
شبكة النبأ: بالنسبة لسكان بنغازي
تمثل واجهات المباني القديمة التي تعود للعهد الاستعماري أهمية لا تقل
عن المباني المحترقة والثغرات التي أحدثتها الاعيرة النارية. وهم يرون
ان مدينتهم -مهد انتفاضة ليبيا هذا العام- عانت من اهمال دام 40 عاما
من الزعيم المخلوع معمر القذافي عندما جعل من طرابلس قاعدة سلطته على
حساب بنغازي.
والان بعد رحيل الرجل الذي وصف معارضيه بأنهم "جرذان" وتوعد
بملاحقتهم "زنقة زنقة" يقولون ان الوقت قد حان كي تستعيد بنغازي ما
تستحقه من مكانة باعتبارها مركزا رائدا للتجارة والاعمال.
قال أنور موسى وهو عاطل يبلغ من العمر 26 عاما "زيارة بنغازي الان
مثل زيارتها عام 1969" في اشارة الى السنة التي تولى فيها القذافي
السلطة بعد انقلاب. وأضاف وهو يجلس في أحد فنادق المدينة التي يختلط
فيها الساسة بزوار غربيين "هذه السجادة ربما لم تتغير منذ ذلك الحين."
بحسب رويترز.
وعلى الرغم من هزيمة قوات القذافي ومنعها من التقدم صوب بنغازي قبل
ثمانية أشهر ما زالت المدينة الساحلية تواجه المشكلات ذاتها التي تعاني
منها ليبيا.. تراكم القمامة في الشوارع والشواطئ .. تقلص فرص العمل
وانتشار السلاح في كل مكان. لكن هذا لا يمنع الناس من رفع سقف الاماني.
قال موسى الذي كان يدرس في بريطانيا قبل العودة الى بنغازي العام
الماضي "ربما يمكنها أن تصبح مثل أمريكا... هناك واشنطن العاصمة وهناك
نيويورك. ربما تكون بنغازي العاصمة الاقتصادية وطرابلس العاصمة
السياسية."
وتشيع هذه الفكرة في بنغازي ربما لانها ليست جديدة. وعززت المدينة
وهي ميناء رئيسي ومركز لصناعة النفط ومنطقة صناعية مكانتها باعتبارها
المركز الاول للنشاط الاقتصادي خلال عهد الملك ادريس السنوسي الذي أطاح
به القذافي في الانقلاب. وزاد عدد السكان هناك ويقدر بنحو مليون نسمة
أي تقريبا نصف عدد سكان طرابلس.
وعلى الرغم من أن الانتفاضة التي بدأت في شرق البلاد عمت كل أجزاء
ليبيا لكن هناك عداء حقيقيا في بنغازي تجاه العاصمة في الغرب. ويضم
النصف الشرقي من ليبيا تقريبا كل الثروة النفطية والموارد المائية
للبلاد لكن لم يبد أي شخص ممن التقت بهم رويترز وعددهم يزيد على 10
أشخاص اي رغبة في الانفصال عن الغرب أو أن تصبح بنغازي عاصمة البلاد.
وقال علي محمد ابراهيم في مقهى يقدم النرجيلة "عاصمتنا الابدية هي
طرابلس." لكن عندما سُئل عن مستقبل بنغازي قال انها يمكن أن تصبح
"العاصمة الاقتصادية".
لكن لا يتضح بالطبع شكل هذه المدينة في المستقبل. وتختلف بنغازي
بكتلها الخرسانية والمباني القديمة التي تعود للعهد الايطالي أو
العثماني تماما عن الابراج الشاهقة في وسط طرابلس.
كما أن فرع بورصة ليبيا في بنغازي التي تبدو مثل بيت حديث من طابق
واحد في حي هادئ خارج وسط المدينة مختلف كل الاختلاف عن وول ستريت.
وتوقف التداول منذ بدء الانتفاضة في فبراير شباط.
وقال نجيب عبيدة رئيس البورصة في مكتبه الهادئ ان الخط الرابط مع
الفرع الاخر في طرابلس متعطل وان فرع بنغازي مستعد تماما للعمل. وأعرب
عن أمله في استعادة الرابط بين الفرعين بحلول العام الجديد.
وعندما سُئل عن العناصر التي يمكن ان تحرك الاقتصاد الليبي في
السنوات المقبلة بخلاف النفط تحدث عبيدة عن قائمة من الافكار بما في
ذلك المزارع السمكية وزيادة النشاط السياحي واقامة مركز للسفر الجوي في
افريقيا.
