هل سيقوض الفساد منجزات الربيع العربي؟

 

شبكة النبأ: يعد الفساد أكبر المشكلات العالمية التي تجمع المؤسسات المحلية والدولية على اعتبارها العقبة الرئيسة أمام الإصلاح والتنمية والاستثمار الصحيح وسببا مهما لتنامي أعمال المخدرات والمافيات.

إذ أن المشكلة الحقيقة في البلدان العربية، بأن الفساد لا يختصر على هيئة او شخصية معينة  بل يشمل النظام بأكمله، إذ  يعرض نفسه كمنظومة مجتمعية كاملة ويمارس بمختلف أنواعه في تلك البلدان.

فيما أظهر جدول وضعته منظمة الشفافية الدولية التي ترصد الفساد على مستوى العالم ان الوعي بالفساد زاد في بعض الدول العربية في إعقاب الانتفاضات التي شهدتها في عام 2011.

وكما يرى رجال الأعمال أن الفساد كان عقبة كبيرة قبل الثورات وانه قل كثيرا بعدها، حيث تحسن المناخ الاقتصادي بعد الربيع العربي، إذ بات من الأسهل ممارسة الأعمال دون تدخل ساسة ومسئولين فاسدين، ومع ذلك مازال اغلب المستثمرين يلجئون إليه لتسهيل أعمالهم، ويرجع السبب إلا أن المؤسسات في العالم العربي  حديثة التعامل مع النزاهة ومكافحة الفساد، في حين يأمل بعض المراقبين بتحسن الواقع الاقتصادي في المستقبل بعد الربيع العربي بشأن الفساد.

وعلى الرغم أن معظم الحكومات والقيادات السياسية تعلن أن برنامجها هو مكافحة الفساد، فإنه يظل عمليا غائبا عن برامج الحكومات والمؤسسات المختلفة، ذلك أن القضاء على الفساد ليس قرارا يتخذ، ولكنه منظومة من الأعمال والإصلاحات وإعادة بناء لأنظمة المجتمعات والدول التعليمية والاجتماعية والإدارية والوطنية.

تنامي الوعي بالفساد

فقد أظهر جدول وضعته منظمة الشفافية الدولية التي ترصد الفساد على مستوى العالم، تنامي الوعي بالفساد زاد في بعض الدول العربية بعد الربيع العربي، ومؤشر المنظمة يتدرج من نقطة واحدة الى عشر نقاط. والواحد معناه شديد الفساد والعشرة تعني انعدام الفساد. ويضم المؤشر 183 دولة وكلما زاد الرقم الذي يشير الى ترتيب الدولة في القائمة كلما كانت أكثر فسادا، وتراجع موقف تونس عن العام الماضي وشغلت هذا العام المركز 73 بدلا من 59 بحصولها على 3.8 نقطة بدلا من 4.3 نقطة.

وأصبحت تونس مهد انتفاضات الربيع العربي حين أجبرت احتجاجات شعبية رئيسها زين العابدين بن علي على الفرار الى السعودية، وكانت الثورة التونسية مصدر الهام لحركات مماثلة في مصر وليبيا وسوريا واليمن مما اعاد تشكيل المشهد في منطقة الشرق الأوسط كلها، وقال كوبوس دي سوارت المدير الاداري لمنظمة الشفافية الدولية شهدنا حركة جديدة في الدول العربية، وأضاف الان لا توجد مجرد دفعة من أجل حقوق الانسان الاساسية بل أيضا من اجل محاسبة من يعملون في الشأن العام. بحسب رويترز.

عدم وجود هذا النوع من المحاسبة كان مشكلة كبرى معترفا بها، وتراجع موقف مصر ايضا عن العام الماضي وشغلت المركز 112 بدلا من المركز 98 بحصولها على 2.9 نقطة فقط وأيضا سوريا التي شغلت المركز 129 بدلا من 127 . وكان اليمن وليبيا العام الماضي في المركز 146 وانتقل اليمن الى المركز 164 وليبيا الى المركز 168، وكانت دولة الصومال هي الاكثر فسادا هذا العام وتصدرت القائمة وحصلت على نقطة واحدة فقط كما جاء السودان والعراق أيضا بين أكثر عشر دول تعاني من الفساد وجاء السودان في المركز 177 وحصل على 1.6 نقطة بينما جاء العراق في المركز 175 وحصل على 1.8 نقطة.

