كوريا الشمالية... تنغلق على نفسها وسط آمال غربية بالانفتاح

شبكة النبأ: عاشت كوريا الشمالية يوم الثلاثاء في عزلة كاملة بعد يوم من اعلانها ان الزعيم كيم جونج ايل توفي اثر اصابته بأزمة قلبية في الوقت الذي تنامي فيه القلق مما يمكن ان يحدث في الدولة التي تسعى لبناء ترسانة نووية.

وقام كيم جونج أون الابن الاصغر للزعيم الراحل الذي وصفته يوم الاثنين وكالة الانباء المركزية الكورية الشمالية بأنه "الوريث الكبير" وأشادت به باعتباره "الزعيم البارز لحزبنا وجيشنا وشعبنا" بزيارة مثوى والده يوم الثلاثاء. وكيم جونج أون هو ثالث زعيم لكوريا الشمالية من اسرة كيم منذ قيام الدولة عام 1948 بزعامة جده كيم ايل سونج.

وألقى الابن جونج أون وقد اتشح بالسواد ورافقه مسؤولو الجيش والحكومة نظرة على جثمان والده المسجى في نعش سطحه زجاجي في العاصمة بيونجيانج وقد أحيط بورود (كيمجونجيليا) الحمراء التي سميت على اسمه.

وفي استمرار لتقليد اسرة كيم وضع نعش كيم جونج ايل في المتحف الذي يضم تابوتا زجاجيا به الجثمان المحنط للزعيم الاول كيم ايل سونج. وقالت كوريا الشمالية انها لا تريد ان تحضر شخصيات أجنبية الجنازة الرسمية لكيم جونج ايل يوم 28 ديسمبر كانون الاول وقالت الصين انها تقدر هذا.

وفي اشارة الى ان الدولة المنعزلة تغلق نفسها أكثر أمام العالم الخارجي بعد وفاة "الزعيم العزيز" تقلصت بشدة عمليات عبور حدود داندونج مع الصين. والصين هي من بين دول معدودة لها علاقات تجارية نشطة مع كوريا الشمالية. ولم يتضح ما اذا كانت الحدود قد اغلقت رسميا.

الزعيم الجديد

وقد اعلنت كوريا الشمالية الحداد 13 يوما في كافة انحاء البلاد تعبيرا عن الحزن على رحيل الزعيم كيم جونغ ايل الذي توفي السبت اثر اصابته بنوبة قلبية. وابقى النظام على خبر الوفاة سريا لمدة يوميا الى ان اعلنت مقدمة تلفزيونية وهي تذرف الدموع الاثنين النبأ وحثت الشعب على الالتفاف حول الزعيم الجديد.

وقد زار الزعيم الكوري الشمالي الجديد كيم جونغ أون الثلاثاء المكان المسجى فيه جثمان والده حسب ما ذكرت وسائل اعلام حكومية. وقالت وكالة الانباء الكورية الشمالية ان "الرفيق كيم جونغ أون (...) القى نظرة على جثمان الرفيق كيم جونغ ايل مع ممثلين عن الحزب والحكومة والجيش تعبيرا عن تعازيه وحزنه".

ومن المقرر ان تنظم مراسم تشييع الزعيم السابق في 28 كانون الاول/ديسمبر وطلب من الكوريين الشماليين مبايعة نجله الاصغر كيم جونغ اون الذي عين زعيما جديدا للبلاد.

من جانب اخر، اعلن مسؤول عسكري كوري جنوبي الثلاثاء ان وحدات من الجيش الكوري الشمالي قطعت تدريبها الشتوي وعادت الى ثكناتها في الساعات التي اعقبت الاعلان عن وفاة الزعيم الكوري الشمالي.

وقال هذا المسؤول الذي فضل عدم الكشف عن هويته لوكالة فرانس برس "علمنا ان بعض الوحدات التي كانت تقوم بتدريبات شتوية عادت الى قواعدها ليلا". وكانت كوريا الجنوبية قد وضعت قواتها في حالة انذار الاثنين. يشار الى ان الكوريتين هما عمليا في حالة نزاع مسلح منذ الهدنة الهشة التي وقعت اثر الحرب الكورية (1950-53).

