شبكة النبأ: أبرز الخطاب العدائي
وألعاب الحرب الإيرانية في الخليج الفارسي خلال الأيام الأخيرة مسألة
ما إذا كان باستطاعة طهران غلق مضيق هرمز أم لا. وبحسب ملاحظات العديد
من المحللين، فإن الإجابة هي بالنفي – فلا يمكنها غلق المضيق لفترة
زمنية ذات مغزى. والأمر الأقل تناولاً هو ما إذا كانت إيران ستحاول غلق
المضيق. والإجابة على ذلك هي أيضاً بالنفي – فحتى مجرد المحاولة سيكون
لها تبعات استراتيجية مُدمرة على إيران.
يقول مايكل سيغ في تحليله الأخير المنشور في معهد واشنطن لدراسات
الشرق الأدنى: إن الولايات المتحدة هي الهدف المفترض من الجهود
الإيرانية الرامية إلى غلق المضيق. بيد أنه في حين أن واشنطن ستتأثر
بأي ارتفاع يطرأ على أسعار النفط العالمية، إلا أنها تحصل على القليل
من وارداتها النفطية من الخليج. فالولايات المتحدة لا تستورد سوى نحو
49 بالمائة من النفط الذي تستهلكه، فيما يأتي ما يزيد عن نصف تلك
الواردات من نصف الكرة الأرضية الغربي. وبحسب إحصاءات تشرين الأول/أكتوبر
2011 يأتي أقل من 25 بالمائة من واردات الولايات المتحدة من بلدان
الخليج مجتمعة – وهي نسبة أقل بكثير عما هو متاح في الاحتياطي النفطي
الاستراتيجي للولايات المتحدة، في حالة انقطاع إمدادات الخليج.
ويشير سينغ: من ناحية أخرى، سوف تجد الصين أن وارداتها النفطية
مهددة بشكل كبير جراء أي تحرك إيراني ضد المضيق. ويُشار إلى أن المملكة
العربية السعودية هي مورد النفط الأكبر للصين. بيد أن الصين هي عميل
النفط الرئيسي لإيران وربما تكون حليفها الأكثر أهمية: إذ تقوم بكين
بتزويد إيران بأسلحتها الأكثر تطوراً فضلاً عن توفير غطاء دبلوماسي لها
في الأمم المتحدة. وبهذا فإن أي تحرك لغلق المضيق سوف تكون له آثار
عكسية استراتيجية تُضر بمصالح أهم حليف لإيران وتقطع خط النجاة
الاقتصادي لإيران – وربما تؤدي إلى عزلته عنها – في نفس الوقت الذي لن
تلحق فيه أضراراً كبيرة بواردات النفط الخام الأمريكية.
وربما لا يكون من باب المصادفة إذاً أن تكون الصين قد أوفدت بسرعة
نائب وزير الخارجية زاي جون إلى طهران في أعقاب التصريحات العدائية من
جانب إيران. وبطريقة غامضة عادة، لم يصرح وزير الخارجية الصيني سوى بأن
"الصين تأمل في الحفاظ على السلام والاستقرار في المضيق"، وهذا بشكل
أساسي حديث دبلوماسي الغرض منه "تهدئة الأوضاع".
وحتى إذا تجاهلت إيران هذه الاعتبارات ومضت في محاولتها لإغلاق
المضيق، فإن الولايات المتحدة ودولاً أخرى سوف تتحرك للإبقاء عليه
مفتوحاً، ومن المرجح ألا يتوقف الأمر عند ذلك الحد. ومع اقتراب إيران
من قدرات تصنيع أسلحة نووية، فإن احتمال اتخاذ إجراء عسكري ضد إيران
أصبح أكثر قرباً. لقد كان الرئيس أوباما متردداً في تهديد إيران عسكرياً،
وسوف يفكر أي رئيس أمريكي ملياً وبجدية قبل التورط في نزاع مسلح آخر في
الشرق الأوسط.
غير أن محاولة إيران وقف التجارة النفطية في الخليج سوف يجعل ذلك
القرار أمراً حتمياً. إذ سوف ترد الولايات المتحدة بالقوة، وبمجرد
الاشتباك في أعمال عدائية مع إيران، فإنها سوف تقتنص الفرصة سريعاً
لاستهداف المرافق النووية والأهداف العسكرية الأخرى لإيران. ويصعب تصور
أي سيناريو يبدأ بمحاولة إيران غلق مضيق هرمز ولا ينتهي بانتكاسة
استراتيجية خطيرة للنظام الإيراني.
