علاقة شيعة الخليج بإيران والعراق

كاظم الشبيب

غالباً ما يُثار الشك في العلاقة الرابطة بين شيعة الخليج وإيران والعراق. تقوم حالة الريبة على تغليب النظرة الأمنية واستبعاد الزوايا الأخرى لهذه العلاقة. مشكلة شيعة الخليج أنهم شاؤوا أم أبوا سيبقون دائماً ضحية الصراع السياسي الدائر بين الأنظمة الحاكمة في إيران والعراق ودول مجلس التعاون الخليجي. بيد أن شيعة الخليج يرتبطون بالعراق وإيران لأسباب دينية واجتماعية بعيدة عن السياسة والأمن.

في ثورة البحرين تم اتهام شيعة البحرين بالتنسيق مع طهران لزعزعة أمن البحرين. في أحداث «العوامية» تم اتهام شيعة السعودية بالارتباط بأطراف خارجية ويُقصد بها إيران. في أحداث القطيف الحالية يُتهم الشيعة أيضاً بالتهمة ذاتها. ومع كل حدث يقع في أي بلد خليجي، ويكون شيعة الخليج طرفاً فيه، غالباً ما يتهم الشيعة، تلميحاً أو تصريحاً، من قبل الحكومات، أو من قبل أطياف سنية متشددة أو من قبل أطراف قريبة من الحكومات، بأن لهذا الحدث ارتباطات بأطراف خارجية، وتحديداً بإيران، أو بالعراق كما يزعم البعض اليوم رغبةً منهم في خلط الأوراق.

تقوم هذه التهمة على قاعدة تغليب النظرة الأمنية لشيعة الخليج، ومن خلالها يُنظر إلى علاقتهم بإيران والعراق، ويستبعد أصحاب النظرة الأمنية الجوانب الدينية والاجتماعية الطبيعيتين في استمرار العلاقات الاجتماعية والدينية بين الشعوب. النظرة الأمنية لا تُفرز إلا الريبة والشك الدائمين. بينما ينتج عن العلاقات الاجتماعية والدينية حالة من التواصل الدائم بين المجتمعات فتكون هناك مداومة على التواصل الهاتفي والإعلامي والفكري والثقافي، بل والتعاطف والتداخل المتبادل بين المجتمعات. أما أصحاب النظرة الأمنية فلا يُعدون هذا التواصل إلا تآمراً على الآخرين، سواءً مجتمعات أو دول. وتطغى النظرة الأمنية على أصحابها في أغلب الأوقات، ولكنها تبرز عند المنعطفات والأحداث السياسية التي يكون شيعة الخليج طرفاً فيها.

مشكلة شيعة الخليج أنهم على الدوام ضحية العلاقات السياسة المتوترة بين إيران ودولهم. لذا ينبغي على الطرفين، شيعة الخليج ودولهم، العمل على بناء جسور الثقة. لا يمكن بناء جسور الثقة هذه بالرغبة من طرف واحد. ومن النماذج الناجحة في هذا المجال العلاقة بين شيعة دولة الكويت وحكومتهم. لذا نجد أن الريبة والشك منتفيان بين الشيعة والحكومة في الكويت. وتبدأ عملية بناء جسور الثقة عادةً من الجهة القوية، هنا طرفها الأول الحكومات، تجاه الأقل قوة، وهنا طرفها الثاني شيعة الخليج. أما إذا استمرت حالة الريبة والشك من قبل الحكومات تجاه الشيعة فلا شك أن نتيجة ذلك هو استمرار التوتر بين الطرفين والخاسر الأكبر هو الوطن.

تقيد النظرة الأمنية أصحابها عن محاولة فهم وتفهم حاجات ومطالب شيعة الخليج وحراكهم، بل تدفعهم للنظر إليها من زاوية التآمر على بلدانهم، وبالتالي تضعهم في دائرة التخوين الوطني. حينها تنغلق أبواب بناء جسور الثقة بين الطرفين. بعد ذلك يطالب أصحاب النظرة الأمنية المواطنين الشيعة بتقديم مبادرات تؤكد ولاءهم لأوطانهم كمن يطلب من الضحية التصديق بعدالة خصمه. بينما الأصح أن تقدم الحكومات، وهي صاحبة مساحة العمل الأوسع والسلطة والنفوذ، مبادرات جامعة للمواطنين الشيعة بباقي أطياف المجتمع والوطن.

ولاء المواطنين الشيعة لأوطانهم لا يصنعه التشكيك والريبة فيهم، بل يستجلبه ويثبته مسعى حكومي جاد وعملي يحقق انتفاء تمييزهم عن باقي المواطنين، ولا يشعرون معه بتغييب التنمية والتطوير عن مناطقهم أسوة بباقي مناطق الدولة. استمرار التمييز الطائفي تجاه الشيعة وبلدانهم هو نتاج النظرة الأمنية لهم ولمناطقهم. شيعة الخليج يتمنون من حكوماتهم تبني النظرة الوطنية الشاملة على أهواء الذات المنغلقة التي تستصحب النظرة الأمنية حتى تنفتح أبواب بناء جسور الثقة التي يعمل على إغلاقها المتشددون ومن لا يريدون للبلاد والعباد الخير.

