كوريا ما بعد (كيم)... ثوابت داخلية وتطلعات دولية

 

شبكة النبأ: يبدو ان انتقال السلطة الى ثالث افراد العائلة الحاكمة في كوريا الشمالية، التي اقامت اول نظام شيوعي وراثي في العالم، يجري بدون مشاكل كبرى بعد وفاة زعيمه كيم، وفيما يواصل التلفزيون الكوري الشمالي بث مشاهد للحزن الجماعي في البلاد، من حشود لمدنيين وعسكريين في حالة من الاسى وهم ينحنون امام صور وتماثيل الزعيم الراحل، او امام جثمانه المسجى في تابوت من الزجاج في بيونغ يانغ، تعصف في الغرب وحتى حلفاء سيؤول مجموعة اسئلة حول طبيعة سياسة البلاد الجديدة، وعن قدرة الزعيم الجديد على فتح باب الحوار مع الجهات المعارضة لبرنامج بلاده الصاروخي النووي المثير للجدل، وكذلك على  قدرته في ادارة شؤون بلاد تعصف بها ازمة نقص الغذاء بصورة خانقة.

واوضح مراقبون للشأن الكوري الشمالي  ان هدف السلطات من عرض مشاهد الحزن الجماعي، هو  اعداد السكان لتعيين كيم جونغ اون قائدا اعلى واعلان ذلك للعالم الخارجي،اذ ان الاعلان الرسمي عن هذا الترفيع سيحصل عاجلا او آجلا مما سيمنحه المنصب الذي كان يشغله قبله والده كيم جونغ ايل الذي ورثه بدوره عن والده كيم ايل سونغ مؤسس كوريا الشمالية الشيوعية.

وفيما عبرت بعض المواقف الرسمية عن عدم اهتمامها بوفاة الزعيم الكوري، بل وحتى استيائها من ردة الفعل المبالغ فيها لوفاته، بادرت اخرى الى ابداء تعازيها بشكل رسمي، فيما التزمت جهات اخرى موقف المراقب لملامح وتفاصيل السياسة الكورية الجديدة.

لا مؤشرات جديدة

فقد أظهرت صور عرضها تلفزيون كوريا الشمالية جانج سونج ثايك القوة الكامنة وراء عرش الدولة الشيوعية وهو يرتدي زيا عسكريا عليه شارة جنرال في علامة اخرى على تزايد نفوذه بعد وفاة كيم جونج ايل. وقال التلفزيون انها جانج في مقدمة صفوف ضباط الجيش الذين رافقوا كيم جونج اون اصغر ابناء كيم جونج ايل وخليفته وهم يلقون نظرة الوداع الاخيرة امام جثمان كيم.

واعلنت كوريا الشمالية ان كيم جونج ايل توفي متأثرا بأزمة قلبية، ويرقد جثمانه في ضريح في بيونجيانج. ويعتقد ان عمره 69 عاما عندما وافته المنية. وأثارت وفاته المخاوف بشان الخلافة في الدولة الشيوعية المنعزلة التي تحكمها اسرة كيم بعد قليل من انتهاء الحرب العالمية الثانية. كما اصابت جارتيها اليابان وكوريا الجنوبية وكذلك الولايات المتحدة حليفة سول بالتوتر حيث تنتظر لترى كيف ستسير الخلافة في الدولة التي لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها.

وأشادت وسائل الاعلام الرسمية بكيم جونج اون ووصفته "بالقائد الاعلى" للقوات المسلحة الكورية الشمالية البالغ قوامها 1.1 مليون جندي وهو اللقب الذي كان يتقلده والده. وفي حين وصف كيم الاصغر بأنه "الخليفة الاعظم" أبلغ مصدر كبير ان بيونجيانج ستتحول من دكتاتورية الرجل القوي الى زمرة من الحكام بينهم الجيش وجانج زوج عمة كيم جونج اون. كما ينادى كيم جونج اون وهو في اواخر العشرينات بلقبه الرسمي وهو نائب رئيس اللجنة المركزية العسكرية للحزب الحاكم في كوريا الشمالية. وتزوج جانج ابنة مؤسس البلاد كيم ايل سونج عام 1972 لينضم للاسرة الحاكمة.

