شعر الطبيعة في "جلاسجو"

عبدالرزاق الربيعي

حين وصلنا جلاسجو باسكوتلاند قادمين من لندن عبر القطار ملبين دعوة وجهتها جمعية الطلبة العمانيين بجلاسجو لإحياء أمسية شعرية في جامعة كالدونيان ضمن فعاليات قافلة سبلة عمان الثقافية كان المطر يتساقط بغزارة ليذيب طبقة خفيفة من الجليد، لكنا كنا قد احتطنا لذلك فأخبار انخفاض درجات الحرارة وتساقط الثلوج في هذه المدينة التي تعد العاصمة التجارية لاسكوتلاند كانت قد سبقت وصولنا، قلنا لعل الغد أجمل لذا قام رئيس الجمعية الصديق الشاعر إبراهيم السالمي بإبلاغ الطلبة العمانيين والعرب بمكان وزمان إقامة الأمسية ونشر ذلك عبر المواقع الإلكترونية والفيسبوك والبريد الإلكتروني والرسائل القصيرة، وتلقى تأكيدات الحضور.

وفي صباح اليوم التالي كانت السماء قد خبأت لنا مفاجأة من العيار الثقيل!

حيث بثت نشرات الأخبار تحذيرات عن هبوب رياح تبلغ سرعتها 80 ميلا في الساعة وأبلغت طلاب المدارس والجامعات أنها ستغلق أبوابها ويعلق الدوام فيها إن استمرت الرياح تجنبا للمخاطر!.

وهنا انهالت الرسائل القصيرة على هاتف السالمي تبلغه بعدم مغادرة المنزل، فتح بريده الإلكتروني فوجد رسالة من الجامعة تبلغه أنها ستغلق أبوابها من 12 ونصف وحتى 9 مساء ماعدا بعض المرافق القليلة كالمرفق الخاص بمذاكرة الطلبة وهو جزء من المكتبة، وأرسلت الجامعة سيارات خاصة لإعادة الطلاب الذين ذهبوا الى أماكن خارج الجامعة لأخذ دروس تطبيقية، وظلت نشرات الأخبار تتابع التطورات حتى أعلن أن سرعة الرياح بلغت 135ميلا في الساعة في تلك الأثناء رأى الصديق موسى الفرعي بتأجيل الأمسية إلى اليوم التالي فقام السالمي ببث الخبر عبر الرسائل القصيرة، حين انتهى من ذلك قلت للسالمي: دعنا من شعر الكلمات والأوراق ولنقرأ شعر الطبيعة، لنشاهد الطبيعة في واحدة من تجلياتها، ولحظات غضبها، واحتدامها، فحين تغضب الطبيعة تتحول إلى طاقة مدمرة، تجعل الإنسان يشعر بضآلة كيانه إزاء خلق الله وضعفه فيلجأ إلى خالقه متضرعا!

استحسن السالمي الفكرة، فتجولنا في المدينة، كانت الرياح تصفر في الدروب لدرجة أن فتاة جوارنا سقطت من شدتها، و السحب السوداء تتدافع لاهثة في السماء وكأن الريح تجرها جرا إلى ساحة إعدامها، وحين ننظر إلى الأسفل نجد حاويات القمامة تتطاير والأشجار تتمايل قلت للسالمي: ذكرني هذا المشهد بالأجواء المناخية في "جونو"الذي هب على سلطنة عمان منتصف العام 2007 م .

كرر السالمي مقطعا للشاعر عدنان الصائغ يقول به:

وأنا وأنت على الطريق

ظلان منكسران

في الزمن الصفيق

إن جار بي زمني

اتكأت على صديقي

لم تكن هناك ظلال، فالغيوم التي أثقل جيوبها المطر وحبات البرد حجبت تماما ضوء الشمس حتى بدا الصباح كأنه الغروب، ولكن الشمس كانت تغافل تلك الغيوم لتطل اطلالة خفيفة سريعة لتؤكد وجودها ثم تختفي، كان ذلك الظهور يشبه لمع البرق أو صوت الرعد الذي حين سمعناه ظهرت علامات الدهشة على وجه السالمي وقال: نادرا ما نسمع صوت الرعد هنا، علقت: إنه احتشاد الطبيعة بكل افتتنانها وغضبها ورعدها وبرقها ومطرها!.

مررنا بنهر كلايد رأينا المياه تتلاطم والطيور ترفرف بأجنحتها بخوف وذعر وتهوى كالأوراق في المياه وكان المطر يهطل بغزارة ويبلغ المشهد ذروته حين تتساقط حبات البرد لتغطي الشوارع بطبقة بيضاء تنشر المتعة والمرح والبسمات على الوجوه الخائفة، كان البرد في ارتفاع وانخفاض بحسب حالات تساقط المطر وتوقفه حيث تشرق الشمس لدقائق ثم تغيب، وكانت الشوارع بعد كل رشة مطر تلمع من جديد، كما لمعت في بالي ملاحظات شعرية فأسرعت لأدونها على الورق لتكون مفتتحا لأمسية اليوم التالي، فكأن الشاعر فراشة تتنقل بين الحقول لتجمع رحيق فكرة جدية من "عسل الكلام".

razaq61@yahoo.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 20/كانون الأول/2011 - 24/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م