
شبكة النبأ: يبدو أن المتغيرات التي
طرأت على المحيط الإقليمي والدولي للعراق باتت تؤثر بشكل فاعل على
سياسة ذلك البلد داخليا وخارجيا على حد سواء، كما هو الحال في التأثير
المباشر للانسحاب الأمريكي الذي استكمل قبل أيام.
الا ان ابرز التداعيات عن تلك المتغيرات برزت في رغبة معظم الساسة
العراقيين في اعادة بلورة مشروع سياسي يؤمن إعادة تنظيم الوضع من
الداخل بشكل يؤمن الاستقرار وتوحيد الكلمة بعد سنوات من التشتت والصراع
بين الأطراف المتشاركة في صنع القرار.
وكما يبدو ان شيعة العراق التي تمثل الغالبية المطلقة في تلك الدولة
الغنية بات ساستها يفكرون جديا بالبحث عن شركاء جدد من السنة قادرين
على المشاركة في العملية السياسية، لا يشكل تواجدهم عرقلة كما هو الحال
مع الشركاء الحاليين. ملوحين في الوقت ذاته بحكومة اغلبية في حال صعب
الامر عليهم في ايجاد شركاء حقيقيين.
الأكراد وتسليم نائب الرئيس
فقد دعا رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي السلطات الكردية لتسليم
طارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي وهو سني للسلطات القضائية ليواجه
تهما بأن مكتبه ادار فرقا للاغتيال. واندلع أحدث نزاع بين الحكومة
العراقية التي يقودها الشيعة ومنافسيهم من السنة في الساعات التي كانت
تنسحب فيها اخر القوات الامريكية من العراق. وسعى المالكي الى القبض
على الهاشمي مما دفع الزعيم السني الى السفر الى كردستان العراق وهي
منطقة شبه مستقلة.
وقال المالكي في مؤتمر صحفي "نطلب من الاخوان في حكومة الاقليم ان
يتحملوا مسؤوليتهم ويسلموا المطلوب الى القضاء واذا هرب الى دولة اخرى
فستكون هناك مشكلة." وأضاف "سنكون حازمين في توفير محاكمة عادلة لطارق
الهاشمي."
ونفى الهاشمي الاتهامات ويقول ان حكومة المالكي لفقتها وقال انه
مستعد لمواجهة القضاء في كردستان العراق التي لديها حكومتها وقواتها
المسلحة الخاصة. وربما تتسبب هذه الازمة في انهيار اتفاق هش لتقاسم
السلطة بين الكتل الشيعية والسنية والاكراد والتي كافحت من أجل التغلب
على توترات منذ أعمال العنف الطائفية في السنوات التي أعقبت سقوط
الرئيس الراحل صدام حسين عام 2003 . بحسب فرانس برس.
ويقول زعماء شيعة ان هذه القضية متعلقة بتطبيق القانون على أفراد
ولا تستهدف فئة معينة لكن الاقلية السنية تخشى أن يكون المالكي بصدد
احكام قبضته على الحكومة وتهميش السنة.
وفي نظام لاقتسام السلطة تم وضعه في ظل الاحتلال الامريكي فان
للعراق رئيس وزراء شيعيا ونائبين احدهما سني والاخر كردي ورئيسا كرديا
له نائبان أحدهما شيعي والاخر سني ورئيسا سنيا للبرلمان له نائبان
احدهما شيعي والاخر كردي.
كما طلب المالكي من البرلمان اقالة صالح المطلك نائب رئيس الوزراء
وهو سني لعقده مقارنة بين المالكي وصدام واتهامه رئيس الوزراء
بالدكتاتورية ولعدم ايمانه بالكتل السياسية القائمة. والهاشمي والمطلك
هما اكبر سياسيين في العراق من السنة.
حكومة اغلبية سياسية
فيما هدد رئيس الوزراء العراقي الاربعاء باستبدال الوزراء المنتمين
الى ائتلاف "العراقية"، اذا واصلوا مقاطعة الحكومة، ملمحا ايضا الى
امكانية تشكيل حكومة "اغلبية سياسية". وقال ان وزراء "العراقية" التسعة
"اذا لم يرجعوا في الاجتماع القادم (للحكومة) فسنتجه الى تكليف وزراء
آخرين"، علما ان الحكومة العراقية عادة ما تعقد جلساتها ايام الثلاثاء
من كل اسبوع. واضاف "ليس من حق الوزير ان يقاطع جلسات الحكومة لانه
سيعتبر مستقيلا".