وقال مسؤول في سول على دراية بالامور في كوريا الشمالية انها المرة الاولى التي يظهر فيها جانج على شاشة التلفزيون الرسمي وهو يرتدي زيا عسكريا. وجرى تفسير ظهوره على انه يعني حصوله على دور رئيسي في الجيش القوي لكوريا الشمالية الذي تعهد بالولاء لكيم جونج اون. وتقول مصادر ذات علاقة وثيقة بكوريا الشمالية والصين ان جانج هو القوة الحقيقية وراء عملية الخلافة في بيونك يانك.

وتجهز وسائل الاعلام الحكومية في كوريا الشمالية التهم الدعائية في محاولة على ما يبدو لتمرير خلافة كيم جونج اون واظهار متانة قبضته على الجيش الذي يحاول تطوير ترسانة نووية. وذكرت وكالة كيودو اليابانية للانباء ان الحكومة اليابانية ستجري مشاورات مع حكومات المقاطعات المطلة على ساحل بحر اليابان التماسا لتأييدها لاستقبال الكوريين الشماليين في حالة حدوث تدفق للاجئين.

وقالت كيودو ان اليابان اختارت بالفعل عدة منشات عامة في مقاطعات مثل نيجاتا وايشيكاوا وفوكوكا لتكون اماكن ايواء مؤقتة للاجئين الكوريين الشماليين لكن ينبغي للحكومة توسيع القائمة. ويقول خبراء ان طوكيو وضعت خططا طارئة لاحتمال وصول عشرات الالاف من اللاجئين الى موانئها لكنها لم تحصل على موافقة محلية على هذه الخطط وهو ما يمثل صداعا محتملا.

وأبلغ رئيس الوزراء يوشيهيكو نودا المسؤولين المحلي بالتحسب لجميع الظروف الطارئة. ومن المقرر ان يصل نودا الى بكين في وقت لاحق لاجراء محادثات مع الزعماء الصينيين وسط توقعات بأن تحتل المستجدات في كوريا الشمالية موقعا متقدما على جدول اعمالها. بحسب رويترز.

وكانت الصين داعما كبيرا لكوريا الشمالية خلال عقود من العزلة وسيلتقي نودا بالرئيس هو جينتاو ورئيس الوزراء ون جيا باو خلال زيارته. ومن المتوقع ان يتفقوا على العمل معا للحفاظ على الاستقرار في شبه الجزيرة الكورية. ولا تزال الكوريتان في حالة حرب من الناحية الرسمية بعد انتهاء الحرب الكورية بين عامي 1950 و1953 بوقف لاطلاق النار وليس هدنة.

القائد الاعلى

في سياق متصل، وصفت الصحيفة الناطقة باسم الحزب الشيوعي الكوري الشمالي الزعيم الجديد للبلاد كيم جونغ اون ب"القائد الاعلى" للجيش، معززة بذلك عملية انتقال السلطة اليه بعد على اعلان وفاة والده الزعيم السابق كيم جونغ ايل.

وقالت صحيفة رودونغ سينمون الناطقة باسم الحزب الحاكم في كوريا الشمالية، في افتتاحيتها "سنرفع الرفيق كيم جونغ اون الى صف القائد الاعلى والعام ونكمل الثورة". وكانت الصحف تصف كيم جونغ اون الذي اختير لقيادة كوريا الشمالية بعد وفاة والده "بالرفيق الاكبر" و"الخليفة الاكبر".

وكيم جونغ اون الذي لم يبلغ بعد الثلاثين من العمر برتبة جنرال حاليا ويتولى منصب نائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية لحزب العمال وهو اسم الحزب الشيوعي الحاكم في كوريا الشمالية، وهي ترقيات تحققت في اطار عملية نقل السلطة التي بدأها والده.

وفي العاصمة، تمكن السكان من شراء السمك الطازج الذي يعد مادة فاخرة في بلد فقير وسكانه يعانون من نقص التغذية. وقالت صحيفة رودونغ سينمون التي اعلنت النبأ، ان "البائعين والمواطنين انفجروا بالبكاء في محلات العاصمة"، ونشرت صورا لسيدات يبكين فرحا امام الاواني الممتلئة بالسمك. واوضحت ان توزيع السمك امر به كيم جونغ ايل شخصيا قبل وفاته، موضحة ان ابنه اهتم بنفسه بتسليم السمك الى الشعب الممتن له والذي ما زال في حالة حداد. ونقلت عن تجار ان هذه الهبة من عائلة كيم تدل على "تفانيهم الكبير من اجل الشعب"، موضحين انه ليست هناك امة في العالم محظوظة بقادة على هذا القدر من الطيبة والكرم.

