اليمن ومحنة الرئيس... من التنحي الى الحصانة

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: بعد أشهر من المراوغة والمماطلة والتحدي ادخر الرئيس اليمني علي عبد الله صالح مفاجأة أخرى ووقع المبادرة الخليجية التي جردته من سلطاته حتى ولو على الورق، وكذلك مشروع قانون بشأن منحه حصانة من الملاحقة القانونية والقضائية، الذي أثار جدلا على المستوى الحكومي والشعبي والدولي.

فقد يوجه اليمنيون تركيزهم الآن إلى كيفية تطبيق الاتفاق بما يضمن تفكيك حكم صالح الممتد لأكثر من 30 عاما، إذ زرعت قبضته الحديدية أفراد عائلته وأصدقاءه وحلفاءه في الجيش وقطاع الأعمال والاقتصاد، وأضعف الصراع السياسي الذي امتد عدة أشهر سيطرة الدولة بالفعل على معظم أرجاء اليمن مما أفسح المجال للمتمردين في الشمال والانفصاليين وتنظيم القاعدة في الجنوب في الوقت الذي يعاني فيه سكان اليمن البالغ عددهم 24 مليون نسمة من نقص شديد في المياه والوقود والوظائف، دفعت هذه الاضطرابات العنيفة اليمن المتاخم للسعودية عملاقة النفط الى شفا حرب أهلية مما أثار قلقا عميقا في الرياض وواشنطن، وهما اللاعبين الأساسين في القضية اليمنية.

في حين يظهر طلب الرئيس اليمني علي عبد الله صالح السماح له بزيارة الولايات المتحدة أنه ربما يكون استسلم الان لفكرة التخلي عن السلطة لكنه لا يضمن له الحصانة من المحاكمة التي ينشدها مقابل تنحي.

فيما يسود اعتقاد متزايد بين الخبراء بأن الحكومة اليمنية المستقبلية ربما تجد في نهاية المطاف أن التعهد بالعفو عن الرئيس يثير انقسامات تعطيها حق مخالفة هذا البند من الاتفاق الذي تريد السعودية والولايات المتحدة تطبيقه لتنحية صالح عن الحكم.

خلافات السلطة

من جهته قال عضو قيادي في المعارضة اليمنية ان القائم بأعمال الرئيس اليمني هدد بترك منصبه ما لم يتوقف الرئيس المنتهية ولايته علي عبد الله صالح وحلفاؤه عن "التدخل" في مهامه، ونفى متحدث باسم مكتب صالح التقارير التي تحدثت عن وجود خلاف بين صالح ونائبه عبد ربه منصور هادي والذي يبدو انه أحدث عقبة أمام خطة توسطت فيها دول الخليج لانهاء الاحتجاجات المستمرة منذ أشهر والجمود السياسي في البلاد، وقال العضو البارز بتكتل أحزاب اللقاء المشترك المعارض في اليمن طالبا عدم ذكر اسمه "العلاقات بين صالح ونائبه تدهورت... هادي أبلغ الوسطاء الغربيين بانه سيغادر صنعاء اذا استمر التدخل في اختصاصاته، وبموجب خطة نقل السلطة التي صاغتها دول مجلس التعاون الخليجي اتفق حزب المؤتمر الشعبي العام بزعامة صالح وأحزاب اللقاء المشترك على تقاسم المناصب الوزاية وتشكيل حكومة وفاق وطني لادارة شؤون البلاد لحين اجراء انتخابات الرئاسة في فبراير شباط تحت قيادة هادي.

ووقع صالح على ذلك الاتفاق في نوفمبر تشرين الثاني بعد ان تراجع عن التوقيع ثلاث مرات من قبل ولكن لا تزال هناك تساؤلات حول نوايا صالح الذي قال خلال الايام القليلة الماضية انه سيبقى في اليمن متراجعا عن تعهده بالسفر الى الولايات المتحدة.

