البحرين ثورة شعب وضجيج سلطة

رهان على الوقت والجهد

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: لا تزال السلطات البحرينية تراهن على الوقت ككفيل يسهم في إنهاء الانتفاضة القائمة منذ ما يوازي العام، مما يعكس جهل قادة تلك الدولة المطبق على حلولهم الفاشلة في درئ البلاد عن الهاوية.

فما يتجلى من إصرار مستميت من قبل الشعب البحريني على نيل حقوقه الكاملة دون نقصان، يعكس صلابة الإرادة التي يتحلى بها المحتجون، غير مبالين بالقمع والتزييف الذي تمارسه القوات الأمنية إزاءهم، أو حتى النيل من آمالهم الكبيرة في الإصلاح.

فيوم بعد يوم تتسع دائرة الصراع القائم بين الحاكم والمحكوم، وتتصاعد سقوف المطالبات بوجه العائلة الحاكمة، حتى يجدوا انفسهم في نهاية المطاف هدفا مشروعا أمام الكثير من اهالي البحرين، دون ناصر او معين.

جنازة شاب تتحول الى احتجاجات

فقد قال سكان ونشطاء ان الشرطة البحرينية اطلقت الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت بعد ان تظاهر مئات من الشبان الشيعة احتجاجا على مقتل متظاهر (15 عاما) في اليوم السابق. وتقع مواجهات بين قوات الامن والمحتجين بشكل يومي تقريبا في المناطق التي تسكنها اغلبية من الشيعة الذين قادوا الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي سحقتها البحرين العام الماضي.

وقال احد سكان قرية سترة الشيعية جنوب العاصمة المنامة لرويترز "بعد الجنازة بدأ الكثير من المشيعين في الاحتجاج وبدأت الشرطة في استخدام الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت. ما زالت الاحتجاجات مستمرة بعد مضي ساعات."

وقال نشطاء على موقع تويتر ان متظاهرا واحدا على الاقل جرح بعد ان أصابته قنبلة غاز مسيل للدموع في رأسه. وقالت المعارضة في وقت سابق ان سيد هاشم سعيد الذي توفي اصيب بقنبلة غاز مسيل اطلقت من مسافة قريبة لكن مسؤولين قالوا ان جثة الصبي كانت بها حروق شديدة لا يمكن ان تكون ناجمة عن قنبلة غاز.

ونقلت وكالة انباء البحرين عن مسؤول بالشرطة قوله ان التحقيقات الاولية تظهر ان القتيل كان ضمن من شاركوا في الهجمات على قوات الامن بالقاء القنابل الحارقة. وقال تقرير الطب الشرعي ان الصبي اصيب بجرح في الرقبة ربما كان هو السبب في وفاته وان سبب الوفاة ما زال قيد التحقيق.

ونقلت وكالة انباء البحرين عن السلطات قولها يوم الاحد انها القت القبض على 11 من "المخربين" للاشتباه في القائهم قنابل حارقة على الشرطة اثناء مظاهرة يوم الجمعة في قرية النويدرات بالقرب من سترة. بحسب رويترز.

واشتبك شبان يرددون هتافات ضد الاسرة الحاكمة في البحرين مع قوات مكافحة الشغب في انحاء البحرين. واطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع عليهم في محاولة لمنعهم من اغلاق الطرق.

وكان الاف المحتجين وأغلبهم من الشيعة قد خرجوا في فبراير شباط ومارس اذار في احتجاجات تستلهم روح انتفاضات الربيع العربي التي تجتاح المنطقة مطالبين بالحد من سلطات أسرة ال خليفة السنية وانهاء ما يعتبرونه تمييزا على اساس طائفي. وواجهت السلطات البحرينية الحركة المطالبة بالديمقراطية بالقمع مستعينة بقوات من السعودية والامارات العربية المتحدة.

وخلص تحقيق اجرته لجنة مستقلة عينتها الحكومة للتحقيق في تلك الاحتجاجات ان 35 شخصا على الاقل بينهم خمسة من قوات الامن قتلوا خلال الاضطرابات. وقالت اللجنة انها وجدت ادلة على وقوع انتهاكات منهجية واعمال تعذيب. ووعدت البحرين بتنفيذ التوصيات الواردة في التقرير وهو الامر الذي ربط الكونجرس الامريكي بينه وبين الموافقة على بيع أسلحة بقيمة 53 مليون دولار الى المنامة . وتشكك جماعات المعارضة في التزام الحكومة بالاصلاح. وقالت صحيفة الوسط البحرينية المستقلة على موقعها على الانترنت ان رئيس لجنة تنفيذ توصيات التحقيق علي الصالح قدم استقالته.

وللبحرين أهمية خاصة للمصالح الغربية في الشرق الاوسط لانها تستضيف الاسطول الخامس الامريكي وتقع قبالة ايران على الجانب الاخر من الخليج. ونفت ايران اتهامات الحكومة البحرينية لها بالتحريض على الاحتجاجات.