وفي المواقف الدولية، توجه الرئيس الصيني هو جينتاو صباح الثلاثاء الى سفارة كوريا الشمالية في بكين حيث قدم تعازيه. وكانت الصين التي تعتبر احد الحلفاء النادرين لكوريا الشمالية قد اعربت الاثنين عن "تعازيها الحارة" بعد وفاة الزعيم الكوري الشمالي السبت اثر ازمة قلبية.

كما اعلنت الحكومة الكوبية الاثنين حدادا رسميا لمدة ثلاثة ايام حسب ما جاء في بيان بثه التلفزيون الكوبي. واوضح البيان ان "مجلس دولة كوبا اعلن حدادا رسميا بعد وفاة الرفيق كيم جونغ ايل، رئيس لجنة الدفاع الوطني والامين العام لحزب العمال في جمهورية كوريا الشعبية الديموقراطية، ايام 20 و21 و22 كانون الاول/ديسمبر".

الغرب يأمل في انفتاح

من جهتها وجهت الدول المجاورة لكوريا الشمالية وكذلك الولايات المتحدة عدوتها القديمة نداء من أجل الاستقرار بعد ان ألقت وفاة كيم جونج ايل بشكوك جديدة على واحدة من أكثر مناطق العالم تسليحا.

وحذر كثير من الخبراء من انتقال يمكن ان يؤدي الى فترة عدم استقرار. وفي تذكرة بالاضطراب الدائم في شبه الجزيرة الكورية المقسمة أشارت وسائل الاعلام الكورية الجنوبية الى ان الشمال اختبر اطلاق صاروخ قصير المدى قبالة الساحل الشرقي.

وتحدث الرئيس الامريكي باراك اوباما وزعماء كوريا الجنوبية واليابان هاتفيا لبحث الموقف الذي تلاحقت تطوراته بعد دخول الليل في واشنطن.

وقالت وكالة انباء يونهاب ان كوريا الجنوبية وهي ما تزال من الناحية النظرية في حالة حرب مع الشمال وضعت قواتها في حالة تأهب بعد انباء وفاة الزعيم الكوري الشمالي وعقد الرئيس لي ميونج باك اجتماعا لمجلس الامن الوطني. وقالت وزارة الدفاع في سول انه لا توجد مؤشرات على أي تحركات غير عادية لقوات كوريا الشمالية.

وأذاع البيت الابيض بيانا مقتضبا التزم فيه بالعمل مع كوريا الجنوبية واليابان وهما من اوثق حلفائه في اسيا لضمان استمرار الاستقرار في المنطقة.

وقال جاي كارني المتحدث باسم البيت الابيض ان الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بالاستقرار في شبه الجزيرة الكورية وبحرية وامن حلفائها. وتحدثت الدول الاوروبية عن فرصة للتغيير.

وقال وزير الخارجية البريطاني وليام هيج في بيان "قد يمثل هذا نقطة تحول لكوريا الشمالية. نأمل ان تعترف القيادة الجديدة بأن التعامل مع المجتمع الدولي يقدم افضل امكانية لتحسين حياة مواطني كوريا الشمالية العاديين."

وقال وزير الخارجية الالماني جيدو فسترفيله "ندعو القيادة الجديدة في كوريا الشمالية لاستخدام تغيير القيادة في الاصلاح. الشعب يعاني تحت ظل هذه الدكتاتورية. انه يحتاج الى فرص جديدة وقوى دفع جديدة لعملية السلام".

وعقدت اليابان اجتماعا خاصا لاجهزة الامن لكنها لم تصل الى حد وضع قواتها المسلحة في حالة تأهب خاصة. وقال كبير المتحدثين باسم الحكومة اليابانية يوم الاثنين "رئيس الوزراء (يوشيهيكو) نودا اعطى تعليمات للوزراء في الاجتماع الامني للاستعداد لاي شيء غير متوقع بما في ذلك الامور المالية والقضايا المحلية لكوريا الشمالية."