واعلن المالكي ان "مبدأ التوافق الذي كنا بحاجة اليه" في الاعوام
الماضية "انتهى الآن"، داعيا الى عقد اجتماع موسع "في الايام المقبلة"
لبحث الازمة المستجدة. وقال "اذا لم ننجح في التوصل الى صيغة تفاهم،
فسنتجه الى تشكيل حكومة اغلبية سياسية".
بايدن يحث الزعماء على تسوية خلافاتهم
من جانبه قال البيت الابيض ان جو بايدن نائب الرئيس الامريكي اتصل
هاتفيا بكل من رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ورئيس مجلس النواب
اسامة النجيفي معبرا لهما عن قلق الولايات المتحدة بشان المناخ السياسي
في بغداد.
وقال بايدن -الذي زار العراق في وقت سابق من هذا الشهر قبل اتمام
انسحاب القوات الامريكية- ان واشنطن تراقب الاوضاع في العراق عن كثب
وتبقى ملتزمة بشراكة استراتيجية على المدى الطويل.
وقال البيت الابيض في بيان "أكد نائب الرئيس ايضا الحاجة الماسة الي
ان يلتقي رئيس الوزراء وزعماء الكتل الرئيسية الاخرى وان يعملوا معا
لتسوية خلافاتهم."
واثار اصدار أمر للقبض على نائب الرئيس العراقي وتزايد التوترات
الطائفية تساؤلات بشان استقرار البلاد بعد ايام فقط من انسحاب القوات
الامريكية لتنتهي حرب استمرت حوالي تسع سنوات.
وعبر البيت الابيض عن قلقه بشأن المذكرة التي أصدرتها السلطات
العراقية للقبض على طارق الهاشمي النائب السني للرئيس العراقي وحثت على
الالتزام بالقانون في اجراء التحقيق.
وقال السكرتير الصحفي للبيت الابيض جاي كارني للصحفيين "نحن قلقون
بهذا الشأن بطبيعة الحال" مشيرا الى ان المسؤولين الامريكيين على اتصال
بالزعماء العراقيين في غمرة بواعث قلق بخصوص امكان ان تؤجج هذه الخطوة
التوتر الطائفي بعد انسحاب القوات الامريكية. واضاف "نحن نحث السلطات
العراقية المضطلعة بهذه المسؤولية على اجراء تحقيقاتها في مزاعم
الانشطة الارهابية وفقا للاعراف القانونية الدولية ومع الاحترام الكامل
للقانون العراقي."
وتهدد مذكرة الاعتقال اتفاق اقتسام السلطة الهش في العراق بين الكتل
الشيعية والسنية والكردية التي تسعى جاهدة لتجاوز التوتر ولم تمض سوى
بضع سنوات على العنف الطائفي الواسع الذي دفع البلاد الى شفا الحرب
الاهلية.
وقال كارني "نحن نتحدث مع جميع الاطراف للتعبير عن قلقنا بخصوص هذه
التطورات. ونحن نواصل حث جميع الاطراف على العمل على حل الخلافات سلميا
عن طريق الحوار."
المالكي يتصرف مثل صدام حسين
الى ذلك قال رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي ان رئيس
الحكومة الحالي نوري المالكي يتصرف مثل صدام حسين بمحاولة إسكات
المعارضة وانه يغامر باثارة معركة جديدة ضد الدكتاتورية.
وقال علاوي الذي يتزعم كتلة العراقية التي يدعمها السنة ان
الاعترافات التلفزيونية التي استخدمها المالكي للمطالبة باعتقال النائب
السني لرئيس البلاد مختلقة. وبعد يومين من انسحاب آخر القوات الامريكية
التي أنهت حكم صدام دعا علاوي في مقابلة مع رويترز الى جهود دولية لمنع
رئيس الوزراء الشيعي من إثارة الصراع الطائفي مجددا والذي تسبب في مقتل
عشرات الالاف في السنوات التي أعقبت سقوط صدام حسين في 2003.
وأضاف قبيل مغادرته العاصمة الاردنية عمان عائدا الى العراق "الاتيان
باعترافات مختلقة أمر مفزع. هذا يذكرني شخصيا بما كان يفعله صدام حسين
حيث كان يتهم المعارضين السياسيين بأنهم ارهابيون ومتامرون."
