داء التكنولوجيا... هل تتحول الفائدة إلى ضرر؟

شبكة النبأ: مع تزايد استخدام الهواتف الذكية وأجهزة الكومبيوتر المحمولة واللوحية, تزايدت التحذيرات الطبية الصادرة من منظمات عالمية, أشاروا من خلالها إلى ارتفاع نسب الإصابات والأمراض نتيجة للاستخدام المفرط -ولساعات طويلة- لهذه التكنولوجيا التي سيطرت على شرائح مختلفة وواسعة من المجتمعات.

وقد أوضح العديد من الباحثين والأخصائيين, إلى إن تحول استخدام الانترنت والهواتف والأجهزة الأخرى إلى هوس متواصل, أدى إلى ظهور أمراض جديدة نسبياً, كما ساهم –بشكل أو بأخر- في الإصابة بأمراض سرطانية في الدماغ وإحداث تغييرات فسيولوجية في المخ, الأمر الذي يستوجب –بحسب الأطباء- إعادة النظر في الكثير من العادات المتبعة في استخدامها خلال حياتهم اليومية بشكل لا يضر بالصحة العامة ويجنبهم مشاكل والآلام التكنولوجيا 

آلام في العضلات والأوتار

إذ يسبب الإفراط في استعمال الهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية الرقمية آلاما حادة وخطرة لدى المستخدمين مثل آلام العنق والإبهام الناجمة عن كثرة كتابة الرسائل القصيرة, ويقول تيم هتشفول من الجمعية البريطانية للمتخصصين في المعالجة اليدوية "كانت تقصدني مريضة تعاني التهابا في أوتار الإبهام بسبب استخدام مفاتيح الهاتف إلى حد أنها أصبحت عاجزة عن استعمال يدها طوال أسابيع", وتشهد الهواتف "الذكية التي يقوم المستخدم من خلالها ببعث الرسائل وتصفح الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، انتشارا واسعا, ويستخدم 44% من البريطانيين هواتفهم لأهداف أخرى غير المكالمة لمدة تتراوح بين نصف ساعة وساعتين يوميا، على ما أظهر استطلاع خاص بمنظمة "يو غوف" شمل 2034 راشدا بريطانيا من 19 إلى 21 أيلول/سبتمبر, وتقول سامي مارغو من الاتحاد البريطاني للمعالجين الفيزيائيين إن "أجسامنا لا تعمل أساسا بهذه الطريقة"، مشددة بشكل خاص على "المفاتيح الصغيرة جدا التي تدفعنا إلى إجهاد أصابعنا", وتضيف "اضطر أحد المرضى إلى التوقف بسبب الآلام ولجأ إلى برنامج يتعرف إلى الأصوات". بحسب فرانس برس.

وبالإضافة إلى مشكلة المفاتيح، تدفع الشاشة المستخدم إلى الجلوس في وضعيات سيئة, فيقول تيم هتشفول إن "متوسط وزن الرأس يتراوح بين 4,5 و5,5 كيلوغرامات", وفي الوضعية المثالية التي تشكل فيها الأذن والكتف والورك والركبة والكاحل خطا مستقيما، يتوزع وزن الرأس على كافة أجزاء الجسم, ولكن عند النظر إلى الشاشة، يكون الرأس منحنيا إلى الأمام أكثر من اللازم "ونشعر بوزنه أكثر بأربعة أضعاف من العادة "، على ما يشرح هتشفول, وينتشر استعمال الأجهزة اللوحية الرقمية وأجهزة قراءة الكتب الإلكترونية كالنار في الهشيم, ويقول 18% من المستخدمين إنهم يستعملونها لمدة تتراوح بين ساعتين وأربع ساعات يوميا، إلى جانب الكمبيوتر الذي بات أداة العمل الأكثر شيوعا في أيامنا هذه, وتعالج إيمانويل ريفوال وهي اختصاصية في تجبير العظام في باريس عددا متزايدا من المرضى الذين يعانون آلاما مبرحة "لأنهم يمضون أكثر من خمس ساعات يوميا أمام الشاشة", وتقول "بالنسبة إلي، تقارب النظر هو المشكلة الكبرى, فالهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية الرقمية والكمبيوتر تؤدي إلى إجهاد عضلات العين, والمشكلة هي أن العضل الذي يتحرك باستمرار يدفع العضلات الأخرى إلى مساعدته كعضلات الفك والعنق والكتفين".

