الاقتصاد الإيراني... انهيار مرتقب أم أزمة حلول عابرة؟

العقوبات الغربية تنهك طهران والأخيرة تكابر

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: بدت إيران أكثر انزعاجا عما سبق بخصوص العقوبات الغربية المفروضة عليها، خصوصا بعد ان لوحت بخيارات أشد حزما على حد قولها في الرد على الدول التي تستهدف اقتصادها المضطر أصلا.

سيما ان ما لحظ مؤخرا من انحدار كبير للعملة الإيرانية امام الدولار الأمريكي، فضلا عن ارتفاع معدلات التضخم، يمثل مؤشرات قوية على فشل الإجراءات المتبعة في مقاومة العقوبات، وهو يمثل في الوقت ذاته ابرز التحديات التي تربك الساسة في إيران.

خصوصا ان الدول الغربية باتت مدركة عجزها عن ردع ايران بالقوة العسكرية كما كانت تأمل، نظرا للظروف الاقليمية المحيطة، وما يحذر من عواقب غير محمودة قد تلهب المنطقة وهي في منعطف سياسي غير مسبوق، وتشهد اضطرابات سياسية عنيفة.

الريال الايراني ينخفض لمستويات قياسية

فقد نزل الريال الايراني لمستويات متدنية مقابل الدولار عقب توقيع الرئيس الامريكي باراك أوباما على مسودة قانون لفرض عقوبات جديدة على البنك المركزي في البلاد. وفي حالة تنفيذ العقوبات الامريكية بالكامل فانها قد تعرقل قدرة ايران على بيع النفط في الأسواق العالمية. وحوم سعر الصرف حول 17 ألفا و200 ريال مقابل الدولار وهو مستوى قياسي منخفض. وكان سعر الدولار في الشهر الماضي نحو 10 الاف و500 ريال.

وقالت بعض مكاتب الصرافة في طهران انه لا توجد أي تعاملات في الوقت الحالي في انتظار اشعار اخر. وقال حميد بخشي بوسط طهران "يتغير السعر كل ثانية ... لا نستبدل أي ريالات بالدولار او أي عملة أخرى."

وفرض عقوبات على البنك المركزي الايراني يحكم العقوبات المفروضة على ايران ويزيد من صعوبة تحصيل ايران قيمة صادراتها ولاسيما النفط وهو مصدر حيوي للعملة الصعبة في ايران خامس أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم.

ويرتبط التذبذب الحاد في سعر العملة بالعقوبات الخارجية على ايران منذ 2006 بسبب برنامجها النووي المثير للجدل الى جانب نسبة التضخم المرتفعة ومخاوف بشأن ضربات عسكرية من الولايات المتحدة واسرائيل.

ويلمح بعض المحللين الى أن الحكومة تحقق أرباحا من ارتفاع سعر الدولار ولكن تراجع قيمة العملة المحلية يثير قلق المواطن الايراني العادي. ويعتمد الاقتصاد الايراني بنسبة 60 بالمئة على ايرادات النفط وأي عقوبات تفرض على ايرادات النفط تضغط بشكل أكبر على الاقتصاد الضعيف. وقالت زهرة غبادي ربة منزل تقف في طابور طويل في البنك "ادخر مبلغا في حسابي ... أحاول سحبه وتحويله الى دولارات."

وهونت السلطات الايرانية من الصلة بين ارتفاع سعر الصرف والعقوبات الامريكية. وقال رامين مهمان باراست المتحدث باسم وزارة الخارجية في مؤتمر صحفي أسبوعي يوم الثلاثاء "لم تطبق العقوبات الامريكية الجديدة بعد. سيستغرق تطبيقها بالكامل بضعة أشهر."

شركات وهمية

كما اعلنت الولايات المتحدة انها ادرجت عشر "شركات وهمية" ايرانية مسجلة في مالطا على لائحتها السوداء للشركات المحظر التعامل معها بموجب العقوبات الاميركية بحق طهران.

واوضحت وزارة الخزانة الاميركية في بيان ان هذه الشركات العشر "تابعة لشركة +خطوط الشحن البحري في الجمهورية الاسلامية في ايران+" والتي تملكها الدولة الايرانية وتتهمها واشنطن بتقديم تسهيلات للبرامج الصاروخية الايرانية المشتبه في استخدامها لنقل اسلحة نووية.

ويؤدي ادراج هذه الشركات على القائمة السوداء لوزارة الخزانة الاميركية الى تجميد الارصدة التي قد تملكها في الولايات المتحدة وتعرض كل مواطن اميركي يتعامل تجاريا معها الى ملاحقات قضائية.

