
شبكة النبأ: "ينبغي على واشنطن وبغداد
البدء في وضع الأسس لعلاقة استراتيجية حقيقية تخفف من مخاوف المالكي
الأمنية وتؤكد في الوقت نفسه على الخطوط الحمراء للولايات المتحدة بشأن
إيران وحقوق الإنسان وقضايا أخرى."
يقول مايكل نايتس في تحليله المنشور في موقع واشنطن لدراسات الشرق
الادنى: مع اكتمال انسحاب الولايات المتحدة العسكري من العراق، يوفر
حدثان هذا الأسبوع فرصة لتقديم بيان واضح حول سياسة واشنطن فيما بعد
الانسحاب تجاه بغداد: ففي العاشر من كانون الأول/ديسمبر التقى رئيس
الوزراء نوري المالكي مع الرئيس أوباما في البيت الأبيض، وفي الرابع
عشر من كانون الأول/ديسمبر ألقى الرئيس الأمريكي خطاباً حول العراق في
قاعدة "فورت براغ" [بولاية نورث كارولينا]. وتركز هذه البداية الجديدة
للعلاقات الثنائية بصفة مثالية على وضع خطوط حمراء بشأن حماية
المواطنين الأمريكيين في العراق والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب وحقوق
الإنسان ومراعاة الأعراف الديمقراطية. ينبغي ألا يكون العراق مكاناً
يمكن فيه للمقاتلين المدعومين من إيران تهديد المصالح الأمريكية، أو
يمكن فيه لنظام استبدادي أن ينتهك حقوق مواطنيه دون عقاب.
زيارة البيت الأبيض
ويشير مايكل نايتس: لم تكن رحلة المالكي إلى واشنطن أمراً مفروغاً
منه - فقد ضغط مقتدى الصدر وأنصاره على رئيس الوزراء لإلغاء الزيارة
منذ منتصف تشرين الأول/أكتوبر. وكون المالكي قرر زيارة الولايات
المتحدة رغم هذه الضغوط يشير إلى رغبته المستمرة لبناء علاقة
استراتيجية مع الولايات المتحدة. وتشير خطواته الأخيرة إلى أنه يشعر
بعدم الأمان على عدد من الجبهات. ورغم جنون الارتياب لديه - وهي سمة
يبدو أنها تولدت لديه خلال سنوات طويلة من المنفى من العراق في عهد
صدام حسين - إلا أن مخاوف المالكي تقوم على بعض الأسس في الواقع:
• المخاوف من الانقلاب. يبدو أن التقارير الاستخباراتية التي قدمتها
الحكومة الليبية أو السورية (إذ تتباين التقارير الإعلامية في هذا
الشأن) قد أذكت مخاوف المالكي من حدوث انقلاب سني تدعمه دول الخليج
العربي مثل المملكة العربية السعودية والكويت.
• احتمال اشتداد العنف. قد تشهد الشهور الأولى من عام 2012 ارتفاعاً
كبيراً في أعمال العنف إذا قرر المتمردون السنة عبر الأنحاء الشمالية
والوسطى من العراق اختبار إرادة الحكومة وقدراتها. وعلى نحو مماثل، فإن
جماعات المقاتلين الشيعة مثل «عصائب أهل الحق» و"كتائب «حزب الله»" قد
تختبر عزم الحكومة على المحافظة على احتكارها للقوة في الجنوب وحماية
الوجود الأمريكي المستمر.
• الضغوط الإيرانية. رغم الدعم الكبير من طهران، سعى المالكي دوماً
إلى تعظيم استقلاليته من خلال الاحتفاظ على خيار طلب الدعم الأمريكي
كقوة موازنة. والآن مع مغادرة القوات الأمريكية، فإنه أصبح أكثر عرضة
عن ذي قبل للضغوط الإيرانية.
