الأزمة العراقية بين السياسة والقانون والطائفية

 

شبكة النبأ: حين غادر آخر الجنود الامريكيين العراق الاسبوع الماضي، بعد نحو تسع سنوات من سقوط الديكتاتور صدام حسين حرص المسؤولون الامريكيون على تصوير البلاد على أنها مستقرة وديمقراطية وان كانت مازالت تعاني من مشاكل.

بعد ذلك ببضعة ايام -وبعد ان زال حائط الصد الذي تمثل في الوجود العسكري الامريكي- انزلق العراق سريعا الى المشاحنات الطائفية التي تضع الشيعة في مواجهة منافسيهم من السنة وتهدد بتدمير اتفاق اقتسام السلطة الهش بينهم بعد عام واحد فقط.

وسعت حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي التي يقودها الشيعة الى اعتقال طارق الهاشمي النائب السني للرئيس العراقي واتهمته بالتخطيط لاغتيالات فيما طالبت البرلمان بفصل خصم اخر هو نائب رئيس الوزراء السني صالح المطلك بعد أن قارن المالكي بصدام.

وصور رسم كاريكاتيري بجريدة الصباح الازمة.. جنديان أمريكيان بملابسهما العسكرية يتحدثان ويديران ظهريهما لثلاثة رجال يتشاجرون للحصول على حصة من العراق. ويقول جندي أمريكي للاخر وهما يبتعدان "لقد تركناهم في سلام ووئام."

وتزايد استياء السنة بالعراق منذ صعود الاغلبية الشيعية بعد سقوط صدام ويشعر الكثير من قيادات الاقلية السنية الان أنهم همشوا وتجاهلهم في هيكل السلطة زعيم يصفونه بأنه يزداد استبدادا.

ونجح الشيعة في الوصول بصعوبة الى اتفاق لاقتسام السلطة مع القائمة العراقية المدعومة من السنة وتكتلات كردية. ومر عام على اتفاق اقتسام السلطة منذ الانتخابات المتنازع عليها التي جرت عام 2010 ويقضي باقتسام المناصب المهمة فرئيس الوزراء شيعي ورئيس البلاد كردي ورئيس البرلمان سني.

وتهدد تحركات المالكي ضد اثنين من منافسيه من القائمة العراقية والصراع بين رئيس الوزراء الشيعي ومعارضيه السنة بالتحول الى صراع أوسع نطاقا في العراق حيث المشاعر الطائفية قريبة دوما من السطح.

ويقول زعماء شيعة ان الاجراءات تستهدف أفرادا بعينهم وليس السنة في العموم لكن توقيت التحرك ضد خصمين مع انسحاب الامريكيين يذكي على نحو خطير مخاوف السنة من محاولة الشيعة فرض مزيد من الهيمنة.

وقال ستيفن بيدل من مجلس العلاقات الخارجية "المناورات من هذا النوع تنطوي دائما على مخاطر. فيما مضى كانت الولايات المتحدة تستخدم نفوذها كثيرا لاقناعه بالتراجع وقد ساعد الوجود العسكري الامريكي في طمأنة السنة الذين يشعرون بالتوتر. بحسب رويترز.

واتصل نائب الرئيس الامريكي جو بايدن بالمالكي ورئيس البرلمان السني. وقال البيت الابيض ان بايدن "أكد الحاجة الماسة الى أن يجتمع رئيس الوزراء وقادة التكتلات الكبرى لحل خلافاتهم سويا." ووصف مسؤول أمريكي الاتهامات ضد الهاشمي بأنها لا أساس لها بتاتا.

ويهدد تجدد الازمة باغراق الحكومة المعقدة التي شكلت بعد تقسيم عشرات المناصب الحكومية بين التكتلات الشيعية والسنية والكردية بتقريب العراق خطوة من التوترات الطائفية التي فجرت أعمال العنف التي انتشرت على نطاق واسع في عامي 2006 و2007 .

وقد يكون للاضطرابات في العراق تداعيات أوسع نطاقا في منطقة تأخذ فيها الازمة في سوريا المجاورة اتجاها طائفيا فيما تتنافس ايران الشيعية وتركيا التي يغلب على سكانها السنة بموافقة دول الخليج السنية على النفوذ.

وتقاربت حكومة بغداد مع ايران وربما يؤدي سقوط الرئيس السوري بشار الاسد حليف طهران الذي ينتمي للطائفة العلوية الشيعية الى تبدل ميزان القوى لتصبح في يد الاغلبية السنية بسوريا على أعتاب العراق.

