مصر وعسكرة الربيع العربي!

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: يبدو ان رياح التغيير التي تطلع لها الشعب المصري بشغف، مضحيا بالغالي والنفيس في سبيل تركيز مقوماتها باتت تجري بما لا يشتهي ابناء الكنانة، خصوصا بعد الاسقاطات السياسية والاجتماعية التي افرزها هيمنة العسكر على السلطة بعد الاطاحة بمبارك.

فيرى الكثير من المراقبين للمشهد المصري ان الاحداث المتعاقبة تصب في صالح تمديد بقاء العسكر في السلطة، سيما بعد ان أثيرت المخاوف من مسعى جهات غير معلومة للاطاحة بالدولة وتفتيتها بحسب زعم العسكر، مما يدفع المجلس الى التشبث بالمكاسب السياسية التي غنمها.

فيما يرى بعض المحللين السياسيين ان المخاض المصري يراد به تعميم تجربة تولي العسكر لشؤون الدولة كمثال قد يحتذى به في بقية دول العالم العربي الثائرة، في سيناريو أمريكي غربي أنبثق من عدم ثقة تلك المحاور بالبدائل الاسلامية التي أفرزتها الثورات.

أمد هيمنة الجيش

فقد قد تؤدي الاحتجاجات العنيفة التي يشارك فيها شباب مصريون يسعون الى انهاء الحكم العسكري بسرعة الى اجراء انتخابات الرئاسة قبل منتصف 2012 كما هو مقرر لكن من المتوقع أنه حتى لو حدث هذا سيحتفظ الجيش بنفوذ قوي على البلاد.

وجرت مناوشات بين محتجين علمانيين واخرين أغلبهم غير منظمين يشعرون بالغضب والحرمان من الحقوق طوال أسبوع في ميدان التحرير بوسط القاهرة وجنود أوسعوا الرجال والنساء ضربا وأسقطوهم على الارض وأطلقوا الاعيرة النارية في الهواء لتفريق الحشود.

ومثلت هذه الموجة من اعمال العنف تصعيدا في الاشتباكات الدائرة منذ منتصف نوفمبر تشرين الثاني ومن خلالها تصدر المشهد معارضون أشداء لا يتورعون عن الاشتباك مع قوات الامن على الرغم من أن الجماهير العريضة التي ضاقت ذرعا بالاضطرابات ترى أنها تزعزع الاستقرار وتضر بالاقتصاد وتفضل التركيز على عملية بناء المؤسسات الديمقراطية.

وقال مصطفى ايمن وهو أحد المحتجين "حين نظفنا ميدان التحرير في فبراير أزلنا دماء الشهداء ودفنا الثورة لدى مولدها. مطالبنا لم تتحقق... العنف هو السبيل الوحيد لاعادة الثورة لمسارها."

واقتصرت الاضطرابات على ميدان التحرير والشوارع المحيطة به الى حد كبير ومن غير المرجح أن تحول دون استكمال الانتخابات البرلمانية في الموعد المحدد لذلك أوائل الشهر القادم. وهذه هي أول انتخابات منذ اسقاط الرئيس السابق حسني مبارك في انتفاضة شعبية في فبراير شباط.

لكن استخدام الجيش للقوة القاتلة ضد المحتجين في الاونة الاخيرة روع الكثير من المصريين الذين يعتبرون الجيش مؤسسة فوق اللوم وهو وضع متفرد بين مؤسسات الدولة خاصة بعد أن أحجم الجيش عن استخدام العنف لانهاء الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بمبارك.

ويدعو الكثير من المصريين وبينهم ساسة الى أن يجري المجلس العسكري انتخابات الرئاسة - المقرر حتى الان اجراؤها في يونيو 2012 - بعد اجتماع مجلس الشعب المنتخب مباشرة في أواخر يناير كانون الثاني. بحسب رويترز.

لكن تقديم موعد انتخابات الرئاسة لن ينهي بالضرورة هيمنة الجيش في دولة جديدة يحكمها مدنيون وهو ما يهدف اليه المحتجون وذلك لانه سيكون على جميع المرشحين المحتملين ان يكونوا على صلات جيدة مع المجلس الاعلى للقوات المسلحة.

