أضواء على الإبادة الجماعية للأرمن في عام 1915...

علي الأسدي

" لقد كان معروفا على نطاق واسع بأن جنكيز خان قد قتل آلاف النساء والرجال والأطفال، وأثبت التاريخ بأنه أرسى دعائم الدولة بذلك. الهدف من الحرب ليس الوصول إلى خط محدد، وانما لإبادة العدو ماديا، ومن خلال هذه الوسائل سنتمكن من حيازة الفضاء الذي نحتاجه. من ما يزال يتحدث هذه الأيام عن مذبحة الأرمن"؟

أدولف هتلر - 1939

 

تتصاعد منذ أيام الحرب الكلامية بين فرنسا وتركيا حول القضية الأرمنية التي تعود إلى بداية القرن الماضي، وتحديدا بين عامي 1915 – 1916 إبان الحرب العالمية الأولى. فقد استصدر المجلس النيابي الفرنسي خلال الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر الحالي، مشروع قانون يقضي بمحاكمة أي مواطن ينفي حدوث ابادة جماعية للمواطنين الأتراك من مسيحيي الأرمن، معتبرا النفي جريمة يحاسب عليها القانون الفرنسي، تعرض مرتكبها لعقوبات من بينها غرامة مالية تصل إلى 450 ألف يورو. وهذه ليست المرة الأولى التي تثير فرنسا هذا الموضوع داخل فرنسا، قفد تعرضت العلاقات بين الدولتين التركية والفرنسية إلى التوتر مرات عديدة في الماضي لنفس السبب، وتتطور الآن إلى ما يشبه القطيعة بين دولتين عضوين في التحالف الغربي " الناتو. "

فعلى اثر صدور مشروع القانون سحبت تركيا سفيرها من باريس، وجمدت زيارات لمسئولين مدنيين وعسكريين لحضور اجتماعات مقررا لها أن تعقد خلال فترة قصيرة قادمة، وتهدد في الوقت نفسه بالغاء مناورات عسكرية بين البلدين مخطط لها سابقا. وبحسب الادعاءات الفرنسية فان تركيا العثمانية تتحمل مسئولية ابادة حوالي مليون مواطن تركي مسيحي أرمني في مختلف مناطق المدن التركية وعليها واجب الاعتراف بالجريمة والاعتذار من الشعب الأرمني وتعويضه عن الأضرار التي لحقت به من جراء ذلك. لكن المعاناة لم تقتصر على الأرمن وحدهم، فقد تعرضت أقليات أخرى للمصير نفسه، كان من بينهم مسيحيون آشوريون، ومسلمون أكرادا، ومسلمون علويون، علما بأن كل الذين تعرضوا للظلم هم مواطنون أتراك وليسوا من الوافدين من دول أخرى. لكننا نركز هنا على الأرمن الذين اختارت فرنسا لأسباب ذاتية اثارة موضوعهم هذه الأيام، فيما اختارت الولايات المتحدة عدم ادانة المذابح التي تعرض لها الأرمن لا في وقت حدوثها ولا بعد ذلك.

كان رد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان على مشروع القانون الفرنسي سريعا وغاضبا، متهما الرئيس الفرنسي باثارة الكراهية ضد المسلمين، حيث يوجد منهم حوالي ستة ملايين في فرنسا، وتساءل: إلى أي درجة وصلت سياسة التمييز والاسلاموفوبيا في فرنسا. كان الأولى بفرنسا أن تتحدث عن الابادة الجماعية التي حدثت في الجزائر والتي راح ضحيتها 15 % الشعب الجزائري. ويظهر أن أردوغان على علم بموقف والد الرئيس ساركوزي الذي كان متعاطفا مع الثورة الجزائرية، فقال: كان على والد ساركوزي أن يطلع ابنه على تلك الابادة الجماعية. لقد خاضت فرنسا حربا طويلة دامية ضد حركة تحرير الجزائر منذ 1954 إلى 1962 في محاولة للابقاء على الجزائر مستعمرة لها. الجزائر تقول أن عدد ضحاياها حوالي المليون، بينما تدعي فرنسا أن العدد لا يتجاوز 250 ألف جزائري. وقد رد ساركوزي الذي كان في زيارة إلى براغ لحضور مراسيم تشييع الرئيس الجيكي السابق هافل على ما قاله أردوغان، قائلا: " أنا احترم رأي أصدقائي الاتراك، فهم بلد ذي حضارة عريقة، لكن عليهم احترام ثقافتنا ".