وقال عضو أحزاب اللقاء المشترك ان هادي حذر الوسطاء من انه سيتوجه الى مدينة عدن الساحلية الجنوبية ويتخلى عن منصبه اذا واصل صالح واتباعه اعاقة عمله، وأضاف عضو المعارضة "المتشددون في حزب المؤتمر الذي يتزعمه صالح وجهوا انتقادات حادة لنائب الرئيس في اجتماع حضره الرئيس مما جعل النائب يقاطع الاجتماع الاخير الذي دعا اليه صالح مع زعماء حزبه ووزرائه، وتدهورت العلاقات بين صالح ونائبه بعد ان رفض هادي أوامر الرئيس باعادة حلفائه الى وظائفهم وبسبب خلاف انتقد فيه انصار صالح هادي بشدة مما دفع نائب الرئيس الى مقاطعة اجتماع عقد بعد ذلك، ولكن المتحدث باسم مكتب الرئيس قال ان هذا التقرير غير صحيح.

مشادات حادة

فقد شهدت أولى جلسات مجلس النواب اليمني المخصصة لمناقشة قانون منح الحصانة للرئيس على عبد الله صالح وكبار معاونيه مشادات ساخنة بين نواب مؤيدين وآخرين معارضين للنظام، وكانت حكومة الوفاق الوطني قد اقرت مشروع القانون وأحالته على مجلس النواب لإقراره، وتفجر النقاش الساخن في المجلس بعد تقديم نواب المعارضة مسودة قرار بتزكية نائب الرئيس منصور هادي كمرشح توافقي للانتخابات الرئاسية المبكرة. و اعترض رئيس كتلة المؤتمر الشعبي الحاكم في المجلس سلطان البركاني على المقترح. وطالب بأن يتقدم نائب الرئيس بطلب الترشيح الى المجلس بنفسه، ونقل أعضاء في مجلس النواب عن البركاني قوله خلال الجلسة: من يريد الترشح فعليه التقدم بطلب للمجلس وليس عن طريق الرسائل الغرامية، وقد أثار ذلك جدلا واسعا داخل المجلس وسط اعتراضات على اللغة التي استخدمها البركاني تجاه هادي، القائم بأعمال الرئاسة، ورد البركاني بمغادرة قاعة المجلس قائلا بسخرية صالح ليس منتظرا لقانون الحصانه ولا يحتاج إليه، في الوقت نفسه، تظاهر مئات الآلاف في مدن يمنية عدة من بينها تعز وإب والضالع للاحتجاج على مشروع القانون، ورغم المظاهرات الرافضة للمشروع فإن تكتل اللقاء المشترك للمعارضة، الموقع على المبادرة الخليجية، التزامه بالمضي قدما في اقرار القانون وفقا للمبادرة، ونقلا عن البركاني، قوله إنه لابد أن يقر مجلس النواب قانون الحصانة غير أن أعضاء في مجلس النواب دعوا إلى رفض التصويت لصالح المشروع. بحسب لبي بي سي.

فيما دعا النائب المعارض محمد الحميري النواب إلى الاستقالة من الأحزاب المؤيدة لمنح الرئيس اليمني الحصانة، من ناحية أخرى، اعتبر نواب معارضون آخرون مشروع القانون مفسدة لا بد منها باعتبارها أقل كلفة من الحرب الأهلية، غير أن النائب المعارض محمد الحزمي اشترط ، أن يتم أقصاء أنصار صالح ، المتهمين بالضلوع في قتل المتظاهرين ، من العمل السياسي.

حصانة صالح

فيما أقر مجلس الوزراء اليمني في اجتماع برئاسة محمد سالم باسندوة مشروع قانون بشأن منح حصانة من الملاحقة القانونية والقضائية للرئيس علي عبدالله صالح وكل من عمل معه في مختلف مؤسسات الدولة، رغم المعارضة الداخلية للخطوة والتحذيرات الخارجية من مغبة السير بها، وجاء في نص المشروع المقدم من نائب رئيس الجمهورية أنه يستند إلى ما ورد في البند الثالث من مبادرة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي أوجب على مجلس النواب، بما فيهم المعارضة، إقرار القوانين التي تمنح الحصانة ضد الملاحقة القانونية والقضائية لرئيس الجمهورية ومن عملوا معه خلال فترة حكمه.

