العراق على المحك... وساسته يوغلون في أزمته

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: لم يكن من التوقع ان تعصف الأزمات بالعراق بعد انسحاب القوات الأمريكية بهذه السرعة، مهددة لاندلاع أعمال عنف ظن العراقيون إنهم تجاوزوها قبل سنوات، فالمشهد العراقي بالرغم من الهدوء الأمني الذي أعقب تفجيرات بغداد الأسبوع الماضي، تهيمن على أجوائه المشاحنات السياسية والطائفية بشدة، مخلفة قلق متنامي لدى السكان بشكل متصاعد.

فيما يخشى الفرقاء السياسيين ان تتسع دائرة التدخلات الاقليمية والدولية في الشأن العراقي، مما قد يمهد الى اهتزاز البنية الداخلية للدولة مرة أخرى بعد ان نجحت الحكومة العراقية في الحد من تلك المعضلة.

المخابرات الامريكية تحذر

فقد حذرت وكالات المخابرات الامريكية من ان المكاسب الامنية التي تحققت في العراق يمكن ان تتحول الى عنف طائفي بعد انسحاب القوات الامريكية الذي يقول مسؤولون امريكيون انه قلص النفوذ الامريكي في البلاد بعد احتلال دام نحو تسع سنوات.

وكانت التفجيرات التي وقعت يوم الخميس في العاصمة العراقية بغداد وأدت الى مقتل 72 شخصا على الاقل دليلا جديدا على تدهور الموقف الامني بعد ايام معدودة من انسحاب اخر جندي  امريكي من العراق.

وقال مايك روجرز رئيس لجنة المخابرات في مجلس النواب "ما يحدث يجب الا يكون مفاجأة لاحد." وقال روجرز وهو جمهوري في مقابلة مع رويترز "معظم الناس يعتقدون.. والتقييمات التي تخرج من هناك ترى ان هذا الانسحاب السريع المفاجيء وعدم وجود قوات على الارض سيخلق هذا الفراغ الذي سيملاه هذا النوع من المشاكل التي نراها."

وصرح بان سحب القوات الامريكية قلص النفوذ الامريكي وان انتشار الفوضى في العراق هو في مصلحة ايران التي تريد ان تزيد نفوذها في المنطقة. بحسب رويترز.

ويمثل الصراع الطائفي المحتمل في العراق تحديا سياسيا لادارة الرئيس الامريكي الديمقراطي باراك اوباما التي أنهت الوجود الامريكي الذي بدأ عام 2003 بقرار غزو العراق الذي أمر به الرئيس الامريكي الجمهوري السابق جورج بوش.

وهاجم المرشح الرئاسي الجمهوري المحتمل ميت رومني الرئيس الديمقراطي لما وصفه "بفشل مميز" في الاحتفاظ ببعض القوات في العراق لمنع الانزلاق الى صراع طائفي. وكان بوش رغم ذلك هو الذي وافق في الاشهر الاخيرة له في الرئاسة على انسحاب القوات الامريكية من العراق بحلول نهاية عام 2011. وفشلت المحادثات التي اجرتها حكومة اوباما للاحتفاظ بوجود عسكري محدود في العراق بعد انتهاء هذا الموعد حين طلبت وزارة الدفاع الامريكية (البنتاجون) حصانة من المحاكمة للجنود الامريكيين عن اي جرائم يرتكبونها هناك.

ورفضت الحكومة العراقية المطلب كما انقسمت النخبة حول وجود عسكري امريكي بعد هذا الموعد. وفي تعليقه على تقارير مخابراتية قال مسؤول رفيع في الادارة الامريكية "كانت هناك انقسامات طائفية في العراق قبل ان نغزوه وستكون هناك على الارجح صراعات طائفية بعد انسحاب القوات الامريكية هذه نقطة واضحة." وأضاف المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه "لكن هذه الخلافات يجري الان حلها من خلال السياسة والحوار. سفارتنا تساعد في العمل على حل هذه الخلافات. استمرار وجود القوات الامريكية لم يكن له دور.

وصرح المسؤول بأنه من المهم التفريق بين توقعات الحكومة الامريكية عن هجمات للقاعدة في العراق بهدف تقويض اتفاق اقتسام السلطة وبين توترات سياسة بين قادة البلاد.

وتعليقا على تفجيرات بغداد قال جاي كارني المتحدث الصحفي باسم البيت الابيض يوم الخميس انها لن تخرج العراق عن "مسار التقدم المستمر." وبعد يوم واحد من الانسحاب الامريكي أصدر رئيس الوزراء العراقي الشيعي نوري المالكي أمر اعتقال لطارق الهاشمي الذي يشغل منصب نائب رئيس العراق وهو أكبر مسؤول سني في العراق بتهمة التورط في اعمال ارهابية.