لكن قبل الدخول في تفاصيل ما جرى بين عامي 1915 و1916 في تركيا لابد من البحث في أسباب اثارة موضوع ابادة الأرمن في هذا الوقت وفي أوقات أخرى في الماضي. في السنة القادمة تجري انتخابات البرلمان والرئاسة الفرنسية، حيث ينوي الرئيس ساركوزي الترشح لها لدورة ثانية. ولأن عدد الأرمن يتجاوز النصف مليون مواطن في فرنسا والمناطق التابعة لها خارج البر الفرنسي، فهم بالنسبة له رصيدا انتخابيا صلدا يمكن أن يغير ميزان القوى لصالحه. وهكذا كان الموضوع الأرمني في السابق، وفي كل دورة انتخابات مادة للدعاية الانتخابية يمارسها الساسة الفرنسيون الفرنسيون عند الحاجة. فقد اعتبرت فرنسا في عام 2001 أن المذابح التي جرت بحق الأرمن في عام في 1915 كانت ابادة جماعية. وبافتراض أن فرنسا جادة في وقوفها إلى جانب الأرمن وليس لأغراض دعائية فما هو موقف بقية حليفاتها في الحرب العالمية الأولى، وخاصة بريطانيا والولايات المتحدة من موضوع الابادة الجماعية التي كانوا على علم بها؟

للاجابة على هذا التساؤل لابد من العودة الى ما نشر عن هذا الموضوع قبل وبعد الحرب العالمية الأولى، وما نتج عنها من تطورات شكلت الأساس للموقف الدولي من موضوع الأرمن، وغيرهم من الأقليات التي تعرضت للابادة الجماعية أو للعقاب الجماعي. الولايات المتحدة الأمريكية لم تتدخل خلال تاريخها في وقف الابادة الجماعية أو ادانتها، ليس فقط بالنسبة للأرمن في تركيا، بل أيضا بالنسبة لابادة اليهود من قبل النازيين في أوربا، أو الابادة التي قام بها الخمير روج بحق الشعب الكمبودي، أو الابادة التي تعرض لها مسلمو البوزنة في يوغسلافيا السابقة، أو ابادة شعب التوتسي في رواندا. جريمة ابادة الأرمن كانت قد حدثت بين عامي 1915 – 1916، حينها لم تبرز الولايات المتحدة كقوة عالمية عظمى. الابادة التي حدثت لليهود على أيدي النازيين في عام 1939 حدثت في وقت كانت الولايات المتحدة على وشك أن تصبح قوة عالمية. أما الابادة الجماعية التي ارتكبت من قبل الخمير روج في كمبوديا عام 1975 – 1979 فقد حدثت أثناء الحرب الباردة وبعد الحرب الفيتنامية. أما ابادة الصرب للمسلمين في بوزنيا 1992 – 1995، وبعدها في رواندا عام 1994، كانت قد حدثت بعد الحرب الباردة. لقد كان الساسة في الولايات المتحدة على علم بتلك الجرائم، وبعض الأمريكيين اهتموا وعملوا على فضح أفعال الابادة ضد البشر، لكن الحكومة الأمريكية أدارت بوجهها عما حدث. التحدي الأكبر والمعارضة الواسعة للابادة الجماعية جاءت من أولئك الذين فضلوا عدم الصمت وأعلنوا عن أراءهم ضد تلك الأفعال. بعض الأمريكيين وقفوا بصراحة ضد افعال الابادة، وكانوا يعرفون الخطأ والصواب، أولئك لم يكونوا وحدهم في نشاطهم ضد تلك الأفعال، وكانوا يعتقدون أن على الولايات المتحدة أن تلعب دورا في منع ذلك. كانوا يتساءلون لم حدث ذلك، ولماذا لم نحاول كأمة التدخل في الأمر.