الربيع العربي

في سياق متصل أضرت انتفاضات الربيع العربي التي اجتاحت الشرق الاوسط وشمال افريقيا بالكثير من رجال الاعمال، وتباطأت الاقتصادات بشدة لان التشكك السياسي يردع الاستثمارات بينما تركز الحكومات الجديدة على محاولة استعادة الاستقرار الاجتماعي بدلا من اصلاح السياسات الاقتصادية علاوة على أن الاضطرابات العملية تعطل الإنتاج وتزيد التكاليف.

وقال عصام حجازي رئيس مجموعة حجازي وغوشة وهي شركة أردنية لتصنيع اللحوم لها استثمارات بملايين الدولارات في مصر والمنطقة ان الفساد كان عقبة كبيرة قبل الثورة وانه أقل كثيرا الان مشيرا الى أن هذا حسن مناخ الاعمال في مصر وقال انه اكثر تفاؤلا بكثير، لكن الكثير من رجال الاعمال ليسوا متفائلين مثل حجازي. في مصر على سبيل المثال لايزال بعض أصحاب الشركات الصغيرة يتحدثون عن صراعات مع مسؤولين فاسدين وبيروقراطية حكومية لا يستطيع سوى كبار منافسيهم الاكثر ثراء التغلب عليها لامتلاكهم المال.

لكن الاطاحة بالرئيس المصري حسني مبارك الى حد ما خففت قبضة زمرة من الساسة والمسؤولين ورجال الاعمال المقربين لهم على الفرص التجارية والتراخيص والتمويل اللازم لاستغلالها، وتواجه شركات مرتبطة بالنظام السابق طعونا قانونية بشأن صفقات أبرمت في الماضي ويجب أن تعمل في ظل مزيد من التدقيق الجماهيري مما يحقق تكافؤ الفرص ويفتح مجال المنافسة امام مجموعة أوسع نطاقا من رجال الاعمال. وقال استشاري بمجال الاعمال في مصر طلب عدم نشر اسمه للحساسية السياسية للموضوع ان التجارة بين مصر والسودان على سبيل المثال لم تعد تحت سيطرة رجال اعمال مرتبطين بنظام مبارك وباتت اكثر انفتاحا وتنوعا، وبعثت قضايا مثل قضية وزير الاسكان المصري السابق احمد المغربي باشارات مقلقة لمسؤولين ورجال أعمال ضالعين في صفقات غير سليمة. وصدر حكم بالسجن خمس سنوات على المغربي في مايو ايار بشأن صفقة غير قانونية لبيع أراض في عهد مبارك وقضت المحكمة بأن يعيد هو ورجل أعمال ضالع معه 72 مليون جنيه مصري (12.6 مليون دولار) للدولة وتغريمهما 72 مليون جنيه اخرى، ولا يختلف الوضع كثيرا في تونس حيث كان أفراد عائلة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي يملكون او يسيطرون على الكثير من كبريات شركات البلاد وكانت لهم مصالح في قطاعات الاعلام والمصارف والاتصالات، ويقول وليد النعسان الرئيس التنفيذي للمجموعة المالية هيرميس الاردن ان بعض قادة القطاع الخاص فقدوا الدعم السياسي وامكانية التمويل التي كانت متاحة لهم. بحسب رويترز.

وأضاف أن عليهم الان أن يقدموا أنفسهم بناء على مسوغاتهم الشخصية مشيرا الى أن الكثير منهم ملوثون. وتابع أن من استغلوا النظام لم يعد بوسعهم القيام بهذا علنا وبشكل صارخ.

وخلال اجتماع في اسطنبول بين مسؤولين تنفيذيين من شركات نفط عالمية ومسؤولين ليبيين ناقشوا خطط ليبيا لشراء بنزين قيمته نحو ثلاثة مليارات دولار فوجيء تجار النفط بتغير الاوضاع في ليبيا. ورفض المديرون الجدد للمؤسة الوطنية للنفط كل الدعوات لتناول الغداء او العشاء والتزموا بجدول محكم، وقال أحد التجار "قبل ذلك كان كل شيء يتم من تحت الطاولة وبالرشى. الان لم أسمع اي شيء عن رشا وتستخدم العطاءات في البيع والشراء.