ولعب الوجود الملموس للقوات الامريكية في العراق دورا رادعا ضمن التركيبة الطائفية والعرقية بالعراق بين الشيعة والسنة وبين الحكومة المركزية ومنطقة كردستان شبه المستقلة بالشمال.

وكتب الصحفي العراقي علاء حسن يقول ان الوضع الراهن يشير الى أن القوات الامريكية كانت صمام أمان. ويتوقف ما سيحدث في المرحلة القادمة على المدى الذي ستذهب له حكومة المالكي في التحقيق وكيف سيكون رد فعل السنة وما اذا كانت أطراف ثالثة أخرى تستطيع اعادة الجانبين من على شفا الهاوية.

وخلال سلسلة من الاجتماعات عمل مسؤولون ودبلوماسيون أمريكيون وقيادات سنية وشيعية على تهدئة التوتر بعد أن غادر الهاشمي الى منطقة كردستان شبه المستقلة حيث اتهم المالكي بتلفيق الاتهامات ضده.

ودعا رئيس الوزراء العراقي السلطات الكردية لتسليم الهاشمي وقال المالكي في مؤتمر صحفي ان مسؤولي الحكومة في بغداد طلبوا من اخوانهم في منطقة كردستان تحمل المسؤولية وتسليم الشخص المطلوب الى السلطات القضائية وذكر ان هروبه الى دولة أخرى سيخلق مشكلة.

وقال دبلوماسي غربي في بغداد "هذا موقف مقلق تفاقمه التصريحات السياسية. ما لم تجر جهود لتهدئة الموقف والانخراط في حوار فان المسألة قد تخرج سريعا عن نطاق السيطرة."

وعرقل الافتقار العميق للثقة اتفاق اقتسام السلطة على مدى عام فحال دون اتمام اتفاقات حول اشياء بدءا من قانون مهم للهيدروكربون وانتهاء بتعيينات في مناصب أمنية حيوية مثل وزيري الدفاع والداخلية.

وترجع جذور الخلاف الى انتخابات عام 2010 حين فازت القائمة العراقية باكبر عدد من المقاعد بدعم الكثير من السنة لكنها فشلت في تكوين أغلبية حاكمة. وشكلت الاحزاب الشيعية ائتلافا سمح للمالكي برئاسة الوزراء لولاية ثانية.

وانضمت القائمة العراقية لحكومة وحدة قادها المالكي وحصلت على مناصب مثل رئيس البرلمان وواحد من اثنين من النواب للرئيس علاوة على وزير المالية. وحصل الشيعة على منصب رئيس الوزراء والاكراد على الرئاسة.

ولكن منذ ذلك الحين تقول العراقية ان المالكي فشل في تنفيذ اتفاقات اقتسام السلطة بما في ذلك تكوين مجلس للسياسات الاستراتيجية يرأسه زعيم القائمة العراقية اياد علاوي الذي هو على غرار الهاشمي خصم لدود للمالكي.

وطرحت اسماء مرشحين لمنصب وزير الدفاع العراقي ما لا يقل عن تسع مرات على مدى العام الماضي لكنها في كل مرة رفضت او فشلت في اجتياز المرحلة الاولى بسبب انعدام الثقة او المشاحنات.

وقال محمود عثمان وهو نائب كردي مخضرم ان الحكومة توصف بأنها حكومة شراكة لكن هؤلاء ليسوا شركاء بل أعداء.

ولا تملك العراقية مساحة تذكر للمناورة. وفي غياب دعم التكتلات السياسية الاخرى مثل الاكراد او جماعة شيعية منشقة فقد تجد العراقية صعوبة في الانسحاب من المناصب الحكومية التي توفر لها النفوذ السياسي وترك 80 مقعدا تشغلها من جملة 325 مقعدا بالبرلمان.

ويراهن زعماء الشيعة فيما يبدو على أن الانقسامات داخل القائمة العراقية ستؤدي الى تشبث شخصيات سنية بارزة بمناصبها الحكومية بدلا من الانشقاق لمساندة الهاشمي ومحاولة اسقاط الحكومة.

ويقول نواب شيعة انه حتى اذا انسحبت العراقية من الحكومة فان الدستور سيسمح للائتلاف الشيعي بالعمل مع التكتلات الكردية التي يرجح أن تنضم لها لتشكيل حكومة أغلبية.

وقال سامي العسكري وهو نائب كبير وحليف وثيق للمالكي في ائتلافه الذي يحمل اسم دولة القانون انه لا يعتقد أن العملية السياسية ستنهار لان العراقية متشرذمة بالفعل.

