شبكة النبأ: على الرغم من أن الثورة
في تونس هي أول ثمرة من ثمرة الربيع العربي إلا ان هناك تداعيات لهذه
الثورة من أبرزها تجاهل دعوة تونس من قبل السعودية حول تسليم بن علي
الذي يتهم بقمع الحركة الاحتجاجية التي اندلعت ضد نظامه وأطاحت به
مطلع 2010. كما هناك جدلاً واسعاً حول الدستور المؤقت الذي أقره المجلس
التأسيسي مؤخرا، الذي اعتبره البعض خطوة تاريخية نحو تونس ديمقراطية
تقطع مع الحقبة الديكتاتورية السابقة، فيما رأى البعض الآخر أنه يكرس
ديكتاتورية جديدة تلبس ثوبا دينيا. وتعتبر المواجهة بين الإسلاميين
والعلمانيين هي المحور.
أما على الصعيد الاقتصادي فهناك أزمة خانقة بسبب كثرة الإضرابات
التي أنهكت الاقتصاد، وأظهرت بيانات للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة
أنّ ما يزيد عن 120 مؤسسة أجنبية أغلقت أبوابها.
كل تلك التطورات تشير إلى وجود بعض الجهات تحاول عرقلة الديمقراطية
في تونس فمن غير المفهوم أن يتم استهداف التونسيين خاصة وان الشعب
التونسي احتضن الثورة ودعمها بكل ما يملك. لقد ألهم التونسيون عندما
أطاحوا بالرئيس السابق زين العابدين بن علي. إلا أن الطريق بعد ذلك لم
يكن مفروشا بالزهور، فبلادهم تعاني من البطالة التي كانت أحد أهم
الأسباب للثورة على بن علي ولكنها ارتفعت بعد رحيله، حيث بلغت 20% بشكل
عام و30% بين خريجي الجامعات.
كما تعاني تونس من الفساد وخروقات حقوق الإنسان التي كانت السبب
وراء إشعال محمد البوعزيزي النار في نفسه وبالتالي إشعال فتيل الثورة.
ويرى محللون سياسيون أن الخطوات الأولى التي ستخطو تونس على درب
الديمقراطية ستكون بالون اختبار لباقي بلدان المنطقة العربية. ومع حصول
حزب النهضة الإسلامي على نصيب وافر من مقاعد البر البرلمان التونسي،
تتجه الأنظار نحو سجل تونس الليبرالي.
ويرى محللون سياسيون أن طغيان بن علي ذا طابع علماني. لذلك أن هناك
قيما غربية عديدة في تونس مثل السماح بالإجهاض وتحريم تعدد الزوجات.
المرأة العاملة منظر مألوف في البلاد. والتونسيات يرتدين الزي الغربي
والزي الإسلامي جنبا إلى جنب. لكن تبرز اليوم تساؤلات حول مصير كل ذلك
إذا صعدت إلى الحكم في تونس قوى إسلامية.
ويرى مراقبون هناك مقارنة بين الانتخابات التونسية الأخيرة وبين تلك
التي كانت تجرَى أيام بن علي إنه رغم التعقيدات التي سادت عملية
الانتخابات الأخيرة، فإنها حملت قدرا كافيا من حرية الاختيار للمواطن.
وأعطى مراقبون أمثلة على حجم الاختلاف بين تونس الأمس وتونس اليوم.
الأول عندما خرج رئيس الوزراء الباجي قائد السبسي من مركز الانتخاب وهو
يقول من اليوم فصاعدًا أنا رئيس الوزراء السابق. والمثال الثاني هو
راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة الإسلامي الذي دفعته جموع الناخبين
ليتقدم الصفوف ويدلي بصوته، لكنه أصر على البقاء وانتظار دوره مثله مثل
أي مواطن تونسي آخر.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي توماس جيفرسون كاتب إعلان الاستقلال
الأميركي عام 1776 الذي قال عندما يخاف الشعب من الحكومة فذلك طغيان،
وعندما تخاف الحكومة من الشعب فتلك الحرية.
واحتشد آلاف التونسيين، بينهم الرئيس المنصف المرزوقي، في مدينة
سيدي بوزيد لإحياء ذكرى الشرارة الأولى للثورة التونسية التي انطلقت في
17 كانون الأول 2010 اثر إقدام بائع متجول على حرق نفسه احتجاجا.