واشارت وزارة الخزانة الاميركية الى ان الشركات العشر المدرجة على القائمة السوداء مستهدفة ايضا بعقوبات اقرها الاتحاد الاوروبي في الاول من كانون الاول/ديسمبر. ولفتت الوزارة الى انها اقرت عقوبات بحق مواطن ايراني يدير شركة ايرانو هند العاملة في الهند والتابعة لشركة "خطوط الشحن البحري في الجمهورية الاسلامية في ايران".

ويثير التقدم في البرنامج النووي الايراني مخاوف متزايدة لدى المجتمع الدولي خصوصا الغربيين الذين يتهمون ايران بالسعي الى امتلاك سلاح نووي. وتنفي ايران هذه الاتهامات مؤكدة ان برنامجها النووي محصور لاهداف سلمية تتعلق بانتاج الطاقة الكهربائية.

عقوبات على 180 شركة

في السياق ذاته قال متحدث باسم الاتحاد الاوروبي إن الاتحاد يتوقع التوصل إلى قرار بشأن توسيع نطاق العقوبات على إيران بحلول نهاية يناير كانون الثاني.

وقال مايكل مان المتحدث باسم السياسة الخارجية للاتحاد الاوروبي في رسالة بالبريد الالكتروني الى رويترز "نتوقع أن يكون قرارا (حول عقوبات الاتحاد الاوروبي) جاهزا بحلول الاجتماع القادم لمجلس الشؤون الخارجية في 30 يناير على أكثر تقدير."

ودفع احتمال توسيع العقوبات طهران الى التهديد باغلاق مضيق هرمز الذي يمر به 40 في المئة من شحنات النفط العالمية في حالة فرض قيود على صادرات ايران النفطية. ومقابل ذلك قال الاسطول الخامس الامريكي انه لن يسمح بتعطيل حركة الشحن في مضيق هرمز.

وتتسم أحدث عقوبات أمريكية بالمرونة وقال مسؤولون ان واشنطن تحاول ضمان ألا تضر بأسواق الطاقة العالمية التي تزيد فيها أسعار النفط عن 100 دولار للبرميل.

ويقول الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة انهما مستعدان لاجراء محادثات مع ايران حول برنامجها النووي المثير للجدل وذلك دون شروط مسبقة.

وحتى الآن تتعثر المحادثات بين إيران وبين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن التابع للامم المتحدة وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا الى جانب المانيا منذ ما يقرب من سنة.

وسبق ان قرر وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على 180 شركة وشخصية إيرانية. واتفق الوزراء على الاستمرار في البحث في إجراءات جديدة قد تستهدف قطاع الطاقة الإيراني.

أمريكا تجري اتصالات

في حين قال دانييل بونيمان نائب وزير الطاقة الامريكية ان الولايات المتحدة على اتصال وثيق مع كل الاطراف بما في ذلك الصين بشأن العقوبات على ايران التي يشتبه الغرب انها تطور اسلحة نووية. وصرح بونيمان أيضا بأن واشنطن ستعمل مع شركائها لضمان استمرار الامداد الجيد للسوق العالمية للنفط.

وقال للصحفيين عن المشاورات الجارية بشأن العقوبات "الولايات المتحدة على اتصال وثيق ومتكرر مع عدد كبير من الاعضاء في المجتمع الدولي وبما في ذلك بالطبع الصين شريكنا الهام في مجلس الامن التابع للامم المتحدة.

وقال بونيمان "سنجري الكثير من المشاورات مع الكونجرس وأعتقد ان الامر سينتهي بأن تسمعوا الولايات المتحدة والمجتمع الدولي يتحدثان بصوت واحد فيما يتعلق بأهمية استجابة ايران لتلك المتطلبات العالمية بما يتماشى مع التزاماتهم الدولية."

وسئل نائب وزير الطاقة الامريكي عما اذا كانت الولايات المتحدة ستشعر بالقلق اذا استمرت الصين وهي أكبر مشتر للنفط الايراني في الاستيراد من ايران بينما يقوم اخرون بتقليص الواردات فأحجم عن التعليق بشكل مباشر لكنه تحدث عن أهمية الامداد الجيد للسوق.

