
شبكة النبأ: البناء الفكري للانسان له
دور حاسم في طبيعة حياته، أي أن قاعدة الافكار التي تتأسس وتنمو في
عقلية الانسان، هي التي توجّه مساراته الفعلية وأنماط سلوكه وتصوراته
كافة، هذا الرأي العلمي ينطبق على القادة بصورة أوضح من غيرهم، أي أن
طبيعة عقلية القائد تنعكس على قراراته وأفعاله، وهنا يكمن جانب الخطورة
في الامر، إذ يؤدي ذلك الى انعكاس النتائج الفعلية والعملية لعقليات
القادة، على المجموعات، او الفئات، أو المجتمعات التي يقودونها.
بمعنى أوضح، أن أفكار القائد لا تخصه وحده، ونتائجها لا تنعكس عليه
وحده، سواءا كانت جيدة أو سيئة، لذا نلاحظ أن البلدان تأخذ سماتها
العملية المادية البنائية من قادتها، فإذا كانت عقلية القائد وأفكاره
تنحو الى البناء والاستقرار، وتحمل في طياتها ميلا للتطور، سنجد أن
البلاد التي يقودها تسير في هذا المسار، وستظهر فيها ملامح البناء التي
تمثل إنعكاسا لعقلية القائد وتوجهاته الفكرية.
أما إذا كانت عقلية القائد لصوصية، فإنه وبطانته التي تجاريه في كل
شيء، سينتهزون الفرص كافة، بل يصنعونها من أجل سرقة أموال الشعب
وثرواته وخيراته كافة، وهكذا ينبني البلد على منهج اللصوصية التي
ستنتشر بدورها في مرافق الدولة كافة، لأنها تمثل إنعكاسا لطبيعة
العقلية القيادية.
وقد أثبتت الوقائع التأريخية أو المعاصرة، أن هناك شخصيات قيادية
تمكنت من نقل الامم والشعوب التي تنتمي إليها أو تقودها، الى مصاف
الامم المستقلة المتطورة، ومثالنا على سبيل المثال، غاندي ومانديلا
ومهاتير، هؤلاء القادة كانوا يحملون أفكار البناء الخلاقة، فانعكست على
شعوبهم وأممهم، هذا يعني أن الشخصية القيادة لها تأثيرها الكبير على
المجموع، من خلال ما تتحلى به من تركيبة فكرية.
في المقابل هناك عقليات مغايرة ومضادة للتطور والبناء، فثمة عقلية
أزمات، وأخرى عقلية حروب، وثالثة عقلية فساد، هذه العقليات التي ستتبع
قواعدها الفكرية، ستحيل البلدان التي تحكمها، الى دول أزمات وحروب
وفساد وإفساد، فهتلر مثلا حوّل الامة الألمانية الى بلد أو شعب حاول أن
يحتل العالم في الحرب العالمية الثانية مع أنه شعب لم يكن يسعى لذلك
الهدف، ولدينا أمثلة كثيرة في هذا الصدد.
ما نريد أن نصل إليه هنا، هو التأثير المؤكد لعقلية القائد على
طبيعة البناء المجتمعي عموما، ومنه طبيعة بناء الدوله وتوجهاتها، لهذا
تقع المسؤولية المباشرة في نجاح الشعب أو فشله، على عاتق القائد
بالدرجة الاولى وعلى معاونيه بالدرجة الثانية، ولابد أن تأخذ الشخصية
القيادية دورها في هذا الصدد، ولا يوجد تعارض بين الديمقراطية وضوابطها
من جهة، وبين سمات الشخصية القيادة من جهة اخرى، ربما يقول قائل إن
التركيز على النهج القيادي الفردي وعلى الشخصية القيادية وحدها، سيقود
الدولة الى النهج الدكتاتوري، ولكن هل يعتقد أصحاب هذا الرأي أن الدول
الديمقراطية في الغرب مثلا، تفتقر للشخصيات القيادية المؤثرة، مع أن
أنظمتهم السياسية محكومة تماما بالقيود الديمقراطية التي تهشم سلطة
الفرد؟ كلا إن المجتمعات الديمقراطية، ما كان لها أن تصل الى ما هي
عليه من نعيم سياسي، لو الشخصيات القيادية الناجحة وأفكارها الانسانية
العظيمة.
لذا لابد من الاعتراف بوضوح، أن افتقارنا - كشعوب متأخرة- للشخصية
القيادية المؤثرة، يقف في مقدمة الاسباب التي تجعلنا نراوح في المربع
الأول، ولكن هذا لا يعني إعفاء الشرائح المجتمعية الاخرى من مسؤولياتها،
لاسيما النخب ودورها في تدعيم البناء الفكري الامثل. ويبقى الجانب
الأهم في هذا المجال، هو دور العقلية القيادية وتأثيرها الكبير على
طبيعة البناء والتطور والاستقرار من عدمه، وقد يعترض احدهم فيقول، إن
بناء الدولة السياسي ينبغي أن لا يتوقف على فرد بعينه، وفقا للأنظمة
المتحررة، فنقول هذا هو عين الصواب، ولكن لا يمكن بناء دولة ديمقراطية
بعقليات قيادية مريضة أو فارغة، لذا نحن بأمسّ الحاجة الآن الى عقلية
قيادية تؤثّر في الآخرين، وتمنحهم النموذج القيادي الانساني الامثل. |