دول الربيع العربي وضريبة الثورات الاقتصادية

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: شملت التغييرات السياسية في الوطن العربي بعداً اقتصادياً اثر وبشكل ملحوظ على اقتصاديات المنطقة التي تعاني اغلب دولها من ضعف التخطيط والموارد الاقتصادية، وباستثناء بعض دول الخليج العربي الغنية بالنفط، فان الحال في مصر وتونس واليمن وسوريا والأردن وغيره، يختلف تمام، حيث البطالة المرتفعة والأجور المتدنية واتساع رقعة الفقر والعجز المتراكم في الميزانيات العامة.

وقد جاء الربيع العربي ليزيد من مطالب الشعوب في تحسين الأوضاع المعيشية وعدم الاستمرار في السياسات الاقتصادية التي تقوم على أساس "الترقيع" و"الحلول الآنية" دون اللجوء الى خطط واضحة للتنمية والاستثمار واستغلال الموارد بالشكل الأمثل، في حين سارعت بعض الدول العربية في محاولة منها لكسب قلوب المحتجين إلى إحداث زيادات كبيرة في الرواتب والمنح المقدمة لموظفي الدولة، في خطوة وصفها المحللون بـ"الخطيرة"، بينما أشار إليها البعض الأخر بأنها إحدى حسنات الربيع العربي المنعشة.

زيادة الأجور ثمرة محفوفة بمخاطر

فتحت تهديدات بالاضراب عن العمل هذا العام قالت شركة النصر للملابس والمنسوجات المصرية أنها سترفع الاجور بنسبة 15 بالمئة وتزيد بدلات العمال وتثبت العمالة المؤقتة وترقي نحو 1500 موظف بتكلفة اجمالية سنوية تبلغ حوالي 9 ملايين جنيه مصري (1.5 مليون دولار)، وأثرت التنازلات بصورة كبيرة على الاوضاع المالية للشركة فأعلنت النصر خسارة صافية بلغت 11 مليون جنيه في السنة المالية التي انتهت في يونيو حزيران، لكن مشاكل العمالة لم تنته واستمرت الاضرابات في تعطيل الشحنات فيما ضغط العمال لتحقيق المزيد من المطالب، وفي أنحاء العالم العربي أدت الانتفاضات التي وقعت هذا العام الى زيادة الضغوط من أجل رفع الاجور، ويمنح قدر أكبر من الحرية في شمال أفريقيا النقابات العمالية فرصة أكبر للتحرك في حين رفع توقعات ملايين العمال من أصحاب الاجور المنخفضة الذين عاشوا قرب خط الفقر في ظل الانظمة السابقة، وتتزايد الضغوط من أجل رفع الاجور حتى في دول الخليج الغنية التي أفلتت من الاضطرابات والتي تأتي معظم العمالة فيها من جنوب وجنوب شرق أسي، ولتقليل خطر التوترات الاجتماعية ترفع الحكومات رواتب مواطنيها العاملين في الخدمات العامة والشركات المملوكة للدولة.

وربما يعود هذا التوجه بالنفع على الشرق الاوسط ويخفض اعداد الفقراء ويحفز الاقتصادات من خلال زيادة القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة، لكن خبراء اقتصاديين يقولون انه مع تباطؤ الاقتصاد العالمي والخيارات الصعبة التي تواجهها الحكومات فيما يتعلق بالميزانية فان هذا التوجه ينطوي على مخاطرة، وتقول علياء المبيض كبير الاقتصاديين في باركليز كابيتال والتي تغطي المنطقة "من المرجح أن تكون لمطالب زيادة الاجور اثر ايجابي في القطاعات التي تكون فيها هذه المطالب مبررة، لكن الاتجاه لزيادة الاجور بشكل عام دون أن تعكس زيادة في الانتاجية قد يقوض القدرة على المنافسة"، وظلت الاجور في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا منخفضة لعشر سنوات على الاقل نظرا لارتفاع معدل البطالة ونقص العمالة الماهرة وانخفاض الانتاجية، وتظهر بيانات صندوق النقد الدولي أن القدرة الشرائية للفرد بالدولار -غير المعدلة وفقا للتضخم- ارتفعت 52 بالمئة فقط بين عامي 2000 و2010 وهو ما يقل عن زيادة بلغت 63 بالمئة في الدول الافريقية جنوبي الصحراء و95 بالمئة في الاقتصادات الناشئة والنامية في العالم. بحسب رويترز.

وفي مصر يتراوح متوسط دخل العامل العادي بالمصانع من 5 الي 7 دولارات في اليوم، وأطلق الربيع العربي العنان لمطالب زيادة الاجور، ففي مصر يقدر المحللون ان معدل الاضرابات تضاعف منذ الاطاحة بالرئيس حسني مبارك في فبراير شباط، وفي الاردن يشير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية الى أن عدد الاحتجاجات العمالية في التسعة شهور الاولى من هذا العام قفز الى مستوى قياسي بلغ 607 من 140 فقط العام الماضي، وشهد ميناء طنجة المغربي شهورا من الاحتجاجات العمالية هذا العام بسبب الاجور وظروف العمل وهو ما دفع في مرحلة ما شركات الشحن العالمية الى نقل خدماتها الى موانيء في أسباني، ويقول بلال ملكاوي السكرتير الاقليمي للاتحاد الدولي لعمال النقل بالعالم العربي في موقع المنظمة على الانترنت "حتى العام الماضي كنا نناضل من أجل ان يكون لنا أي ممثل للعمال في طنجة، لكن الان نحن ليس لنا فقط تمثيل بل ايضا لنا نقابات قوية"، وشجع نموذج شمال أفريقيا النشاط العمالي في بضع دول خليجية رغم أن عمال الخليج أكثر ثراء، ففي الكويت عطل اضراب نظمه 3000 من موظفي الجمارك صادرات النفط وانتهى بعد أن قالت الحكومة انها ستعالج مطالب المضربين، وانتهى اضراب اخر نظمه موظفو الخطوط الجوية الكويتية لمدة يوم واحد باتفاق لرفع الاجور بنسبة 30 بالمئة حسبما أوردت تقارير لوسائل اعلام محلية، ونظم موظفو بنك الكويت المركزي مسيرة للمطالبة بزيادة رواتبهم في حين هدد العاملون بالبورصة بالاضراب لكن التوصل لاتفاق حال دون ذلك.