ومنذ فجر السبت تجمع عدد غفير من التونسيين القادمين من مختلف المدن
التونسية لمشاركة أهالي سيدي بوزيد المدينة التي همشت طويلا وتضم 100
ألف نسمة احتفالاتهم بذكرى إقدام الشاب محمد البوعزيزي البائع المتجول
قبل عام على حرق نفسه امام مقر الولاية احتجاجا على اهانته ومنعه من
إيصال شكواه الى المسؤولين في المنطقة اثر مصادرة بضاعته التي كان
يبيعها على عربته بحجة عدم امتلاك التراخيص اللازمة.
وقال المرزوقي في افتتاح فعاليات المهرجان الذي حضره نشطاء سياسيون
وممثلون عن المجتمع المدني ونقابيون أتيت اليوم لأقول لكم شكرا لان هذه
الأرض ارض سيدي بوزيد والمناطق المجاورة عانت لعقود طويلة من الاحتقار
لكنها أرجعت الكرامة لتونس ولشعبها شكرا لأنكم كنتم الشرارة التي أشعلت
الثورة وتحدت الحدود.
وأضاف هذا شكر معنوي لكن أيضا علينا إعادة الاعتبار لهذه المنطقة
المهمشة ودرونا كمؤسسات إعادة أيضا فرحة الحياة التي سرقها منكم
الطاغية في إشارة الى فترة حكم بن علي.
وفي ساحة الشهيد محمد البوعزيزي وسط المدينة علت صورة محمد
البوعزيزي والعلم التونسي وصور لشهداء ثورة الكرامة والحرية الذين ناهز
عددهم 300.
ولم يتوقع التونسيون ولا العرب لاحقا أن شجارا عاديا بين محمد
البوعزيزي بائع الخضار وموظفة للأمن في إحدى المدن بالجنوب التونسي
سيؤدي لاندلاع الثورة التي أدت لسقوط النظام السياسي في البلاد ومهدت
لـلربيع العربي.
وبعد مرور عام على بداية الربيع العربي الذي غير الخارطة السياسية
في المنطقة، لا يبدو أن الشعوب العربية راضية تماما عن نتائج الثورات
التي أدت لسقوط عدد من الأنظمة العربية الشمولية واستبدلتها بحكومات
إسلامية ومزيد من الفوضى والآثار الكارثية على الصعيد الاقتصادي
والاجتماعي.
وإذا كان مهد الربيع العربي شهد بعد سقوط نظام بن علي مرحلة استقرار
نسبي مهدت لانتخابات برلمانية جاءت بحكومة توافقية يسيطر عليها
الإسلاميون، فإن الاضطرابات مازالت تهدد الحياة لدى جارتيه في الشرق،
حيث يسيطر المسلحون على العاصمة الليبية، فيما يناضل المصريون لإنهاء
احتكار الجيش للسلطة.
ويرى الباحث التونسي العربي بن ثاير أن الوقائع تؤكد أنها (الثورات)
تشهد محاولات إجهاض مسارها الثوري وكتم أنفاس توجهها الديمقراطي.
ويقول الباحث ثمة مؤشرات عديدة تجعل الكثيرين يميلون إلى ترجيح أن
ما يحصل الآن في تونس وليبيا خاصة وربما في المغرب ومصر هو التأسيس
لديمقراطية شكلية بلون إسلامي لا يُحفل بها بقدر ما يحتفي بمؤسسة
الشورى الأثيرة لديه ولاشك أن الفرق الكبير بينهما معلوم. حسب سي أن
أن.
ويبدو البعض متفائلا باستمرار الربيع العربي لعدة سنوات لينهي جميع
الأنظمة المتسلطة في المنطقة، ويؤسس لديمقراطية جديدة قوامها حكم الشعب
للشعب وفق نظام جديد لم تعهده الشعوب العربية من قبل.
وتقول الباحثة التونسية رجاء بن سلامة في تونس صوّت النّاس للحركات
التي كانت مقموعة في عهد بن علي. طبعا الإيديولوجية الأقرب إلى أذهان
النّاس بعد حرمان وفقر سياسيّين استمرّا عقودا هو الإيديولوجيّة
الدّينيّة، لأنّها تستمدّ من الدّين القدرة على إنتاج الرّجاء.
لكنّها تستدرك الحزب الدّينيّ الذي يعتلي سدّة الحكم لن يحكم
بمفرده، ولن يحكم وفق مرجعيّة إسلاميّة أوتوقراطية. هذا ما تؤكّده كلّ
المؤشّرات، وإن كانت اليقظة ضروريّة. حسب سي ان ان
ورغم الضمانات التي قدمها الإسلاميون في كل من تونس حول احترام حقوق
الأديان والأقليات في البلاد، أثارت مصطلحات من قبيل الخلافة السادسة
في تونس، الخوف لدى بعض التيارات والأقليات الدينية التي اتهمت
الإسلاميين بـالانقلاب على العملية الديمقراطية الوليدة.