ويفترض ان تنتهي فترة الحداد الرسمي غداة تشييع كيم جونغ ايل الذي لم يسمح لاي مسؤول اجنبي بحضوره. وتتابع الدول الكبرى وخصوصا الولايات المتحدة والصين باهتمام تطورات نقل السلطة في بلد يمتلك اسلحة نووية، على امل ان يتم بسلام لتجنب زعزعة استقرار شبه الجزيرة المدججة بالسلاح.

ولن يتوجه من الجنوب الى الشمال سوى وفدين كوريين جنوبيين غير حكوميين على رأس احدهما ارملة الرئيس السابق كيم داي جونغ بينما تقود الثاني رئيسة مجموعة هيونداي الكورية الجنوبية. وما زالت العلاقات بين الكوريتين متوترة.

وقالت صحيفة كورية جنوبية ان بيونغ يانغ غيرت تشفير اتصالاتها السرية لخداع جهاز التجسس الكوري الجنوبي الذي تمكن من اعتراض اول امر اصدره كيم جونغ اون الى الجيش حتى قبل الاعلان عن وفاة الاب رسميا. بحسب فرانس برس.

ولزمت سيؤل الحذر في هذه الفترة الحساسة لكنها قدمت بعض التنازلات منذ وفاة كيم جونغ ايل، معبرة خصوصا عن "تعازيها الى شعب كوريا الشمالية". وارسلت منظمة انسانية متمركزة في سيول 800 زوج احذية شتائية علقت ببالونات كبيرة، الى الشمال الذي يقدر سكانها هذه الهدية الثمينة في الشتاء البارد.

تساؤلات

من جانب اخر، طرح العالم علامات استفهام حول قدرة نجله الاصغر كيم جونغ اون الذي اختير لخلافته على قيادة الدولة الاكثر انغلاقا في العالم. وبث تلفزيون النظام الشيوعي صور مسؤولين كبار يبكون زعيمهم في ضريح كومسوسان في العاصمة بيونغ يانغ يتقدمهم كيم جونغ اونغ، وريث كيم جونغ ايل الذي صار الرجل رقم واحد في البلاد. كما بثت صور حشود تنتحب وضباط يجهشون بالبكاء على وقع موسيقى رثاء عسكرية تخللها نشيد "العمال الدولي".

وزار اكثر من خمس سكان كوريا الشمالية المقدر عددهم بنحو 24 مليون نسمة،ضريح الرئيس و اعربوا علنا، بحسب السلطات، عن حزنهم على كيم جونغ ايل في العاصمة، ناهيك عن بقية مناطق البلاد. من جانب اخر اشادت وسائل الاعلام الرسمية "بالرفيق الكبير المحترم" كيم جون اون، مؤكدة ان التعازي الوافدة من الخارج وجهت مباشرة الى زعيم البلاد الجديد.

وفي مدينة داندونغ الحدودية الصينية (شمال شرق) افاد مصور ان مئات الاشخاص احيوا  ذكرى كيم جونغ ايل وانحنوا امام صورته. واتى هؤلاء الاشخاص المتحدرون في معظمهم من كوريا الشمالية وينتمي بعضهم لاتنية كورية محلية، الى قنصلية كوريا الشمالية في هذه البلدية الواقعة في ولاية لياونينغ. وأجهش الكثير منهم بالبكاء ووضعوا زهورا بيضاء تحت صورة "الزعيم العزيز".

لكن القوى الاقليمية ما زالت قلقة على استقرار النظام، ففي حين يخشى بعضها من قيامه باستفزازات عسكرية جديدة، كما هي حال الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان، فان البعض الاخر يخشى نزوح لائجين في حال انهياره، كما هي حال الصين. ذلك ان كيم جونغ اون الذي لا يتجاوز عمره الثلاثين عاما، لا يتمتع بخبرة كبيرة في الحكم -ثلاث سنوات تدريب الى جانب والده- ويتعين عليه اليوم ان يفرض نفسه على قادة حزب العمال والجيش وهي مهمة صعبة رغم هيمنة عائلته على جهاز الدولة.