وترى التقييمات الامريكية الاولية ان تفجيرات الخميس في بغداد هي من تدبير ميليشيات سنية اغضبتها الاتهامات الموجهة الى الهاشمي. وقال مسؤول امريكي اخر ان العراق مر بالكثير من الازمات السياسية ويمكنه ان يتخطى هذه الازمة ايضا.

الهجمات لن توقف تقدم العراق

الى ذلك ادانت الولايات المتحدة موجة تفجيرات اسفرت يوم الخميس عن مقتل 72 شخصا على الاقل في العراق وقال البيت الابيض ان نائب الرئيس الامريكي جو بايدن تحدث الى الرئيس العراقي جلال الطالباني هاتفيا للتعبير عن الدعم الامريكي لمحاولاته لتهدئة التوتر الطائفي.

وقال جاي كارني المسؤول الاعلامي للبيت الابيض "ما زلنا نحث زعماء العراق على العمل معا على مواجهة التحديات المشتركة." واضاف في بيان "في هذا الوقت العصيب تقف الولايات المتحدة مع العراق كشريك استراتيجي وصديق مقرب." وقال كارني "مثل هذه المحاولات لتعطيل تقدم العراق ستفشل." واضاف "واجه العراق هجمات شائنة كهذه في الماضي واظهرت قواته الامنية انها على قدر المسؤولية في الاستجابة وحفظ الاستقرار."

وقال كارني "أكد نائب الرئيس مرة أخرى ضرورة أن تكون الافعال تحكمها سيادة القانون والدستور العراقي" مؤكدا رغبة الولايات المتحدة في عدم التدخل في الشأن القانوني الداخلي العراقي بعد انهاء الولايات المتحدة الحرب في العراق.

احتجاجات السنة ضد المالكي

من جهتهم نظم الاف العراقيين في معاقل السنة احتجاجات ضد رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي ردا على اجراءات اتخذها بحق اثنين من قادتهم وبعد يوم من تفجيرات دامية هزت العاصمة بغداد.

وبعد صلاة الجمعة التي حذر فيها رجال دين سنة من ان المالكي يسعى لاذكاء الانقسامات الطائفية خرج محتجون الى شوارع سامراء والرمادي وباجي والقائم وهي مناطق تقطنها اغلبية سنية وكانوا يحملون لافتات تدعم الهاشمي وتنتقد الحكومة.

وقال محتج يدعى احمد العباسي من سامراء "الاتهامات الموجهة للهاشمي دبرت وراء ابواب مغلقة. المالكي يحاول ازاحة السنة من السلطة ليحكم قبضته وكأنه ديكتاتور جديد للعراق."

وقال اياد علاوي رئيس الوزراء الاسبق ورئيس تكتل العراقية السني لتلفزيون العربية "بدأت تداعيات الاحداث لتصفية الامور وتصفية الخصومات بالطريقة التي تحصل للاسف بالعراق."

والغيت جلسة طارئة للبرلمان بين قادة الكتل السياسية لمناقشة الازمة. وبالنسبة لكثيرين من السنة الذين يشعرون بالتهميش منذ تزايد نفود الشيعة في اعقاب سقوط صدام حسين عمقت اجراءات المالكي المخاوف من سعيه لاحكام قبضته على السلطة بهدف تعزيز نفوذ الشيعة.

وكتب على احدى اللافتات "يا هاشمي .. لا تخف نحن نؤيدك بدمائنا." وينفي الهاشمي اتهامات بأن مكتبه يدير فريق اغتيال. وبعدما اذاعت وزارة الداخلية ما قالت انها اعترافات من حراس الهاشمي الشخصيين انتقل الزعيم السني الى اقليم كردستان العراق شبه المستقل حيث لا يرجح ان يتم تسليمه الى الحكومة المركزية في بغداد.

واتسمت بغداد بالهدوء بعدما لزم العديد من الاشخاص منازلهم في اعقاب سلسلة التفجيرات التي شهدتها المدينة يوم الخميس والتي شملت قيام مفجر انتحاري يقود سيارة اسعاف بتفجير ما بحوذته من متفجرات خارج مقر حكومي.

جهات حكومية

كما ألقى طارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي السني باللوم على أطراف داخل الحكومة العراقية بالتواطؤ في سلسلة التفجيرات التي وقعت الاسبوع الماضي في بغداد وقال ان رئيس الوزراء الشيعي يحاول التخلص من منافسيه السياسيين.

وقال ان رئيس الوزراء يستخدم قوات الامن لاستهداف معارضيه السياسيين ويسمح لمن يسعون لتدبير هجمات انتحارية بالتحرك بحرية وقال الهاشمي "ما حدث بالامس (يوم الخميس) جريمة منظمة... أنا متأكد أن أحدا من داخل الحكومة كان وراء كل هذه المتفجرات والاضرار. ليس هناك من هو أكثر قدرة على ذلك."

