تركيا وجريمة إبادة الأرمن

ماض أسود يطارد الدولة التركية

علي معاش

 

شبكة النبأ: لم تتوقع تركيا ان تتلقى صفعة مدوية من فرنسا على الأقل في هذا التوقيت، سيما وانها منخرطة في تحالف غير معلن مع الغرب لتمرير أجندات سياسية في المنطقة، بعد ان نجح قادة أنقرة الى حد ما في ركوب موجة الربيع العربي والتأثير في سياقاته الثورية.

وجاء تجريم فرنسا لما يعرف إنكار إبادة الارمن ليضع عقبة كبيرة أمام المشروع التركي في دول الاقليم العربي، خصوصا وانها رفعت شعار حق الشعوب في الحياة ومناهضتها للقمع بكافة أشكاله، كان واقع الحال يقول ان فرنسا ارادة اعلان هذا القانون ليكون تذكيرا لتركيا ببعض ما ارتكبته في الماضي من جرائم فظيعة، ويكشف زيف السياسة التي يتبعها أردوغان لتحقيق حلمه في اعادة أمجاد الامبراطورية العثمانية الغابرة.

دولة تهدد الجميع

إذ قال الوزير الفرنسي السابق باتريك ديفيدجيان ان تركيا "تهدد الجميع" و"ليست بلد حقوق الانسان"، معقبا على مشروع قانون يجرم انكار الابادة الارمنية تبنته الجمعية الوطنية. وقال الوزير لاذاعة "فرانس انتر" ان تركيا "بلد يهدد الجميع" ذاكرا "اسرائيل وقبرص واليونان".

واكد ديفيدجيان وزير الصناعة السابق والنائب الحالي في الحزب الرئاسي "ان تركيا هددت في اقل من عام اكثر من سبع دول فهل تعتقدون انه اسلوب جيد لاقامة علاقات دولية؟". واضاف "انني اؤمن كثيرا بالمجتمع المدني التركي. وللاسف عندما يكون لتركيا شخص لامع مثل اورهان باموك حائز جائزة نوبل (للاداب في 2006) فهي تلاحقه لانه يقول ان ابادة الارمن حقيقة". وشدد "في بلادنا نطالب بان تكف تركيا عن نشر معلومات تنكر الابادة".

ودان ايضا "مظاهر العنف التي نظمتها الدولة التركية على اراضينا بمناسبة النقاشات" حول مشروع القانون هذا. واضاف "مشروع القانون لا يكتفي بالتذكير باحداث تاريخية. انه قانون يعاقب الافراط في انكار الابادة. ولكلمة افراط اهميتها بما انها لا تمنع النقاش الثقافي" مدافعا عن هذا النص الذي يجب ان يصوت مجلس الشيوخ عليه ليصبح قانونا. واضاف "انه عمل سياسي: في الوقت الذي تريد فيه تركيا الانضمام الى الاتحاد الاوروبي والظهور كدولة تدافع عن حقوق الانسان يسمح هذا القانون بكشف تصرف تركيا على الساحة الدولية ويثبت بان تركيا ليست بلد حقوق الانسان".

وتصويت النواب على مشروع القانون هذا اثار استياء تركيا التي استدعت على الفور سفيرها في باريس واعلنت تجميد تعاونها العسكري مع فرنسا. ودرس مجلس الشيوخ لهذا النص ليس مدرجا حاليا على جدول اعمال هذه الجمعية لشهر كانون الثاني/يناير لكنه قد يدرج خلال المشاروات المقررة في العاشر من الشهر المقبل.

تأجيج كراهية المسلمين

من جهته اتهم رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي باللعب على مشاعر "كراهية المسلم والتركي" وفرنسا بارتكاب ابادة في الجزائر في رد فعل على تبني فرنسا قانونا يجرم انكار "ابادة" الارمن. وقال اردوغان في مؤتمر في اسطنبول ان "الرئيس الفرنسي ساركوزي بدأ السعي لمكاسب انتخابية باستخدام مشاعر كراهية المسلم والتركي" في فرنسا. واضاف اردوغان "ان هذا التصويت الذي وقع في فرنسا حيث يعيش نحو خمسة ملايين مسلم، اظهر بوضوح الحدود الخطرة الذي بلغتها العنصرية والتمييز وكراهية المسلمين في فرنسا واوروبا".