وقد لا يكون الحداد الوطني حتى غداة تشييع جنازة كيم جونغ ايل سوى مقدمة صراعات على السلطة تؤرق الدبلوماسية الاجنبية العاجزة عن الرد. وقال فيكتور تشا الذي كان مستشار الرئيس الاميركي السابق جورج بوش لشؤون كوريا "وكأنه حوض سمك ونحن من حوله ننظر ونحاول ادراك ما يجري فيه".

وحتى النظر من الخارج ليس سهلا في نظام مثل كوريا الشمالية نجح في التكتم على وفاة كيم جونغ ايل يومين كاملين، مثبتا بذلك قدرته على عزل البلاد باكملها عن العالم الخارجي رغم القوة الهائلة التي باتت الشبكات الاجتماعية على الانترنت تتمتع بها في باقي الدول.

وتوقعت اجهزة الاستخبارات الكورية الجنوبية التي وعلى غرار وكالات الاستخبارات الاجنبية لم تعلم بوفاة الزعيم الكوري الشمالي الا بعد اعلان النبأ رسميا، ان تخضع كوريا الشمالية لقيادة انتقالية جماعية من لجنة حزب العمال برئاسة كيم جونغ اون.

لكن الاهم بالنسبة لسيول كما لواشنطن وبكين هو تفادي تغيرات سريعة قد تقلب راسا على عقب دولة تملك اسلحة نووية وكيميائية والاف الصواريخ وجيشا قويا قوامه 1,2 مليون رجل. ذلك ان القمع السياسي الرهيب كان حتى الان يردع الثورات الشعبية الجماهيرية في كوريا الشمالية لكن قاعدة النظام الهشة متمثلة في اقتصاد متداع عاجز عن تلبية الحاجات الغذائية للشعب.

وكثفت بكين، التي تملكها هاجس سقوط نظام حليف، المشاورات لاقناع العواصم الاخرى بان "الحفاظ على السلم والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية سيكون في صالح كافة الاطراف" وفق تصريحات وزير الخارجية الصيني يانغ جيشي. بحسب فرانس برس.

وبعد مشاورات  مع الولايات المتحة وكوريا الجنوبية، التي تقيم علاقات متوترة جدا مع جارتها الشمالية، اتصلت الصين بكل من اليابان، عدوة بيونغ يانغ، وروسيا، احدى الدول النادرة التي ما زالت تقيم علاقات دبلوماسية واقتصادية مع كوريا الشمالية.

واشنطن مستعدة للعمل

من جهتها اعلنت واشنطن انها ترغب في العمل مع النظام الجديد عند انتهاء فترة الحداد، وكان تقييم المتحدثة بلسان الخارجية الاميركية فيكتوريا نولاند بشأن مستقبل الدبلوماسية بين البلدين حذرا غير ان واشنطن اعربت عن املها في استئناف الحوار وتقديم مساعدات غذائية اميركية محتملة للشمال في المستقبل. وقالت نولاند للصحافيين "طبعا نريد العمل على هذا الصعيد" في اشارة الى المباحثات.

وكان مسؤولون اميركيون وكوريون شماليون قد اجروا محادثات في بكين حول إمكان تقديم مساعدات غذائية، فبيونغ يانغ تطالب بالمساعدة لمواجهة مع ما تصفه منظمات الاغاثة الاجنبية بنقص غذائي شديد في البلاد. وكان من المفترض ان تتخذ الخارجية الاميركية قرارات، غير ان الاجتماعات هيمنت عليها وفاة كيم ومسألة خلافة ابنه الذي لم يختبر الغرب نواياه بعد.

ووضعت كوريا الجنوبية جيشها على اهبة الاستعداد غير ان البنتاغون قال انه لم يشهد قيام الجيش الكوري الشمالي بتحركات غير عادية على الجانب الاخر من الحدود المتوترة بين الكوريتين.

وكانت سيول قد تبنت لهجة تصالحية بعد التوترات الشديدة بمحاذاة آخر ما تبقى من حدود الحرب الباردة في العالم، اذ بعثت برسالة تعرب فيها عن تعاطفها مع الشعب في الشمال وقالت انها ستسمح لمجموعات تعبر عن نفسها بصفة خاصة بأن تبعث بتعازيها. وقال الرئيس لي ميونغ-باك للزعماء السياسيين "اتخذنا تلك الاجراءات لندلل على اننا لسنا عدائيين تجاه كوريا الشمالية". واضاف بالقول ان "استقرار النظام الكوري الشمالي في اسرع وقت يصب في مصلحة الدول المجاورة".

