الخلاص الوطني بديلا عن الحل الخارجي

رياض هاني بهار

في زمن الأحداث المتسارعة والتطورات المتلاحقة والتوقّعات المحتملة، يبقى للذاتية العراقية دورها الأول والبنّاء في إخضاع هذه الأحداث والتطوّرات للصالح العام والمصير الوطني، وفي صناعة الظروف والمواقيت الملائمة والآليات الدستورية لإخراج الوضع من نفق الأزمة، وتغليب التفهّم والتفاهم على منطق التناقض، واعتماد مفردات التقارب مكان مفردات التباعد في الخطاب والمقال والمداخلات.

ومغادرة المفاهيم البالية للسياسة التي تعود للقرن الماضي وثقافة (لوي الاذرع) و(ثقافة الاقصاء) التي مارسها النظام السابق وصناعة الكيديات والصاق التهم وتصفيه الخصوم بطريقه تسقيطية وتشهيرية واتباع (صناعه الكراهية) والتصريحات النارية المحرضة على الازمات التي تخلق اجواء مشحونة توتر الشارع العراقي الذي لم يعد يطيق هذا الهراء، ومن الطبيعي أن يأتي هذا الدور عن طريق الشعور بالواجب والتحسّس بالمسؤولية، للمساهمة في «ورشة» العمل الجماعي، لإنقاذ العراق من التفتّت، والدولة من التفكّك ونشوء الدويلات، وإنقاذ الشعب من الإنشطار المذهبي والطائفي.

هذا الشعور وتلك المسؤولية، يشكّلان قوّة الدفع المعنوي، والحافز الإرادي، والحضور القادر للشعب العراقي في التغلّب على تحديات ومصاعب تحيط به، وتهدّد كيان دولته، وتعرقل انعتاقه من قيود وموروثات أزمات سابقة تضاف إلى قيود وتداعيات الأزمة الراهنة، وهذا ما يضع الذات العراقية بقرارها السيادي في مواقفها، أمام امتحان الجدارة التاريخية في «ورشة الخلاص الوطني» من أثقال ومآزق وأثمان استمرار الأزمة.

صحيح أن خيوطاً وخطوطاً خارجية متداخلة ومتدخلة في نشوء الأزمة، والصحيح أيضاً أنه بمقدور الذات العراقية أن تفكك العديد من هذه الخيوط والخطوط، مما يساعدها على تفكيك المفاصل الداخلية للأزمة إستناداً إلى:

1. التكاتف والتعاون والمساندة المتبادلة، على خلفية الإرادة والمصلحة الواحدة بين العراقيين، بعيداً عن الأنانيات الضيقة، والمنافع الخاصة لهذا الطرف أو ذاك.

2. ثقافة الإخاء العراقي كبديل لثقافة الإلغاء والتهميش والعزل هنا وهناك.

3. الإنفتاح على مساعي الأصدقاء ومبادراتهم التوفيقية لحل الأزمة، بعيداً عن أي وصايات خارجية في هذا المجال، وهذا ما يؤكد بالممارسة والمواقف، قدرة العراقيين على تطويع الأزمة لصالح الحل، كي لا تقوى الأزمة على تطويعهم وإبقائهم رهائن الأزمات الإقليمية الساخنة.

وفي المعادلة، أنه كلما تقاربت المواقف المحلية في الرأي والرؤية والحوار، تقترب فرص الوفاق على الحل الكامل وذلك من منظور أن الحل المطلوب والمنتظر هو صناعة عراقية، قبل أن يكون بفعل دعم من الخارج ولأنه ليس مطلوباً منهم أن يفكروا ويعملوا عنّا، أو أن يكونوا عراقيين أكثر منّا، ولأن لا حل يأتي بالاستعارة والاستعطاف.

من هنا، يبرز مضمون وفاعلية الذات العراقية في رسم خريطة الطريق إلى الخلاص الوطني، فإذا كان طبيعياً أن تتعدّد وجهات النظر بشأن حل الأزمة، فمن الطبيعي أيضاً أن يصار إلى التقريب في ما بينها على قاعدة الأخذ بما هو محل إجماع وعدم التنبّه في ما هو مصدر خلاف ونزاع، وهذا ما يفتح الأبواب المغلقة ويزيل السدود القــائمــة من أمــام الحل الثــابت للأزمة.

من هذا المنظور الوطني والأمني والدستوري، يتمكّن العراقيون من تجاوز الأخطاء والتحديات الماثلة، للانتقال العراق من وطن الأزمات إلى وطن السلام والإستقرار.

* خبير بالشؤون الامنية

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 1/كانون الثاني/2012 - 7/صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م