وقال المحلل السياسي محمد صفار "القوى السياسية والمصريون عموما غاضبون... المصريون غاضبون على ما حدث من فوضى ويطالبون بانتخابات رئاسية مبكرة لنقل السلطة بشكل اسرع ولكن هذا لن يحيد من دور الجيش في السلطة." وأضاف "في هذه المرحلة... نحن في دولة تحت دكتاتورية عسكرية غير معلنة. اي رئيس قادم سيحتاج لدعم من المؤسسة العسكرية لكي يقدر على ادارة شؤون البلاد."

وقال مصدر مقرب من الجيش لرويترز ان التفويض الشعبي لن يكون كافيا لدعم رئيس مصر القادم لانه سيحتاج ايضا الى دعم النخبة العسكرية. وقال المصدر "هذه فترة انتقالية يسلم فيها طرف السلطة لاخر. يجب أن يكون هناك اتفاق. هذه هي السياسة."

وسيعني هذا ايضا احتفاظ الجيش بامتيازاته الاقتصادية على أن يصاحب هذا ما يكفي من استقلالية لادارة مصالحه التجارية الضخمة.

وتتجلى أهمية الجيش لاقتصاد مصر واستقرارها في أنشطة منها جهوده في مد الطرق والقرض الذي قدمه مؤخرا للبنك المركزي وقيمته مليار دولار لتقليص العجز في احتياطيات النقد الاجنبي.

وفي عام 2008 تدخل الجيش لتخفيف حدة أزمة الخبز حين زاد الانتاج في مخابزه.

وقال صفار "مصر تحت حكم الجيش من 52 ونحن الان نريد أن نسترجع الجمهورية من حكم العسكر ولكن الجيش سيحتاج ضمانات لترك السلطة مثل الاطمئنان على مصالحه الاقتصادية وسيريد ايضا حصانة لكي لا يتعرض للمساءلة بعد تسليم السلطة."

ويتولى ضباط الجيش في مصر بعد تقاعدهم مناصب رفيعة في الهيئات والشركات الحكومية. ويحكم مصر عسكريون منذ عام 1952 حين قام ضباط الجيش بانقلاب وأطاحوا بالملك. كما يجل المصريون الجيش بسبب حرب عام 1973 ضد اسرائيل.

وقال المحلل السياسي ياسر عبد العزيز "هناك ضغوط علي المؤسسة العسكرية من مجموعات شبابية ثورية." واضاف "من الممكن توجيه اتهامات للمؤسسة العسكرية بالالتفاف علي مطالب الثورة وتفريغ الثورة من مضمونها ومحاولة اعادة انتاج النظام السابق بمحاولة قمع الثوار وتشويه صورتهم".

واذا أجريت انتخابات الرئاسة قبل الموعد المنتظر فقد لا يستطيع الا بضعة مرشحين خوض محاولة جادة للفوز. ومن بين المرشحين الامين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى الذي تشير استطلاعات الرأي ومحللون الى تصدره السباق على منصب مبارك القديم. وتمتع موسى بشعبية كبيرة حين كان وزيرا للخارجية كما أنه واحد من أشهر الشخصيات العامة.

وقد يعتبر موسى (74 عاما) جسرا بين النظام القديم والناخبين الذين يسعون الى الاستقرار في دولة مدنية جديدة. ويقول محللون ان صلاته بالجيش تجعله المرشح المفضل لاعضاء المجلس العسكري الذين يتطلعون الى تحقيق الامن قبل أن يتركوا الحكم رسميا.

ويؤيد موسى الدعوات لتقديم موعد انتخابات الرئاسة قائلا ان مصر تمر بأزمة تتطلب نقل السلطة سريعا الى رئيس منتخب. لكن حسن نافعة استاذ العلوم السياسية والناشط الذي كان معارضا لمبارك قال ان اجراء انتخابات الرئاسة قبل أن يقر مجلس الشعب دستورا جديدا سيهدد بمنح الرئيس الجديد نفس الصلاحيات غير المحدودة التي تمتع بها مبارك. وأضاف أن هذا سيفتح الباب لجدل بين الرئيس الجديد والحكومة والبرلمان الذي سيحارب لتقليص الصلاحيات التي يتمتع بها الرئيس بالفعل.