كما أشار المشروع إلى الحرص على أن يساهم كل أبناء الشعب اليمني في مسيرة البناء والتنمية، واحتواء للآثار التي نتجت عن الأزمة الداخلية التي حدثت الفترة الماضية وما نتج عنها، ويشير المشروع إلى منح صالح "ومن عمل معه في جميع أجهزة ومؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية خلال فترة حكمه حصانة من الملاحقة القانونية والقضائية،" أما المادة الثانية منه فجاء فيه أن هذا القانون "يعتبر من أعمال السيادة ولا يجوز إلغاؤه أو الطعن فيه،" على أن تسري أحكامه على الأفعال الواقعة قبل صدوره، وأحال مجلس الوزراء مشروع القانون إلى مجلس النواب لاستكمال الإجراءات الدستورية بشأنه، وكلف بهذا الخصوص وزير الدولة لشؤون مجلسي النواب والشورى ووزير الشؤون القانونية متابعة استكمال الإجراءات الدستورية لإصداره.

وكانت المعارضة اليمنية قد قامت بعدة تحركات في الشارع بعد إعلان المبادرة الخليجية لتأكيد رفضها منح الحصانة لصالح، رغم وجود الكثير من أحزاب المعارضة ضمن الحكومة التي يرأسها باسندوة، كما كان للمفوضة السامية لحقوق الإنسان، نافي بيلاي، موقف بارز الجمعة، دعت فيه صناع القرار في اليمن إلى "احترام الحظر المنصوص عليه في القانون الدولي ضد العفو عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وأكدت المفوضة السامية أنه يجب ألا يكون هناك أي تمييز بين الأفراد الموالين للحكومة ومن يعارضونها وألا يكون هناك أي تمييز مبني على الروابط العائلة، وأن كل مرتكب لجريمة ما يجب أن يخضع للمساءلة وينبغي ألا يسمح له بالإفلات من العدالة، وقالت بيلاي لقد كنت أتابع عن كثب الأحداث الجارية في اليمن ولا سيما الجدل الشديد بشأن قانون العفو العام الذي سيقدم للبرلمان. بحسب رويترز.

وأضافت إن القانون الدولي والموقف الثابت للأمم المتحدة واضحان في هذا الشأن بأن العفو غير جائز إذا كان يمنع مقاضاة أفراد قد يكونون مسؤولين جنائيا عن ارتكاب جرائم دولية بما في ذلك جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

وقالت "إنه واستنادا على المعلومات التي جمعناها، هناك ما يدعو للاعتقاد بأن بعض هذه الجرائم ارتكبت في اليمن خلال فترة النظر في قانون العفو، مؤكدة أن مثل هذا العفو يشكل انتهاكا لالتزامات اليمن الدولية تجاه حقوق الإنسان.

سياسة واشنطن

الى ذلك شددت الولايات المتحدة على الرئيس اليمني علي عبد الله صالح ضرورة قيامه فعليا بتسليم السلطة بعد الانتخابات الرئاسية في بلاده، وذلك بعدما بدا ان الرئيس اليمني عدل عن التوجه الى الولايات المتحدة، اعلن صالح انه يامل في القيام بهذه الزيارة لتسهيل عمل حكومة الوفاق الوطني وتنظيم الانتخابات الرئاسية المبكرة التي سيسلم السلطة في نهايتها، لكن مساعد وزير الاعلام اليمني اعلن ان صالح قرر الغاء زيارته الى الولايات المتحدة بعدما مارس مسؤولون كبار في حزبه، المؤتمر الشعبي العام، ضغوطا عليه لكي لا يسافر (...) لان الانتخابات لا يمكن ان تحصل من دونه، وردا على سؤال بهذا الشان، اكد المتحدث باسم مجلس الامن القومي الاميركي ان الولايات المتحدة "تبحث مع الحكومة اليمنية.

ولاحظ المتحدث تومي فيتور مع ذلك، ينبغي ان نشير الى انه بموجب اتفاق حل الازمة السياسية في اليمن، نقل صالح سلطاته التنفيذية الى نائب الرئيس (عبد ربه منصور) هادي الذي يشرف حاليا على المرحلة الانتقالية، واضاف فيتور ان الرئيس "صالح وقع هذا الاتفاق بشهادة العالم اجمع. وتلتزم الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بالعمل على جعله يحترم هذا الاتفاق.