اما الدول التي لم تسقط حكوماتها فلم تشهد تغييرا كبيرا في مناخ الاعمال. لكن هنا ايضا يبدو أن الربيع العربي يزيد الضغط الشعبي من اجل مزيد من الشفافية وانهاء المحسوبية في مجال الاعمال وهي ضغوط لا يمكن أن تتجاهلها الحكومات بالكامل، في المغرب أمر الملك محمد السادس بمنح مجلس المنافسة وهو الجهة المعنية بمكافحة الاحتكار المزيد من الصلاحيات لتطبيق الشفافية وحسن ادارة الشركات. وقال رئيس المجلس انه سيكون عادلا في التعامل مع الشركات المملوكة للمملكة التي هي اكبر المساهمين في القطاع الخاص بالاقتصاد لكن سلطة التدخل لن تمنح للمجلس الا في اواخر 2012 .

وليس واضحا الى متى ستدوم هذه التغيرات في مناخ الاعمال بالمنطقة. وربما تتكون شبكات جديدة للفساد والمحسوبية الاقتصادية حين تستقر حكومات ما بعد الثورات وربما يهدأ السخط العام من رأسمالية المحسوبية حين تحاول حكومات المنطقة استرضاء الجماهير بتقديم الدعم وزيادة الانفاق على الرعاية الاجتماعية، ويشير بعض رجال الاعمال الى أن على المدى القريب سيضر المناخ التجاري الاكثر نزاهة بالاقتصادات اذ سيصعب هذا انجاز الصفقات، وقال مصرفي من منطقة الشرق الاوسط طلب عدم نشر اسمه "الاعمال المشروعة يضر بها الاعتقاد بأنها تمارس عملها بشكل غير لائق ولا يجرؤ كثيرون على ممارسة سلطتهم خوفا من الانتقام منهم وهذا يصيب الاعمال بالشلل.

مصر

من جهته قال نائب لرئيس الوزراء المصري ان المجلس الاعلى للقوات المسلحة الحاكم سيصدق خلال ايام على قانون يحظر على اي شخص تثبت ادانته بالفساد المشاركة في الحياة السياسية في خطوة تهدف الى كبح نفوذ الحلفاء السابقين للرئيس المخلوع حسني مبارك، وغالبا ما كان الاثرياء في مصر اعضاء بالحزب الوطني الديمقراطي المنحل حاليا والذي كان يتزعمه مبارك، وقد استغل هؤلاء الاشخاص علاقاتهم السياسية لتعزيز مصالح عائلية وتجارية.

ويشعر المصريون الذين ثاروا في يناير كانون الثاني ضد حكم مبارك الذي استمر ثلاثة عقود بالقلق من امكانية اعادة انتخاب مساعديه - الذين يواجه بعضهم المحاكمة بتهم الفساد واساءة استخدام السلطة - في البرلمان الجديد، وقال علي السلمي نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية السياسية ان القانون الجديد سيلاحق قضائيا المسؤولين الذين يثبت ادانتهم في جرائم مالية واساءة استخدام السلطة، وأضاف انه حتى اولئك الذين سيتم انتخابهم في البرلمان لن تكون لديهم حصانة، وقال السلمي ان مجلس الوزراء والمجلس العسكري وصلا الى المراحل النهائية من التصديق على القانون، لكن القاضي هشام البسطويسي قال ان القرار قد يكون تأخر الى الدرجة التي لن يمكن معها منع فلول نظام مبارك من اعادة تجميع انفسهم للانتخابات القادمة، ويقول البسطويسي ومحللون اخرون ان اعضاء سابقين بحزب مبارك قد يواصلون التأثير على العملية السياسية من خلال مساعدين يعملون في الاحزاب التي شكلت حديثا. بحسب رويترز.

وأضاف ان البرلمان الجديد سيضم من دون شك اعضاء بالحزب الوطني الديمقراطي الذي كان يتزعمه مبارك لكنهم لن يفصحوا عن انتمائهم للحزب الوطني وسيدعمهم ساسة كبار من عهد مبارك لن يخوضوا الانتخابات، وأيد مجلس الوزراء المصري القانون قبل اشهر لكن الجيش الذي له الكلمة الاخيرة بشأن التشريع الجديد لم يقل متى سيدخل القانون حيز التنفيذ.