المعارضة تصعد لهجتها

فيما نظمت الجمعيات السياسية المعارضة في البحرين مسيرة شاركت فيها قيادات الحركة الوطنية و"شباب 14 فبراير،" مطالبين الحكومة الاستجابة للمطالب الشعبية و"إنصاف" الضحايا خلال محاكمات عاجلة للمتهمين بالتعذيب واستخدام العنف ضد المتظاهرين.

كما أكد المشاركون في المسيرة ضرورة "تطبيق مبادئ العدالة الانتقالية حسب المعايير الدولية بما فيها التعويض العادل،" وشددوا على عدم وجود بوادر لانفراج سياسي في ظل استمرار الحكومة الحالية التي اتهموها بأنها "مسؤولة عن جميع أشكال الانتهاكات،" كما هددوا بنقل المسيرات السلمية إلى وسط العاصمة.

وأشار بيان صادر عن الجمعيات المعارضة بعد انتهاء المسيرة إلى استمرار الأجهزة الأمنية في قمع الاحتجاجات الشعبية السلمية، وحذرت من أن ذلك ينذر بتفجر "غضب شعبي عارم" سبق للجمعيات السياسية أن حذرت النظام منه على اعتبار أن استمرار القمع يوازيه رفع سقف المطالب الشعبية. وأضاف البيان: "أننا مصممون على عدم ترك الساحات بما فيها العاصمة رغم سياسة القمع والتنكيل ومحاولة محاصرة التحركات الشعبية للجمعيات السياسية."

بالمقابل رفضت الجمعيات السياسية الموالية أو القريبة من الحكومة، مثل جمعية "المنبر الإسلامي" و"الأصالة الإسلامية" و"الوحدة الوطنية،" وتمثل جميعها التيار السني في البحرين، خطط الحكومة في تنفيذ ما وصفوه بأنه "تطبيق انتقائي" لتوصيات لجنة تقصي الحقائق والتي حسب رأيهم تدخل في القضاء وسياسية البحرين الداخلية.

من جانبها، نقلت وكالة الأنباء البحرينية الرسمية أن مدرسة "سار الابتدائية للبنين" تعرضت إلى "اعتداء" تمثل في إشعال حريق بحاوية عند سور المدرسة من قبل مجهولين دون إحداث أضرار.

وأضافت الوكالة أنه في حادث منفصل قام عدد من وصفتهم بـ"المخربين" بدخول مدرسة "الدير الابتدائية للبنين" ورمي الحجارة وزجاجات المولوتوف من داخلها إلى الخارج.

تشكيل هيئة لمراجعة الاحكام

من جانب آخر اعلنت السلطات البحرينية الاثنين تشكيل هيئة قضائية مكلفة مراجعة الاحكام التي اصدرتها محكمة شبه عسكرية بحق مشاركين في تظاهرات اذار/مارس وغير القابلة للطعن.

ويأتي تشكيل هذه الهيئة تجاوبا مع توصيات لجنة تحقيق مستقلة كانت نددت ب"استخدام مفرط وغير مبرر للقوة".

وقال الشيخ خليفة بن راشد آل خليفة نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء في تصريح نقلته وكالة الانباء البحرينية انه "تقرر إنشاء هيئة تضم عددا من قضاة المحاكم المدنية لمراجعة الأحكام غير القابلة للطعن والصادرة بالإدانة عن محاكم السلامة الوطنية من حيث المبادىء الدولية للمحاكمة العادلة بما في ذلك الحق في الإستعانة بمحام وتحقيق مبدأ مشروعية الدليل".

واوضح خليفة ان الهيئة ستقوم ايضا "بمراجعة كل الأحكام الصادرة بالإدانة في جرائم تتعلق بحرية التعبير والتي لا تتضمن تحريضا على العنف".

كما قالت البحرين انها ستسقط الاتهامات الموجهة ضد 343 شخصا والمرتبطة بحرية التعبير وابداء الرأي لكن المعارضة قالت ان ذلك يشمل فقط جزءا من المحتجزين أثناء الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية هذا العام.

وقال النائب العام علي بن فضل البوعينين ان هذه الخطوة تأتي في سياق مراجعة لاعمال المحاكم العسكرية التي تشكلت بعدما أعلنت البحرين العمل بقانون السلامة الوطنية (الاحكام العرفية) في مارس اذار الماضي وأضاف أنها تنطبق على 43 قضية و343 متهما.

ولكنه استطرد قائلا ان بعض القضايا "ستظل قائمة ومتداولة رغم اسقاط تلك النوعية من التهم نظرا لاشتمالها على جرائم أخرى من طبيعة مختلفة تنطوي على العنف والتخريب المتمثل في الاعتداء على الاشخاص والاموال."