من جهة اخرى اعلن المتحدث ان طلب صالح التوجه الى الولايات المتحدة لا يزال قيد الدرس ولم يتم رفض ، اكد مسؤولون اميركيون ان صالح الذي وافق مبدئيا على نقل السلطة بعد 33 عاما على راس الدولة، لا يمكن استقباله على الاراضي الاميركية سوى لتلقي علاج "حقيقي" بعد اصابته في اعتداء في حزيران/يونيو الماضي بجروح خطرة، ويعتبر بعض المسؤولين الاميركيين ان اخراج صالح من بلاده سيسمح بالحد من التوترات من الان وحتى الانتخابات الرئاسية، لكن مثل هذه الزيارة قد تعرض الولايات المتحدة لاتهامات بتوفير ملجأ لرئيس تسلطي مسؤول عن مقتل مئات المتظاهرين.

جرائم حرب

في سياق متصل قد يتعرض صالح إلى ملاحقة قضائية من قبل منظمة حقوقية امريكية مستقلة تتهمه بارتكاب جرائم حرب خلال الانتفاضة على حكمه في حال ذهابه الى الولايات المتحدة، وقال ابراهيم القعطبي، وهو مسئول في منظمة "مركز الحقوق الدستورية من نيويورك، ان المنظمة تستند الى"قانون أمريكي في تقديم الرئيس اليمني إلى العدالة، واضاف القعطبي، وهو امريكي من اصل يمني، ان قانون المسؤولية التقصيرية للاجانب يخول اليمنيين الاميركيين او اليمنيين المقيمين في الولايات المتحدة مقاضاة صالح امام محكمة مدنية امريكية، ووفق القانون يمكن مقاضاة حاملي الجنسيات الاخرى في الولايات المتحدة على جرائم ارتكبوها خارج الاراضي الاميركية، وبالنسبة الى الحصانة التي يتمتع بها رؤساء الدول امام القضاء، قال القعطبي ان صالح "لا يمارس صلاحياته الرئاسية استنادا الى الاتفاق الذي وقعه في الرياض، كما ان طلبه للحصول على تأشيرة دخول لامريكا يعني ان الإدارة الأمريكية لم تعد تعتبره رئيسا.

قتل مئات الأشخاص خلال الاشهر العشرة الماضية في اليمن، بينما اصيب آلاف آخرون بجروح اثناء محاولات القوى الامنية قمع الاحتجاجات السلمية، وقالت منظمات حقوقية دولية ان منح الصحانة لصالح يوجه صفعة قوية لعائلات ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، وقالت منظمة العفو الدولية في بيان لها: "ان اتفاق نقل السلطة في اليمن يتضمن بنودا تعرقل اجراء اي تحقيقات او مقاضاة تطال كبار المسئوليين في نظام صالح"، ودعت الى اجراء تحقيق دولي مستقل محايد لمحاسبة المسئوليين.

وتعتبر الولايات المتحدة الرئيس اليمني شريكا مهما في "الحرب على الارهاب"، وترى ان اليمن اصبح معقلا للقاعدة في المنطقة، كما تخشى ان ينزلق البلد الى مصاف الدول الفاشلة، الا ان المعارضة تقول ان صالح كان يلعب بورقة القاعدة منذ سنوات لكسب تأييد ودعم امريكي ساعده في التشبث بالسلطة حتى الآن، كما أن المعارضة تتهم صالح بالمراوغة، ففي بعض الاحيان، بدا صالح وكأنه مقدم على التنحي، ثم بدا في احيان كثيرة رافضا لقب الرئيس المخلوع.

الحكومة الجديدة

كما يبدو ان الحكومة اليمنية الجديدة المكلفة برسم مسار سياسي لانتشال البلاد من شبح الحرب الاهلية محكوم عليها بالفشل منذ البداية لاعتمادها على قادة الجيش الذين يفترض ان تعمل هي على تحييدهم كما ان صورتها سلبية في عيون المحتجين الذين يقودون الانتفاضة ضد الرئيس علي عبد الله صالح.

وستقود الحكومة التي تشكلت بموجب اتفاق لنقل السلطة تحت اشراف السعودية البلاد حتى الانتخابات الرئاسية المقررة في فبراير شباط لاختيار خليفة لصالح بعد عشرة اشهر من الاحتجاجات ضد حكمه الممتد لاكثر من 30 عاما، وهدف الحكومة هو الحيلولة دون انزلاق اليمن الى الفوضى من خلال وضع حد للقتال عبر التفاوض. والى جانب الاحتجاجات احتدم القتال بين وحدات من الجيش موالية لصالح ووحدات مناوئة له وميليشيات قبلية مصرة على القضاء عليه، وربما يتسبب ذلك في تشكيل حكومة يتقاسم فيها اعداء صالح السلطت مع اتباعه لكن بدون النفوذ العسكري الذي يتمتع به الرجال الذين ستحاول عمليا نزع سلاحهم.