وكانت العلاقات بين البلدين شابها التوتر الشديد منذ اتهمت كوريا الجنوبية بيونغ يانغ بنسف سفينة حربية في اذار/مارس 2010 ما اسفر عن مقتل 46 شخصا. كما قصف الشمال في جزيرة حدودية ما ادى لمقتل اربعة كوريين جنوبيين وهدد في وقتها باحتمالات اندلاع حرب. وتوقفت الجهود المستمرة لحث الشمال على وقف برنامجه النووي التسلحي منذ الاعلان عن موت كيم، ومن المقرر ان يتجه المبعوث النووي الكوري الجنوبي الى الصين في وقت لاحق لبحث سبل احداث تقدم على هذا الصعيد.

كما ان المحادثات السداسية حول نزع التسلح النووي توقفت منذ كانون الاول/ديسمبر 2008، وان بدا ان المفاوضات حول احياء المحادثات السداسية تحرز تقدما قبل الاعلان عن وفاة كيم. فقد قالت تقارير اعلامية ان بيونغ يانغ ستوافق على وقف برنامجها لتخصيب اليورانيوم مقابل تلقي مساعدات غذائية من واشنطن. بحسب فرانس برس.

وفي تلك الاثناء انتقدت وسائل الاعلام الكورية الجنوبية وبعض النواب الجنوبيين رد فعل الصين على موت كيم متهمين بكين بالعمل على زيادة ما لديها من نفوذ في كوريا الشمالية على حساب سيول. فقد القت الصين، الحليف الرئيسي الوحيد لكوريا الشمالية بثقلها خلف جونغ اون بعد ساعات من اعلان موت ابيه، وقدم الرئيس الصيني هو جينتاو تعازيه شخصيا خلال زيارة مفاجئة الى السفارة الكورية الشمالية في بكين.

الصين علمت مبكرا

على صعيد متصل، قالت صحيفة كورية جنوبية بارزة ان الصين -الحليف الاساسي لكوريا الشمالية- علمت بأن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج ايل توفي قبل يومين من الاعلان الرسمي الذي صدر عن بيونك يانك.

ونسبت صحيفة جونج انج ايبو عن مصدر لم تفصح عنه في بكين قوله ان السفير الصيني لدى كوريا الشمالية حصل على معلومات مخابراتية عن وفاة كيم وأبلغ بها بكين في 17 ديسمبر كانون الاول وهو اليوم الذي توفي فيه كيم بنوبة قلبية فيما يبدو اثناء وجوده في قطار. ونقلت الصحيفة عن المصدر قوله "أخطرت كوريا الشمالية الصين بوفاة كيم من خلال القنوات الدبلوماسية في اليوم التالي." وقالت وزارة الخارجية الكورية الجنوبية ان الصين لم تعلم بوفاة كيم قبل الاعلان الرسمي الذي اصدرته كوريا الشمالية. وتعرض مسؤولون كبار بالمخابرات والجيش في كوريا الجنوبية لانتقادات لفشلهم في معرفة وفاة كيم قبل الاعلان الرسمي الذي صدر عن بيونجيانج.

وعندما غادر الرئيس الكوري الجنوبي لي ميونج باك بلاده في زيارة رسمية الى اليابان كان الزعيم الكوري الشمالي قد توفي قبل حوالي أربع ساعات مما يشير الي انه لا سيؤل ولا طوكيو -أو واشنطن- كان لديها أدنى فكرة عن وفاته. بحسب رويترز.

ولم يصدر عن الصين اي تعقيب رسمي او حتى تلميحات تشير الى انها جرى ابلاغها بوفاة كيم قبل صدور الاعلان الرسمي. لكن محللين قالوا ان بكين حصلت في السابق على اخطار من كوريا الشمالية بأحداث مهمة قبل وقوعها. واضافوا انه في 2006 أبلغت كوريا الشمالية الصين بانها ستجري تجربتها النووية الاولى وذلك قبل 20 دقيقة أو أكثر من اجرائها.