وفي إطار تسليم السلطة قال رئيس الوزراء التونسي الجديد حمادي
الجبالي خلال تسلمه منصبه في قصر الحكومة ان هذا الموكب يعكس الصورة
الجميلة لتونس وثورتها، ووعد بان تخدم حكومته الشعب وان تكون مثالا
لليد النظيفة والشفافية.
وأكد الإسلامي حمادي الجبالي خلال موكب تسلم مهامه من سلفه الباجي
قايد السبسي ان تسليم السلطة يعكس الصورة الجميلة لتونس ولثورتها مشيدا
بعملية انتقال السلطة في تونس بشكل سلس وحضاري.
وحصلت حركة النهضة الإسلامية التي فازت في أول انتخابات حرة
وديمقراطية في البلاد كانت نظمت في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2011، على
أهم الوزارات خصوصا الداخلية والخارجية والعدل. كما تولت الحركة حقائب
الصحة والنقل والتعليم العالي والبيئة والزراعة والتنمية الجهوية
والاستثمار والتعاون الدولي ووزارة حقوق الإنسان الجديدة.
ويشارك أيضا في الحكومة وزراء من الحزبين الحليفين للنهضة، المؤتمر
من اجل الجمهورية (4 وزراء) والتكتل من اجل العمل والحريات (5 وزراء)
إضافة الى مستقلين (8 وزراء).
وتواجه الحكومة تحديات عديدة منها خصوصا البطالة وعدم التوازن في
تنمية الجهات وتراجع الاستثمارات.
أما على الصعيد الخارجي والدبلوماسي وإثر توجيه مجموعة جديدة من
التهم للرئيس السابق حول ضلوعه في عدة جرائم خطيرة تتمثل في القتل
العمد والتحريض عليه. أعلن رئيس المحكمة العسكرية في تونس الهادي
العياري ان الرياض تجاهلت طلب تونس تسليمها الرئيس السابق زين العابدين
بن علي لمحاكمته بتهمة قمع الحركة الاحتجاجية التي اندلعت ضد نظامه
وأطاحت به مطلع 2010
كما استمرت المحاكمة الغيابية لبن علي وحوالى أربعين مسؤولا في
نظامه لدورهم في مقتل 43 متظاهرا وإصابة 97 في العاصمة تونس ومدن أخرى،
وقال العياري للمحامين الذين كانوا يسألونه عن جهود السلطات التونسية
لإعادة بن علي من السعودية لقد طلبنا مرتين تسليمه (بن علي) لكننا لم
نتلق ردا.
وفي حال إدانتهم قد يتعرض بن علي وابرز المسؤولين الأمنيين في نظامه
وبينهم وزيرا الخارجية السابقان احمد فريعة ورفيق الحاج قاسم لعقوبة
الإعدام، بحسب المحامين.
وقتل أكثر من 300 شخص في حركة الاحتجاج الشعبية التي اندلعت في 17
كانون الأول 2010 وأدت الى فرار بن علي الى السعودية في 14 كانون
الثاني. وخلال استجوابهما أكد المسؤولان السابقان في الأمن التونسي
عادل الطويري ولطفي الزواوي إنهما لم يصدرا الأوامر للشرطة بإطلاق
النار على المتظاهرين.
وأوضحت المحكمة هذا الطلب جاء أيضا إثر الإنابة القضائية الصادرة عن
السلطات التونسية المختصة التي سبق توجيهها إلى السلطات القضائية
السعودية في إطار القضية التحقيقية الجارية ضد الرئيس السابق ومن معه
من أجل تهم امتلاك أرصدة مالية وممتلكات عقارية بعدة بلدان في إطار غسل
أموال تمت حيازتها بصفة غير شرعية ومسك وتصدير عملة أجنبية بصفة غير
قانونية.
وحول الوضع في تونس بشكل عام هناك تساؤلات ما تستطيع الحكومة عمله
رغم أنها قدمت تطمينات بعدم نيتها المس بحقوق الشعب. لكن هناك تحديات
تكمن في إدارة شؤون البلاد، وما يتطلبه ذلك من ضرورة إيجاد حلول عاجلة
وناجعة لعديد المشاكل اليومية التي يعيشها التونسيون. أما التحدي
الثاني فيتمثل بالقدرة على تغيير الصورة النمطية التي يحملها جزء من
الرأي العام عن الحكومة. |