ومع تحرك العضلات تباعا، قد يعاني المريض من وخز في الأصابع والتهاب الأوتار وآلام في العنق والظهر, وباتت هذه "الاضطرابات العضلية والعظمية" وباء، فهي المسبب الأول للأمراض المهنية في فرنسا وقد أدت إلى ضياع 9,7 ملايين يوم عمل سنة 2010, وفي بريطانيا، يعاني موظف من أصل خمسين من هذه الاضطرابات, وينصح تيم هتشفول بالحد من استخدام الهواتف الذكية إلى أقل من أربعين دقيقة يوميا وأخذ فترات استراحة وإبقاء الرأس على المستوى نفسه مع الكتفين, أما إيمانويل ريفوال فتنصح بإبعاد النظر عن الشاشة من حين إلى آخر والتثاؤب لإرخاء العضلات وتمديد الأطراف مع شدها "لإعادة تنشيط الخلايا وإيقاظها وتفادي تشنج العضلات", وتعتبر سامي مارغو أن الأطفال والمراهقين هم الأكثر عرضة لهذه الاضطرابات لأنهم يكثرون من استعمال خدمة الرسائل القصيرة, وتقول بأسى "أعرف عائلات يتواصل أفرادها إلكترونيا من غرفة إلى أخرى, فلنتكلم شفويا مع بعضنا البعض!".

إرسال SMS أثناء النوم

فيما قال أطباء في الولايات المتحدة إنهم أصبحوا يرون المزيد من حالات المرضى الذين لديهم اضطراب جديد نسبيا، وهو إرسال الرسائل النصية القصيرة أثناء النوم, ونقلت قناة "تي في تن" الأمريكية حالة إحدى المرضى وتدعى إليزابيث هاموندز، والتي قالت إنها علمت من صديق أنها أرسلت له رسائل نصية لم تدرك أنها أرسلتها, وقالت هاموندز "أخبرني صديقي أني أرسلت له رسالة نصية في الساعة 3 صباحا، ولم يعرف ماذا عنيت بها, ولم أكن أصدق أنني فعلت ذلك", وقال الدكتور ماركوس شميدت، من معهد طب النوم في أوهايو، إنه أصبح يشاهد المزيد من حالات إرسال الرسائل النصية أثناء النوم, وأضاف "أربعة من أصل خمسة مراهقين لديهم هواتف محمولة قرب أسرتهم في غرفة النوم, واحد فقط في كل 10 مراهقين يطفئ جهازه عند النوم", ووفقا لشميدت، فإن الحرمان من النوم يمكن أن يؤدي إلى السلوكيات الحركية الشائعة أثناء النوم، بما في ذلك الوصول للهاتف عندما يرن, وقال شميدت "انه نوع من الحالات حيث لا يكون المراهق مستيقظا تماما، لكنه يشعر بالحاجة أو الرغبة في الرد على تلك الرسالة النصية،" مشيرا إلى أن الأمر يمكن أن يكون له ارتباط وراثي. بحسب سي ان ان.

الانترنت قد يحدث تغييرا في المخ

الى ذلك أفادت أبحاث بأن لمواقع التواصل الاجتماعي تأثير على حياة المستخدمين الاجتماعية وعلى مخهم على حد سواء, وأثبت مسح أجري لبعض الأدمغة ان هناك صلة بين عدد اصدقاء شخص على فيسبوك وحجم بعض أجزاء المخ, وليس واضحا إن كان استخدام شبكات التواصل الاجتماعي ينمي المخ أم أن أولئك الذين لديهم تركيب معين للمخ قادرون على خلق الأصدقاء بسهولة أكثر, وللمناطق التي جرى فحصها في المخ علاقة بالتواصل الاجتماعي والذاكرة ومرض التوحد, وقالت د رايوتا كاناي من فريق البحث في جامعة لندن ان هناك مناطق في المخ على صلة بعدد اصدقاء الشخص سواء كانوا اصدقاء في الواقع أو افتراضيين, وتقول د. كاناي "السؤال الآن هو فيما ذا كانت تلك المناطق في الدماغ ستتغير مع مرور الوقت أم لا, واتضح من أبحاث سابقة ان هناك صلة بين حجم المادة الرمادية في الدماغ وحجم ومدى تعقيد شبكات التواصل الاجتماعي في الحياة, وقد جرى التعرف على ثلاث مناطق في المخ لها صلة بحجم العلاقات الافتراضية عبر الانترنت, وقال بروفيسور جيرين ريز الذي أشرف على البحث ان هناك القليل من المعلومات حول صلة المخ بشبكات التواصل الاجتماعي، مما أثار تكهنات بأن الانترنت ضار بالصحة, يذكر ان لفيسبوك 800 مليون مشترك حول العالم, وقال د جون ويليامز "هذه الدراسة تلقي بالضوء على ما إذا كان المخ يتطور مع تكيفه مع شبكات التواصل الاجتماعي, وبالرغم من الدراسة وجدت صلة بين المخ وشبكات التواصل الاجتماعي الا انها لم تهتد الى العلاقة بين السبب والمسبب, وقالت هيدي جوهانسن من جامعة أكسفورد ان الدراسة وجدت صلة ضعيفة بين المخ وعدد أصدقاء فيسبوك وعدد الأصدقاء في الواقع.