ولا يبدو أن هناك كثيرين لديهم أفكار محددة عن المستقبل. يتحدث
البعض عن قدر اكبر من الاستقلالية السياسية لبنغازي. لكن المطلب
المشترك الاكثر شيوعا هو مطلب يقترب أكثر من الحياة اليومية.. لقد سئم
الناس من الاضطرار للسفر الى طرابلس لاتمام الاجراءات الادارية.
وقال المهندس الزراعي فوزي الدومي (64 عاما) بعد صلاة الجمعة "ما
نريده هو ألا يضطر المواطنون للسفر الى العاصمة للحصول على شهادة
بسيطة. هذه هي المشكلة. الاعمال الادارية."
وفي الميناء يبدو أن الحياة بدأت تدب في بطء في الاقتصاد. واستؤنفت
الشحنات لكن ليس هناك ازدحام على رصيف الميناء. وتقف السفن الصدئة في
المياه. وقال صالح البرغتي نائب مدير الميناء في مكتبه ان الحركة
الملاحية تزيد بالتدريج. ومضى يقول ان الشحنات حاليا تمثل نحو ربع
المستويات التي كانت موجودة قبل الانتفاضة.
وبالنسبة للوقت الذي ستستغرقه عودة الشحنات لسابق عهدها قال ان هذا
يتوقف على الشركات مضيفا أن الفترة ربما تكون ستة أشهر. لكن الكثير من
الشركات الاجنبية تنتظر تحسن الوضع الامني وتشكيل حكومة مركزية طويلة
الاجل حتى يتسنى لها توقيع عقود كبيرة. واتفق اغلب الناس على أن
المشكلة الكبرى التي تواجه المدينة هي الامن.
في شوارع بنغازي هناك وجود للشرطة اكثر من طرابلس حيث ما زالت تتجول
في شتى انحاء العاصمة جماعات مسلحة. لكن على الرغم من ان الوضع في
بنغازي أكثر استقرارا فان الميليشيات المحلية ما زالت تستعرض نفسها
ليلا وتطلق النار في الهواء.
وتقول الحكومة الوطنية المؤقتة التي أدت اليمين الدستورية الشهر
الماضي وكلفت بمهمة توجيه البلاد نحو انتخابات ديمقراطية في العام
القادم ان الامن يمثل أكبر الاولويات. وهي تهدف الى دمج الميليشيات في
جيش وطني.
لكن نزع سلاح الميليشيات هو قضية سياسية حساسة بما أن الكثير من
الميليشيات يقودها زعماء أقوياء يتنافسون على مناصب في الساحة السياسية
على المستوى الوطني. كما أن المقاتلين اكتسبوا مكانة أبطال الانتفاضة.
وقال جمال بن نور رئيس مجلس المدينة انهم لا يمكن ان يطلبوا من
الميليشيات بشكل مباشر أن تسلم سلاحها. وأضاف أنه بما أن سيادة القانون
لم تتحقق بعد فانهم يحتاجون الميليشيات للمساعدة على حفظ الامن في
المدينة.
وفي سجن المدينة المترامي الاطراف حيث فر 3400 سجين خلال الانتفاضة
وأضرموا النار في الكثير من المباني يبدي الحراس وجهة نظر مختلفة. وقال
الحارس مرعي علي الحسوني (30 عاما) من داخل السجن "بعض العاملين في
السجن لم يعودوا لانهم يعلمون أن المجرمين لديهم أسلحة الان."
وعندما سئل زميله محمد عبد العزيز المجبري (28 عاما) عما اذا كان
يشعر بالخطر أجاب "بالطبع بسبب انتشار السلاح." ويضم السجن الان نحو
600 رجل أغلبهم ينتظر المحاكمة. وشأن الحراس شأن أغلب الناس فانهم
واثقون في أن الاوضاع ستتحسن بالتدريج. لكنهم قالوا ان السرعة في تحسن
الاوضاع تتوقف على التمويل. وحتى الان أجرى مقاولون من القطاع الخاص
بعض أعمال الاصلاح لمجلس المدينة ولم يتقاضوا بعد حقوقهم المالية. وقال
بن نور ان الظروف في بنغازي ستتوقف كثيرا على الحكومة المركزية
الجديدة. |