ويردف سينغ: إدراكاً منها لعدم قدرة إيران وعدم احتمالية أن تحاول
إغلاق المضيق، تستطيع الولايات المتحدة ببساطة الجلوس وهي واثقة من
قوتها الفائقة. وسوف يكون هذا خطأ. إن الخطر الحقيقي في الخليج هو في
النشاط منخفض المستوى من جانب إيران لمضايقة حركة الشحن ومواجهة
البحرية الأمريكية. فالقادة الإيرانيون في المنطقة يزدادون وقاحة. وفي
حالة عدم ردعهم، فإن إحساس إيران بالحصانة – ناهيك عن تقدمها النووي –
قد يكون الشرارة التي تشعل الصراع في المنطقة.
لقد استثمرت البحرية الإيرانية – لا سيما الذراع البحري لـ "الحرس
الثوري" الإيراني – في المراكب والأسلحة الملائمة تماماً للحرب غير
المتماثلة، بدلاً من الصراع بين السفن الذي من المؤكد أن تخسره إيران.
ولذا اشترت إيران، بمساعدة من الصين وروسيا، ألغاماً متطورة وغواصات
صغيرة وصواريخ كروز متحركة مقاومة للسفن وأسطولاً صغيراً ومراكب سريعة.
وبالإضافة إلى ذلك ذكرت التقارير أنها طورت أدوات حربية بحرية خاصة، أو
ما يطلق عليه رجال الضفادع.
كما أظهرت إيران رغبة متنامية في مواجهة القوات الأمريكية وقوات
التحالف في المنطقة. وقد وقع الحادث الأكثر دلالة على ذلك في آذار/مارس
2007، عندما أسر قائد "الحرس الثوري" خمسة عشر جندياً وبحاراً بريطانياً.
لكن هناك حوادث أخرى عديدة. ففي مناسبات عديدة، من بينها حالة واحدة
على الأقل تم الإبلاغ عنها في هذا العام، أجرت القوارب الصغيرة
الإيرانية هجمات "احتشاد" صورية على ناقلات وسفن حربية أمريكية. وفي كل
حالة، أظهر القادة من الولايات المتحدة وقوات التحالف ضبط النفس، وهو
ما فسره القادة الإيرانيون حتماً بطريقة سلبية، حيث مضوا في طريق تصعيد
الأوضاع.
ويضيف سينغ: بدلاً من الانتظار لنجاح واحدة من هذه الأساليب
والاضطرار إلى الرد، يجب على الولايات المتحدة أن تسعى بنشاط إلى إثناء
إيران عن إجراء اختبارات إضافية للحدود الأمريكية القصوى من خلال جهد
رادع أقوى.
أولاً، ينبغي على الولايات المتحدة استئناف برنامج أكثر نشاطاً
للتدريبات العسكرية وأنشطة الإشارات في الخليج، من أجل إظهار القدرات
الأمريكية وجعل إيران تعيد النظر في أفعالها في المنطقة.
ثانياً، ينبغي على الولايات المتحدة أن تبعث بمؤشرات حول التزامها
الدائم تجاه الخليج بعد انسحابها من العراق والاستمرار في دعم القدرات
الساحلية والجوية وقدرات الدفاع الصاروخي لحلفائها في دول "مجلس
التعاون الخليجي" ودمج قواتهم في التدريبات آنفة الذكر.
وأخيراً، ينبغي على الولايات المتحدة أن توضح لإيران مبكراً أن
واشنطن مستعدة لاستخدام قوتها العسكرية المنتقاة رداً على أي استفزازات
إضافية كتلك الوارد مناقشتها أعلاه. إن تلك القوة المحدودة – سواء ضد
البحرية الإيرانية في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي أو ضد "قوة
القدس" التابعة لـ "الحرس الثوري" في السنوات الأخيرة – قد أثبتت
فعاليتها في إرغام إيران على الانسحاب.
ويلاحظ بشكل متكرر أن تبعات الإجراءات العسكرية لا يمكن التنبؤ بها،
وهذا أمر حقيقي؛ وينبغي عدم استخدامها إلا بحذر وبعد دراسة واعية. بيد
أن التجنب المفرط للمخاطر التي تؤدي إلى فشل الردع وتغذية إحساس إيران
بالحصانة، قد ينطوي من باب المفارقة، على نفس القدر من المخاطر. إن
المسار الأكثر حكمة هو عدم إبداء العدائية الشديدة أو السلبية، وإنما
إظهار وضع قوي يجعل طهران تفكر مرتين.
نبذة عن معهد واشنطن
الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه
الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية
في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل
توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه
المنطقة الحيوية من العالم.
وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم
المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة
العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم
للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق
باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف
الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف
به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة. |