وقال نودا للصحفيين انه من المهم الا تكون لوفاة كيم أي اثار عكسية على السلام في شبه الجزيرة الكورية. وقال ايضا انه ليس هناك تغيير في طلب اليابان اعادة مواطنين يابانيين خطفهم ضباط كوريون شماليون منذ عقود.

ويعتقد كثير من الخبراء ان السلالة الحاكمة لكيم ستنهار بدون دعم من الصين حليفها الرئيسي. وكان هناك صمت استمر اربع ساعات من جانب بكين قبل ان تشيد بكيم جونج ايل.

وقال كبار زعماء الصين في بيان أذاعه التلفزيون الحكومي والذي وصف كيم بأنه "زعيم عظيم" ان الصين تشعر "بالاسى" وتقدم بالغ تعازيها للشعب الكوري باكمله. وقال البيان "نحن على ثقة بأن شعب كوريا الشمالية سيلتزم بارادة الرفيق كيم جونج ايل ويتحد حول حزب العمال الكوري تحت قيادة الرفيق كيم جونج أون لتحويل حزنهم الى قوة."

وبعث الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف بتعازيه من روسيا الجار العملاق والصديق الاخر لكوريا الشمالية. وقال وزير الخارجية سيرجي لافروف للصحفيين "بالطبع نأمل الا تؤثر الخسارة التي مني بها هذا الشعب المسالم على مستقبل تطور علاقاتنا الودية."

امريكا واليابان تحثان على الهدوء

كما قالت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون يوم الاثنين ان الولايات المتحدة تأمل في تحسن العلاقات مع شعب كوريا الشمالية بعد وفاة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج ايل وانها على اتصال مع شركائها في المحادثات النووية السداسية.

وجاءت تصريحات كلينتون بعد اجتماع مع وزير الخارجية الياباني الزائر كويتشيرو جيمبا الذي قال ان واشنطن وطوكيو وسول اتفقت جميعا على ضرورة الحفاظ على الاستقرار وجدد دعوة لبيونجيانج لاتخاذ "اجراء ملموس" لابداء اهتمامها بنزع الاسلحة النووية.

وقالت كلينتون "كلانا لديه مصلحة مشتركة في حدوث انتقال سلمي ومستقر للسلطة في كوريا الشمالية." وأضافت "نؤكد مجددا أملنا في تحسن العلاقات مع شعب كوريا الشمالية وما زلنا نشعر بقلق بالغ بشأن أوضاعهم الاجتماعية."

وقالت كلينتون ان واشنطن تحدثت الى كل من بكين وموسكو عقب وفاة كيم يوم الاثنين وذلك في اطار جهودها للتنسيق مع شركائها في المحادثات السداسية المعنية بالبرنامج النووي لكوريا الشمالية والمجمدة منذ عام 2008.

وقال جيمبا انه اتفق مع كلينتون على ان من المهم عدم جعل وفاة كيم "تؤثر سلبيا" على السلام والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية وعلى ضرورة متابعة الموقف عن كثب.

وقال "نشترك في وجهة النظر التي ترى انه يتعين علينا التنسيق عن كثب مع الشركاء الستة. نتفق ايضا على رغبة كل الاطراف في الاستقرار والتهدئة خلال هذه الفترة." وتابع "أكدنا ايضا ضرورة مواصلة التنسيق الوثيق بين اليابان والولايات المتحدة وجمهورية كوريا بشأن الجهود الرامية لنزع اسلحة كوريا الشمالية (النووية) والتأكد بصفة خاصة من ان تتخذ كوريا الشمالية اجراءات ملموسة في هذا الصدد."

ومن المقرر ان يرفع جلين ديفيز المبعوث الخاص لادارة اوباما بشأن كوريا الشمالية تقريرا الى كلينتون يوم الاثنين في اعقاب جولته الاخيرة التي شملت سول وطوكيو وبكين لمناقشة احتمالات استئناف المفاوضات النووية.

وانهارت المحادثات السداسية التي تضم الكوريتين والولايات المتحدة والصين واليابان وروسيا في عام 2008 وتم طرد مفتشي الامم المتحدة من كوريا الشمالية عام 2009. ورغم الجهود المتواصلة لم تظهر منذ ذلك الحين دلالة تذكر على احراز تقدم.

