قطر مظلة جديدة للمجموعات الاسلامية الاصولية

قطر بديلا عن السعودية والباكستان للتفاوض مع طالبان..

جاسم محمد

تناولت الصحف والوكالات العالمية تأكيد الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري صحة المعلومات التي تحدثت عن حوار يجري بين قطر وحركة طالبان قائلا: "هناك شيء من الصحة ونحن نعتقد أن الحل في أفغانستان يتطلب أن تكون طالبان جزءا منه وأن يتم التعامل معها كجهة سياسية".

المراقبون وصفوا الخطوة القطرية هذه بانها امتداد لدورها في تغير بعض الانظمة العربية واستخدام اموالها مع الدعم الاميركي، ولم تكن مفاجأة فقد كانت ومازالت قاعدة العديد مركزا للقوات الاميركية.

 تبذل قطر جهودها الان باستقطاب المجموعات الاسلامية الاصولية في المنطقة وبرعاية اميركية بهدف تغيير مسارات تلك المجموعات بعد ان عجزت عن تحجيمها وهي سياسة اميركية جديدة بالوصول الى المجموعات الاصولية الاقل تشددا من ايدلوجية القاعدة ومنها الاخوان المسلمين وكذلك طالبان ذات الاهداف المحلية بعيدا عن عولمة اهداف القاعدة وفق المنظور الاميركي الجديد القائم على تقليل الخصوم وتخفيض ميزانية الدفاع وسحب القوات الاميركية وكأن اوباما يحاول نزع القاعدة من رحم طالبان وفقا لنصائح ديفد باتريويس/مدير وكالة الاستخبارات المركزية.

ويبدو ان ادارة اوباما تريد ان تنفض يدها من افغانستان بعد ان نفضتها من العراق نهاية العام الماضي 2011 لتترك خلفها فوضى مفتوحة، هذه السياسة لايمكن ربطها واختصارها بالانتخابات الاميركية القادمة بقدر ماهي ستراتيجية اميركية جديدة بسحب قواتها وابدالها بالجهد الاستخباري المبرمج وتعزيز هذا المبدأ من خلال التزاوج الاستخباري لوكالة المخابرات المركزية وقوات الكومندوس مع الدول الاهداف واصطياد الاهداف بعمليات طائرة بدون طيار(درون) التي من شأنها ان تقلل الخسائر وتجنب استفزاز مشاعر الشعوب بتدخلها المباشر على الارض هذه السياسة الجديدة من شانها ان تعطي الفرصة للولايات المتحدة في مواجهة الصين التي تجتاح افريقيا واسيا اقتصاديا والتي يعتبرها المراقبون السياسة الناعمة في المنطقة وجزء منها ابدال طاقم الحكام العرب.

اختيار قطر مكانا للتفاوض مع طالبان واستقطاب بقية الاصوليين لم يأت من فراغ بل جاء امتداد لمفهوم توصيات لجنة بيكر هاملتون ال ( 79 ) الصادرة في عام 2006 بعد اعادة قراءتها من قبل مجموعة الخبراء نهاية العام الماضي 2011 اي مع الانسحاب الاميركي من العراق وتكملة لمسار توصيات هاملتون القائمة على الحوار مع الخصوم ابرزها التحاور مع ايران وسوريا مع استخدام التهديد بالعقوبات بدلا من الضربات العسكرية الاستباقية او الواسعة.

 وهذا ما نجده بتعامل ادارة اوباما مع الملف الايراني القائم على التهديد بفرض العقوبات وتجنبها اي مواجهة عسكرية كونها خصم ليس بالهين وممكن ان يعرض هيبتها للمخاطرة بعد تراجعها في العراق.

الحوار مع الفصائل المعارضة والمقاومة للاحتلال الاميركي تأتي ضمن اتصالات , والتنسيق مع الحلفاء مع وحملة علاقات سرية مباشرة من قبل البنتاغون وال سي اي اية رغم استخدام اسلوب الوسيط الاستخباري تحت اسم شركات تجارية وعملاء وكالة المخابرات المركزية المتقاعدين لنقل التوصيات للحكام العرب اللذين يواجهون ربيع الثورات العربية بهدف التنحي او الاطاحة بهم.

