هل يحتاج العالم المعاصر الى نظام سياسي جديد؟

قبسات من فكر الإمام الشيرازي

 

شبكة النبأ: قبل ايام فقط، مضى عام آخر، وانتمى الى التأريخ، وأخذ العالم يتطلع الى عام أفضل، ولن يتحقق ذلك من التعاون الجماعي بين حكومات المجتمع الدولي، للتفكير جديا بتغيير النظام السياسي العالمي القائم على تفضيل الذات القومية او الوطنية واحيانا حتى الفردية، الامر الذي أدى الى لهاث محموم وراء المصالح، بغض النظر عما تخلفه من ويلات وآلام للشعوب لاسيما المستضعفة منها.

تحكيم الفطرة والعقل

 لذا نحن كبشر نحتاج الى تحكيم العقل والفطرة، اذا ما اردنا ان نؤسس نظاما سياسيا جديدا، ولابد أن تُستمَد فكرته واجراءاته من تعاليم الدين الاسلامي، استنادا الى طبيعة السياسة الاسلامية القائمة على العدل والمساواة والتراحم، بعيدا عن سفك الدماء وازهاق الارواح مهما كانت الاسباب ومهما تضارب المصالح.

في هذا الصدد يقول سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، بكتابه القيم الموسوم بـ (السياسة من واقع الاسلام): (إنّ السياسة الإسلامية تباين السياسة العالمية ـ اليوم ـ وتختلف عنها في أصولها وفروعها، فالسياسة الإسلامية هي غير السياسة المعاصرة التي تمارسها الدول تماماً، وذلك: لأن الإسلام يتبع في سياسته مزيجاً من: الإدارة والعدل، والحب الشامل، وحفظ كرامة الإنسان، وحقن الدماء. فهو يسعى في أن لا تراق قطرة دم بغير حق، أو تهان كرامة شخص واحد جوراً، أو يظلم إنسان واحد.. بل وحتى حيوان واحد).

لكن النظام السياسي المعاصر انحرف بشكل واضح نحو العنف، والسبب هو تأجج الصراعات بين الدول الكبيرة، وتعدد أنهاجها واطماعها في آن واحد، الامر الذي أعطى طابعا متوحشا لسياسة اليوم العالمية، حيث العمل على تأمين المصالح بشتى الطرق والوسائل، مما يؤدي الى تضارب وصراعات دولية هائلة، تلقي بتبعاتها المؤذية على عموم العالم لاسيما الدول المتأخرة، يقول سماحة المرجع الشيرازي عن السياسة المعاصرة وملامحها: (السياسة ـ بمفهومها المعاصر ـ هي القدرة على إدارة دفّة الحكم وتسيير شؤون الناس والأخذ بالزمام مهما كلّفت هذه الأمور من: إهدار كرامات.. وإراقة دماء.. وكبت حريات.. وابتزاز أموال.. وظلم وإجحاف.. ونحو ذلك، فمادام الحكم لـلحاكم والسلطة خاضعة لأمره ونهيه فهي الغاية المطلوبة لتبرر الواسطة، وإن كانت الواسطة إراقة دماء الألوف.. بل وحتى الملايين جوراً وظلماً.. هذا هو منطق السياسة التي تمارس في بلاد العالم اليوم).

الحاجة الى قادة حكماء

وطالما اننا بحاجة الى نظام سياسي عالمي جديد، فإن ثمة حاجة لقادة سياسيين حكماء، كبار في افكارهم وعقولهم ونفوسهم لينتشلوا العالم من دوامة الصراعات المستمرة، لذا نحن بحاجة الى النموذج السياسي المبدئي الذي يفضل غيره على نفسه ومصالحه، يورد لنا سماحة المرجع الشيرازي بكتابه المذكور المثال التالي قائلا: (حينما كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام على عرش الرئاسة الكبرى للدولة الإسلامية العظمى التي كانت قد ضربت بأطرافها الممتدة على أعظم رقعة من المعمورة، والتي كانت تحسب لها الحساب كل الدول في العالم آنذاك، تراه يعرف قاتله، ويذكر لـه أنه هو القاتل له، لكنه لا يمد إليه يداً بعنف أبداً، لفلسفة العدل، وهي مادام أنه لم يمارس جناية فلا يستحق القتل).