وقال بونيمان "اذا ظلت الامدادات في السوق جيدة ستتوفر بدائل للمشتريات من (النفط) الايراني. ولذلك نحن نرحب بشكل خاص بالجهود المستمرة للمنتجين. يسعدني أيضا عودة الانتاج" مشيرا الى استئناف انتاج النفط في ليبيا والعراق.

ويزور بونيمان اليابان لمناقشة قضايا منها التعاون النووي مع اليابان في أعقاب أزمة الاشعاع في محطة فوكوشيما دايتشي التي سببها زلزال وأمواج مد (تسونامي) في 11 مارس اذار.

ويفرض المشروع الذي أقره مجلس النواب الامريكي ورعته النائبة ايلينا روس ليتينن عقوبات أيضا على تطوير البنية التحتية أو الموانئ او شراء ديون سيادية ايرانية.

وفي تحرك منفصل أقر مجلس النواب مشروع قانون دفاعي يتضمن بندا يقضي بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الاجنبية التي تتعامل مع البنك المركزي الايراني. ومن المتوقع ان يقر مجلس الشيوخ هذا المشروع وأن يتم توقيعه ليصبح قانونا.

وأقر مجلس النواب مشروع قانون اخر بأغلبية 410 اصوات واعتراض 11 عضوا يفرض عقوبات على البلدان او الشركات التي تساعد ايران او كوريا الشمالية او سوريا في سعيها لامتلاك أسلحة نووية او كيماوية او بيولوجية او تطوير برامج صاروخية.

وبموجب هذا المشروع قد يتم تجميد الاموال التي تخص الهيئات التي تبيع تكنولوجيا أو معدات عسكرية تقليدية الى البلدان الثلاثة.

كوريا الجنوبية

في الوقت ذاته اعلنت كوريا الجنوبية تعزيز عقوباتها ضد ايران متبعة بذلك خطوات دول غربية اتخذت اجراءات مماثلة ردا على برنامج طهران النووي. وقال مسؤول في وزارة المالية الكورية الجنوبية ان حكومة كوريا الجنوبية اضافت 99 منظمة ايرانية وستة افراد على لائحة الكيانات المستهدفة منذ العقوبات الاولى التي فرضت في ايلول/سبتمبر 2010.

وفي المجموع، اصبحت العقوبات الكورية الجنوبية تطال مئة منظمة ومنظمة وثلاثين شخصا. في المقابل، لم تتخذ كوريا الجنوبية اي اجراء ضد صادرات النفط الايرانية بينما تؤمن طهران عشرة بالمئة من احتياجات كوريا الجنوبية من الذهب الاسود.

برميل النفط قد يصل الى 200 دولار

من جهته حذر وزير النفط رستم قاسمي بحسب ما نقلت عنه اسبوعية اسيمان من ان سعر برميل النفط في الاسواق العالمية قد يصل الى 200 دولار في حال فرض الغرب عقوبات جديدة على طهران. وقال قاسمي بحسب التصريحات التي ذكرتها الصحيفة "ما من شك ان سعر النفط سيزداد بشكل كبير وستدفع الاسواق ثمنا باهظا نتيجة ذلك". واضاف "لا يمكن لاي كان ان يتوقع ذلك بدقة، لكن العقوبات على النفط الايراني ستؤدي الى زيادة سعر النفط الى ما لا يقل عن 200 دولار" للبرميل.

وتاتي هذه التصريحات في حين قد يعلن قرار بفرض سلسلة جديدة من العقوبات ضد طهران بمناسبة الاجتماع المقبل لوزراء الخارجية الاوروبيين في الثلاثين من كانون الثاني/يناير في بروكسل. بحسب فرانس برس.

واعلن الاتحاد الاوروبي في بداية كانون الاول/ديسمبر انه يعتزم فرض عقوبات جديدة على ايران اذا لم تلتزم طهران بالتعاون مع المجتمع الدولي بشان برنامجها النووي المثير للجدل. لكن الاوروبيين لا يزالون منقسمين حول ضرورة او عدم ضرورة فرض حظر على النفط الايراني.

وتدافع فرنسا والمانيا عن فكرة الحظر على شراء النفط الخام الايراني، لكن دولا اوروبية اخرى تعارضها. وتبيع طهران حوالى 450 الف برميل في اليوم (18% من صادراتها) الى الاوروبيين وخصوصا ايطاليا (180 الف برميل) واسبانيا (160 الفا) واليونان (100 الف).

وهددت طهران باغلاق مضيق هرمز الواقع على مدخل الخليج والذي يعبره ما بين ثلث و40% من النفط المنقول بحرا من نفط العالم، اذا ما فرضت عقوبات جديدة عليها من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي.