ودعا اردوغان فرنسا الى ان تتحمل المسؤولية عن ماضيها الاستعماري. وقال "تقدر ب 15 بالمئة من سكان الجزائر نسبة الجزائريين الذين تم اغتيالهم من قبل الفرنسيين بداية من 1945. هذه ابادة" في اشارة الى اعمال عنف ارتكبت خلال معركة استقلال الجزائر من الاستعمار الفرنسي بين 1945 و1962.

واضاف اردوغان "اذا كان الرئيس الفرنسي لا يعرف انه حصلت ابادة فانه يمكنه ان يسال والده بال ساركوزي (..) الذي كان خدم في الجزائر في اربعينات القرن الماضي". وتابع "انا على يقين انه (بال ساركوزي) لديه الكثير من الامور ليقولها لابنه بشان المجازر التي ارتكبها الفرنسيون في الجزائر".

قرارات انتقامية

في سياق متصل حذرت باريس من اي قرارات انتقامية قد تتخذها تركيا ضد الشركات الفرنسية على اثر تبني النواب الفرنسيين قانونا يجرم انكار الابادة الارمنية، مؤكدة انها ستكون "غير قانونية" لانها تخالف قواعد منظمة التجارة العالمية.

وقال وزير الدولة للتجارة بيار لولوش لشبكة "فرانس 2" التلفزيونية الحكومية "لا اتمنى ان ينجر الاتراك الى مسالة من هذا النوع لانها ستكون غير قانونية". واضاف انه لا يعتقد ان الاتراك سيطبقون اجراءات ثأرية ضد الشركات الفرنسية.

وتابع الوزير الفرنسي "انهم اعضاء في منظمة التجارة العالمية، ولديهم اتفاق للتبادل الحر مع الاتحاد الاوروبي، ومن غير الوارد لاي كان ان يمارس التمييز حيال الشركات الفرنسية". وقال "اعتمد على حكمة المسؤولين الاتراك".

ولفت لولوش الى "وجود هذه الفترة من التاريخ التي لا يمكن تجاهلها"، في اشارة الى الابادة الارمنية في 1915-1917. وقال ايضا "عندما نكون في قارة اوروبا، يستحسن النظر الى التاريخ مباشرة من دون اعطاء دروس لاي كان ومن دون سلوك طريق التصعيد".

وراى ان "التهدئة في اوروبا تقتضي بعض الهدوء والتحلي بضبط النفس". وقال "ما يبدو لي اساسيا في هذه القضية هو نزع فتيل التصعيد. (...) لقد صدرت تصريحات قاسية جدا من جانب شركائنا الاتراك". واضاف لولوش "يجب بالتالي ايجاد طريق للخروج من الازمة. لدينا مصالج استراتيجية رئيسية مشتركة بين فرنسا وتركيا، والكثير من المصالح الاقتصادية ايضا والتي لا يمكن اهمالها كذلك". وتركيا شريك تجاري كبير لفرنسا مع مبادلات قدرت بنحو 12 مليار يورو في 2010.

سفير تركيا غادر فرنسا

من جهته صرح الناطق باسم البعثة الدبلوماسية التركية في باريس انجين سولاك اوغلو ان سفير تركيا في فرنسا تحسين بوركو اوغلو غادر فرنسا الجمعة غداة تجميد انقرة تعاونها السياسي والعسكري مع باريس.

