إصدارات جديدة: ملكوت هذه الأرض

 

 

 

 

الكتاب: ملكوت هذه الارض

الكاتب: هدى بركات

الناشر: دار الآداب في بيروت

عرض: فرانس برس

 

 

 

 

 

شبكة النبأ: في روايتها الخامسة "ملكوت هذه الارض" ترصد اللبنانية هدى بركات ايقاع الحياة في بلدة تأهلها مجموعة من طائفة الموارنة المنتمين الى منطقة محددة من شمال لبنان، وذلك خلال فترة زمنية تنطلق من الحرب العالمية الثانية وصولا الى بدايات الحرب الأهلية اللبنانية.

وتطل الرواية على التاريخ الجماعي من خلال سيرة عائلة تترجم كل ما يخترق تلك المنطقة من نزاعات وحروب ومعتقدات وشيم وحب وكراهية وعنف وخيانة وتعصب وايمان...

وتوحي الرواية التي تتحدث تحديدا عن منطقة بشري مسقط رأس الروائية، بان احداثها واقعية لشدة ما هي مستقاة من صلب وقائع حدثت او بقدر ما هي تستند إلى ملامح من تلك الوقائع لتوهم القارئ بواقعيتها عند انتقالها الى الفضاء الروائي.

لكن الروائية توضح ان "المكان المعروف هو مجرد حجة للانطلاق الى مكان ابعد بكثير. ففي الرواية نجد اخطاء مقصودة نابعة من طبيعة تفكير المجموعة وما تؤمن به". وتحرص الروائية على التوضيح بداية في روايتها ان "اسماء وشخصيات واحداث وامكنة واردة في هذه الرواية تتقاطع أو تتشابه بشدة مع الواقع او الحقائق التاريخية لكنها تبقى في عدم دقتها المقصودة من نسج الخيال...".

بموازاة عالم الواقع القروي المنغلق على ذاته والذي تلقي هدى بركات الضوء عليه حين تستنسخ منه معادلا له قائما على مستوى القصة، تنسج الكاتبة خيوط روايتها فيصبح الواقع نوعا من رصيد مستقى من حكايات تعادل في مسارها وتقاطعاتها البيئة الجغرافية المعروفة والمحددة او المفترضة للشخصيات.

ويحمل ذلك بكل ما تكنه الشخصيات من مخزونات تتمسك بها الجماعة المنغلقة على نفسها في قيمها ومعتقداتها كما في عاداتها وتطورها، تزامنا مع نمو القرية التي تتحول الى بلدة قبل ان يبدأ أهلها بالنزول الى المدينة.

وتشدد الكاتبة هنا قائلة "هذه الرواية مختلفة سرديا عما سبق واللغة المستعملة فيها هي لغة الناس وليست لغة الادب، ما يسرد هنا هو لغة المكان نفسه".

ويبدو الانفتاح على الآخر في الرواية بمثابة جرم او سر يتوجب التكتم عليه. وتنجح الروائية في نقل التاريخ وخلائق هذه الفئة من الناس الى اللغة الغنية بمحكي تلك المنطقة، من تمجيدهم للرب ولمريم العذراء وصولا الى الشتائم المتنوعة التي لا تغيب عن كلام ذلك النطاق الجغرافي العالي.

في ذلك المكان، لا مجال للاختلاط بالآخر، أيا يكن الآخر.. سواء كان مختلفا في ديانته او بلده او حتى منطقته. وفي كل مرة كانت تنشأ صدفة في حكايات الرواية علاقة مع أي آخر، كانت تبقى علاقة غير مكتملة او لم يفسح أمامها المجال لتخرج الى العلن.

وترسم الكاتبة بواسطة الكلمات وعبر المكان الذي يعاد ابتداعه، نقوش وعلامات افراد ينتمون الى مكان بعينه من دون ان ينتموا إلى الوطن.. لبنان. هم فئة من اللبنانيين. فتتشكل سيرة جماعة تخوض حروبا دائمة في محاولتها للدفاع عن نفسها وسط احساس دائم بانها محاصرة وبانها "اقلية".