وتقوم البحرية الايرانية حاليا بمناورات تشمل اطلاق صواريخ في هذه المنطقة. وتراقب الاسواق النفطية عن كثب التوترات حول مضيق هرمز والتي قد تؤثر بقوة على اسعار النفط في حال نشوب نزاع مفتوح.

وبلغ سعر برميل النفط المرجعي لبحر الشمال (برنت) 107,02 دولارات في لندن بينما تم التداول بسعر برميل النفط المرجعي الخفيف في نيويورك ب98,99 دولارا.

إيران ترفض عقوبات أمريكية على بنكها المركزي

في سياق متصل نقلت وكالة الطلبة الايرانية للانباء رفض طهران الخطوة التي قامت بها واشنطن لفرض عقوبات جديدة على المؤسسات المالية التي تتعامل مع البنك المركزي الايراني بسبب البرنامج النووي للبلاد.

ورفض رئيس الغرفة التجارية الايرانية محمد نهونديان الخطوة ووصفها بأنها "غير مبررة" وقال ان مثل تلك العقوبات سيكون لها عواقب على الطرف الاخر. وأضاف نهونديان "الامة الايرانية والمنخرطون في أنشطة تجارية واقتصادية سيجدون بدائل أخرى."

ومن شأن فرض عقوبات على البنك المركزي تضييق الخناق وتصعيب الحصول على مدفوعات للصادرات خاصة النفط وهو قطاع حيوي للعملة الصعبة في خامس أكبر مصدر للنفط في العالم. ويصر مسؤولون ايرانيون على أن العقوبات التي تفرضها الدول الاجنبية لم يكن لها أثر على اقتصاد البلاد. وتابع نهونديان "رفعت العقوبات من تكلفة المعاملات التجارية والاقتصادية لكنها لم تتمكن من تغيير السلوك السياسي الايراني."

وحتى الان لم يظهر زعماء ايران أي مؤشر على تغيير المسار النووي للبلاد على الرغم من تصاعد الضغوط الدولية لاجبارها على التنازل. وما زال محظورا بصفة عامة على المؤسسات المالية الامريكية التعامل مع أي بنك في ايران بما في ذلك البنك المركزي لذلك فان مشروع القانون الجديد الذي أعدته واشنطن لابد أن ينفذ بموافقة دولية.

وقال نهونديان ان الدول الاوروبية يجب ألا تهدر فرص للاستثمار في سوق صاعدة مثل ايران. ومضى يقول "نظرا للازمة الاقتصادية في أوروبا.. فان الشركات الاوروبية تبحث عن أسواق جديدة... يجب ألا يكون للنزاعات السياسية أثر على العلاقات التجارية."

وقال مسؤولون أمريكيون كبار ان واشنطن تتفاهم مع شركائها الاجانب لضمان نجاح العقوبات دون الاضرار بأسواق الطاقة العالمية وأكدوا على أن مشروع القانون الجديد لم يغير الاستراتيجية الامريكية المتعلقة بالتعامل مع ايران.

وتقول واشنطن وحلفاؤها ان ايران تحاول صنع قنابل نووية تحت ستار برنامج مدني. وتنفي طهران ذلك وتقول انها تحتاج للتكنولوجيا النووية لتوليد الكهرباء.

مستعدة للأسوأ

الى جانب ذلك قال وزير الخارجية الايراني علي اكبر صالحي ان بلاده مستعدة "لاسوأ سيناريو محتمل" لتفادي آثار تشديد العقوبات الغربية عليها بما يستهدف قطاعها المالي وصناعتها النفطية.

ونقلت وكالة الانباء الايرانية الرسمية (ايرنا) عن صالحي قوله "لسنا قلقين حقا. تم اعداد التصور المناسب للتجاوب مع اسوأ سيناريو محتمل وخرجنا بخارطة طريق" لتجنب آثار العقوبات الجديدة.

ولم يفصل صالحي كيف تنطوي "خارطة الطريق" الايرانية على التعامل مع العقوبات الاقتصادية الغربية المشددة ردا على رفض طهران التراجع عن برنامجها النووي المثير للجدل.

ولكن صالحي قال ان ايران تمكنت من "تفادي" العقوبات الغربية وعقوبات الامم المتحدة منذ قيام الثورة الاسلامية عام 1979، وان اقر في نفس الوقت ان "العقوبات لها تأثيرها".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 5/كانون الثاني/2012 - 11/صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م