وقال علاوي وهو شيعي لكنه حصل على دعم كبير من السنة الساخطين "نخشى
عودة الدكتاتورية بطريقة الحكم الاستبدادية هذه. انها الاحدث في مجموعة
متراكمة من الاعمال الوحشية والاعتقالات والترهيب التي ترتكب على نطاق
واسع."
واتهم علاوي خلال رئاسته للحكومة على مدى عشرة أشهر في ظل الاحتلال
الامريكي في عامي 2004 و2005 بتبني نهج استبدادي. وقاد فيما بعد كتلة
العراقية لتحل في المرتبة الاولى في الانتخابات البرلمانية في العام
الماضي لكن انتهى به الامر بالانضمام الى ائتلاف بقيادة المالكي الذي
احتفظ برئاسة الحكومة. بحسب رويترز.
وقال علاوي انه سيسعى الان في البرلمان للاطاحة بالمالكي. وأضاف "علينا
القيام بتحرك لتحقيق الاستقرار في البلد من خلال محاولة ايجاد بديل
للمالكي عبر البرلمان."
وكرر علاوي اتهامات بأن ايران تسعى للسيطرة على العراق بعد مغادرة
القوات الامريكية.
وقال "تجاوز المالكي جميع الخطوط الحمراء ويواجه العراق الان وضعا
خطيرا جدا جدا وبالغ الصعوبة." واضاف "نتابع أحداثا تتكشف تستهدف صميم
قلب الديمقراطية والاستقرار.
وتابع يقول "نريد حل الخلافات بين العراقيين بشكل سلمي ونريد تحقيق
الاستقرار. ينبغي أن يملا العراقيون الفراغ بدلا من أي جهة أخرى" في
اشارة الى وجهة نظره بأن ايران عازمة على ملء فراغ خلفته القوات
الامريكية وراءها.
وقال رئيس الوزراء الاسبق "بدأ صعود النزعة الطائفية بالفعل. نلاحظ
بدايتها وتأثيرات ما يحدث في المنطقة ليس من شأنها سوى صب الزيت على
النار. أخشى أن يفقد الشعب العراقي الثقة في العملية السياسية وتسود
النزعة الطائفية.
مؤتمر وطني عام
في السياق ذاته دعا رئيس البرلمان العراقي اسامة النجيفي قادة
البلاد الى عقد "مؤتمر وطني عام" لمناقشة الازمة المستجدة التي راى
انها تعرض العملية السياسية الى "صدمات خطيرة ليست محمودة العواقب".
وقال النجيفي في بيان انه يدعو "لعقد مؤتمر وطني عام في وقت تتعرض
فيه العملية السياسية الى هزات عنيفة وصدمات خطيرة ليست محمودة
العواقب". وتحدث عن "ايام عصيبة من تاريخ العراق"، حيث راى ان البلاد
"تعيش في مناخات الانسحاب الاميركي وتقاوم ارتدادات وانعكاسات التطورات
الاقليمية وبعض دول الجوار العراقي". وحذر من استمرار "الخطاب الطائفي
وترويجه"، مطالبا القادة السياسيين بنبذ التناحر "العرقي والطائفي
(...) والخروج من التقوقعات الحزبية والفئوية والطائفية والعرقية".
ووسط التحذيرات من احتمال "انهيار العملية السياسية"، قرر ائتلاف
"العراقية" (82 نائب من بين 325) الذي يقوده رئيس الوزراء الاسبق اياد
علاوي مقاطعة جلسات الحكومة (9 وزراء من بين 31) بعد يومين من اعلانه
مقاطعة جلسات البرلمان. ونائب الرئيس طارق الهاشمي هو ايضا احد ابرز
الشخصيات السنية المؤسسة لائتلاف "العراقية".
واعلن الرئيس العراقي جلال طالباني من جهته في بيان نشره موقع
الرئاسة ان التطورت المتسارعة في البلاد وبينها مذكرة التوقيف الصادرة
بحق الهاشمي جرت "من دون التشاور والتخابر" معه. ودعا الى "توفير
البيئة المناسبة للعمل السياسي الهادئ والمستقر الذي يضمن عدم تعريض
البلد وعمليته السياسية الى اية اضرار جانبية في هذا الوقت العصيب". |