• تراجع الدعم السياسي. لعب الدعم الأمريكي للمالكي منذ فترة طويلة
دوراً هاماً في حمايته من تصويت حجب الثقة في البرلمان. ومنذ عام 2010،
ربما يكون الانسحاب الأمريكي الوشيك - ورغبة واشنطن الواضحة في تجنب أي
شيء من شأنه أن يعرقل ذلك - قد أعاق الدعوات الإضافية لعزله عن طريق
الهيئة التشريعية. إلا أن احتمالات قيام تحرك ضده تتزايد ببطء، مع
استياء تكتلات العرب السنة من سياسة اجتثاث البعث ونفاد صبر الأحزاب
الكردية بشأن عدم قدرته على تنفيذ معظم مطالبهم الأساسية التسعة عشر.
وعلى هذه الخلفية، فإن ميزان القوة بين واشنطن وبغداد قد تغير في
عام 2011. فبرود إدارة أوباما تجاه بغداد - وهو ما يتجلى بوضوح في
جهودها المحدودة للتفاوض على اتفاقية أمنية جديدة - قد بعث رسالة قوية
(والواضح أنها غير مقصودة) مفادها أن العراق يحتاج إلى أمريكا أكثر من
حاجة أمريكا إلى العراق. وقد زاد ذلك من نفوذ الولايات المتحدة.
ما يريده المالكي
إن التجديد العام لدعم الولايات المتحدة سوف يوفر بعض الطمأنينة
للمالكي أثناء مواجهته لأي من المشاكل الواردة أعلاه. ورغم أن إيران لا
تزال تحظى بنفوذ واضح عليه، إلا أن الجمهورية الإسلامية متقلبة وتشكل
مصدر تهديد عنيف على عكس الولايات المتحدة، التي هي قوة خارجية وليست
إحدى دول الجيران. وبالنسبة للمالكي، فإن واشنطن هي "الشيطان الذي
تعرفه": حليف يتمتع بقدرات عسكرية مؤكدة، وصوت قوي بين فصائل السنة
والأكراد في البلاد، ومحاور فريد محتمل إلى الدول العربية المجاورة
والمجتمع الدولي. وبناءاً على ذلك، من المرجح أن تشمل قائمة طلبات
المالكي من واشنطن ما يلي:
• الدعم السياسي. كما ذُكر أعلاه، لا يزال المالكي يسعى للحصول على
غطاء سياسي من واشنطن لحمايته من تصويت حجب الثقة أو حدوث انقلاب. وفي
العراق، سوف ينظر كل من الجمهور وبعض السياسيين إلى زيارته للبيت
الأبيض كدعم لقيادته، رغم اتباعه لممارسات مثيرة للشك للتقويض من
استقلال القضاء وتهميش البرلمان وممارسة رقابة فوق دستورية على
التعيينات العسكرية، واعتقال أو مضايقة الخصوم السياسيين باستخدام خليط
من الآليات القانونية المهتزة.
• المساعي الحميدة. يحتاج المالكي إلى دعم واشنطن في بناء أو إصلاح
العلاقات داخل العراق (أي مع الأكراد والسنة)، وكذلك مع دول "مجلس
التعاون الخليجي" والمجتمع الدولي.
• الضمان الأمني الضمني. سوف يسعى المالكي إلى استخدام "اتفاقية
الإطار الاستراتيجي" واللقاءات الثنائية مع القادة الأمريكيين لتعزيز
وحدة الأراضي العراقية الأساسية من التصرفات الإيرانية العدوانية، سواء
على طول الحدود البرية التي تمتد لمسافة 900 ميل أو عبر مجال العراق
الجوي ومياهه الإقليمية.
• المساعدات الأمنية. رغم أن مبيعات الأسلحة "ذات القيمة المرتفعة"
والتي تشمل طائرات إف 16 إس ودبابات M1 تمثل أهمية كبيرة، إلا أن أشكال
المساعدات الأمنية التي تلقى أكبر تقدير من بغداد هي الدعم قصير الأجل
الذي تقدمه الاستخبارات والقوات الأمريكية الخاصة، بالإضافة إلى توفير
التدريب والمعدات - على المدى الطويل - إلى أجهزة الاستخبارات وأمن
النظام في العراق.