الجزائر

فيما قررت محكمة النقض في وهران (غرب الجزائر) تثبيت احكام السجن الصادرة في حق مديرين سابقين في شركة النفط الجزائرية العمومية سوناطراك، لإدانتهما بالفساد، وكانت محكمة وهران حكمت بالسجن سنة مع النفاذ وسنة غير نافذة على محمد مزيان رئيس مجلس ادارة سوناطراك، وسنة سجنا منها اربعة اشهر نافذة على عبد الحفيظ فغولي رئيس مجلس الادارة بالنيابة بعد اقالة مزيان، وكانت النيابة التي طعنت في الحكم لدى المحكمة العليا، طلبت مضاعفة الحكم الاول.

وطلبت النيابة في المحاكمة الاولى الحكم بالسجن ست سنوات نافذة وغرامة بمليون دينار (13 الف دولار) في حق كل من محمد مزيان وعبد الحفيظ فغولي اللذين حوكما بتهمة "إبرام صفقات مخالفة للاجراءات القانونية" و"تبديد الأموال العمومية"، في حين طالب الدفاع بالبراءة للمتهمين، وقد مثل المتهمان اللذان كانا يشغلان في تاريخ الوقائع (2007) أمام المحكمة بمقتضى القانون المتعلق بالوقاية ومكافحة الرشوة، وبالاضافة الى السجن حكم على المتهمين بغرامة مالية تقدر بخمسمائة الف دينار (66 الف دولار) بالنسبة لمحمد مزيان ومائتي الف دينار (26 الف دولار)، كما حوكم ثلاثة مسؤولين سابقين في القضية هم الرئيس المدير العام لشركة تسويق الغاز الصناعي فرع شركة "سوناطراك" تواتي بن عمر، ورئيس دائرة الدراسات والتطوير لسوناطراك هني مكي، والمدير العام السابق لشركة "سفير" الجزائرية ـ الفرنسية للهندسة والانجاز تيجيني نشناش. وقد حكم عليهم جميعا بالسجن سنة منها اربعة اشهر نافذة، وتعود القضية الى سنة 2007 تاريخ التوقيع على عقد بالتراضي مخالف للقانون بين شركة تسويق الغاز الصناعي وشركة "سفير" لانجاز مركز لتخزين غاز الازوت السائل يتكون من 10 صهاريج في منطقة ارزيو قرب وهران. بحسب فرانس برس.

ووجهت الصحف الجزائرية حينها التهم مباشرة الى وزير الطاقة انذاك شكيب خليل بانه هو الذي اعطى الامر بتوقيع العقد "بالتراضي البسيط" اي دون اعلان مناقصة، وذلك بناء على مبدأ اعطاء الافضلية للشركات المحلية، واضطر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الى تنحية وزير الطاقة بعد عشر سنوات قضاها في المنصب، وقبلها اقالة الرئيس المدير العام لسوناطراك محمد مزيان، الذي خلفه بالنيابة عبد الحفيظ فغولي المقال هو ايضا بعد ثبوت تورطه في القضية.

تونس

من جهة اخرى قال مصدر بوزارة العدل التونسية ان السلطات التونسية اصدرت مذكرة توقيف دولية ضد سهى عرفات أرملة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في اطار تحقيق في فساد مالي يتعلق بالسيدة الاولى السابقة لتونس، وقال شكري النفطي المتحدث باسم وزارة العدل اصدرت تونس بطاقة توقيف دولية ضد سهى عرفات للاشتباه في تورطها في تهم فساد مالي مع اسرة زوجة زين العابدين بن علي، وأقامت اسرة عرفات علاقات في تونس في الفترة التي كانت منظمة التحرير الفلسطينية في المنفى واتخذت مقرا لها في العاصمة التونسية في الثمانينات واوائل التسعينات، وبعد وفاة الزعيم الفلسطيني في عام 2004 حصلت أرملته على جواز سفر تونسي وكانت تشاهد باستمرار في تونس مع ليلى الطرابلسي زوجة بن علي التي كانت تعمل في السابق مصففة شعر وسيطر اقاربها على معظم قطاعات الاقتصاد. بحسب رويترز.

وتم سحب الجنسية التونسية من سهى عرفات وترحيلها في عام 2007 بعد خلاف مع ليلى الطرابلسي، وهي تقيم حاليا في مالطا وفقا لمصدر فلسطيني كان صديقا مقربا من اسرة عرفات، ومنذ الثورة التونسية يلاحق المدعون عشرات الاشخاص الذين لهم صلة بالسيدة الاولى السابقة في اتهامات بالفساد، وأدانت محاكم بن علي وزوجته غيايبا في جرائم سرقة وحيازة مخدرات واسلحة وفساد. ونفى محامي بن علي الاتهامات.

