شبكة النبأ: الاحداث الاخيرة في
العراق وفي الجوار الاقليمي تعيد ثنائية الشيعة – السنة الى الواجهة.
بعيدا عن التنظيرات المثالية وغير الواقعية التي تعتبر ما حدث ويحدث من
حراك في بعض من البلدان العربية وارجاعه فقط الى الى عوامل سياسية
واقتصادية متراكمة منذ نشوء الدول الوطنية تحت حكم العسكر
والدكتاتوريات المؤبدة، وقريبا مما يطفو على السطح من وقائع تشي
بالمكبوت طيلة عقود طويلة من حكم العسكر والدكتاتوريات العربية تبرز
ثنائية الشيعة والسنة بصورة فجة.
في الشان السوري تاخذ العلاقة الاستراتيجية بين تركيا وسوريا منعطفا
حادا بين ليلة وضحاها.. وتصبح تركيا التي قطعت مسافة بعيدة في علاقتها
مع سوريا من الد الخصوم لنظامها بعد عدد من التظاهرات في بعض المدن
السورية.. لم تتردد تركيا كما فعلت في ليبيا وحسمت امرها بعد ايام
قليلة من اندلاع التظاهرات المطالبة باسقاط النظام السوري واتجهت صوب
معسكرات المعارضة.. انها تركيا العثمانية.
السعودية وقطر ومن خلفهما دول الخليج لم تتردد في دعم جماعات
المعارضة بالمال والاعلام على مستوى قناتي الجزيرة والعربية وكذلك
صحيفة الشرق الاوسط والصحف الاخرى الموالية للنظامين السعودي والقطري،
ونسمع كثيرا عن الاقلية العلوية والاغلبية السنية حين يتم الحديث عن
الصراع الدائر في سوريا وحولها.
البحرين لم تستطع ان تشكل المعادل الشيعي الموضوعي لهذه الثنائية
الا على استحياء وخفوت صوت بسبب تلك السطوة الاعلامية للمنابر الموالية
للسعوديين والقطريين..وبسبب من اغلبية سنية حاكمة في دول الجوار لاتريد
ان يتكرر المشهد العراقي في تلك الجزيرة.
في الشان العراقي تعيد قضية نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي الى
الواجهة ثنائية الشيعة – السنة التي حكمت الدولة العراقية منذ تاسيسها
وحتى الان بادوارها الملكية والجمهورية..وهي كانت ثنائية الحاكم
(السني) والمحكوم (الشيعي) او كما تعبر عنها نصوص التاريخ التي كتبها
المعارضون بثنائية (الجلاد والضحية) التي تجذرت في الوعي الشيعي من
خلال ما اصطلح على تسميته ب (المظلومية الشيعية).
واذا اردنا التوسع كثيرا في هذه النقطة فاننا يمكننا القول انها
تقلب المعادلة التي حكمت عاصمة الخلافة الاسلامية من نظام حكم يقوده
السنة طيلة قرون طويلة الى نظام حكم يقوده الشيعة منذ سنوات قليلة بحكم
المتغيرات التي حصلت منذ العام 2003 والتي اطاحت بحكم السنة للعراق عبر
(القائد الضرورة) و(بطل التحرير القومي) و(عبد الله المؤمن) صدام حسين.
في برنامج فقهي يقدم من قناة الرافدين يصف مقدم البرنامج ماحصل في
العراق بانه استعانة من قبل جماعة من العراقيين بالكافر لقتل اخوانهم
المسلمين وهو يعني هنا تحديدا استعانة الشيعة بالولايات المتحدة
الامريكية لاحتلال العراق وقتل السنة.
اعود الى حيث بدات، قضية طارق الهاشمي... نتذكر مذكرة اعتقال السيد
مقتدى الصدر، ونتذكر صولة الفرسان في العام 2008، ونتذكر قضية الحرس
الخاص لعادل عبد المهدي ومصرف الزوية، ونتذكر عدنان الدليمي ومشعان
الجبوري واسعد الهاشمي وزير الثقافة الهارب.
كان الشيعة مع الحكومة في توجهاتها الا القليلين من المحسوبين على
تلك الاسماء وما يمثلونه بالنسبة لهم..واعتبرت في حينها شانا امنيا او
سياسيا بما يمثله من صراع مصالح وارادات.