تحقيق التوازن
ويضيف مايكل نايتس: لا تزال مساعدة العراق على إكمال عمليات إرساء
الاستقرار في البلاد وتعزيز استقلالية بغداد عن طهران يمثلان اختباران
هامان للعزيمة الأمريكية. فلدى الولايات المتحدة الكثير مما يمكن أن
تقدمه للعراق، بما في ذلك المساعدة على تخفيف حدة التوتر مع الكويت،
وإلغاء تجميد العلاقات مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية
المتحدة، وإقامة دور أكثر بروزاً للعراق في المناقشات الإقليمية
والدولية بشأن القضايا ذات الأهمية الخاصة لبغداد. ومثل هذه المشاركة
توفر أرضية خصبة لبناء علاقة استراتيجية حقيقية تشمل المبادلات. وعلى
الرغم من أن العلاقة تحتاج إلى النمو ببطء، إلا أنه ينبغي على واشنطن
أن ترسم بعض الخطوط الثابتة لاختبار كل من التزام العراق والنفوذ
الأمريكي في هذه المرحلة الافتتاحية في عهد ما بعد الانسحاب:
• حماية التواجد. يمثل التعامل مع الهيئة الدبلوماسية ومجتمع
المقاولين الأمريكيين الكبير في العراق الاختبار الأول والأكثر أهمية
لالتزام بغداد بهذه العلاقة. وعلى وجه الخصوص، يتعين على واشنطن أن
تتأكد من أن الحكومة العراقية سوف تمنع المضايقة أو الهجمات على
الحكومة الأمريكية والكيانات التجارية [التابعة لها]. كما ينبغي أن تعد
خططً طوارئ للوقف الإيضاحي للمساعدات الدبلوماسية والأمنية الأمريكية
إذا ما فشلت بغداد في هذا الصدد.
• التعاون في مجال مكافحة الإرهاب. يعمل التواجد المستمر للقوات
الأمريكية الخاصة ونظم جمع المعلومات الاستخبارية الأمريكية في العراق
على دعم الاحتياجات الأمنية لكل من الولايات المتحدة والعراق. وبناءاً
على ذلك، يجب إعادة التأكيد على هذا التواجد من خلال مذكرة تفاهم جديدة
يتم التفاوض حولها من خلال "لجنة التنسيق العليا" بين البلدين. وسوف
يكون الاختبار المبكر للعلاقات الاستخباراتية قرار بغداد حول ما إذا
كانت ستقوم بتسليم علي موسى دقدوق إلى الولايات المتحدة أم لا. (ودقدوق
هو عميل «حزب الله» اللبناني الذي ساعد على التخطيط لاختطاف خمسة من
الجنود الأمريكيين في العراق ومن ثم قتلهم في كانون الثاني/يناير
2007).
• بيان يعبر عن القلق بشأن الحقوق السياسية وحقوق الإنسان. يتعين
على الولايات المتحدة أن تضع خطوطاً حمراء بشأن حقوق الإنسان وإلزام
العراق على الوفاء بالالتزامات الدولية التي وقعت عليها وإنهاء
المعاملة الأمريكية المتسامحة بشكل استثنائي لبغداد في هذا الصدد منذ
عام 2003. ويجب أن تكون مراقبة "معسكر أشرف" - المعقل المثير للجدل
لأعضاء جماعة "مجاهدي خلق" الإيرانية المعارضة - أحد جوانب هذه
السياسية. كما يجب على واشنطن أن تعبر عن التزامها بقواعد اللعبة في
السياسات العراقية (أي احترامها للمبادئ الدستورية) بدلاً من دعمها لأي
نتيجة سياسية محددة (أي تحديد الشخص المسؤول). وأخيراً، ينبغي على
الولايات المتحدة أن تبعث برسالة واضحة مفادها أنها ستراقب أفعال بغداد
عن كثب وأن مبيعات الأسلحة المستقبلية والتدريب والدعم الدبلوماسي
والعلاقات التجارية سوف تعتمد على التمسك بهذه القواعد.
نبذة عن معهد واشنطن
الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه
الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية
في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل
توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه
المنطقة الحيوية من العالم.
وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم
المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة
العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم
للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق
باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف
الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف
به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة. |