ومن بين المرشحين الاخرين المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي ويتمتع باحترام بين الداعين للديمقراطية وايضا على المستوى الدولي لكن نسبة لا بأس بها من المواطنين العاديين يعتبرونه مقصرا في التواصل مع الجماهير لانه قضى جانبا كبيرا من حياته العملية في الخارج. وأشارت استطلاعات الرأي الى أنه ربما لا تكون له قاعدة دعم عريضة جدا.

لكن تاريخ البرادعي الدبلوماسي خاصة تعاملاته مع الولايات المتحدة يجعله مرشحا اكثر استقلالية من موسى او غيره ممن كانت لهم مكانة بارزة في ظل النظام السابق.

وقال صفار "البرادعي كرئيس سيمثل تحديا حقيقيا للجيش لان لديه علاقات جيدة بامريكا ودول اخرى وممكن ان يؤدي ذلك لتهميش الدور الدبلوماسي للجيش."

وعلى النقيض من الاحتجاجات السلمية التي وحدت المصريين من مختلف الاطياف لاسقاط مبارك فان الشباب في التحرير الان يستخدمون المقلاع والمقذوفات الحادة لمواجهة قوات الامن قائلين ان الصراع مع السلطات ضروري. وقال أيمن الذي فضل الا يستخدم اسمه الحقيقي "لا توجد ثورة سلمية بفترة انتقالية يقودها الجيش المؤسسة التي تسيطر على البلاد منذ عام 1952 . احنا بنضحك على مين..".

وهو واحد من كثير من الشبان الذين يميلون لليسار ويرون أن قيمة دورهم كجماعة ضغط اكبر من قيمة خوضهم مجال العمل السياسي. وقال أيمن "طرفان أفسدا هذه الثورة.. الجيش والاخوان المسلمون" مضيفا أن من الواضح أن الجيش والاخوان الذين سيهيمنون على البرلمان القادم فيما يبدو يتعاونان للوصول الى توازن للقوى في الدولة المدنية الجديدة.

وفي بيان حمل اسم "اما نحن اما أنتم" جرى تداوله خلال الاشتباكات الاخيرة يوم الثلاثاء دعا شباب الى ثورة ثانية على المجلس العسكري. وقال البيان الذي حمل عنوان (بيان بشأن يوم 25 يناير 2012 - الشوط الثاني) "نعم انتم هدفنا نستهدفكم وبكل صراحة المجلس العسكري. نعلم ان الجيش يختلف عن المجلس العسكري ولن نقتنع بحجة الاوامر ولكن من سيحمي هذا الكيان... سيصبح عدوا لنا." وحذر الشبان الذين يعرفون باسم "التراس ميادين التحرير" القوى السياسية من التواطؤ مع الجيش. وأضاف البيان "نحن ضد النظام السابق اللي لسة مش سابق... وكل من يسب الثورة والشهداء وكل من يحاولون أن يتسلقوا على الثورة ويتاجروا بالدين من أجل السلطة."

وفي الرسالة رقم 92 التي نشرها المجلس الاعلى للقوات المسلحة على صفحته على فيسبوك قال "توفرت معلومات تدعونا الى الحيطة والحذر خلال الفترة القادمة أبرزها استمرار المخطط الهادف الى افشال واسقاط الدولة بتصعيد الاعتصامات والاحتجاجات واستهداف المرافق الحيوية للدولة.

"ابقاء الوضع على ما هو عليه بميدان التحرير لاكبر وقت ممكن والعمل على تصعيد الاحداث بهدف توريط المجلس الاعلى للقوات المسلحة باستثمار تدخله كلما حدث ذلك من جانبه."

وفي وقت سابق من الاسبوع الحالي قال اللواء عادل عمارة عضو المجلس العسكري ان الاشتباكات تثبت أن "العنف ممنهج" وترتكبه "أياد خفية" وهو تعبير يطلق على من يعطلون الاصلاح للحفاظ على مصالحهم.

لكن البعض تساءل عما اذا كان المجلس العسكري نفسه يسمح باستمرار أعمال العنف كوسيلة لتقسيم الحركة الداعية للديمقراطية حتى لا تندلع مظاهرات حاشدة بحجم تلك التي أطاحت بمبارك.

وقال صفار "المجلس العسكري يواجه صعوبة في الحفاظ على توازن القوى. لذلك هو يستغل العنف المحكم الذي نراه بهدف تقسيم المعارضة. ولكن هو لا يستطيع أن يستمر في هذا لان من الممكن أن تتحد صفوف المعارضة ضده. وأضاف "انها مثل لعبة الشطرنج."