وقال سولاك اوغلو ان "السفير عاد (الى تركيا) لاجراء مشاورات وترافقه عائلته"، موضحا انه استقل الطائرة في الساعة 7,40 (6,40 تغ). ويأتي هذا الاجراء غداة اقرار البرلمان الفرنسي مشروع قانون يجرم انكار "ابادة" الارمن. وردا على تبني القانون اعلن رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان سلسلة من العقوبات السياسية والعسكرية ضد فرنسا. وقال ان تركيا ستستدعي سفيرها من باريس وستعلق جميع الزيارات السياسية والمشاريع العسكرية الثنائية ومن بينها المناورات المشتركة بين البلدين.

وردا على العقوبات التركية دعا وزير الخارجية الفرنسي الان جوبيه تركيا الى "عدم المبالغة في رد الفعل". وقال "ما ارجوه هو ان لا يبالغ اصدقاؤنا الاتراك في رد الفعل على قرار الجمعية الوطنية الفرنسية". وقال السفير التركي بعد اعلان استدعائه للتشاور ان نظيره الفرنسي في انقرة لن يدعى للتشاور. واوضح جوبيه ان السفير الفرنسي يمضي حاليا عطلة في فرنسا.

قراصنة أتراك يخترقون مواقع فرنسية

وعلى منوال الحكومة التركية أراد القراصنة الأتراك بدورهم الرد والانتقام من السياسة الفرنسية فقاموا باختراق الموقع الخاص بـ-فاليري بوييه- التي كانت أول من تقدم باقتراح قانون تجريم إنكار "إبادة الأرمن" في فرنسا. هذا وقد تقدمت بوييه النائب عن حزب اليمين الفرنسي الحاكم بشكوى بعد قرصنة موقعها وتعرضها إلى إساءات وتهديدات بالقتل وفق ما صرحت به إلى إحدى القنوات الفرنسية.

لم ينته استفزاز القراصنة الأتراك عند هذا الحد. ففي الوقت الذي لا تزال أنقرة تصعد من لهجتها ضد باريس. واصل قراصنة تركيا هجومهم على مواقع خاصة بالجالية الأرمنية في فرنسا بل وحتى الموقع الرسمي للبرلمان الفرنسي نجحوا في اختراقه وتعطيله لمدة يومين متتاليين.

ومن جهتها تناقلت المواقع الإلكترونية الفرنسية الخبر باهتمام وأشارت بعضها بأصابع الاتهام إلى الهاكرز التركي الشهير "ايسكور بيتكس" الذائع الصيت والمعروف بعملياته الرقمية التي نجح من خلالها في اختراق وتعطيل حوالي نصف مليون موقع إلكتروني عبر العالم.

تأتي هذه الحرب الرقمية التي يشنها قراصنة أتراك ضد المواقع الفرنسية في سياق منعطف جديد وخطير في آن واحد بين الدبلوماسية التركية ونظيرتها الفرنسية. تجدر الاشارة أنه في شهر نوفمبر الماضي اخترق قراصنة أتراك موقع صحيفة "تشارلي إيبدو" الهزلية الفرنسية بعد إصدارها لعدد خاص أطلقت عليه عنوان "شريعة إيبدو" الشيء الذي اعتبره القراصنة الأتراك تطاولا على قيمهم الدينية والأخلاقية ودفع بهم للانتقام على طريقتهم - أي عن بعد - معتمدين على خيوط الشبكة العنكبوتية.

إسرائيل قد تعترف بـ"إبادة الأرمن"

الى ذلك تناقش لجنة التعليم البرلمانية الإسرائيلية في الكنيست اقتراح اعتبار الرابع والعشرين من نيسان/أبريل، يوم ذكرى "مجزرة الشعب الأرمني". وهذا يعني الاعتراف "بإبادة الأرمن" في خطوة قد تؤدي إلى تفاقم التوتر في العلاقات مع تركيا.

وستجتمع لجنة التعليم في الكنيست في الساعة العاشرة (8,00 تغ) لمناقشة اقتراح اعتبار الرابع والعشرين من نيسان/ابريل الذي بدأت فيه الامبراطورية العثمانية بقتل الارمن، يوم ذكرى "مجزرة الشعب الارمني". وكانت الكنيست رفضت اقتراحا مماثلا عام 2007 عندما كانت العلاقات بين اسرائيل وتركيا جيدة.

