الثورات العربية والصراع بين الماضي والمستقبل

كتب علي الطالقاني

 

شبكة النبأ: برغم أن حركة الاحتجاجات التي جاءت في إطار الربيع العربي، خلقت اجواء لتطبيق الديمقراطية؛ فقد وضعتها أيضا أمام تحديات وفرضيات كانت غير متوقعة. وبعد ان انطلقت ثورات عديدة في بلدان عربية من أجل التخلص من الديكتاتوريات، تواجه هذه الثورات تحديات مستقبلية ربما ستأتي بنتائج مختلفة عن ما هو متوقع.

ففي البحرين دخلت السعودية لقمع الإحتجاجات، وفي مصر مواجهات دامية بين السلطات والمحتجين وفي سوريا يزداد الوضع توترا يوما بعد آخر بينما تنزلق اليمن نحو حرب داخلية وفي ليبيا تسعى جهات اسلامية وزعماء ومحاربون الى تولي السلطة.

ويرى محللون سياسيون ان من بين الأسباب التي جعلت من هذه الثورات ان تنزلق الى هذا المستوى من التدهور هو انتقال مرحلة الثورة الى مرحلة الصراع على السلطة وان الأوضاع لاتزالال غامضة ولم تتمكن القوى التي احدثت التغيير ان تملء الفراغ بشكل صحيح واصبحت هناك قوى استبدادية وقوى منشقة وجماعات دينية وعشائرية.

ومن الاسباب أخرى التي ادت الى تأزم الوضع، عدم تحديث السياسة في هذه الدول التي اثبتت صعوبة تغيير انظمتها بسهولة، لكن هذا  لا ينبغي أن يكون سببا للخنوع واستمرار بقاء الأنظمة القمعية. فان الأبتعاد عن التفكير بحكومة منتخبة وفق اطر ديمقراطية سيخلف أزمة انسانية في المستقبل، ورغم وجود جهات لاتريد اجراء انتخابات حرة، وهي ذاتها تمتلك عقليات استبدادية متجذرة تريد ان تحكم الشعوب بالقوة والحديد، ينبغي ان تفكر هذه الشعوب بتحديث سياستها تجاه سياسة الدولة وفق الأطر المشروعة.

ولو استعرضنا بعض سياسات الأنظمة القمعية نجد ان مايجري في البحرين هو انتشار للرعب وهناك مخاوف يعاني منها المواطنين حيث الاعتقالات المستمرة من قبل السلطات للمحتجين مما بات مايسمى الربيع العربي الى خريف تتساقط فيه اوراق المعارضة أثر مواجهة المحتجين بالقمع والاستبداد، فكانت نتائج هذا الربيع غير مرجوة.

يذكر ان دوار اللؤلؤة تعرض للهدم بالكامل على أيدي السلطات، وتعرض ثلاثة آلاف مواطن للاعتقال، التعذيب والقتل.

وأما في مصر، ورغم اجراء الانتخابات فإن السلطات لا تزال في أيدي العسكر. وان معظم أصحاب النفوذ في نظام مبارك السابق يزاولون مهنتهم. وبات المواطن المصري يشعر بأن نتائج الربيع العربي لاتأتي بنتائج مرجوة.             

يقول الكاتب توماس فريدمان إن الحراك السياسي في المنطقة العربية هو صراع بين الماضي والمستقبل. وتساءل فريدمان إلى أين سينتهي العرب في الصراع الدائر بين الشعوب والسلطات، هل سينتهي إلى الماضي أم المستقبل؟! وعبّر عن انبهاره بشجاعة الشباب العربي الذي ينزل إلى الشارع رغم معرفته المسبقة بوجود قوات أمن لن تتوانى للحظة في إطلاق النار عليه.

لكنه أشار من جهة أخرى إلى قلقه من امتداد الصراع إلى أمد يصبح معه من الصعب بمكان ولادة ديمقراطيات حقيقية.

ويرى مراقبون أن الأنظمة العربية بحاجة إلى نظام ديمقراطي وهذا مايحتاج استراتيجية حديدية، حيث إن الصراعات في المنطقة تخوضها اطراف عديدة متنافسة. لكن شجاعة الشعوب العربية تواجه ارث ثقيل بسبب تراكم العقليات الإستبدادية والصراعات من اجل البقاء في السلطة.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي دانيال بايمان إن المظاهرات التي عمت بلدانا عربية، ساد الأمل في ربيع ديمقراطي يعم العالم العربي، لكن من السابق لأوانه القول إن الربيع العربي انتهى ولن يعود.

أن ما يجري من حراك سياسي من قبل الحركات الإحتجاجية يحتاج الى رؤية سياسية وبرنامج حكومي واضح. ويتخوف مراقبون من ان هذه الثورات ان تأتي بنتائج غير متوقعة وخصوصاً بعد انتشار العنف والطائفية فإن غياب المؤسسات الحكومية القوية ووجود الانقسامات بمختلف انواعها تعجل من سيطرة الفوضى.

أن التحول الذي جرى في العقلية الجماهيرية العربية ينبغي ان يترجم على ارض الواقع عبر اتباع نموذج الأحزاب السياسية الشرعية والناجحة التي تبدي استعدادها للتعاون في مشروع سياسي تشترك فيه جميع القوى في تحالف من أجل انقاذ ماجرى من تحول سياسي.

ثمة نتائج افتراضية قد لا ترضي الشعوب فماذا سيحدث مستقبلا اذا ما أتت هذه الثورات بنتائج غير مرجوة؟ الشعوب العربية كقوة اجرت التغير لا تزال تملك مفتاح الأزمة وصياغة الأحداث بصورة جديدة، وهو مايؤكده الحراك الجماهيري من أجل لانهاء عصر الديكتاتوريات.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 24/كانون الأول/2011 - 28/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م