ويرفض الجيش بشدة الاتهامات بأنه يريد التشبث بالسلطة او لا يتصرف باخلاص. ويؤكد انه سيلتزم بخطته من أجل التحول الديمقراطي.

وقال اللواء عمارة للصحفيين هذا الاسبوع خلال مؤتمر صحفي دافع فيه عن تعامل الجيش مع المحتجين ان القوات المسلحة ستواصل تنفيذ دورها خلال الفترة الانتقالية.

وقال ياسر عبد العزيز "ما يحدث ليس بمخطط لاستخدام العنف لاهداف سياسية ولكنه نتيجة انخفاض الكفاءة والعجز في القدرة علي جمع المعلومات وتوظيفها توظيفا جيدا.. لا يوجد تنسيق قوي بين الجهات الامنية التابعة للجيش واليات الامن لدي النظام السابق التابع لمبارك. واضاف "المجلس العسكري لم يضع يده علي الجهات الامنية التي كانت تعمل لصالح مبارك"

وأحجم التيار الاسلامي في مصر عن المشاركة في الاحتجاجات لان من المتوقع أن يصبح صاحب اكبر كتلة في مجلس الشعب وهو موقف رحب به المجلس العسكري لانه ساعد في اقتصار الاحتجاجات على أقلية صغيرة نسبيا.

لكن محللين يقولون انه اذا بدأ المصريون ينظرون الى الجيش كعقبة في طريق الاستقرار لا ضامن فقد يتحدون ضده. ويقول الجيش أنه يتمتع بثقة عموم الشعب المصري.

صورة الجيش محل جدل

الى ذلك منذ استيلاء تنظيم الضباط الاحرار على السلطة في مصر عام 1952 وقضائه على الحكم الملكي لم يتعرض الجيش لجدل بشأن مكانته أو شرعيته السياسية الا بعد الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت الرئيس السابق حسني مبارك في فبراير شباط الماضي ودفعت بالمجلس الاعلى للقوات المسلحة الى صدارة المشهد السياسي.

وكان خروج الدبابات الى الشوارع مصدر اطمئنان للجماهير الغاضبة مساء يوم 28 يناير كانون الثاني "جمعة الغضب" بعد انكسار الشرطة. ثم عزز الجيش مكانته بوقوفه على الحياد طوال الاحتجاجات التي استمرت 18 يوما ثم أدائه التحية العسكرية "للشهداء" بعد ساعات من تنحي مبارك يوم 11 فبراير.

فقبل سقوط مبارك كانت صوره هو وزوجته سوزان ثابت وابناه علاء وجمال ورموز الحكم السابق تعلق على لافتات مع تعديلات تصور بعضهم كمصاصي دماء. ولم يكن بين تلك الصور أي من رموز الجيش الذي يدير البلاد.

وارتفعت في ميدان التحرير صور وهتافات مناوئة للمجلس الاعلى للقوات المسلحة بعد أسبوع من تداول صور فوتوغرافية ولقطات فيديو على نطاق واسع على الانترنت ظهر فيها جنود يجرون امرأة من عباءتها السوداء على الارض وانكشاف ملابسها الداخلية وركلها أحدهم في صدرها وضربها اخرون بالهراوات.

وردا على تلك الاساءة نظمت ألوف النساء مسيرة من ميدان التحرير الى مبنى نقابة الصحفيين القريب مرددات شعارات منها "اللي يدنس شرفه وعرضه.. عمره ما يقدر يحمي أرضه" و"قالوا حرية قالوا عدالة البسوا الاسود ع الرجالة" في اشارة الى حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الاخوان المسلمين التي تبدي اهتماما بانتخابات مجلس الشعب الجارية حاليا أكثر مما تهتم بالانتهاكات ضد المحتجين. وقدم الجيش اعتذارا لنساء مصر ووعد بالتحقيق فيما حدث.

وانتقدت وزيرة الخارجية الامريكية قوات الامن المصرية بسبب "الاذلال المنهجي للمرأة" ووصفت ذلك بأنه "عار على الدولة". وقالت مصر انها لن تقبل أي تدخل في شؤونها الداخلية. بحسب رويترز.