فتقول هدى بركات "هذه سيرة الوطن الذي لم يتحقق ولم يتم الوصول اليه. وحكايات هذه المنطقة قريبة للغاية من حكايات اية منطقة جغرافية في لبنان، حيث الاحساس بعدم الانتماء إلى الوطن ليس وليد صدفة، والانتماء إلى الموطن لا يتحول الى انتماء للوطن... هم موجودون في الامكنة، لكن هذا الوجود لا يتحول الى انتماء".

وتوضح "تمهلت طويلا كي افهم كيفية سيرورة الامور... المناطق بقيت مناطق وتحولت الى رديف للوطن. انتماء المجموعات ليس إلى الوطن وانما إلى المنطقة. حتى بيروت اليوم هي مجموعة من الارياف، والمدينة تحتاج إلى وطن لتتشكل. بيروت هي مجموعة قرى، ونحن لا زلنا في مرحلة ما قبل المدينة. لهذا تخرب وسط البلد الذي يفترض به ان يجمع الكل".

هي سبعون عاما من العزلة لاولئك السكان المتمسكين بانغلاقهم كتمسكهم بنساكهم وبكتب الدين المسيحي تلك التي تصورها "ملكوت هذه الارض" التي يحضر فيها ذكر جبران خليل جبران كثيرا تماما مثل ذكر الامكنة بأسمائها.

تضيف الكاتبة منتقدة "هذه المنطقة نموذج لكيفية تشكل الطوائف في عملية وعيها لنفسها، عندما لا تنخرط في مشروع الوطن وتظل تعتبر نفسها اقلية".

لكن، الا يتحول الواقع أي واقع كان الى حكاية حين لا يحدث في الحيز الزمني ويصبح منتميا الى عالم الذكريات؟ فتجيب الروائية قائلة "هذه ليست ذكرياتي وليست ذاكرتهم. لكن اللغة الجماعية هي بشكل اساسي لغة سردية. هم لا يتناقشون ولا يتكلمون، هم يخبرون بعضهم قصصا. الرواية تعيش في احساس كل منهم، في صفاتهم وفي كيفية وعيهم لنفسهم".

وردا على سؤال آخر يتعلق بعودتها إلى مراجع تتعلق بتاريخ واحداث تلك المنطقة المتميزة في شمال البلاد والتي تجمع في الوقت نفسه ما بين اعلى قمة واعمق واد في لبنان، أكدت هدى بركات انها انشغلت طويلا في البحث عن هذه المراجع.

فتقول "حاولت طوال اربع او خمس سنوات الاستناد على مراجع عن تلك المنطقة. ولحسن الحظ فانا لم اجدها لان احدا لم يكتب عنها. كنت اعتقد انها موجودة. ما تجدينه هو عبارة عن كتابات خرافية وكتابات دفاع عن المجموعة وتأليه لها. غياب المراجع كان امرا ايجابيا لي".

في رواية "ملكوت هذه الارض" مستويات عدة للقراءة، وما لم يقص اكبر بكثير مما حكي. وتقول إدى شخصيات الرواية "افكر اننا بعد خروجنا هكذا من الحياة وبعدما عدنا الى مرتفعاتنا الثلجية هذه كرعيان خائبين وقد أضاعوا قطعانهم، ينبغي أن ننسى. ينبغي أن نترك الكلام لمن سيأتي بعدنا. فنحن الذين لم نفهم ما حدث لحيواتنا في الماضي، علينا ان نترك الرواية لفصول آتية، لا نقدر الآن حتى ان نتخيلها ولو في الاحلام".

صدرت الرواية هذا الشهر بمناسبة عن دار الآداب في بيروت، وقد نشرت الدار ايضا طبعة جديدة من روياة "اهل الهوى" لبركات نفسها التي تعمل حاليا على كتابة مسرحية جديدة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 8/كانون الثاني/2012 - 14/صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م