كوريا الشمالية تنتقد

فيما وصفت كوريا الشمالية رد فعل كوريا الجنوبية على وفاة كيم جونغ ايل بانه "لا يمكن قبوله" في هجوم جاء بعد ان قاطع دبلوماسيون في الامم المتحدة بشكل جماعي لحظة صمت طالبت بها بيونغ يانغ حدادا على وفاة زعيمها الراحل. وتقول وسائل الاعلام الرسمية في بيونغ يانغ ان الملايين يتحدون الطقس القارس لنعي "الزعيم الحبيب" بعد موته المفاجئ، كما اعربت عن الترحيب بالكوريين الجنوبيين الذين يريدون المشاركة في مراسم العزاء.

وقال موقع اوريمينزوكيري الكوري الشمالي للانباء انه سيتم استقبال اي وفود تأتي لتقديم العزاء من كوريا الجنوبية، منتقدة في الوقت ذاته القرار "اللاانساني" لحكومة سيؤل قصر الوفود على زيارتين. ويتابع العالم عن كثب كيف سيحكم خليفة كيم -- نجله الاصغر الذي لم يعهده العالم قبلا، كيم جونغ اون -- لمحاولة الوقوف على الاتجاه الذي سيتخذه مستقبلا هذا البلد المسلح نوويا.

وجاءت تصريحات الموقع الكوري الشمالي لترجح ان العلاقات الجافة بين الكوريتين لن تتغير في الوقت الاني. ورغم ان كوريا الجنوبية حملت كوريا الشمالية المسؤولية عن هجومين حدوديين اوقعا ضحايا فانها انتهجت موقفا تصالحيا منذ الاعلان عن موت كيم ايل.

فقد اعربت سيول عن تعاطفها مع الشعب الكوري الشمالي والغت خطة لعرض ضوئي بمناسبة عيد الميلاد قرب الحدود وهو ما يستفز الشمال، واعلنت ان بإمكان من يريد من الكوريين الجنوبيين ان يبعث برسائل تعازي الى الشمال بعد ان يتم الاطلاع على محتوى تلك الرسائل واقرارها. وقالت سيؤل انها لن تبعث بوفد رسمي لتقديم التعازي غير انها صرحت لمجموعتين  كوريتين جنوبيتين بالتوجه الى بيونغيانغ للمشاركة في المراسم التي تجري هناك.

وذكر الموقع الكوري الشمالي انه سيتم استقبال كافة الوفود الكورية الجنوبية الراغبة في زيارة بيونغيانغ للاعراب عن تعازيها في وفاة كيم "بقلب مفتوح". ومن غير الواضح ما اذا كان سيسمح للكوريين الجنوبيين بالبقاء في الشمال حتى حضور الجنازة. غير ان الموقع الشمالي قال ان الجنوب يعرقل تلك الزيارات ويسعى لتصعيدالمواجهة بتعزيز استعداداته الامنية. ووصف موقع اوريمينزوكيري الاجراءات التي تتخذها سيول بأنها "افعال مهينة لكرامتنا لا يمكن السكوت عليها". ووصف الموقع حظر سيؤل وصول اغلب الوفود بأنه "تصرف لا انساني ولا حضاري لا يمكن قبوله" وقد يترك "اثرا كبيرا" على العلاقات. وفي اشارة على ما يبدو لعدم ارسال الجنوب وفدا رسميا، اتهم الاعلام الكوري الشمالي الرسمي سيؤل بعدم تقديم الاحترام الواجب، قائلا "سنتذكر أولئك الذين لا يعون ابسط قواعد الاحترام والانسانية والذين يهينون كرامتنا، وسيدفعون ثمنا غاليا لسنوات".

واكدت وزارة الوحدة الكورية الجنوبية قرارها قصر الزيارات للشمال على زيارتين، اذ ستسمح فقط لاسرتي الرئيس السابق كيم داي جونغ ورئيس مجموعة هيونداي السابق تشونغ مونغ هون بالزيارة. وكان الرئيسان كيم داي جونغ وكيم جونغ ايل قد عقدا القمة الوحيدة بين الشمال والجنوب في عام 2000 بينما كانت مجموعة هيونداي الكورية الجنوبية في صدارة المبادلات التجارية بين الجنوب والشمال.