وأدانت رئيسة هيئة الامم المتحدة للمرأة ميشيل باشيليت يوم الخميس تعامل قوات الامن المصرية للنساء والاطفال وحثت السلطات على ضمان احترام حقوقهم و"ضمان حقوق النساء السياسية والمدنية وتقديم دعم حكومي لضمان احترام تلك الحقوق."

وارتفعت في الميدان هتافات متظاهرين ومتظاهرات منددة بما يرونه انتهاكا من قوات الجيش للمرأة المصرية ومنها "يا أوباش يا أوباش.. بنت مصر ما تتعراش" و"احلقوا شنباتكم.. طنطاوي عرى بناتكم" في اشارة الى المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الاعلى للقوات المسلحة.

وشهد ميدان طلعت حرب القريب من ميدان التحرير وقفة احتجاجية لنساء رددن شعارات منها "بنات مصر.. خط احمر".

وفي نفس الوقت خرج الالوف في ميدان العباسية بشرق القاهرة تأييدا للمجلس العسكري. ورفع المتظاهرون لافتات منها "الشعب والجيش والشرطة ايد واحدة" و"موتوا بغيظكم.. نعم للمجلس العسكري."

ويشهد ميدان التحرير حالة وصفها مراقبون بالثورية بعد مقتل 17 ناشطا واصابة المئات منذ مساء الجمعة الماضي بأيدي قوات من الجيش.

وقال أسامة الذي رفض التصريح باسمه كاملا "من الخطأ أن يدفع الجيش بقواته في مواجهة مع الشعب.. رصيده (لدى الشعب) يتاكل. نتوقع (العنف) من الشرطة لا من الجيش."

وفسر هتافا يتردد في الميدان "يا شهيد يا شهيد.. ثورة تاني من جديد" قائلا ان لدى الناس أملا "الثورة مستمرة".

ودعا ساسة مصريون الى أن يجري المجلس العسكري انتخابات الرئاسة - المقرر حتى الان اجراؤها في يونيو حزيران 2012- بعد اجتماع مجلس الشعب المنتخب مباشرة في أواخر يناير كانون الثاني.

ووزع حزب التحالف الشعبي الاشتركي الذي يخوض الانتخابات ضمن قائمة "الثورة مستمرة" بيانا في ميدان التحرير يطالب بالغاء انتخابات مجلس الشورى المقرر اجراؤها العام القادم واجراء انتخاب الرئيس فور انتهاء انتخابات مجلس الشعب "بما يتيح انتقال السلطة في أسرع وقت لرئيس وبرلمان منتخبين."

وقال البيان ان "المشاهد الاجرامية" التي جرت للمتظاهرين بداية من الاسبوع الماضي تهدم "ما تبقى من ثقة بين المواطنين والمؤسسة العسكرية... بقاء المجلس (في الحكم) يهدد كل مكتسبات الثورة... خطر على المؤسسة العسكرية وتماسكها الامر الذي يشكل خطرا على الدولة المصرية."

شيكا على بياض

على صعيد متصل في معركة مع الشارع على السيطرة على مصر هدد المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي يدير شؤون البلاد باستخدام سلاح جديد ربما يزيد من حالة الاستقطاب ويؤدي الى قمع أشد لمحتجين مطالبين بانهاء الحكم العسكري. واقترح القادة العسكريون اجراء استفتاء على ما اذا كان يتعين على المجلس ترك السلطة.

لكن من خلال طرح فكرة اجراء استفتاء على حكم الجيش فان المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الاعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع لعشرين عاما في نظام مبارك لا يهدف من وراء ذلك الى تسريع نقل السلطة بل الى حشد التأييد للحكم العسكري المؤقت بين "الاغلبية الصامتة" في مصر التي تشعر بالقلق.. انها تلك الملايين التي لا تحتج حاليا في ميدان التحرير.

لم يذكر طنطاوي وقتا محتملا لاجراء ذلك الاستفتاء أو موضوع الاستفتاء على وجه التحديد. واعتبرت هذه الفكرة على نطاق واسع حيلة للضغط على نشطاء الشارع لاجبارهم على الاعتراف بأنهم ربما يكونون أقلية ليعودوا الى منازلهم. لكن مع عدم وجود بادرة على تراجعهم عن موقفهم حتى امس الاربعاء قد يضطر للاذعان.