الا ان العلاقات دخلت ازمة كبيرة العام الماضي عندما قتلت القوات الاسرائيلية تسعة اتراك في هجوم على سفينة تركية ضمن اسطول يحمل مساعدات انسانية في طريقه لقطاع غزة في محاولة لكسر الحصار البحري الاسرائيلي المفروض عليه.

وقالت جورجيت افاكيان من لجنة الارمن الوطنية في القدس للاذاعة العامة "عملنا سنوات عديدة من اجل ذلك. آمل ان يكون الوقت قد حان".

وطردت تركيا في تشرين الاول/اكتوبر الماضي السفير الاسرائيلي والغت الروابط العسكرية بينما الغت اسرائيل الاسبوع الماضي عقدا لبيع معدات مراقبة جوية الى انقرة يعود الى عام 2008.

من جهتها رات عضو الكنيست زهافا غالؤون من حزب ميريتس اليساري المؤيدة لمشروع القانون ان التغييرات على الساحة الدبلوماسية قد تعني ان المشروع قد يحصل على تاييد هذه المرة.

وقالت غالؤون لصحيفة هآرتس "لسنوات عديدة رفضت حكومة اسرائيل الاعتراف بالابادة لاسباب استراتيجية واقتصادية مرتبطة بعلاقاتها مع تركيا". واضافت "الان ونظرا لوضع العلاقات بين الدولتين لا استبعد امكانية ان تكون وزارة الخارجية تستغل الاوضاع" لاستفزاز تركيا.

وادت المجازر وعمليات تهجير الارمن في الامبراطورية العثمانية بين 1915 و1917 الى سقوط اكثر من 1,5 مليون قتيل حسب الارمن وبين 250 الفا و500 الف حسب تركيا التي ترفض الاقرار بحدوث "ابادة".

تجريم الاستعمار سيظل قائما

من جانبه صرح وزير المجاهدين الجزائري محمد الشريف عباس ان الدعوة لتجريم الاستعمار "مطلب شعبي شرعي وسيظل قائما" الى ان تتحمل السلطات الفرنسية "هذه المسؤولية".

وقال الشريف الذي تتابع وزارته شؤون محاربي حرب التحرير (1954-1962) من الاستعمار الفرنسي للجزائر ان "هذا المطلب الشعبي شرعي وواجب تجاه شهداء الثورة (...) سيظل قائما ما دامت الجهات الرسمية الفرنسية لم تتحمل هذه المسؤولية". واضاف ان "هذه الدعوة ليست نهاية في حد ذاتها ولا وسيلة لبلوغ هدف سياسي معين بل هي تصرف شرعي"، كما افادت وكالة الانباء الجزائرية. واوضح محمد الشريف عباس ان "المسألة الاساسية اليوم تكمن في انجع طريقة لتجسيد هذا المطلب".

ورأى عباس ان رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان "كان يدافع عن مصالح بلاده" عندما اتهم فرنسا بارتكاب ابادة في الجزائر في رد فعل على تبني فرنسا قانونا يجرم انكار "ابادة" الارمن. وقال ان "الوزير الاول التركي يدافع عن مصالح بلاده على غرار النواب الفرنسيين (...) واتاسف لغياب هذا النوع من التعبئة في الجزائر حول هذه القضية".

وقدم نائب في البرلمان الجزائري في شباط/فبراير 2010 مقترح قانون يجرم الاستعمار الفرنسي لكنه ظل حبيس الادراج "لاعتبارات دبلوماسية وقانونية" بحسب العبارة التي استخدمها رئيس المجلس الشعبي الوطني عبد العزيز زياري في تشرين الاول/اكتوبر من السنة نفسها.

ويتكرر في كل مناسبة مطلب "اعتذار" فرنسا على استعمارها للجزائر لمدة 132 سنة من طرف المسؤولين الجزائريين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 4/كانون الثاني/2012 - 10/صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م