على الطرف الاخر لم يتردد السنة في اعتبار ما حدث في الفلوجة او
اتهام اسعد الهاشمي او القبض على عدد من المجاميع المسلحة الا استهدافا
للسنة كمكون مذهبي.. وكما حدث في مذبحة النخيب التي سارع كثير من النخب
السنية الى التهديد والوعيد بحرق العراق باكمله بسبب اعتقال عدد من
المشبوهين من مدينة الرمادي على خلفية تلك المذبحة.
وهو ما يحدث الان في قضية طارق الهاسمي حيث خرجت التظاهرات في اكثر
من محافظة سنية ضد مذكرة اعتقاله واعتبار ذلك مساسا بالسنة وبانه خط
احمر لايجوز الاقتراب منه.. ولم توضع القضية في منظورها الواقعي ان كان
سياسيا كما يذهب البعض من تصفية حسابات بين الخصوم، او قضائيا كما يذهب
البعض الاخر والقضاء كفيل بحل هذه القضية.
وحتى في مسالة اللجوء الى القضاء فهو غير مستقل ومتحيز طالما يصدر
قراراته ضد مسؤول حكومي يصدف انه من المذهب السني.. لكن نفس هذا
المسؤول يلجا الى القضاء الذي يعتبره متحيزا في اي قضية مع الاطراف
الاخرى ويبارك استقلالينه ونزاهته وبعده عن التحيز كما حدث في عدد من
القضايا المتنازع عليها التي رفعتها بعض القيادات السنية..
اذكّر بنتائج الانتخابات والتصديق عليها ومباركة القائمة لما صدر عن
المحكمة الاتحادية والتصريحات المادحة لاستقلال القضاء العراقي.. واذكر
بمثل صارخ يتعلق بقضية اجتثاث صالح المطلك وظافر العاني..
اتساءل: هل هو منصب رئيس الوزراء الذي يعزز مثل مثل هذه الحساسيات
ويظهر المكبوت من دفائن الامور التي رافقت تشكيل العراق كدولة منذ
عشرينات القرن الماضي واستاثر السنة بحكمه؟
ام هو عدم الاعتراف بحقائق جديدة فرضتها تلك المتغيرات على الساحة
الدولية منذ العام 2003؟ ام هو عدم التصديق حتى اللحظة بان الشيعة هم
الاغلبية في العراق ويحق لهم قيادة الحكم فيه؟
وحتى في مسالة الاغلبية لايسلّم السنة بسهولة في تلك النقطة رغم كل
الوثائق والاحصاءات ومن جهات متعددة.
حيث سخر من ذلك محسن عبد الحميد حين كان رئيسا للحزب الاسلامي
العراقي قبل سنوات واعتبر القول باغلبية الشيعة في العراق هي محض
خرافة.. هل كان عبد الحميد ينظر الى مساحة الرمادي التي تبلغ ثلث مساحة
العراق ولا يقطنها على ابعد تقدير ربما مليون او اكثر بقليل ويغلق
عينيه عن مدينة الصدر في بغداد التي يقطنها على اقل تقدير مليونان من
الشيعة.. ام هو هذا الشعور بالتفوق الذي حكم علاقة السنة بالشيعة
واعتبار انفسهم لايصلحون الا للحكم بينما الشيعة لاهمّ لهم الا اللطم؟
او على حد تعبير خلف العليان، هل تذكرونه؟ وهو يقول: ان البساط الذي
كنا نمشي عليه اصبحنا نتغطى به..ويقصد الشيعة.
هل سمعنا في وسائل الاعلام خطابا يحمل تلك الكراهية للاخر من شخصية
شيعية على مدار السنوات المنصرمة، رغم ان ماتعرض له الشيعة بعد العام
2003، ولا اريد ذكر ماتعرضوا له خلال عقود وقرون، اقول رغم ماتعرض له
الشيعة مما يمكن اعتباره جرائم ابادة كبرى.
اختم اخيرا باستعارة لاحد الكتاب العراقيين حين قال: ربح الشيعة
الوطنية وخسروا الوطن.. واسال: هل حافظ السنة على الوطن؟ |