وقال حسن نافعة "هذا أمر خطير للغاية." وأضاف "هذا معناه.. اذا لم تقبل ما أعرضه عليك فسوف ألجأ الى الشعب وأحصل على شيك على بياض للجيش لمواصلة حكم البلاد بالطريقة التي يريدها."

وبالنسبة للقادة العسكريين فان هذا رهان على "الاغلبية الصامتة". انها مقامرة يرون أنهم سيفوزون بها من خلال التلويح بشبح الفوضى في حالة تنحي المجلس العسكري الان كما يطالب المعتصمون بالتحرير.

وخارج الميدان يعبر تجار في منطقة وسط القاهرة عن مشاعر قد يستغلها القادة العسكريون الذين وعدوا بتسليم السلطة الى ادارة مدنية بحلول منتصف عام 2012 . وقال محمد سيد الذي يعمل في مكتب للصرافة "بالطبع أؤيد فكرة اجراء استفتاء لان الجالسين في التحرير لا يمثلون كل المصريين."

وتأثرت الحركة التجارية بالطبع من أحدث اضطرابات. وقال "عملنا هنا يتضرر بالطبع. لا سائحين.. لا يوجد من يشتري... لم نعد نعرف ما الذي يريده الموجودون في التحرير."

كان جزء من خطاب طنطاوي الذي ألقاه يوم الثلاثاء يستهدف فيما يبدو مصريين من امثال سيد الذي يريد أن تعود الحياة الى طبيعتها. وأبرز طنطاوي في خطابه تضرر الاقتصاد من خلال احجام المستثمرين وتوقف الانتاج ونضوب الموارد.

وفي خطابه الذي استمر تسع دقائق قدم أيضا بعض التنازلات لحركة الاصلاح متعهدا بأن الجيش سيسلم السلطة الى رئيس مدني قبل يوليو تموز اي قبل ستة أشهر على الاقل من الموعد الذي كان القادة يعلنون عنه وقال انه سيعين حكومة جديدة.

لكن هذا غير كاف على الاطلاق بالنسبة للمحتجين الذين يعتبرون القادة العسكريين امتدادا لحكم مبارك. هم لا يثقون في المجلس العسكري لقيادة المرحلة الانتقالية الى الديمقراطية ويريدون بدلا من ذلك تسليم السلطات الرئاسية الى سلطة مدنية مؤقتة.

وفي الميدان سرعان ما رفض المحتجون فكرة الاستفتاء وقالوا انها طريقة لاثارة الفرقة بين المصريين.

وقال ان الجيش "على استعداد تام لتسليم المسؤولية فورا والعودة الى مهمته الاساسية في حماية الوطن اذا اراد الشعب ذلك من خلال استفتاء شعبي اذا اقتضت الضرورة ذلك."

ورأى صفوت الزيات وهو محلل للشؤون العسكرية وضابط متقاعد في الجيش المصري ان طنطاوي يحاول تعتيم الخط الفاصل بين المجلس العسكري والقوات المسلحة وهي المؤسسة التي ما زالت تلقى احتراما على نطاق واسع بين المصريين. وقال "كأنه يستفتي الشعب على القوات المسلحة وليس المجلس العسكري."

كما تظهر فكرة الاستفتاء أن طنطاوي يعتبر المحتجين أقلية. وقال الزيات "هذا اعتراف ضمني بأنه لا يرى في الاستئناف الثاني للثورة المصرية أنها شعبية جامعة."

وقال نافعة "السؤال الذي سيطرح في الاستفاء هو.. 'هل تقبل ان يبقى الجيش ام يرحل'. والناس ستقول.. 'لا.. يجب أن يبقى بالطبع.. لانه يمثل الدولة'."

ومضى نافعة يقول "لم يفهم طنطاوي بعد أنه لا يوجد احتقان بين الشعب والجيش. الاحتقان بين الشعب والمجلس. المجلس يتصرف وكأنه ممثل لمبارك لا الثورة."

وأردف قوله "انه يقول اذا لم تخلوا الميدان سألجأ الى الاستفتاء واذا ما لجأ الى الاستفتاء ولم يغادر الناس الميدان.. ما الذي سيفعله.. هل سيقتل الموجودين في ميدان التحرير..".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 27/كانون الأول/2011 - 2/صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م