في المقابل هناك نماذج اخرى من الحكام يشبهون طغاة العالم المعاصر، يتعاملون مع ارواح الناس وكأنها لا تساوي شيئا، فتقتل وتشرد وتنتهك وتعذب ما يحلو لها ولرغبتها الغريزية في اراقة الدماء، يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (لقد نقلوا أن أحد الحكام تلقى تهديداً بالقتل، فاعتقل في ساعته من شارع واحد مائتي شخص، ثم توالت الاعتقالات على إثر ذلك حتى نقل أنها بلغت في تلك القصة خمسة آلاف شخص، ثم أعدم جماعة منهم، وأودع السجن آخرين، وتولى تعذيب فئة ثالثة منهم، وبالتالي أطلق سراح عدد منهم).

حرمة النفس

إن حرمة الروح لا تماثلها حرمة، وان الاسلام اكد على أن من يقتل نفسا وكأنه قتل الناس جميعا، كما ورد في آية قرآنية مباركة، ولنا في الرسول الاعظم محمد (ص) خير مثال في ذلك حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص: (كان النبي صلی الله عليه و آله لا يقدم على قتل كل مفسد أو ضال أو مبتدع قبل أن يتهيأ في الناس جو تحمل قتله، بظهور فساده وضلاله وبدعته.. لكي لا يسبب قتله فساداً أكبر من وجوده).

نماذج دموية

وبعد أن لاحظنا بعض الوقائع المعروفة في تاريخ الإسلام.. يقدم لنا سماحة المرجع الشيرازي، بعض الشواهد التي ترسم مشهدا دمويا للسياسية المعاصرة، فيقول سماحته  في كتابه نفسه: انظر هذه النقاط المأخوذة (من تاريخ الممارسة للسياسة المعاصرة غير الإسلامية لترى الفرق الشاسع بين السياستين، وذلك بالإشارة الإجمالية ـ دون التفصيل ـ إلى ذلك:

1. البريطانيون قتلوا في الهند ـ في قصة حرب الأفيون ـ حوالي عشرين مليون إنسان.

2. البريطانيون قتلوا في الهند أيضاً ـ أيام المطالبة بالحرية والخروج عن نير الاستعمار ـ ثمانمائة ألف إنسان في صورة مجاعة اصطناعية.

3. من الجنايات العظيمة التي ارتكبها لينين وحده من بين الشيوعية الأرقام التالية:

أ‌. لينين قائدة المسيرة الشيوعية السياسية أراد تطبيق نظام المزارع الجماعية، فلم يخضع لـه الفلاحون والعمال، فأحدث إرهاباً عاماً في البلاد ومجاعة مصطنعة غريبة عام 1921ـ1922 والتي راح ضحيتها أكثر من خمسة عشر مليون إنسان.

ب‌. عاود لينين الكرة على العمال والفلاحين في إرغام الشعب على النظام الشيوعي عام 1928ـ1930 فكافح الشعب وكانت النتيجة ما يلي: عملت منظمة (الجيبو) الإرهابية الشيوعية اللينينية في الناس ضرباً وقتلاً ونفياً، وامتلأت السجون حتى بلغت الضحايا باعتراف التقارير الرسمية للحزب الشيوعي مائة ألف قتيل.

‌ج. وبعد مضي سنتين، وفي عام 1932 ـ 1933 بالضبط شن لينين نفس الغارة على الشعب المسكين لتطبيق القانون الزراعي مهما كلف الأمر، وكانت النهاية كما يلي: ضحايا تقدر بخمسة ملايين إنسان باعتراف الدوائر الرسمية الشيوعية. وعند ذلك وضع لينين أسس -الكلوخوزات- أي: نظام المزارع الجماعية الاشتراكية).

لذا يحتاج العالم الى نظام سياسي يغادر منطق الدم، والقتل والاستبداد الدولي، وهذا لن يتحقق من دون دراسة التأريخ بمراحله كافة، واخذ النماذج الخالدة منه، لكي تكون مشاعل تضيء درب الانسانية، لبناء نظام سياسي جديد، يراعي حرمة الانسان وخياراته وحرياته كافة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 5/كانون الثاني/2012 - 11/صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م