في وقت غابت فيه الإدارة الأمريكية، عن أكثر ملفات المنطقة حساسية،
وهو الملف الفلسطيني، حيث كان الدور الأردني حاضراً، للقيام بدوره
للجمع بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي إلى المفاوضات بعد شهور من
توقفها، بهدف الدفع باتجاه تجددها بشكلٍ مباشر بين الطرفين، في
محاولاتهما للتوصل إلى اتفاق نهائي للقضية الفلسطينية، نجدها أكثر
ظهوراً على صعيد الملف النووي الإيراني، حيث تتصدر الدعوة لدول العالم،
وبخاصةً دول الاتحاد الأوروبي، إلى اتخاذ المزيد من الخطوات التي من
شأنها الضغط على الطرف الإيراني، للتخلى عن برنامجه النووي، حيث كان
أول من بادر الاتحاد الأوروبي، إلى متابعة ذلك الملف الشائك، والذي كان
طيلة الفترات الفائتة، مثار الجدل بين طهران من جانب، والعالم الغربي
من جانبٍ آخر، حيث لم يتم التقدم اتجاه التوصل إلى حل، برغم التهديدات
العسكرية أو بالحوافز والمرغبات الدولية، مما جعل جملة الأمور تراوح
مكانها، من حيث المواقف الغربية، ومن عدم توقف الجانب الإيراني، بشأن
مساعيه الرامية إلى إنجاز مهمته في المجال النووي، وكما يعلن بسلمية
أهدافه في هذا المجال، فقد قام الاتحاد الأوروبي بالاتفاق بين دوله،
على فرض حظر آخر على طهران، يطال هذه المرة العنصر الأهم، وهو النفط
الإيراني، والذي يشتري الاتحاد حوالي 17% منه، والتي تستمد إيران، وهي
ثاني منتج في منظمة الدول المصدرة للنفط "اوبك" 80% من مواردها من
العملة الصعبة، أي نحو مائة مليار دولار، ذلك الحظر الذي يهدف في خطوة
متقدمة، إلى كسر الإرادة الإيرانية، وإرغامها على الامتثال لمتطلبات
الغرب المعلنة، بالإضافة إلى أن ما سبق من العقوبات الأحادية من جانب
كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والتي تفوق في شدتها،
العقوبات الصادرة من مجلس الأمن الدولي، والتي غالباً ما ترافقت
بالتهديدات العسكرية، وخاصةً من "إسرائيل" التي ومنذ الأزل وإلى الآن،
لا تفوت مناسبةً إلاً وتقوم بالتلويح وبصراحةٍ أكبر، بعزمها بمهاجمة
المنشآت النووية الإيرانية، وكانت في فترةٍ لاحقة أن انضمت بعض الدول
الغربية، ومنها بريطانيا، التي لها تواجد عسكري كبير في المنطقة،
وخاصةً أسطولها البحري في مملكة البحرين، حيث كانت أعلنت مشاركتها
الولايات المتحدة و"إسرائيل" في أي عملٍ عسكري ضد إيران، لا سيما إذا
ما حاولت طهران إغلاق مضيق هرمز، الذي يعتبر أحد أهم شرايين التجارة
العالمية، الذي كانت هددت بإغلاقه، رداً على أية احتكاكات من طرف
الغرب، أو باتخاذها إجراءات عقابية أخرى ضد طهران، من شأنها أن تؤثر
سلباً على الاقتصاد الإيراني وخاصةً إذا ما تحقق الحظر النفطي،
والعقوبات المصرفية الأخرى.
وكانت رحبت الولايات المتحدة بالاتفاق الأوروبي، واعتبرت الناطقة
باسم الخارجية الأمريكية "فيكتوريا نولاند" أن هذا الإجراء يجب أن يتخذ
ليس من قبل الشركاء الأوروبيين، بل من قبل جميع دول العالم، وفي هذا
الصدد يفترض أن يزور وزير الخزانة الأميركي "تيموتي غايتنر" الصين
واليابان" في الأيام القريبة، بهدف تناول مسالة العقوبات التي صادقت
عليها الولايات المتحدة، وتستهدف النظام المالي والبنك المركزي
الايراني، والتي كانت أعلنت أنها شددت عقوباتها على الأشخاص، الذين
يقدمون مساعدة مادية للقطاع النفطي والبتروكيماوي في إيران، وهددت أيضاً
بفرض عقوبات في المستقبل على البنوك، التي تتعامل مع هذا البلد في
مختلف أنحاء العالم.
وحيث أن السياسة الغربية المتبعة ضد طهران، وحتى هذه المرحلة هي
استمرارية فرض العقوبات، والتي من شأنها أن يكون لها بالغ الأثر على
مداخيل إيران من العملة الصعبة، التي تمثل مبيعات النفط أكثر من نصف
هذه العوائد. كما سيجبر العقوبات إيران على البحث عن مشترين جدد لنفطها،
وخاصة في القارة الآسيوية وهؤلاء سيطلبون تخفيضاً عن أسعار السوق.
وبالتالي "كما تأمل الولايات المتحدة والدول الأوروبية وأيضاً "إسرائيل"
ستجبرها تلك الضغوط الاقتصادية المباشرة، على التخلي عن برنامجها
النووي، الذي يتهمها الغرب، بأنها تسعى إلى عسكرته وبشكلٍ متسارع.
