عصر التحرير العربي

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: عندما غزا المغول بغداد في أواسط القرن الهجري السادس، تلاشت الارادة السياسية العربية بصورة تامة، ولم يعد ثمة وجود لحاكم او حكومة عربية او اسلامية إلا ما ندر، وتعاقبت اطماع الامم الاخرى على العرب والمسلمين، فأخذ العثمانيون حصتهم، والبريطانيون كذلك، ناهيك عن الاحتلالات الاخرى التي توزعت هنا وهناك، كما حدث في الجزائر مثلا، وليبيا ومصر وبلدان الشام وسواها، حتى بدأ ما يُسمى بعصر الاستقلال!.

بيد أن هذا العصر الذي أطلق عليه بعض المعنيين بعصر التحرر والاستقلال، كان - كما أثبتت الوقائع- يمثل وجهين لعملة واحدة، بمعنى أوضح، أن الاحتلال بقي جاثما على صدور الناس، إذ تم تبديل الاحتلال الاجنبي الخارجي باحتلال آخر (داخلي) يتشابه معه إن لم يتفوق عليه، في القسوة والظلم والتجاوز على حقوق الناس المادية والمعنوية، وهكذا عاش العرب مرغمين تحت سطوة أنظمة سياسية، بدأت محررة لشعوبها من الاحتلال الغاشم، لتتحول مع مرور السنوات الى أنظمة بديلة للاحتلال، سامت شعوبها الويلات وشتى صنوف القهر والحرمان، حين تحوّلت من نهجها التحريري، الى نهج فردي دكتاتوري سلطوي، هدفه حماية العرش حتى لو تطلب الامر إزهاق ملايين الارواح، وهذا ما ثبت في الواقع، بصورة لا تقبل التشكيك قط.

ومع دخول العرب وغيرهم في عصر القرية العالمية الواحدة، لم يعد الحكّام قادرين على عزل شعوبهم خلف جدران الصمت والخنوع، ولم يتمكن أقسى الطغاة من محاصرة شعبه في قفص منعزل، كي يمنعه عن التواصل مع العالم، وهكذا جاء عصر الانفتاح المعلوماتي، ليدق آخر مسمار في نعوش الانظمة الدكتاتورية، فهبّت الانتفاضة التونسية في العام الماضي، ليبدأ عصر التحرير العربي، ولتبدأ العروش المحصنة بالحديد والنار بالتساقط تباعا، لدرجة أن الارض على وسعها، لم تسع الطغاة الذين فروا مذعورين من دويّ الزحف الجماهري على عروشهم.

وهكذا يمكن التأكيد من دون أدنى شك، على أن العرب دخلوا بصورة قاطعة في عصر التحرير الذي لا رجعة عنه، لأنه يمثل جزءا من دورة الحياة التي لا تتوقف، ولأن صورة الطغيان الفردي للحكام العرب باتت من البؤس والسماجة لدرجة أنها لا تليق قط بالجوهر الانساني للشعوب، فلقد ولّى والى الابد عصر الحاكم الفرد، او الحزب القائد او الواحد، وبدأ – فيما يتعلق بالعرب- عصرهم الذهبي في تحقيق التحرر الكامل على الصعيد السياسي، فالتداول السلمي للسلطة وانتهاء عصر الانقلابات، وترك الكلمة الفصل لصناديق الاقتراع، هي السمات الاساسية التي وسمت المرحلة الراهنة، وهي التي تشكل ملامح العصر الجديد للعرب، ولمعظم دول وشعوب الشرق الاوسط، التي ما عادت تقبل بأقل من حقوقها وحرياتها مهما كانت الاسباب.

لكن لابد من الاتفاق على أن عصر التحرير العربي من حكامه الطغاة أو من (الاحتلال الداخلي) بدأ ولادته الآن، وهو يشبه الكائن الذي يحتاج الى الرعاية والاسناد والتوجيه، لكي ينمو ويتطور ويقوى وينتهج المسارات الصحيحة، بمعنى أوضح، لا يكفي للعرب أنهم دخلوا عصر التحرير، فلم ينته الامر بعد، وأن مكونات هذا العصر واكتماله بحاجة الى شروط ومستلزمات، لابد أن يعمل الجميع على تحقيقها، منها وأولها إظهار الحرص التام على انتهاج مبدأ الحوار، والقبول بالآخر، ونبذ العنف بصورة مطلقة، واحترام عقائد وافكار الجميع للجميع، والحرص التام من لدن الجميع، على عدم العودة الى عصر الحكومات الفردية، وعدم السماح بذلك مطلقا، ووأد ظهور مثل هذه التوجهات فورا، وبكل ما يتوفر لديهم من وعي وقوة ردع.

ولابد من التذكير بأهمية حقوق الاقليات، كونها تتسق مع جوهر التحرر، وضرورة احترامها كليا، والابتعاد عن منهج تذويب الصغير في الكبير، بحجة تحقيق الوحدة والانسجام بين مكونات المجتمع، فالتوحيد يختلف تماما عن التذويب، والاختلاف رحمة كما يقول نبينا الكريم محمد (ص)، وكلما اختلفت الافكار صحّت، لذا لابد من حماية الاقليات، ومنحها حقوقها كاملة بما يحفظ وحدة وانسجام النسيج المجتمعي عموما.

إذن لقد دخل العرب عصر التحرير فعلا، وعليهم أن يحثوا الخطى والارادة والافكار، لقطف ثمار هذا العصر، الذي بقيَ عصي المنال طيلة قرون متوالية، وها هو يقترب منهم، فالمطلوب مواصلة السعي الجاد والحقيقي والمخلص من لدن الجميع، لقطف ثمار عصر التحرير بصورة صحيحة ومكتملة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 7/كانون الثاني/2012 - 13/صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م