يبدو ان الطغاة العرب ما فتأوا، منذ ان تسنموا مقاعدهم في لحظة
زمنية فوضوية، مصدر للسخرية والفضائح على اختلاف انواعها واجناسها امام
العالم الاخر الغربي الذي يتندر حينا ويتعجب حينا اخر مما يصدر منهم من
سلوكيات وتصرفات يعتبرونها ربما من قصص الخيال العلمية وبقية من بقايا
عصور الكهوف الغابرة.
وفي هذا الصدد فجرت صحيفي الديلي ميل البريطانية السبت 7-1-2012،
فضحية جديدة تتعلق بملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى ال خليفة اثناء
زيارته نهاية العام الماضي لبريطانيا، اذ قدّم لكونتيسة ويسيكس السيدة
صوفيا زوجة الامير ادوارد، اثناء مأدبة طعام في 21 من كانون الاول،
مجموعة من الجواهر الثمينة، كما قام بمنح هدايا ايضا للأمير شارل ودوق
ودوقة كمبريدج.
السياسيون في بريطانيا دعوا الى تسليم وارجاع هذه الجواهر الى
اصحابها، الذين هم اصلا ليسوا اصحابها، بل ان بعض من هؤلاء السياسيين
قد وصفوا هذه الجواهر بانها متلطخة بدماء الشعب البحريني على حد تعبير
صحفية الديلي ميل التي كتبت عنوانا مثيرا حول الموضوع وصفت به ملك
البحرين ب" الدموي" bloody "في عنوان الخبر وال "الهمجي" " brutal " في
تفاصيله، حيث كان الخبر:
Sophie won't give back her tainted jewels gifted by bloody
Bahrain,
عضو حزب العمال البريطاني بأول فلاين قال، في تعليقه على هذه
الفضيحة، ان البحرين احدى اكثر الدول قمعية في الشرق الاوسط ومن غير
المقبول تماما لأي شخصية عامة ان تقبل من الملك هدية غالية الثمن"، كما
اوضح وزير الخارجية الاسبق دينيس مكشين، لموقع بي بي سي، ان الهدايا
يجب ان تعطى لضحايا القمع الذي تمارسه حكومة البحرين ضد سكانها ممن
يطالبون بالحرية والديمقراطية.
المعلقون على الخبر في الصحيفة كانت لهم اراء لم تخرج عن وجهة النظر
اعلاه التي رأت في هذا السلوك فضيحة وعار على بريطانيا قبل ان يكون
فضيحة لملك البحرين الذي هو حاكم عربي جاء للحكم بالوراثة ولاننتظر منه
ان يكون ديمقراطيا او نزيها. لكن، فمن المخجل، كما رأى احدهم، ان تقبل
بريطانيا هدية من ملك طاغية يقتل شعبه، بل رأى ان هذه الرشوة تأتي من
اجل ان تمارس بريطانيا ضغطا لإخراج المعارضة البحرينية من اراضيها.
في حين رأى بعض من المعلقين ان هذا المال " ملطخ بالدم " البحريني
والقمع السلطوي والاضطهاد الممنهج التي تمارسه السلطة ضد شعبها بمساعدة
دولة جارة لها تطوّعت من اجل قمع شعب البحرين الشقيق لأسباب طائفية
بحتة تنخر في عقول ملوك وامراء المملكة السعودية، وهذا المال، بالنسبة
لمعلق اخر، اهم من الاخلاق والمُثل بالنسبة للمملكة المتحدة!.
ومن ناحية اخرى وجد أحد المعلقين ان المشكلة في البحرين " ليست قضية
سنة- شيعة.... بل هي قضية دكتاتور- شعب"، وهي ما تحاول الحكومة والنظام
البحريني ان تتكتم عليه وتمارس التضليل حوله حينما تحاول تعليل سبب
الازمة في بلادها بعوامل ودول خارجية كإيران التي في رايهم وراء
مايشهده الشارع البحريني من مظاهرات تعبر، في جوهرها، على تململه من
الاوضاع الظالمة في بلده، مع ان التقارير الدولية المستقلة قد فنّدت
هذه الكذبة.
ويبدو، بصراحة، ان الاتجاه العام الذي يسيطر على مجمل التفكير
السياسي للعقل العربي الحاكم لايزال ملوّث بجراثيم الاسلوب الدكتاتوري
والمنهج التوتاليتاري في الحكم وادارة الدولة القائمة على اساليب رخيصة
ووسائل متدنية اخلاقياً كالترهيب والتنكيل بمن يخالفهم الرأي والترغيب
والرشوة لآخرين من اجل مساندته في افعاله وسلوكياته التي يقومون بها.
وما هذه الهدايا التي منحها الملك البحريني الا عينة بسيطة لسلوك
هؤلاء القادة العرب في تعاملاتهم مع الاحداث، ولعل هذه الفضيحة
المكشوفة تمثل جانبا ضئيلا من جبل جليد فضائحهم التي لم يكتشفها
الاعلام ولم تعرّيها الديلي ميل وامثالهما من الصحف التي نأمل من
القائمين عليها وعلى غيرها من الصحف الغربية فضح وتعرية القادة العرب
وسلوكياتهم المشينة التي اذاقت شعوبهم الويل والثبور.
alsemawee@gmail.com |