وقد كان العراق خير مثالا لذلك باتصالها في تنظيمات حزب البعث وفصائل اخرى ومحاولة ترتيب المحادثات بوساطة تركية بعد تدهور الاوضاع الامنية في العراق عام 2007 اما على الارض فكانت تجربة باتريوس التي ممكن اعتبارها بالرائدة بتحييد الخصم بل استقطابه عسكريا واستخباريا في تجربة صحوات العراق بمواجهة تنظيم القاعدة رغم ان هذه التجربة سبق ان استخدمتها في الصومال 1992 ـ1994 اي باستخدام فصائل للقتال بالنيابة مع استخدام التقنية الفنية في المراقبة وضرب الاهداف من قواعد ها في القرن الافريقي / جيبوتي. وهذا ما يتوقعه المراقبون باتخاذ الولايات المتحدة قواعد قريبة من العراق للتدخل السريع وهو سيناريو الصومال بعد انزال العلم الاميركي عنها عام 1994 في عهد جورج بوش الاب.

يحاول اوباما اعتماد سياسة الرؤساء الامريكان السابقين، ففي خمسينيات القرن الماضي انهى الرئيس الامريكي الاسبق ايزنهاور الحرب في كوريا لتحسين شعبيته داخل امريكا وفي السبعينيات اعتمد نكسون الخطة ذاتها بإخراج قواته من فيتنام.

لقد كانت قطر الخيار الاميركي الافضل بعد ان تدهورت علاقات الولايات المتحدة مع الباكستان وخاصة مع الاستخبارات الباكستانية، واستخباريا يمكن تفسير القرار الاميركي باستثنائه الباكستان للتفاوض مع طالبان هو استهلاك الورقة الباكستانية استخباريا طول العقود السابقة مع احتمالات الخروقات الامنية داخل المؤسسة العسكرية الباكستانية.

 وهنا يجدر الاشارة بان طالبان تعتبر الباكستان معقلها الرئيسي لوجود نصفها التنظيمي الاخر في الداخل والذي يشكل صداع راس لاميركا، وعدم حضور الباكستان الى اجتماع بون في المانيا في الخامس من ديسمبر 2011 اشارة لتدهور تلك العلاقة.

 اما ديفد باتريوس صاحب تجربة الصحوات فهو وراء سياسة التفاوض مع طالبان خلال فترة مسؤوليته للقوات الاميركية في افغانستان وقبل تسلمه مسؤولية وكالة المخابرات المركزية في سبتمبر 2011.

ان تقارب الادارة الاميركية مع طالبان لم تكن مفاجأة فقد كانت هنالك تسريبات اعلامية باتخاذ دبي مكانا للتفاوض في شهر اكتوبر عام 2010.

وقد تناولت الوكالات العالمية في الثامن والعشرين من ديسمبر الماضي 2011 حذف مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكية اسم الملا عمر زعيم حركة طالبان الأفغانية من قائمة أكثر المطلوبين لدى الجهاز الأمني الأمريكي " اف بي اي" ومن المعروف أن أمريكا كانت قد خصصت 10 ملايين دولار من أجل القبض عليه وقد وافقت الولايات المتحدة من حيث المبدأ على الإفراج عن مسئولين رفيعي المستوى من حركة طالبان من المعتقل الأمريكي في خليج جوانتانامو كصفقة مقابل موافقة المقاتلين على فتح مكتب سياسي لمفاوضات السلام في قطر، وفقا الى تصريحات ذبيح الله المتحدث الرسمي باسم طالبان وبمباركة اجتماع العشائر الوطني "لويه جركه" والمجلس الأعلى للسلام في أفغانستان.

هذه الخطوة سبق الى قطر ان مهدت لها باعلان افتتاح اكبر مساجدها باسم محمد عبد الوهاب في السادس عشر من ديسمبر 2011 وارجاع نسب العائلة الحاكمة في قطر الى بني تميم وهو نسب مؤسس الفكر الوهابية السلفي في الجزيرة العربية، هذه الخطوة اثارة حفيظة المملكة السعودية واعتبرتها خطوة منافسة لاستقطاب المجموعات الاصولية السلفية وجلوسها على منبر الزعامة والتي جائت بتبني اميركي يهدف الامساك بقياداتها كخطوة اميركية بتحييد خصومها مستقبلا.

Jassimasad@hotmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 8/كانون الثاني/2012 - 14/صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م