الكويت

الى ذلك أظهرت دراسة ميدانية في الكويت، أن نسبة انتشار الرشوة في المجتمع الكويتي تصل إلى 5%، وتزداد في القطاع الحكومي عنها في القطاع الخاص بمعدل 15%، حيث ترتفع مع ارتفاع الدرجة الوظيفية، الأمر الذي يؤكد العلاقة بين زيادة سلطة الموظف والإغراء بقبول الرشوة، وذكرت الدراسة التي أجراها مكتب التميز التابع لجامعة الكويت وقدمها إلى وزارة الأوقاف، وضعت موظفي الجمارك والضرائب على رأس المستفيدين من ممارسات الرشوة، يليهم موظفو وزارة الداخلية، فالعاملون في البلدية، ثم موظفو الشؤون الاجتماعية والعمل، يأتي بعدهم موظفو المؤسسات المالية، ثم موظفو السجون، وإدارة التسجيل العقاري، وموظفو المشتريات والمناقصات والممارسات، والعاملون بمؤسسات التربية والتعليم، فيما حل العاملون في المؤسسات الإعلامية في أسفل سُلم المستفيدين.

وخلُصت الدراسة إلى أن الدولة غير جادة في التصدي لظاهرة الرشوة، لا سيما أن 59% ممن شملتهم الدراسة يرون أن الرشوة في ازدياد، كما أن تقديمها لا يحدد بمتغير الجنس، ولا فرق بين الذكور والإناث في هذا المجال، واعتبرت الدراسة أن أسبابًا عدة تقف وراء تلك الظاهرة، يأتي في مقدمتها تدني دخل الموظف، إضافة إلى تساهل المجتمع مع المرتشين، والجهل بالحقوق، وتعقيد إجراءات العمل، وعدم وجود رقابة رادعة، والطمع والجشع، وضعف الرقابة، وغياب الوعي الديني، وأوصت الدراسة بأن تبذل الجهات الحكومية المختلفة، مثل وزارات الإعلام والشؤون والأوقاف والداخلية، جهودًا توعوية مكثفة لبيان مدى خطورة ظاهرة الرشوة، واعتبارها أمرًا واقعًا.

وفي هذا المجال، أشارت إلى تأثير الرشوة في السلم الأهلي في المجتمع، لافتةً إلى أن ما تشهده المنطقة العربية في هذه الفترة خير شاهد على هذا الواقع؛ حيث إن مكافحة الفساد التي تمثل الرشوةُ أخطرَ مظاهره، تأتي على رأس قائمة الشعارات التي يرفعها المتظاهرون الثائرون على حكوماتهم.

السعودية

كما كشفت دراسة أعدّها منتدى الرياض الاقتصادي، التي خلصت الى أن 68 % من المستثمرين في المملكة العربية السعودية يلجئون لأساليب غير نظامية تنطوي تحت الفساد كالرشوة والواسطة والتحايل لتسهيل أعمالهم، وأن نحو 56 % من المستثمرين المحليين يرون أن القضاء التجاري ضعيف وعائق استثماري، وأوضحت الدراسة أن نسبة المستثمرين الذين يرون في أسلوب تعامل موظفي الدولة عائقاً استثمارياً زادت 25 % عمّا كانت عليه عام 2005 لتصل إلى 64 %. بحسب وكالة الأنباء الألمانية.

