت الحاضر
مما يعني أن إيران ستواصل تجميع الكثير من العملات الأجنبية بسرعة مما
يمكنها من تحمل التكاليف الإضافية التي تفرضها العقوبات. غير أن الأثر
الارتدادي المحتمل سيقوض مصداقية أي تهديد غربي للعمل ضد صادرات النفط
الإيرانية.
على أن موقف إيران نحو سوريا قد هزَّ رأي المؤسسة التركية الحاكمة
التي ترى أن بإمكان تركيا وإيران التعاون بينهما استراتيجياً. وفي
أعقاب الاحتجاجات السورية تتعاون أنقرة الآن بشكل وثيق مع واشنطن،
وأصبحت أكثر ارتياباً نحو طهران.
لكن هذا المشهد الجيوسياسي المُشجِّع يخلق بيئة أفضل للخطوات التي
يمكن للحكومات الغربية اتخاذها لتكثيف الضغوط على البرنامج النووي
الإيراني. وهذه الخطوات هي:
العقوبات
تهيئ إيران بنشاط حالياً الظروف لفرض مزيد من العقوبات عليها عن
طريق الانخراط في تدابير مراوغة على نحو متزايد تنتهك بها الأعراف
والقوانين الدولية في مجالات مثل الخدمات المصرفية والنقل البحري.
وعليه فإن بلداناً غربية متزايدة تدرس وتناقش علناً التدابير التي كانت
قد رفضتها قبل سنوات قليلة. فعلى سبيل المثال تفكر كندا وبريطانيا
العظمى بفرض حظر على كافة التعاملات مع المصارف الإيرانية بما فيها "البنك
المركزي الإيراني" بينما تدعو فرنسا إلى فرض حظر دولي على صادرات النفط
الإيرانية.
الدبلوماسية
ينبغي أن يكون الهدف الرئيسي للدبلوماسية الأمريكية تجاه إيران هو
إقناع الحكومات والشعوب في جميع أنحاء العالم بأن الغرب هو المتعقل
بينما النظام الإيراني هو الذي يقف عائقاً أمام حل الأزمة النووية،
وبذلك يتم دفع عجلة المصالح الأميركية في العالم.
القوة الناعمة
يواجه النظام الإيراني على نحو دوري مقاومة شعبية كاسحة سواء في
الاحتجاجات التي أثارها الطلاب في عام 1999 أو حركة النساء الحالية أو
"الحركة الخضراء" في عامي 2009 - 2010. وتُظهر خبرة العقود الأخيرة أن
حركات المقاومة المدنية يمكن أن تنجح ضد الديكتاتوريات الوحشية في
اللحظة المناسبة لو كانت خلاقة واستمدت قوتها من جذورها في الشعب.
التدابير الأكثر قوة
كان العمل السري ضد البرنامج النووي الإيراني يجري سارياً على
العديد من الجبهات لسنوات عديدة. فقد اعترفت الحكومة الأمريكية أنها
أمَّنت انشقاق عالم نووي إيراني بارز، وادَّعت الحكومة الإيرانية أن
للولايات المتحدة يداً وراء اختفاء عميدٍ في "فيلق الحرس الثوري
الإسلامي". وبالإضافة إلى ذلك فإن إسقاط إيران لطائرة أمريكية بدون
طيار في كانون الأول/ديسمبر 2011 قد كشف عن جهد استخباراتي أمريكي قوي
وسري. وهناك تقارير صحفية كثيرة لم تنكرها واشنطن تقول إن الحكومة
السويسرية قد عثرت بالصدفة على برنامج أمريكي لإمداد إيران بأجزاء
تخريبية لبرنامجها النووي. ويبدو أن الإسرائيليين أيضاً يقومون بحملة
تعطيل عسكرية قوية ضد البرنامج النووي الإيراني بما في ذلك اغتيال
العديد من العلماء النوويين الإيرانيين كما تدَّعي طهران. وقد اعترفت
الحكومة الإيرانية أيضاً بأن برنامجها النووي قد تأثر بفيروس الحاسوب "ستكسنت"
الذي يؤكد كثير من المتخصصين في أمن الحاسوب أنه قد أنتجته إحدى
الحكومات، حيث أن إصبع الاتهام تشير عادة إلى إسرائيل.