لقد بادر السفير الأمريكي في تركيا في عام 1915 السير هنري مورغينثاو* بالطلب من حكومة الولايات المتحدة للتدخل ضد تهجير وقتل الأقلية الأرمنية وادانة الحكومة التركية، وبالضغط على حليفتها في الحرب ألمانيا النازية. وكان هو قد قام من جانبه بالتدخل شخصيا لدى السلطات التركية بوقف أعمال القتل، كما قام بحملة جمع التبرعات لتقديم المساعدة الانسانية للذين يتعرضون للأذى. كما قام أيضا بالتعاون مع الرئيس الأمريكي السابق ثيودور روزفلت لمطالبة الرئيس الأمريكي حينها وودرو ويلسون للدخول في الحرب العالمية لوقف القتل الجماعي، لكن الرئيس رفض الطلب بحجة أن الولايات المتحدة تقف على الحياد، قائلا: " أن هذا شأن داخلي خاص وليس لنا الرغبة في التدخل في أمر لا يعنينا ". لقد قدر عدد الذين قتلوا، أو ماتوا بسبب الأمراض والجوع بحوالي واحد مليون مواطن أرمني. وفي 10 / 7 / 1915 أرسل السفير برقية إلى واشنطن قال فيها:" الانتقام يجري بوتيرة غير متوقعة، فالتقارير الآتية من مختلف المناطق العثمانية تتحدث عن محاولات مستمرة لقمع الأرمن واعتقالهم وتعذيبهم وطردهم من مناطق سكناهم، وتهجيرهم من منطقة إلى أخرى في أنحاء مختلفة البلاد، كما يجري اغتصاب النساء ونهب ممتلكاتهم بهدف قمعهم وتدميرهم، ويجري ذلك بحجة الضرورة العسكرية." وفي برقية أخرى أرسلها إلى واشنطن يقول فيها: " يبدو أن الحكومة التركية تحاول القضاء على العنصر الأرمني ". وفي رسالة جوابية أرسلها له وزير الداخلية التركي يقول فيها: " لماذا أنت مهتم بموضوع الأرمن أصلا، فأنت يهودي وهم مسيحيون، لماذا تعترض، ولماذا لا تريدنا أن نتعامل مع هؤلاء المسيحيين؟

وعندما سأل احد الصحفيين الألمان وزير الداخلية التركي عام 1915 عن الموضوع نفسه، رد عليه قائلا: " نحن نحاول التفرقة بين المذنب والبريء، لكن ذلك غير ممكن، لأن الأبرياء اليوم يمكن أن يكونوا مذنبين غدا ". لقد أرسل السير السفير رسالته الأخيرة إلى وزارة الخارجية في واشنطن عبر فيها عن مشاعره تجاه ما يحدث أمامه هناك قائلا: " انه من الصعب علي احتمال أن لا افعل أي شيء لوقف ابادة الجنس، لكنني مدرك بأنني كسفير يجب أن التزم بمبادئ عدم التدخل في الشئون الداخلية لبلد آ خر." وفي السابع من أكتوبر 1915 نشرت صحيفة النيويورك تايمز عنوانا على صفحتها الأولى جاء فيه " 800,000 ألف أرمني تم القضاء عليهم ". وفي شهر ديسمبر نفس العام نشرت نفس الصحيفة على صفحتها الأولى " هناك مليون قتيل ومطارد أرمني ".

 في عام 1916 ترك السفير الأمريكي الدولة العثمانية لأنه كما قال، لن يعد قادرا على الاحتمال دون أن يفعل شيئا، وقال بعد مغادرته إلى بلاده، " فشلي في ايقاف قتل الأرمن جعل تركيا بلدا فظيعا، لقد استنفذت كل قدراتي ". وبعد عودته إلى واشنطن فقد وظيفته، فلم يعين في منصب آخر بسبب ذلك أثناء وجود الرئيس الأمريكي وودرو ولسن. وكان الرئيس ولسن قد رد على التساؤلات عن عدم تدخل الولايات المتحدة لايقاف أعمال القتل الجماعي قال: " أن رغبة الأمريكيين تدعوني للوقوف بعيدا وعدم التدخل في الحرب العالمية الأولى، وسأبقى على الموقف إلى أطول فترة ممكنة ". وعندما قررت الولايات المتحدة الدخول في الحرب ضد الألمان عام 1917 في الرابع من أبريل رفض اعلان الحرب على الدولة العثمانية، أو حتى قطع العلاقات مع العثمانيين. وقد خطب ولسن في الكونغرس قائلا: " سنذهب إلى أي مكان تحتمه الضرورة، ولكن يبدو لي بأننا يجب أن نذهب فقط أينما يكون عمليا القيام بعمل وليس مراعاة للآخرين. لكن في النهاية تركيا هي من أنهى العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية ".