فلسطين

من جانب أخر اعلن وزير الاقتصاد الفلسطيني حسن ابو لبدة في بيان له تعليق ممارسته لصلاحياته ومهامه، والتفرغ للدفاع عن نفسه امام القضاء بتهم فساد وجهها له النائب العام، وقال ابو لبدة بان تعليق عمله لا يعني استقالته من منصبه، بل انه باق في عمله وانه على استعداد للتحقيق معه في اي تهمه موجة اليه، بعدما اعلن عن توجيه اتهام له بالتلاعب المالي، ونشرت عبر صفحات الانترنت لائحة اتهام صادرة عن النائب العام ضد ابو لبدة مؤرخة، تتهمه بجرم الفساد واساءة الائتمان والاحتيال والتلاعب في اسواق المال، وحسب القانون الفلسطيني فان اي وزير يصدر بحقه اتهام مباشر من النائب العام، عليه التوقف عن عمله حتى انتهاء التحقيق معه، وقال ابو لبدة ان هناك محاولات للتشهير به،" خاصة وان القضية المثارة ضدي تم التحقيق معي بشأنها في العام 2007 حينما كان رئيسا لهيئة سوق المال الفلسطيني، وجاء في بيان نشره ابو لبده اليوم "على الرغم من ان القضية التي نحن بصددها لا علاقة لها بعملي كوزير للاقتصاد الوطني، ولا علاقة لها باي منصب عام تقلدته خلال حياتي المهنية، فإنه يتعذر علي استمرار القيام بمهامي بكفاءة وتركيز كاف في ظل استمرار هذه الهجمة الشرسة، والتشويش والتشهير وبث الإشاعات المغرضة والتخوين، ومحاولة توجيه الإهانة لشخصي ولعائلتي، واضاف وبناء عليه فإنني اعلن تعليق ممارستي لصلاحياتي ومهامي، والتفرغ للدفاع عن نفسي امام القضاء في هذه القضية الملفقة، وسيظهر الحق ساطعاوقال ابو لبدة "القضية المتهم بها لا تتعلق بمنصبي كوزير للاقتصاد، وانما هي قديمة منذ ان كنت رئيسا لهيئة سوق المال، وبعث ابو لبدة اليوم برسالتين الى رئيس الوزراء سلام فياض والى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، يوضح فيها موقفه من التهم المنسوبة اليه، وانه تم التحقيق معه حول القضية في العام 2007، وانه لم يكن متهما حينها. بحسب فرانس برس.

وقال ابو لبدة تم تحديد اربعة متهمين من قبل نيابة مكافحة الجرائم الاقتصادية، وتمت احالتهم الى القضاء، وقال ابو لبدة " انا احد المتضررين الاساسيين في القضية، ولم اكن متهما من أي جهة، وجميع الافادات في الملف التحقيقي تشير الى أنه لا علاقة لي بالموضوع وتؤكد أنني المتضرر، وكانت وجهت تهم مماثلة الى وزير الزراعة الفلسطيني اسماعيل دعيق، الذي تمت احالته الى القضاء، ولا زال دعيق موقوفا عن العمل الى حين صدور قرار قطعي من المحكمة المختصة.

الأردن

على الصعيد نفسه شهد الأردن إجراءات حثيثة لمكافحة الفساد طالت مسؤولين كبار بعد أشهر من الاحتجاجات المطالبة باجتثاث الفساد ومعاقبة الفاسدين، في محاولة لإظهار الدولة بموقع القيادة في محاربة الفساد بعد أن كانت هدفا لبعض الاتهامات، بعد أشهر من مظاهرات مطالبة بمكافحة الفساد قامت الدولة الأردنية بإجراءات فعلية على الأرض بينها توقيف أمين العاصمة السابق عمر المعاني بتهمة الإخلال بالواجبات الوظيفية ضمن سلسلة تحقيقات حول شبهات فساد في الأمانة.

كما استدعى المدعي العام عددا من الشخصيات السياسية السابقة بينهم ثلاثة رؤساء وزراء، فيما قررت هيئة مكافحة الفساد منع العشرات من رجال الأعمال من السفر تمهيدا للتحقيق معهم حول قضايا فساد تطال مئات الملايين من الأموال العامة، وتأتي هذه الخطوات بعد جدل أثاره مشروع قانون يعاقب من يطلق ادعاءات أو تهم بالفساد دون إثبات، رأى فيه الحراك الشعبي تحصينا للفساد بدلا من مقاومته. بحسب فرانس برس.

إضافة إلى ذلك، قامت بعض العشائر بإعتصامات وإغلاقات للطرق مطالبة باستعادة أراضي ما يعرف بالواجهات العشائرية التي استولت عليها الدولة، اليوم اختلفت الصورة وتبدو الدولة وكأنها هي التي تقود عملية مكافحة الفساد بعد أن كانت هدفا لبعض الشعارات، وقام الديوان الملكي بكشف تفاصيل تسجيل قطع أراض عديدة تملكها خزينة الدولة باسم الملك عبد الله قال القصر انه بهدف تسهيل استخدامها في مشاريع تنموية، وتبع هذا الإعلان تشكيل مجلس النواب لجنة تحقيق في سجلات دائرة الأراضي حول تسجيل بعض المتنفذين أراض للدولة بأسمائهم الشخصية أو شركاتهم، وأعطى الملك الإشارة للسير في هذا الاتجاه عندما تحدث للسلطات قائلا أن "المواطن تعب... ويريد محاسبة ومعاقبة الفاسد"، مشددا أن "لا حصانة لأحد".