وربما تشمل التقنيات العدائية ضد إيران تقاسم المزيد من المعلومات
مع إسرائيل والتي يبدو أن لها حملة سيبرانية قوية واغتيالية ضد
البرنامج النووي الإيراني. كما قد يكون مناسباً أيضاً تجهيز الطائرات
الآلية التي تُحلق فوق إيران بقدرات هجومية وهي الخطوة التي يمكن أن
تزيد الرهبة والتخوف لدى "الحرس الثوري" الذي يمكن أن يقلق خلال
التجارب الصاروخية من احتمال قيام الطائرات بدون طيار بإشعال الوقود
الشديد الانفجار.
وسيكون التعاون الإقليمي الأكثر أهمية بالنسبة للولايات المتحدة هو
مع إسرائيل. فلدى واشنطن اهتمام قوي في ضمان ثقة إسرائيل في قدرتها على
الرد على التهديد الإيراني النووي المتزايد. ويفترض أن تشمل احتياجات
إسرائيل استخبارات دقيقة وتفصيلية ووسائل لهزيمة الدفاعات الإيرانية
وقدرات لإلحاق أضرار مدمرة للبرنامج النووي الإيراني. ومن خلال تزويد
إسرائيل بقدرات أكثر قوة في جميع هذه المجالات تستطيع الولايات المتحدة
التأثير على النقاش الإسرائيلي حول ما إذا كان عليها ضرب البرنامج
النووي الإيراني أم لا.
على أن مجال التعاون العسكري الذي أقلق إيران وأغضبها على نحو خاص
هو التعاون المتزايد بين الولايات المتحدة وتركيا في مجال الدفاع
الصاروخي. فمشاركة تركيا في تدابير الدفاع ضد التهديدات الإيرانية تشير
إلى أن أنقرة أصبحت أقل تفاؤلاً بشأن نوايا ايران. وفي سياق
النَّهْجَين الإيراني والتركي المختلفين بشدة حيال الاضطرابات في سوريا
يبدو أن أنقرة تعيد تقييم موقفها تجاه سياسة طهران الخارجية.
وثمة شكل آخر من التدابير الأقوى يشمل زيادة الضغط على الإرهاب
الإيراني سواء ذلك الإرهاب الذي تقوم به إيران مباشرة أو من خلال
وكلائها على غرار طريقة التعامل مع المخطط الإيراني المزعوم ضد السفير
السعودي في واشنطن. ففي جهد أمريكي سعودي مشترك بمساعدة أصدقاء آخرين
للولايات المتحدة تكونت حملة دبلوماسية نشطة شملت الإفصاح عن معلومات
واسعة أدت إلى التصويت بواقع 106-9 في الجمعية العامة للأمم المتحدة
على قرار أشار إلى إيران بشكل واضح.
هل لدى الولايات المتحدة الوقت الكافي؟
يبدو من غير المحتمل أن تتخلى الجمهورية الإسلامية عن هدف الحصول في
نهاية المطاف على قدرة تصنيع أسلحة نووية، لكن ربما توافق طهران على
تعديل تكتيكي يمكن أن يكون له مردود استراتيجي. فتأجيل البرنامج النووي
ربما يبدو فقط مجرد تأخير لكن التأجيل يمكن أن يكون نصراً لأن
الجمهورية الإسلامية قد لا تدوم إلى الأبد. فخامنئي الذي يُفترض أنه
يعرف شيئاً عن سياسات إيران مشغول جداً بالتهديد الذي يمثله الغزو
الثقافي الغربي واحتمالية "الإطاحة الناعمة."
لدى الولايات المتحدة وشركاؤها الوقت من الناحية التكتيكية
والاستراتيجية. فمن الناحية التكتيكية إن البرنامج النووي الإيراني لم
ينضج بعد، واستراتيجياً إن الجمهورية الإسلامية ليست نظاماً خالداً.
وهكذا فإن امتلاك جمهورية إيران الإسلامية لأسلحة نووية ليس أمراً لا
مفر منه. فاستخدام مزيج قوي من العقوبات والدبلوماسية والقوة الناعمة
والتدابير الأكثر قوة يخلق فرصاً جيدة لصرف إيران عن مسارها النووي
الحالي.
نبذة عن معهد واشنطن
الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه
الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية
في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل
توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه
المنطقة الحيوية من العالم.
وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم
المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة
العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم
للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق
باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف
الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف
به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة. |