عدم تدخل الولايات المتحدة في الفظائع التركية ضد الأرمن خلق قاعدة نموذجية، وربما يعاد الأخذ بها مستقبلا، وهي أن الولايات المتحدة يمكن أن تقدم مساعدات انسانية للناجين من الابادة العنصرية، لكنها تركت أولئك الذين ارتكبوها أحرارا. عندما انتهت الحرب العالمية الأولى عام 1918، خيم السؤال حول الفظائع التي اقترفت أثناء الحرب على مؤتمر السلام في باريس. فبريطانيا وفرنسا وروسيا أصرت بأن تتحمل حكومات ألمانيا والنمسا وتركيا المسئولية عن خرقها قوانين الحرب والقانون الانساني، وبدئوا في خطة لاقامة محكمة الجرائم الدولية بأمل محاكمة المسئولين الألمان والأتراك الذين كان لهم دورا في تلك الجرائم، لكن وزير الخارجية الأمريكية حينذاك لانسنغ اتخذ موقفا معارضا باسم حكومته، وذلك لأن الرئيس الأمريكي حينذاك عارض مقترح الحلفاء لاضعاف المانيا، وكذلك عارض نزع سلاحها، كما وقف ضد تطبيق القانون الدولي والانساني لمعاقبة مقترفي الجرائم بحق الانسانية. وقد أصر وزير الخارجية الأمريكية على أن قادة الدول يتمتعون بحصانة ضد المحاكمات. الولايات المتحدة تحاكم فقط أولئك الذين يلحقون الأذى بالمواطنين الأمريكان والممتلكات الأمريكية. ورغم ذلك اتفق على تشكيل المحكمة، لكن الولايات المتحدة لم تساهم فيها.

لو كانت الولايات المتحدة قد وقفت موقفا معارضا للمذابح بحق الأرمن من قبل الأتراك، لكان ذلك قد أحدث تغييرا في ما حدث. لكن الولايات المتحدة اصرت على ما تعتقده صائبا وهو عدم التدخل، ولهذا السبب فان القتل الجماعي استمر دون توقف.

لقد تعرض المواطنين الأرمن الذين بقوا على قيد الحياة لصنوف القهر والحرمان والتهميش، أما الأطفال الذين نجوا بعد فقد ابائهم فقد شردوا في كل أنحاء تركيا، ولم يحظوا بأي مساعدة من الدولة التي كانت أكثر البلدان تخلفا وفسادا. وكانت مشاركتها في الحرب إلى جانب ألمانيا النازية قد الحقت بشعبها الفقر والمجاعة والتشرد. حسني الحظ فقط من الأطفال من أنقذته عائلة طيبة واعتنت به وعوضته بعض حنان الأم والأب والعائلة، وتحكي قصص بعض أولئك الأطفال المحظوظون عن تضحيات عوائل كردية وتركية مسلمة عندما خاطرت بحياتها من أجل حماية طفل من عسف العنصريين عديمي الرحمة والضمير.

 أحد أولئك الأطفال الأرمن كان حظه ربما أفضل من غيره هو ميساك مانوشيان **، المولود في مدينة ايدامان التركية عام 1906، قتل والده اثناء المذابح والفظائع العنصرية التي تعرض لها الأرمن، كما فقد أمه بعد ذاك، لكن عائلة كردية طيبة تكفلته وتعهدت بانقاذه من القتل على الهوية. وبعد محاولات كثيرة قامت بها العائلة الكريمة، تمكنت من الاتصال بمنظمات ارمنية تعمل داخل وخارج تركيا الى تهريب الطفل اليتيم مانوشان الى سوريا، وهناك تم إدخاله دارا للأيتام حتى عام 1925 عندما غادرها بعد ذلك الى فرنسا، وهناك عمل ردحا من الزمن في احد المصانع، وتابع في نفس الوقت تعلمه واتقانه الشعر، فكتب ونشر الكثير من قصائده وحقق شهرة في هذا المجال. لقد اختار النشاط السياسي داخل الحزب الشيوعي الفرنسي، وعندما احتلت فرنسا من قبل ألمانيا النازية أثناء الحرب العالمية الثانية، تطوع ضمن فرق المقاومة الوطنية الفرنسية التابعة للحزب الشيوعي، وأصبح فيما بعد المسئول العسكري لمجموعة من المهاجرين المنظمين في فرقة أنصار تعمل مع الحزب الشيوعي الفرنسي في باريس. وفي شباط 1944 علق الفاشيست الألمان ملصقات جدارية في أنحاء مختلفة من باريس سميت " الملصقات الحمراء " لإثارة الرعب في قلوب مجموعة مانوشيان. تضمنت تلك الملصقات تحذيرا من الارهاب الذي كانت تشكله المقاومة الوطنية ضد الألمان، وقد أطلقت على فرق المقاومة تلك " بجيش الجريمة " لتحذير الألمان من "إرهاب" مجموعة مانوشيان التي اتهمت بتصفية 150 فردا من أفراد الجندرمة النازية وجرح 600 آخرين. بعد وقت قصير من ظهور تلك الملصقات ألقي القبض على مانوشيان و25 من رفاقه، وتمت محاكمتهم من قبل محكمة عسكرية ألمانية في يومي17 و18 من شهر شباط 1944، وصدر الحكم عليهم بالاعدام رميا بالرصاص هو و25 من رفاقه، ونفذ الحكم في منطقة مونت فاليريين وهو ما يزال في الثامنة والثلاثين من العمر. كان مانوشيان متزوجا حديثا، وقد كتب لزوجته رسالة مؤثرة، وهي آخر ما كتبه قبل أن ينفذ به الفاشست جريمتهم النكراء. جاء فيها:

حبيبتي، وصغيرتي اليتيمة ميلينيه،

 بعد بضعة ساعات ساغادرهذا العالم‘ ففي ظهر هذا اليوم وفي الساعة الثالثة سيقتلوننا رميا بالرصاص. حدث مأساوي سيطرأ على حياتي ‘ صعب علي تصديقه ومع هذا ادري انني سوف لن أراك بعد اليوم. ما عساني اكتب إليك؟ مبلبلة كل أحاسيسي وخواطري ولكنها في الوقت نفسه واضحة تماما. تطوعت في جيش التحرير وسأموت وانا قاب قوسين او ادني من النصر ومن الهدف.كل السعادة للذين سيبقون من بعدنا على قيد الحياة ويذوقون حلاوة الحرية والسلام في المستقبل. انا واثق ان الشعب الفرنسي وكل المناضلين من اجل الحرية سيكرمون ذكرانا بمهابة. أصرح وانا أجابه الموت انني لا اضمر حقدا على الشعب الألماني... فكل واحد سينال ما يستحق من عقاب او جزاء. الشعب الألماني وبقية كل الشعوب سيعيشون بسلام وإخوة بعد هذه الحرب التي أشرفت على الانتهاء.أتمنى كل السعادة لجميع الشعوب.

يحزنني جدا انني لم استطع إسعادك. كم تمنيت ان يكون لي طفل منك كما تمنيت أنت دائما. لذا أرجوك ان تتزوجي بعد ان تضع الحرب أوزارها. تزوجي أنسانا يستطيع إسعادك. أوصي لك ولأختك وأبناء إخوتي وأخواتي بكل ثروتي وبكل ما املك. بعد الحرب تستطيعين بصفتك زوجتي ان تطالبي بحقك بمعاش الحرب لأنني أموت كجندي نظامي في جيش التحرير.

يمكنك بمساعدة أصدقاء يريدون تكريمي ان تنشرين إشعاري وكتاباتي... بلغي اذا امكن تحياتي لكل الأهل في أرمينيا. ألان سأموت مع خمسة وعشرين من رفاقي سأموت وانا رابط الجأش ومرتاح الضمير...الشمس مشرقة هذا اليوم، وبالنظر لهذا وللطبيعة الجميلة التي أحببتها جدا‘ في هذا اليوم سأودع الحياة وأودعكم كلكم يا زوجتي الحبيبة وأصدقائي الأوفياء... أقبلك من أعماقي وكذلك أخواتك وجميع من يعرفني بشكل وآخر.أضمكم جميعا الى صدري. وداعا.

صديقك ورفيقك وزوجك

ميشيل مانوشيان

ملاحظة:

الأحداث التاريخية في هذا المقال مستلة ومعربة من قبلي من الكتاب أدناه للكاتبة ساماندا باور، وهي أكاديمية امريكية من اصول ايرلندية، تعمل حاليا مساعدا خاصا للرئيس الحالي للولايات المتحدة باراك أوباما، ومديرة لشئون مكتب العلاقات الثنائية في مجلس الأمن القومي، وهي صحفية ومراسلة سابقة للحرب على يوغسلافيا السابقة..

.....................

*,A Problem from the Hell” America and the Age of Genocide “, Harper Perennial, New York 2003 Samanda Power

** قصة حياة ورسالة مانوشان إلى زوجته من ترجمة البروفيسور بهجت عباس

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 2/كانون الثاني/2012 - 8/صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م