وتابع "وهذه ليست المرة الاولى.. هذه الطريقة من الهجمات الارهابية أكبر حتى من تنظيم القاعدة... انها منظمة بشكل جيد. الناس الذين دبروا كل هذه التفجيرات تحركوا بحرية دون أي عوائق."

ونقل عنه تلفزيون هيئة الاذاعة البريطانية قوله "بعد أن قرر الامريكيون الانسحاب حانت له الفرصة (المالكي). شعر بالحرية في محاولته التخلص من منافسيه ومعارضيه ومنتقديه السياسيين ولهذا بدأ بي ومع مرور الوقت سيستمر في القيام بذلك مع اخرين." وأضاف الهاشمي انه بريء من أي اتهامات وجهها له المالكي وألقى باللوم على رئيس الوزراء في اثارة الازمة السياسية.

واستطرد "الناس يشعرون بقلق بالغ ازاء المستقبل... المالكي جعل مستقبل بلادي مجهولا وهو الوحيد الذي يمكن تحميله مسؤولية ما حدث وما سيحدث لبلادي وشعبي."

ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجمات الا أن محللين قالوا ان تنظيم القاعدة كان يستهدف على الارجح المناطق الشيعية لاثارة انقسامات طائفية ولاظهار انه ما زال قادرا على شن هجمات كبيرة.

زيباري يحذر من التدخل الاجنبي

من جانبه قال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري ان العراق سيكون عرضة لمزيد من التدخل الاقليمي في شؤونه ما لم يتوصل زعماؤه على وجه السرعة الى حل للأزمة السياسية بين الحكومة التي يقودها الشيعة وبين منافسيها السُنة.

وقال ان التصعيد ليس في مصلحة أي طرف. وأضاف أن استمرار تفتت الجبهة الداخلية سيشجع من يريدون التدخل في شؤون البلاد ولذلك من المهم للغاية التصدي لهذه الازمة بأسرع ما يمكن.

وقال زيباري ان الازمة جاءت في وقت غير مناسب بالنسبة للعراق حيث تزامنت مع انسحاب اخر القوات الامريكية معتبرا أن أكبر تحد يواجه العراق بعد انسحاب القوات الامريكية هو تحد سياسي ويليه الامن. واضاف انه يجب عدم السماح للدول المجاورة بأن تظن أنها يمكن أن تملا الفراغ بعد انسحاب القوات الامريكية وتتدخل في شؤون العراق.

وقال ان العراق لن يكون أداة في أيدي الآخرين. واكتسبت ايران نفوذا كبيرا في العراق بعد سقوط صدام حسين عقب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في 2003 ويشكو مسؤولون عراقيون أيضا من تدخل السعودية وتركيا في شؤون بلدهم. وحاولت كل تلك الدول أن تلعب دورا في توجيه السياسات العراقية أثناء وبعد تشكيل الحكومة العام الماضي.

وقال زيباري ان قضية الهاشمي ضخمت في وسائل الاعلام في حين كان ينبغي التعامل معها بهدوء بين الزعماء السياسيين العراقيين. لكنه رفض المخاوف بشأن احتمال عودة العراق الى العنف الطائفي الذي كاد يمزق العراق في 2006 و2007.

ويقول زعماء شيعة ان قضية الهاشمي مسألة تتعلق بانفاذ القانون وبأفراد ولا تستهدف طائفة لكن الاقلية السنة يخشون من أن المالكي يعزز قبضته بشكل متزايد على الحكومة ويهمش السنة.

وقال زيباري الذي شارك في وساطة الحكومة العراقية للمساعدة في إنهاء العنف المستمر منذ شهور في سوريا ان من المتوقع أن يزور وفد من المعارضة السورية بغداد الاسبوع المقبل لاجراء جولة جديدة من المحادثات.

وعارض العراق دعوات في الجامعة العربية لفرض عقوبات على دمشق ويخشى زعماء عراقيون أن تؤجج الاضطرابات في سوريا التوتر الطائفي في بلادهم.

وأرسل العراق وفدا لمقابلة الرئيس السوري بشار الاسد ومعارضيه وساعد في اقناع دمشق بقبول خطة سلام اقترحتها الجامعة العربية. وقال زيباري ان المعارضة السورية ما زالت لديها مخاوف وشكوك بشأن مدى استعداد حكومة الاسد لتنفيذ الخطة العربية لكنه دعا جميع الاطراف الى التحلي بالصبر وانتظار نتيجة المهمة العربية. وقال ان تلك المشكلات لا يمكن حلها بضغطة زر فلا وجود لمثل ذلك في عالم السياسة والمفاوضات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 26/كانون الأول/2011 - 30/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م