ويقول قادة كبار من الشيعة ان الاتهامات ضد الهاشمي مرتبطة بمؤامرات ضد المالكي. لكنهم قالوا ان من غير المرجح أن يضغط المالكي على السلطات لتنفيذ أمر اعتقال الهاشمي بسبب التداعيات المتوقعة وردود فعل السنة.

وقال نائب شيعي كبير "سنترك الباب مفتوحا للعراقية ولكن اذا حاولوا وقف العملية السياسية سنمضي قدما بدونهم... اعتقال نائب الرئيس يمثل مشكلة على الصعيد السياسي."

لكن التحركات ضد قيادات سنية تمثل مقامرة في الوقت الذي يسعى فيه المسؤولون المحليون السنة الى مزيد من الاستقلالية عن الحكومة المركزية التي يقودها الشيعة والتي يعتبرها البعض غير مكترثة وترضخ لنزوات ايران الشيعية المجاورة.

وفي الاونة الاخيرة ألقت حكومة المالكي القبض على اكثر من 200 من أعضاء حزب البعث المحظور الذي حكم العراق في عهد صدام ومن بينهم أفراد قال مسؤولون انهم ضالعون في مؤامرات ضد الحكومة. وأدت الاعتقالات الى اندلاع احتجاجات في محافظة الانبار معقل السنة.

وقال كريسبين هوز من مجموعة يوراسيا ان تصعيد التصريحات قد يشجع المزيد من الاحتجاجات المدعومة من السنة ويدفع المتشددين الاسلاميين الى تصعيد الهجمات على أهداف حكومية تضعها الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة نصب عينيها بالفعل. غير أن الفائز الحقيقي هو التكتلات الكردية العراقية التي تعزز موقفها التفاوضي داخل الحكومة المركزية وفي نزاعات كردستان مع المالكي. واي محاولة للتفاوض على حكومة أغلبية او انقسام سني سيحتاج على الارجح الى دعم كردي داخل الحكومة المركزية.

وتخوض كردستان صراعا على النفط والاراضي مع المالكي وربما تستغل هذه الازمة كورقة ضغط في المحادثات مع بغداد بشأن العقود التي وقعتها المنطقة مع عملاقة النفط الامريكية اكسون موبيل والتي تقول الحكومة المركزية في بغداد انها غير قانونية.

وتقول جالا رياني من مؤسسة (اي.اتش.اس) جلوبال انسايت "لاتزال لدى المالكي فرصة للحفاظ على تماسك الحكومة- الاكراد سيلعبون دورا مهما في هذا... قد يستغلون هذه الفرصة للضغط على المالكي لحل النزاعات المستمرة منذ وقت طويل."

تحديا لاوباما

الى ذلك بدا هذا توقيت غير مناسب للرئيس الامريكي باراك أوباما وهو يعلن خلال عدة مناسبات انتهاء المشاركة العسكرية في العراق بعد نحو تسع سنوات من الغزو الذي أمر به الرئيس الامريكي السابق جورج بوش. وفي أحدث هذه المناسبات شارك أوباما في مراسم بقاعدة أمريكية قرب واشنطن أعيد خلالها علم القوات الامريكية بالعراق رسميا الى الوطن.

وقال معارضون جمهوريون لاوباما الديمقراطي في الكونجرس وضمن حملة انتخابات الرئاسة ان قرار سحب جميع القوات الامريكية بحلول نهاية العام الحالي وهو الموعد الذي حدده أصلا بوش زاد من احتمالات تزعزع استقرار العراق.

وبعيدا عن السياسة فان تجدد التوترات الطائفية على أعلى مستوى من السياسة العراقية يمثل تحديا جديدا لرجال السياسة الامريكيين في دولة استراتيجية غنية للنفط.

وقال جون الترمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية "أحد المخاوف التي تساور الناس منذ فترة هي أنه بدون وجود أمريكي كبير فان احتمال تصفية الحسابات الطائفية في العراق سيزيد." وأضاف الترمان أنه لا يعلم حجم الادلة التي قد تدعم أمر اعتقال الهاشمي الذي اتهم بصلات مشتبه بها في اغتيالات وتفجيرات.

وأضاف الترمان "لم يتضح ما اذا كان هذا يمثل تسوية حسابات طائفية او تحقيقا جنائيا أمينا."

ودعا البيت الابيض الحكومة العراقية الى التعامل مع المسألة بما يتفق مع الاعراف الدولية وهي مناشدة تعكس فيما يبدو مخاوف غير معلنة من أن تكون الدوافع وراء قضية الهاشمي سياسية او قد تدار بأسلوب يفتقر الى الحياد.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 24/كانون الأول/2011 - 28/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م