وجرى عقد اجتماعين بين مسؤولين من الولايات المتحدة وكوريا الشمالية في الشهور الماضية بشأن امكانية استئناف المحادثات الرامية الى التخلص من برامج بيونجيانج النووية.

ورغم عدم تحقيق انفراجة فورية الا ان الاجتماعين وضعا نهاية لفترة من التوترات الحادة العام الماضي عندما اتهمت سول بيونجيانج باغراق احدى سفنها وقصف واحدة من الجزر التابعة لها.

اختبار صاروخي

الى ذلك ذكرت وكالة يونهاب الكورية الجنوبية للانباء ان كوريا الشمالية اختبرت صاروخا قصير المدى عند ساحلها الشرقي يوم الاثنين في يوم الاعلان عن وفاة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج ايل.

ونقلت يونهاب عن مسؤول كوري جنوبي لم تسمه قوله انه لا يعتقد أن الاختبار يرتبط بالاعلان عن وفاة كيم. وأضاف "هذا أمر يقوم به الجيش ونعتقد انه لا يرتبط بوفاة الرئيس كيم جونج ايل."

وربما تم الاختبار في الصباح قبل أن تعلن وسائل الاعلام الرسمية في كوريا الشمالية ظهر الاثنين عن وفاة كيم بأزمة قلبية يوم السبت. ورفضت وزارة الدفاع ومكتب هيئة الاركان المشتركة في كوريا الجنوبية تأكيد التقرير.

وتختبر بيونجيانج بشكل دوري صواريخ قصيرة المدى قبالة سواحلها في اطار تدريبات روتينية أو تزامنا مع تطورات سياسية حساسة. وكان أحدث تقرير عن اختبار صاروخي لكوريا الشمالية في يونيو حزيران.

مراكز السلطة الأساسية

بدأ الحزب الشيوعي الحاكم في كوريا الشمالية اجتماعا استثنائيا يتوقع أن يتم خلاله تحضير خلافة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أيل من قبل ابنه الأصغر كيم جونغ اون. في ما يلي مراكز صنع القرار الأساسية في هذا البلد المنغلق:

- حزب العمال في كوريا: يتولى كيم جونغ أيل الأمانة العامة للحزب الحاكم الذي تراجع نفوذه لمصلحة الجيش. لكن الزعيم الكوري الشمالي الذي تدهورت صحته منذ أصابته بجلطة في الدماغ في صيف 2008 يحاول إعطاء دفع جديد للحزب بتعيين أشخاص يؤيدون خططه لنقل السلطة إلى ابنه في مناصب أساسيه.

- لجنة الدفاع الوطني: يترأس كيم جونغ أيل هذه اللجنة واعتبر البرلمان موقعه هذا "الأرفع في الدولة". واللجنة مسؤولة رسميا عن الأمن الداخلي والخارجي، لكن دورها ازداد في ظل الزعيم الحالي الذي يتبنى عقيدة "الجيش أولا". وتم تعيين جانغ سونغ ثايك في حزيران/يونيو نائبا أول لرئيس اللجنة.

- الحكومة: يترأسها رئيس الوزراء المكلف الشؤون الاقتصادية. وفي حزيران/يونيو، عين البرلمان احد وجوه الحزب شو يونغ ريم خلفا لكيم يونغ ايل الذي كان يتولى هذا المنصب.

- البرلمان: يختار الحزب الأعضاء ال687 للجمعية الشعبية العليا ويجتمع هؤلاء مرة كل عام للموافقة على قرارات الحزب.

- الجيش: يضم 1,19 مليون عنصر ما يجعله رابع اكبر جيش في العالم ويتولى كيم أيل جونغ قيادته العليا. ويرى الخبراء أن كوريا الشمالية تملك ما يكفي من البلوتونيوم لصنع ست قنابل نووية على الأقل، ولكن ليس معروفا ما إذا كانت تمكنت من صنع رؤوس صواريخ قادرة على حملها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 21/كانون الأول/2011 - 25/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م