وقال جيونغ يونغ تاي من معهد الوحدة الوطنية الكورية بالجنوب ان الشمال "يسعى لتعزيز الفرقة" وسيستغل اي كوريين جنوبيين يحضرون العزاء لاغراض دعائية. وفي الامم المتحدة دعا مندوب كوريا الشمالية الدول الاعضاء الى الوقوف دقيقة صمت حدادا على كيم -- غير ان الولايات المتحدة واغلب البلدان الاوروبية واليابان وكوريا الجنوبية وبلدانا اخرى قاطعت الدعوة. بحسب فرانس برس.

وقال دبلوماسي اوروبي "انه شخص مسؤول عن عشرات الاف القتلى على الارجح، وهو ليس نموذجا تبرزه الامم المتحدة". وبالكاد لزم وفود ثلث الدول الاعضاء ال193 في الجمعية العامة دقيقة الصمت. وخلال حكم كيم المطلق للبلاد طيلة 17 عاما حتى وفاته شهدت كوريا الشمالية  وقد خرج الشمال من المحادثات السداسية لنزع السلاح في 2009 غير انه بدا ان الجهود الدبلوماسية لاستئناف تلك المحادثات تحرز تقدما حتى اعلن عن وفاة كيم.

بالونات تحمل منشورات

على الصعيد نفسه، اطلق اعضاء بجماعة كورية جنوبية لحقوق الانسان بالونات عملاقة تحمل منشورات الى كوريا الشمالية على اثر تجدد التوتر في شبه الجزيرة الكورية بعد وفاة زعيم الدولة المنعزلة. وهذه هي ثاني مرة يجري فيها اطلاق البالونات وهي عملية تجازف باغضاب كوريا الشمالية لان المنشورات تنتقد النظام في بيونجيانج. ووجدت هذه العملية مؤيديين من بريطانيا والولايات المتحدة واليابان وجنوب افريقيا. بحسب رويترز.

وتجمع اكثر من 50 عضوا من منظمة السلام الدولية في شبه الجزيرة الكورية على أطراف مدينة باجو التي تبعد ثلاثة كيلومترات عن الحدود المشتركة شديدة التسليح وأطلقوا اربعة بالونات ضخمة. وتقول المنشورات "شعوب العالم لا تنسوا المحنة التي يمر بها اشقاؤنا الكوريون الشماليون. رجاء كونوا نشطين حتى يوم التوحيد." وسبق ان هددت كوريا الشمالية بالرد على اطلاق البالونات. ولم تحاول الحكومة في سيؤل وقف اطلاق البالونات منذ وفاة كيم رغم حث السلطات النشطاء من قبل على تجنب استفزاز الشطر الكوري الشمالي.

رسام معارض يسخر

من جانب اخر، رسم فنان كوري شمالي معارض يعيش في كوريا الجنوبية رسما ساخرا لجسم الممثلة الامريكية مارلين مونرو بوجه الزعيم الكوري الشمالي الراحل كيم جونج ايل بينما يحلق طائر في الافق وتسقط ريشة على الارض. ويتناقض الرسم الساخر مع الرسومات التي تصور كيم في أنحاء كوريا الشمالية.

وكان الفنان سونج بيوك قد تفاخر ذات يوم بأنه رسم كيم "القائد العزيز" في دعاية ترويجية له لكنه أرسل للعمل في أحد السجون سيئة السمعة في كوريا الشمالية بعدما أجبره الجوع على الفرار. بحسب رويترز.

وأصبح سونج معارضا ويعيش في سول عاصمة كوريا الجنوبية واتجه للسخرية من كيم الذي يعتقد أنه أصاب بلاده بمجاعة وانهيار اقتصادي وعزلة. وقال سونج مشيرا الى رسمه ووفاة كيم "في اليوم الذي انتهيت فيه من هذا الرسم توفى (كيم)." وأضاف الفنان (42 عاما) "كان يحاول أن يكون كائنا خالدا لكن لانه بشر عاد الى الطبيعة الان." وقال سونج اعتقد أنه كان من الافضل أن يترك الكوريين الشماليين في حال أفضل وينسيهم الجوع قبل أن يموت." ولم يلتق سونج مع كيم قط لكنه مثل معظم مواطني كوريا الشمالية كان يظهر فروض الولاء والطاعة له ولوالده من قبله الزعيم كيم ايل سونج.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 28/كانون الأول/2011 - 3/صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م