ما يدفع لوجود متانة في العلاقة بين شيعة الخليج وإيران

شيعة الخليج ليسوا دخلاء على منطقة الخليج كما يحلو للبعض تصويرهم، بل التشيع في الخليج ليس وليداً إيرانياً على الضفة الشرقية لمياه الخليج ثم نزح إلى غربه كما يشيع أعداء الشيعة عنهم. الأمر على عكس من ذلك تماماً، فبينما تاريخ التشيع والشيعة في الخليج - القطيف والاحساء والبحرين- يعود إلى أيام خليفة رسول الله (ص) أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، فإن تاريخ الحكم الصفوي في إيران لا يتعدى خمسة قرون من الآن عندما شكل الملك إسماعيل عام 1510م الأسرة الصفوية الحاكمة حتى عام 1722م وجعلت إيران بلداً شيعياً.

من جهة أخرى فإن الشيعة والتشيع ليسا بظاهرة إيرانية أو فارسية أو صفوية، بل هي في الأصل نبعت وتمددت من أصل عربي ثم توسعت في بلاد العالم ومن ضمنها إيران. وفي سياق البحث عن موضوع أصل الشيعة وأصولها يقول المستشرق الألماني هاينس هالم في كتابه: الشيعة ص 34-35: «إن الشيعة نشأت في العراق وفي وسط عربي بحت. ومن الضروري تأكيد ذلك لأن المعلقين يزعمون دوماً أن الشيعة ظاهرة إيرانية وهي غريبة كلياً عن طبيعة العرب... لكن الشيعة تبقى من ناحية أصولها ونشأتها عربية تماماً كالإسلام نفسه».

أما ماهية وحقيقة الروابط القائمة بين شيعة الخليج وإيران والعراق فإنها روابط عائلية وعشائرية واجتماعية وثقافية ودينية. يوجد في إيران والعراق أضرحة مقدسة للأئمة (عليهم السلام) يرتبط شيعة الخليج بهم روحياً ودينياً ارتباطاً لا ينفك يدفعهم على مداومة زيارتهم عن قرب بالسفر لمراقدهم وعن بعد بزيارتهم والسلام عليهم. في العراق 6 مراقد تضم الأئمة: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، الإمام الحسين (ع)، الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع)، الإمام محمد بن علي الجواد (ع)، الإمام علي بن محمد الهادي (ع)، الإمام الحسن بن علي العسكري (ع)، ناهيك عن مراقد أخرى لعلماء الشيعة وأماكن لها قدسية تاريخية عندهم. أما في إيران فهناك مرقد الإمام علي بن موسى الرضا (ع) في مدينة مشهد ومرقد أخته المعصومة في مدينة قم.

بالطبع هناك وجوه أخرى لقيام واستمرار تلك العلاقة بين مجتمعات شيعة ضفتي الخليج، لا يسع المجال للاستطراد فيها، نذكرها على عجل، منها: وجود مراجع الدين في العراق وإيران الذين يتلقى منهم شيعة الخليج والعالم الإسلامي الفتوى في أمور حياتهم اليومية وأمور دينهم وعبادتهم. وجود الحوزات العلمية في قم ومشهد والنجف وكربلاء، وهي بمثابة الجامعات التي يتلقى فيها علماء شيعة الخليج تعليمهم وتدرجهم في العلوم الدينية منذ قرون طويلة.

كل ما سبق ساهم في وجود تداخل وتصاهر اجتماعيين بين مجتمعات الشيعة في الخليج والمجتمعين العراقي والإيراني، بل هناك روابط ضاربة في أعماق التاريخ كرابطة الدم القائمة على العلاقات العشائرية والعائلية... فعوائل كثيرة في العراق أصولها قادمة من الأحساء والقطيف والبحرين وعمان، والعكس صحيح أيضاً ومُحرز، بحيث نجد عوائل خليجية أصولها قادمة من مناطق العراق كالبصرة وكربلاء والنجف. ويمكن عرض أسماء لعوائل كثيرة ينطبق عليها هذا الحال مثل: الشخص، النمر، آل إبراهيم، الشعلة، العتيبي، العلي، الناصر، الفرج، القطان، الحربي، الصالح، الحمود، الوزان، السادة، الحسين، الصايغ، الجاسم، المؤمن، البيات، البحراني، بو خمسين، الشافعي، الحداد، الصراف، الصفار...

هي حالة حقيقية لا مجرد تشابه في الأسماء كما يتصور البعض. ولمن أراد التزود فعليه مراجعة كتب الأنساب والقبائل... واليوم تتوطد تلك الامتدادات العائلية بشكل مستمر من خلال التصاهر بين شيعة الخليج وشيعة العراق وإيران. هي عملية لم تتوقف منذ القدم حتى يومنا الحاضر وأن تعرضت الحالة لحالات بين المد والجزر متأثرةً بالأوضاع السياسية والاقتصادية والتحولات الاجتماعية في الجانبين. المحصلة النهائية هي أن قسماً لا بأس به من عوائل الشيعة مرتبطة ببعضها من الأحساء والقطيف مروراً بقطر والإمارات والبحرين والكويت ووصولاً إلى العراق...ثم يأتي من يصور العلاقة بين الطرفين بالعمالة والتخوين الوطنيين.

www.aldaronline.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 18/كانون الأول/2011 - 22/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م