هواتف محمولة وسرطان

من جانبها, منظمة غير حكومية فرنسية تنشط في مجال السلامة الصحية للتكنولوجيا اللاسلكية، ردت مع بعض الخبراء على ما كانت قد خلصت إليه دراسة دنماركية تقول بأن استخدام الهواتف المحمولة على المدى الطويل لا يزيد من مخاطر الإصابة بسرطان في الدماغ, وهذه الدراسة الممتدة التي استمرت 18 عاما في الدنمارك نشرت في 20 تشرين الأول/أكتوبر في المجلة البريطانية "بريتيش ميديكال جورنال", وقد أتت لتنقض ما قاله خبراء في المركز العالمي للأبحاث حول السرطان التابع لمنظمة الصحة العالمية، الذين اعتبروا ان استخدام الهواتف المحمولة "قد يكون مسببا للسرطان بالنسبة للانسان", وكان هؤلاء الخبراء الذين اجتمعوا تحت سقف المركز العالمي للأبحاث حول السرطان قد أشاروا في أواخر أيار/مايو أنهم حللوا جميع الدراسات التي تطال الموضوع والتي يظهر بعضها مخاطرا متزايدة للاصابة بورم دبقي (غليوما) وهو أحد أخطر سرطانات الدماغ. بحسب فرانس برس.

وبحسب ما نقلت جمعية "روبين دي بوا" عن خبراء عدة، فإن الدراسة الدنماركية "تشوبها مغالطات جدية", كذلك ينتقد هؤلاء غياب الأبحاث حول استخدام الهواتف المحمولة على المدى البعيد، مذكرين أنه بالنظر إلى مرحلة كمون أورام الدماغ التي تمتد حوالى 30 عاما، فإن هذا العنصر يعتبر اساسيا, وكانت فترة الأبحاث قد امتدت على سبع سنوات كحد أقصى وسنة واحدة كحد أدنى, وأشارت المنظمة غير الحكومية إلى أن "الدراسة استثنت إلى ذلك المستخدمين المهنيين، وهم الأكثر عددا في الدنمارك منذ التسعينات"، وقد اعتبرت أن ذلك "يتسبب بتشويه الأدلة", بحسب البروفسور دنيس هنشاو المتخصص في تأثيرات الإشعاعات على الإنسان في جامعة بريستول في بريطانيا والذي استشهدت به المنظمة غير الحكومية، فإن "ما من قيمة لخلاصات الدراسة", أضاف أن "الفرضيات الناتجة عن هذه الأبحاث أدت إلى مغالطات في التصنيف الذي شمل 88% من الدنماركيين الذي بدأوا باستخدام الهواتف المحولة فقط بعد العام 1995, وخلاصات مغلوطة مماثلة من شأنها أن تضلل الجمهور والسلطات في ما خص المخاطر الحقيقية للتعرض للهواتف المحمولة", من جهتها، ديفرا ديفيس المتخصصة الأميركية في علم الأوبئة والتي استشهدت بها أيضا جمعية "روبين دي بوا"، ذكرت أن منظمة الصحة العالمية لم تبق على هذه الدراسة التي "لم تعتبر موثوقة".