وكتب يقول في جريدة السفير اليومية بعد موافقة صالح على اتفاق تسليم السلطة "السؤال.. كيف يمكن تحييد القوات المسلحة عن التدخل في المرحلة الانتقالية وتوحيدها بما يؤمن سلمية الانتقال فيما يسيطر الرئيس المتنازل على القسم الاكبر من القوات المسلحة، وبدون سلطة فعلية فان افضل سيناريو ممكن هو وصول الحكومة المؤقتة الى الانتخابات بدون اندلاع اعمال عنف كبيرة، وقال المحلل السياسي اليمني عبد الغني الارياني "الكثير من الاشخاص الذين تم تعيينهم اقل بكثير في الكفاءة مقارنة بمن سبقوهم، واضاف "ما شهدناه هو خليط من التسوية والترضية انتج مجلس وزراء غير فاعل، وتابع "اقصى ما يمكن ان تتمناه من هذه الحكومة هو تحقيق الظروف الملائمة لاجراء انتخابات رئاسية سلمية خلال شهرين ونصف الشهر. لا اعتقد ان بمقدورهم تحقيق شيء ملموس اكثر من هذا، ولم يحظ فصيل من اليمنيين بتمثيل في صياغة اتفاق تسليم السلطة الذي ابرم في العاصمة السعودية الرياض لكن اعترف به كقوة جديدة بزغت في الانتفاضة ضد صالح، ورفضت الحركة الاحتجاجية حكومة الوحدة الوطنية قبل تشكيلها بوقت طويل، ورفع المحتجون الشبان الذين قضوا نحو عام في الشوارع سقف مطالبهم الخاصة بالتغيير السياسي الى ما هو اعلى من رحيل صالح اذ دعوا الى اسقاط جميع النخب السياسية في البلاد، وينظرون للصراع العسكري في البلاد على انه عداء بين شركاء فيما يعتبرونها جرائم ارتكبها نظام صالح. بحسب رويترز.

وقال مانع المطري (28 عاما) وهو احد منظمي الاحتجاجات في العاصمة "لا يمكنك ان تقول انها (الحكومة) ستعمل بشكل مستقل عن صالح بدون تطهير كامل لقيادة الجيش من جميع اقاربه... الجيش يدير الامور في هذا البلد وليس الحكومة، وهذا الشعور كما يقول شرقية يوضح الفشل الكبير لحكومة لم تؤد اليمين الدستورية بعد، وقال "انهم (المعارضة السياسة) لم يعترفوا ابدا بالشباب ولم يشركوا الشباب الذين لم يشتركوا في الاتفاق ونددوا به على طول الخط، وتابع هناك تساؤل بشأن الشرعية وفيما يتعلق بهذا الامر فهم لا يملكونها.

متشددون اسلاميون

من جانب أخر قال شهود عيان ان متشددين اسلاميين اطلقوا النار في الهواء لوقف مسيرة نظمها الاف اليمنيين المطالبين بانهاء صراع أرغم نحو 100 ألف على الفرار من ديارهم بجنوب اليمن، وقال مشاركون في المسيرة ان مسيرتهم التي من المفترض ان تمتد لمسافة 50 كيلومترا سيرا على الاقدام من مدينة عدن الساحلية الى زنجبار عاصمة محافظة أبين حيث يقاتل الجيش مقاتلين يعتقد انهم لهم صلات بتنظيم القاعدة، والقتال في الجنوب واحد من تحديات عديدة يواجهها اليمن الذي تعصف به الاحتجاجات منذ حوالي عام ضد حكم الرئيس علي عبد الله صالح المستمر منذ 33 عاما، وتشعر الولايات المتحدة والسعودية المجاورة بقلق من الفوضى المتزايدة في اليمن الذي يقع على مقربة من خطوط بحرية لتجارة النفط.