وقال مسؤول في جمعية الوفاق كبرى الجماعات الشيعية المعارضة في المملكة التي يهيمن السنة علي شؤون الحكم فيها ان حوالي 85 من القضايا التي بحثتها اللجنة مرتبطة بحرية التعبير وحرية التجمع السلمي.

وقال مطر مطر وهو عضو سابق في البرلمان يمثل جمعية الوفاق لرويترز ان من بين 1200 قضية درستها الجمعية فان نحو ألف قضية تتضمن اتهامات مثل التجمع غير المشروع ونشر أنباء كاذبة وبث الكراهية للنظام. وأضاف أن هذا الاجراء يجب أن يسمح للمتهمين بطلب التعويض. وتابع قائلا في اتصال تليفوني ان هؤلاء الاشخاص سجنوا دون مبرر. وطالب بالتالي بتعويضهم والتحقيق مع المسؤولين عما حدث لهم.

قضية وفاة محتجين رهن الاحتجاز

الى ذلك اعلنت البحرين انها ستحيل الى المحاكمة خمسة من ضباط الشرطة في قضية وفاة شخصين اثناء الاحتجاز خلال الاضطرابات التي شهدتها البلاد هذا العام. وتواجه البحرين ضغوطا لتطهير سجلها في مجال حقوق الانسان.

وتوفي اربعة اشخاص على الاقل اثناء الاحتجاز بعد ان فرضت السلطات الاحكام العرفية لسحق احتجاجات شعبية حاشدة مطالبة باصلاحات ديمقراطية في فبراير شباط ومارس اذار.

وقال البيان الذي نشرته وكالة الانباء البحرينية نقلا عن النيابة العامة ان اثنين من رجال الشرطة قاما بضرب اثنين من المحتجزين حتى الموت وان الثلاثة الاخرين لم يبلغوا السلطات المسؤولة عن القتل. وقال البيان ان المحاكمة ستبدأ في 11 يناير كانون الثاني. وقالت البحرين في نوفمبر تشرين الثاني انها تحاكم 20 من ضباط الامن بسبب تجاوزات.

وتضرر قطاعا البنوك والسياحة في البحرين بسبب الاضطرابات حيث يواصل محتجون في قرى شيعية اشتباكاتهم مع شرطة مكافحة الشغب بشكل يومي. وتريد جماعات المعارضة انهاء هيمنة اسرة ال خليفة على الحكم.

في الوقت ذاته اكدت حكومة البحرين انها لن تتساهل حيال سوء المعاملة التي لقيها معتقلون سياسيون، ووعدت ايضا باعادة كل الموظفين الذين اقيلوا من مناصبهم بسبب آرائهم. وقالت الحكومة في بيان نشرته وكالة الانباء البحرينية الرسمية ان هذه الاجراءات التي يضاف اليها السماح بحرية عمل الصحافة الدولية في البلاد.

وقال البيان ان مملكة البحرين لن تتسامح مع التعذيب والمعاملات اللاانسانية والمهينة اثناء الاعتقال وستتاكد من تسجيل وقائع جلسات الاستماع الى المتهمين والشهود او السجناء. واكد انه سيتم احترام حقوق المتهمين وخصوصا المتعلقة بعدم اعتقالهم دون التمكن من الاتصال بالخارج وسرعة الاتصال بمحاميهم وتلقي زيارات عائلاتهم.

وستبدا الحكومة من جهة اخرى بتوقيع عقود مع صحف وقنوات تلفزيون على المستوى الاقليمي والدولي بهدف ضمان بيئة اعلامية متعددة. وكانت نيابة البحرين اعلنت اسقاط التهم التي "يتداخل معها الحق في إبداء الرأي وممارسة الحرية في التعبير" وهو ما ينطبق على 43 متهما على خلفية الاحتجاجات المناهضة للنظام في شباط/فبراير وآذار/مارس، حسبما ذكرت وكالة انباء البحرين.

ونقلت الوكالة عن النائب العام علي بن فضل البوعينين قوله انه بتنفيذ هذا الامر "سيستفيد من إسقاط التهم 334 متهما"، غير انه قال ان القضايا ستظل قائمة "نظرا لاشتمالها على جرائم أخرى .. تنطوي على العنف والتخريب"، وبالتالي لن يطلق سراح هذا العدد.

تجنيد شرطيين

من جهته اعلن قائد شرطة البحرين المعين حديثا الاحد تجنيد 500 عنصر بينهم شيعة لتحسين العلاقات بين السكان. واوضح طارق الحسن في بيان للمكتب الاعلامي للحكومة ان هؤلاء الشرطيين سيكونون مدعوين للعمل في المناطق التي يتحدرون منها "لتحسين العلاقات" مع السكان المحليين.

واشار الى ان استحداث هذه الشرطة كان بين توصيات لجنة التحقيق المستقلة حول اعمال العنف في شباط/فبراير واذار/مارس التي رافقت تظاهرات الشيعة ضد اسرة ال خليفة السنية الحاكمة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 4/كانون الثاني/2012 - 10/صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م