التزوير

في الوق ذاته أحالت هيئة مكافحة الفساد في الاردن الى الادعاء العام عددا من العاملين في برنامج تلفزيوني تضمن توزيع جوائز عينية ونقدية لارتكابهم تجاوزات وعمليات تزوير عبر السماح لاقاربهم بالاتصال للفوز بتلك الجوائز، وقالت الهيئة في بيان بثته وكالة الانباء الاردنية الرسمية "احيل الى المدعى العام مجموعة من الفريق التلفزيوني الذي اشرف على البرنامج لارتكاب بعضهم افعال تزوير والبعض الاخر اهمال في واجبات الوظيفة، واضافت الهيئة "تبين من التحقيق قيام مندوب احدى الشركات المنتجة للبرنامج باضافة اسم زوجته دون وجه حق لتربح احدى سيارات البرنامج واضافة اسم ابنة خالته دون وجه حق ايضا لتربح جائزة نقدية بقيمة 600 دينار (حوالى 850 دولار)، واوضحت ان "التحقيقات بينت قيام موظف في مؤسسة الاذاعة والتلفزيون بأضافة اسم زوجته ووالدته دون وجه حق لتربحا مجموعة جوائز عينية ونقدية، واكدت الهيئة "احالة باقي الفريق التلفزيوني للادعاء العام بسبب الاهمال في واجبات الوظيفة. بحسب فرانس برس.

واستقطب برنامج "رمضان معنا احلى" الذي رعته العديد من الشركات الاردنية وبثه التلفزيون الاردني خلال شهر رمضان الماضي جمهورا واسعا من المشاهدين، وكانت وسائل اعلام اردنية تحدثت عن ان ادارة التلفزيون كشفت عن "تلاعب بالاتصالات الهاتفية" في البرنامج، من قبل بعض القائمين عليه، وتوزيع الجوائز على أقارب وأصدقاء لهم، عبر ترتيب الاتصال وإعطاء الأسئلة والأجوبة، ما أثار شبهة فساد واستدعى تحويله إلى الهيئة للتحقيق فيه.

محمد دحلان

في حين اعلن مصدر في البنك المركزي الاردني في تصريحات صحافية الحجز التحفظي على الاموال المنقولة وغير المنقولة للعضو السابق في اللجنة المركزية لحركة فتح محمد دحلان على "خلفية قضايا فساد" في الاراضي الفلسطينية، وقال المصدر الحكومية ان "رئيس دائرة ادعاء عام عمان القاضي محمد الصوراني قرر بكتاب رسمي ايقاع الحجز التحفظي على الاموال المنقولة وغير المنقولة للقيادي السابق في حركة فتح الفلسطينية محمد دحلان وشقيقه وشخص آخر، واوضح المصدر ان "قرار الحجز جاء على خلفية قضايا فساد مالي يواجهها دحلان في منطقة السلطة الفلسطينية.

من جانب آخر، اكد مصدر قضائي اردني ان القضاء الاردني (بهذا الاجراء) نفذ طلبا قضائيا بحق المسؤول الامني السابق محمد دحلان بالحجز التحفظي على امواله المنقولة وغير المنقولة وذلك بناء على طلب من السلطة الفلسطينية، واضاف المصدر الذي فضل عدم الكشف عن اسمه ان "الاردن التزم بذلك بأتفاقية الرياض للتعاون القضائي"، دون ان يعطي المزيد من التفاصيل، وكانت حركة فتح التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس اعلنت في منتصف حزيران/يونيو ان لجنتها المركزية قررت فصل دحلان وانهاء أي علاقة رسمية له بالحركة وتحويله للقضاء. بحسب فرانس برس.

واوضحت اللجنة المركزية لفتح ان سبب اقصاء دحلان من عضوية الحركة هو "تجاوزات تمس الامن القومي الفلسطيني والثراء الفاحش والتآمر، ويحظى دحلان بحصانة برلمانية، كونه نائبا في المجلس التشريعي. ولا يمكن اعتقاله الا بعد رفع الحصانة عنه من قبل المجلس التشريعي المعطل بسبب الخلافات بين فتح وحماس.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 12/كانون الثاني/2012 - 18/صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م