ولكن هل ستتحقق تلك المتطلبات الدولية، من خلال اللجوء إلى تلك
الإجراءات العقابية وفرض الحصار الخانق شيئاً فشيئاً، أم سيكون نصيبها
الفشل، كما تقول طهران عقب كل إجراء من هذا النوع ؟
من ناحيتها فقد ردت طهران بعدم خشيتها، من فرض تلك العقوبات، وقللت
من تأثيراتها، حيث عبرت عن ذلك وعقب كل مرة، من خلال قادتها ومسؤوليها،
وكان أُعلن ومنذ العقوبات الأولى من قبل وزير الاقتصاد الإيراني "شمس
الدين حسيني" الذي قال:" إن كل الفاعلين الاقتصاديين، هم جنود في
مواجهة الأعداء، وإن تلك العقوبات هي حرب اقتصادية ضدنا، لم يتمكن
الأعداء من تقييد شعبنا فيحاولون تقييد اقتصادنا".
وكان أكد نائب رئيس البرلمان الإيراني "شهاب الدين صدر" بأن الشعب
الإيراني، لن يستسلم أبداً أمام ضغوط وتهديدات القوى الاستكبارية،
معتبراً أن هذه الضغوط والعقوبات إنما تؤدي فقط إلى تعزيز الوحدة
والتضامن الوطني للشعب الإيراني.
ونقل عن "محسن قمشري" مدير الشؤون الدولية في شركة النفط الوطنية
الايرانية" قوله: "نأمل عدم استهداف النفط الإيراني، لكن إذا فرضت
علينا عقوبات فإننا اتخذنا الإجراءات الضرورية لمواجهتها".
على أن الذي يطمئن طهران أكثر، هو أن تلك العقوبات ليست دولية، أي
أنها ليست صادرة عن مجلس الأمن الدولى، لمعارضة كل من روسيا والصين
لفرض المزيد من العقوبات، لآثارها السلبية على طهران،ولعدم جدواها في
التوصل إلى حل، من دون إجراء المزيد من المفاوضات الدبلوماسية، ومن ثم
تأثيراتها على الاقتصاد العالمي، حيث كانت أعلنت كل منهما مسبقاً
معارضتهما "العقوبات الأحادية" التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد
الأوروبي، على إيران. وكانت أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية
"ماريا زاخاروفا" بأن فرض عقوبات دولية جديدة على إيران أمر غير مقبول،
وليس من شأنه سوى الإضرار بفرص التوصل إلى حل عن طريق التفاوض.
بالإضافة إلى أنه من الصعب تخلي تلك الدول عن النفط الإيراني، للشح
الحاصل في السوق الدولية، بغض النظر عن إمكانية رفع انتاجه من دول أخرى
كالسعودية ودول نفطيةٍ أخرى، كما أن وضع الاقتصاد العالمي لا يتحمل
نفطاً مرتفع السعر".
وأيضاً فإن طهران تؤكد أنه سيكون من السهل، الالتفاف على العقوبات
الأوروبية، بالتوجه الى الدول الآسيوية، حيث أكد " قمشري" قوله:" إن
إيران لديها طرق بديلة لبيع نفطها، إذا حظر الاتحاد الأوروبي استيراد
الخام الإيراني وقال "يمكننا استبدال بعض هؤلاء المشترين بسهولة شديدة،
وأضاف أن جزءاً من الكميات، التي ستتعرض للحظر قد يتجه إلى الصين ودول
أخرى في آسيا وأفريقيا.
ومن ناحية أخرى فقد حذرت أيران الغرب، من مغبة حظر نفطها، حيث اعتبر
نائب رئيس لجنة الأمن القومي "حسين إبراهيمي" التواجد العسكري الأجنبي
في منطقة الخليج وبحر عمان، هو لتخويف بلدان المنطقة من إيران، وبيع
صفقات أسلحة ضخمة إليها، محذراً من أن إيران ستلقن الغرب درساً لن
ينساه، إذا ما منع بيع النفط الإيراني في الأسواق العالمية.
ولكن بالرغم من الاطمئنان، وعدم الخشية من تلك العقوبات، بعدم
تأثيرها على الاطلاق، إلاّ أن هناك من المسؤولين السياسيين والعسكريين
الإيرانيين، على حدٍ سواء، كانوا أبدوا شيئاً من التوتر خلال الأيام
الأخيرة عبر التهديد بإغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي، في حركة نقل النفط
العالمي، ومطالبة الولايات المتحدة، بعدم إرسال حاملة طائراتها إلى
الخليج، حيث أدت هذه التوترات الجديدة، إلى ارتفاع سعر النفط في
الأسواق الدولية خلال الأيام الأخيرة، وعلى أية حال، فإن المرحلة
المقبلة، ستُبين العقوبات الأمريكية والأوروبية، فيما إذا كانت ستؤثر
فعلاً، وأيضاً عن مدى فاعليتها في إحداث اختراقٍ ما للصفحة الإيرانية،
أو سيكون من السهل على إيران من امتصاصها، والتجاوز عنها، ذلك لأنها
خير مجيب. |