ويخشى محللون ان يستغل جناح تنظيم القاعدة في اليمن الذي يعتبر أقوى اجنحة التنظيم الاضطرابات في اليمن، وقال المشاركون في المسيرة انهم يدعون الجانبين الى القاء السلاح في الجنوب ويطالبون بفتح طريق عدن-زنجبار الساحلي السريع وهو مسار تجاري حيوي تسبب القتال في اغلاقه، وقال المحتجون - الذين ذكروا ان 20 ألف شخص شاركوا في المسيرة من بينهم نساء واطفال انهم اقتحموا نقطة تفتيش عسكرية على الطريق قبل ان يقابلهم المتشددون، وقال محمود السيد أحد المشاركين في المسيرة لرويترز "اطلق نحو 20 شخصا النار في الهواء لوقفنا. واخبرونا انهم ليس لديهم اعتراض على عودتنا الى ديارنا مادمنا لم نتورط في الصراع، واضاف ان بعض المشاركين في المسيرة عادوا من حيث جاءوا بينما يجري اخرون محادثات مع المتشددين لاقناعهم بالسماح للمسيرة بالمضي قدما. وقال مشاركون ان المتشددين قالوا انهم يريدون ابعاد المسيرة عن منطقة الصراع حفاظا على سلامتهم وكان احد المشاركين في المسيرة قال في وقت سابق بعد ان طلب عدم الكشف عن هويته "مسيرتنا رسالة للنظام والجيش والقاعدة بأننا ابناء ابين... ونحن عازمون على العودة الى ديارنا، ودعمت السعودية خطة السلام الخليجية الرامية الى حل الازمة اليمنية وفي اطار هذه الخطة سلم صالح سلطاته الى نائبه. ومن المقرر ان تجرى الانتخابات الرئاسية في فبراير شباط، لكن القتال ضد الاسلاميين المتشددين في الجنوب استمر وأرغم نحو 97 ألفا على الفرار من ديارهم. ووفقا لتقديرات الامم المتحدة تشرد أكثر من 300 ألف جراء الصراع في الشمال. بحسب رويترز.

ومن ناحية اخرى قال وزير النفط اليمني هشام شرف ان منحة سعودية من وقود الديزل ستكفي لتلبية حاجات اليمن لمدة شهرين، وقالت مصادر بصناعة النفط ان شركة أرامكو السعودية تسعى لشراء وقود لمنح اليمن نحو 500 ألف طن من المنتجات النفطية في يناير كانون الثاني، وأبلغ شرف أن استهلاك الديزل في اليمن يبلغ 260 ألف طن شهريا بقيمة 280 مليون دولار، وستكون تلك المرة الثانية في ستة أشهر التي تقدم فيها السعودية مساعدة حيوية من الوقود لجارها الفقير وسط الازمة السياسية. وتخشى السعودية أن يتطور الوضع في اليمن الى حرب أهلية، وقال شرف ايضا ان انتاج حقل المسيلة النفطي يبلغ 70 ألف برميل يوميا. ويتولى اليمن ادارة الحقل حاليا بعد انتهاء عقد شركة النفط الكندية نيكسين دون تجديده.

الرقص على رؤوس الافاعي؟

من جهة أخرى يقول دبلوماسيون ان احدى العقبات الرئيسية في طريق تطبيق الاتفاق هو صالح نفسه الذي قارن ذات يوم بين حكمه لليمن الذي صمد 33 عاما بالموازنات والمواءمات وبين الرقص على رؤوس الافاعي، وقال غانم نسيبة وهو محلل مقيم في بريطانيا "أخشى من وجود الكثير من الفجوات وأن تفسد مشاكل التطبيق المسألة برمتها، وأضاف "هذا هو افضل ما يمكن ان يتوقعه اليمنيون، ويحذر الكثير من الدبلوماسيين من أن الاتفاق الذي وقعه صالح لاسترضاء معارضيه والقوى الكبرى ينطوي على عيوب يمكن استغلالها لتقويض تطبيقه في كل مرحلة.