استخدام الأطفال للهاتف الخلوي

في سياق متصل دعا خبراء الى تحرك عاجل للحد من استعمال الأطفال للهاتف الخلوي خشية ما يمكن ان يسببه من أورام سرطانية وجملة أمراض أخرى, ويُقدر ان 8 من بين كل 10 يافعين بين السابعة والحادية عشرة من العمر في بريطانيا مثلا يمتلكون هاتفا خلويا وان عدد الذين يمتلكونه ممن تقل اعمارهم عن 7 اعوام يتزايد بوتائر متسارعة, ولكن منظمة "موبايل وايز" البريطانية غير الربحية طالبت بالحد من استخدام الهاتف الخلوي لأن الأطفال أكثر انكشافا لآثار الاشعاع الخطير, ودعت المنظمة الحكومة وصناعة الهاتف الخلوي الى زيادة التحذيرات من هذه الأجهزة, وبعد دراسة دقيقة شملت 200 بحث علمي قالت منظمة "موبايل وايز" ان السلطات الصحية تتجاهل النتائج السلبية التي خرجت بها الدراسة ولا تفعل ما يكفي لتحذير الآباء من المخاطر, ونقلت صحيفة "ديلي اكسبريس" عن رئيسة المنظمة فيكي فوبل ان هناك خيارا متاحا هو الاستمرار في تجاهل الأدلة المتزايدة على وجود اخطار والامتناع عن التحرك الى ان يتوفر دليل قاطع على ان الهاتف الخلوي يمكن ان يضر بالصحة أو اخذ هذه القرائن في الاعتبار حتى إذا لم تكن قاطعة ، والتحرك لحماية الأطفال قبل فوات الأوان, وتقول الدراسة ان دماغ الطفل يتلقى ضعف كمية الاشعاع التي يتلقاها دماغ الشخص البالغ من الهواتف الخلوية لأن حجم جمجمته أصغر وعظمها أخف, كما ان احتمالات تعرض الأطفال الذين يستخدمون الهاتف الخلوي لمشاكل صحية أكبر منها بين البالغين بسبب احتكاكهم بهذه الأجهزة فترة اطول خلال زمن حياتهم, واعتبر البروفيسور لينارت هارديل من مستشفى اوريبو الجامعي في السويد ان التقرير الجديد جاء في الوقت المناسبة وانه يلفت الانتباه الى الأدلة المتزايدة التي تربط استعمال الهاتف الخلوي فترة طويلة بمخاطر صحية مثل الأورام الدماغية, وقاد البروفيسور هارديل المختص بالأمراض السرطانية عدة دراسات حول الأضرار الصحية المحتملة للهاتف الخلوي.

الكمبيوتر المحمول خطر على الرجال

من جانب اخر أظهرت تجربة وضعت فيها عينات من نطف أسفل كمبيوتر محمول مربوط لاسلكياً بشبكة الإنترنت لمدة أربع ساعات فقط، انخفاض قدرة النطف على الحركة، وتضرر شريط الحمض النووي، مقارنة بنطف أخرى وضعت في نفس الظروف، لكن بعيدا عن الكمبيوتر المحمول, وذكرت الدراسة التي نشرتها دورية "الخصوبة  والعقم"، أن عينات من 29 رجلاً بحالة صحية جيدة، وبأعمار بين 26 و 45 عاماً  تم جمعها وتقسيمها في موقعين, وأضافت الدراسة، أن أحد الموضعين كان تحت كمبيوتر محمول متصل بالإنترنت لاسلكياً (واي فاي)، بينما كان الأخر في ذات الظروف وبضمنها درجة الحرارة، ولكن بعيدا عن الكمبيوتر, ووجد الباحثون أن التعرض للكمبيوتر المحمول تسبب بانخفاض كبير في قابلية النطف على الحركة، وتضرر كبير في شريط الحمض النووي, وكشفت الدراسة أن نسبة 25 بالمائة من النطف القريبة من الكمبيوتر توقفت عن التحرك، مقارنة بـ14 بالمائة في الموضع الثاني، كما تعرضت نسبة 9 بالمائة لتلف في شريط الحمض النووي مقارنة بثلاثة بالمائة فقط للنطف البعيدة عن الكمبيوتر, وعزا الباحثون من كلية الطب في إيسترن فرجينيا" ومركز "ناستنيس" لطب التكاثر في مدينة قرطبة الأرجنتينية التضرر إلى الإشعاع الكهرومغناطيسي، وليس الحرارة الصادرة من الكمبيوتر, وقال الباحثون أن الكمبيوتر المتصل لاسلكياً بالانترنت أصدر إشعاعات بنسبة 7-15 مرة أكثر, وذكروا "أظهرت بياناتنا أن استعمال الكمبيوتر المحمول المتصل لاسلكيا بالانترنت والقريب من العضو الذكري قد يضعف بشكل كبير جودة النطف", وقال الباحثون "لا نعرف في الوقت الحاضر ما إذا كان هذا التأثير سببه كل أنواع الكمبيوترات المحمولة عند اتصالها بالانترنت لاسلكياً، أم أن هناك أسباب أخرى تزيد من هذا التأثير", وشددت الدراسة على "أن الآليات التي تسببت بتقليل قدرة النطف على الحركة، وآثرت على نوعية الحمض النووي بحاجة للإستفاضة في دراستها".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 25/كانون الأول/2011 - 29/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م