لا يمكن انكار ذكاء صالح الذي نجح في تجاوز الكثير من الصراعات مع خصومه واستغل المحسوبية ببراعة للاحتفاظ بولاء القبائل والداعمين السياسيين، واهتزت الامال في أن يحقق الاتفاق السلام بعد يوم من توقيعه حين قتل خمسة يمنيين على الاقل على أيدي مسلحين يعتقد أنهم موالون لصالح هاجموا احتجاجا يطالب بمحاكمة الرئيس اليمني. ويعطي الاتفاق صالح حصانة من المحاكمة، ولا توجد اي بادرة على مغادرة الاف المحتجين في شوارع صنعاء خيامهم المعتصمين فيها والتي أصبحت منازلهم على مدى الاشهر العشرة الماضية، ولايزال كثيرون غاضبين من أن المبادرة الخليجية التي وقعها صالح تضمن له ولابنائه وابن احد اخوته الحصانة بعد ان سيطروا على البلاد التي يعيش نحو 42 في المئة من سكانها على أقل من دولارين في اليوم، ويقول دبلوماسيون ان الاتفاق لم يوقع الا بعد ضغوط مكثفة من الولايات المتحدة والسعودية ودول اوروبية على صالح وأحزاب المعارضة للتوصل الى اتفاق، ويشيرون الى أن واشنطن حرصت على حسم الوضع في اليمن بطريقة منظمة قبل خروج مرتبك محتمل لصالح قد يؤثر على السعودية اكبر دولة مصدرة للنفط في العالم.

ويقول دبلوماسيون ان الولايات المتحدة حريصة على حل الازمة في اليمن في الوقت الذي تواجه فيه تحديات أخرى بالمنطقة خاصة في سوريا ومصر، كما تزيد الفوضى المستمرة باليمن الذي يطل على واحد من اكثر ممرات الشحن حيوية الخطر على امدادات النفط العالمية، وعلى الرغم من أن الاتفاق يمنح صالح منصبا شرفيا كرئيس دولة بلا صلاحيات فهو لايزال يتمتع بنفوذ على القوات المسلحة والاقتصاد.

وقال ابراهيم شرقية المحلل بمركز بروكنجز الدوحة "وجود احمد صالح على رأس الحرس الجمهوري استمرار للنظام، هل سيكون الحرس الجمهوري مستعدا لاستبدال احمد.. لننتظر ونرى، ومن العوامل الاخرى المثيرة للقلق أن اللاعبين الاساسيين في المعارضة خاصة النشطاء الذين اعتصموا في وسط صنعاء وتعز لاشهر غير راضين عن الاتفاق الذي يعطي صالح ومساعديه المقربين وافراد عائلته الحصانة، وقال فايز احمد (26 عاما) المعتصم في ساحة التغيير بصنعاء منذ عدة اشهر "لم نخرج الى الشوارع ونقدم التضحيات حتى يحصل صالح وأقاربه على الحصانة من الملاحقة القانونية، وأضاف "نريد محاكمة القتلة، وراهنت السعودية -التي مولت صالح وبعض خصومه من القبائل لفترة طويلة- بسمعتها على الاتفاق حين شهد الملك عبد الله العاهل السعودي مراسم التوقيع في قصره بالرياض، وتخشى السعودية التي قاست لثلاثة اعوام من هجمات شنها متشددون ومن بينهم مقاتلون مخضرمون شاركوا في حروب في افغانستان والعراق على الاجانب وقوات الامن وأعضاء بالاسرة الحاكمة ومنشأة نفطية من أن يستغل تنظيم القاعدة الفوضى الناجمة عن الاحتجاجات ليرسخ وجوده في اليمن ويجند مقاتلين في صفوفه، وسيطر التنظيم على اجزاء من محافظة ابين منها العاصمة زنجبار ومدينة جعار الساحلية الخاضعة للسيطرة الكاملة لمتشددين متحالفين مع القاعدة. بحسب رويترز.

لكن محللين يرون ان التهديد للاتفاق يجيء من عدوين لدودين لصالح هما اللواء علي محسن الذي انشق عن الجيش اليمني بعد اندلاع الانتفاضة في فبراير شباط والاتحاد القبلي الذي يقوده الزعيم صادق الاحمر، ومما يعكس ازمة الثقة بين صالح وخصومه كتب عادل امين في موقع الصحوة الالكتروني المعارض ان الرئيس اليمني سيجد طريقة لافساد الاتفاق، وأضاف انه قد يعترض على رئيس الوزراء المقترح او يستغل اعادة هيكلة الجيش والامن لعرقلة الاتفاق، وتابع أنه لا يمكن استبعاد عودة رجل مثل صالح برع في الخداع ليضع الشعب بعد التوقيع على الاتفاق امام ازمة جديدة بشأن التفسيرات لكيفية تطبيق المبادرة والخطوات اللازمة لذلك.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 11/كانون الثاني/2012 - 17/صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م