ومع التهديد بالاضرابات رفعت الحكومات الحد الادنى للاجور في مصر والمغرب هذا العام وقد تفعلها ثانية مع تولي أحزاب سياسية جديدة السلطة بعد انتخابات هذا العام بدعم من القطاعات الفقيرة في المجتمع، وقررت الحكومة اللبنانية مؤخراً زيادة الحد الادنى للاجور بنسبة 40 بالمئة وهو ما يقرب من ضعفي المعدل التراكمي للتضخم على مدى السنوات الثلاث السابقة، وتراجع الحكومة حاليا القرار بعد ان اعترض عليه مجتمع الاعمال ورفضته هيئة ادارية حكومية، ولا تقارن مثل هذه التدابير بالسخاء الذي تظهره بعض دول الخليج في أعقاب الربيع العربي، ففي سبتمبر أيلول أعلنت قطر رفع الرواتب الاساسية والمزايا الاجتماعية للموظفين المدنيين بالحكومة بنسبة 60 بالمئة في حين زادت مرتبات العسكريين بما يصل الى 120 بالمئة، ولم يتضح بعد الى متى ستدوم مطالب زيادة الاجور في أرجاء العالم العربي، فحينما تنحسر الاضطربات السياسية في نهاية المطاف قد تتراجع حاجة الحكومات الى شراء التأييد من مواطنيه، لكن في شمال أفريقيا على الاقل قد تواصل الاحزاب التي تحظى بتأييد شعبي والتي أوصلها الربيع العربي للسلطة خفض أشكال التفاوت الاجتماعي بينما من المستبعد أن يتراجع تماما النفوذ الجديد الذي اكتسبته نقابات العمال.

وفي الامد الطويل قد يعود هذا بالنفع على الاقتصادات العربية وينقلها الى نموذج للنمو "أكثر شمولا" يقول صندوق النقد الدولي وخبراء اخرون انه ضروري لخفض مشاعر الاستياء الاجتماعي والحد من البطالة، وقد يحفز منح المزيد من القدرة الشرائية للاشخاص الاقل ثراء الانفاق في القطاعات الاستهلاكية ويشجع على انشاء المزيد من الشركات في هذه القطاعات، ويقول نشأت المصري الشريك في مجموعة الفرسان وهي شركة للاستثمار المباشر في الشرق الاوسط تدير صندوقا اقليميا حجمه 200 مليون دولار "هؤلاء العمال يتجمعون معا بشكل تدريجي، ويطالبون بتحسين اجورهم وظروف عملهم، هذا كله أموال تعيد ضخها في اقتصادك"، ويضيف قائلا "بعض الشركات لا تحبذ مفهوم زيادة الحد الادنى للاجور لكن في الوقت نفسه تمنح زيادة الاجور الناس مستوى معيشة يمكنهم من شراء منتجات أخرى"، لكن الانتقال الى النموذج الجديد للنمو لن يكون سلس، فقد يشعل النمو السريع للاجور التضخم الذي جرى كبحه في معظم العالم العربي هذا العام فيما يرجع جزئيا الى مستويات جيدة للمحاصيل الزراعية في شمال أفريقيا لكن التضخم قد يرتفع اذ دفعت الصعوبات الاقتصادية الحكومات الى خفض قيمة عملاته، وقد يكون التهديد الاكبر من نصيب المالية العامة، فمن المنتظر أن تبلغ التكلفة المبدئية لزيادة قدرها 59 بالمئة للحد الادنى لاجور موظفي الحكومة في مصر 1.5 مليار دولار وهو مبلغ ليس بمقدور الحكومة أن تتحمله بينما تصارع عجزا في الميزانية يعادل نحو عشرة بالمئة من الناتج الاقتصادي.

وبمقدور دول الخليج الغنية بالنفط أن تواجه الموقف بصورة أفضل لكن حتى بعضها يشعر بوطأة، وتتوقع سلطنة عمان ان يرتفع العجز في الميزانية في العام القادم، وفي الكويت حذر وزير المالية من ان زيادة الرواتب تمثل "خطرا حقيقيا" قد يدفع الموازنة في نهاية المطاف الى السقوط في العجز، وقال محللون ان المخاطرة الاكبر حاليا تتمثل في قدرة الاقتصادات على المنافسة، فمن أجل توفير ملايين الوظائف لمواطنيها الشبان تحتاج دول شمال أفريقيا الي زيادة الصادرات في وقت يتباطأ فيه النمو العالمي، ولتوفير هذه الوظائف تحتاج هذه الدول الى توفير بيئة مواتية للمصدرين مثل شركة النصر للملابس والمنسوجات وهي مورد لشركات أجنبية كبرى للتجزئة مثل تسكو، وتقول علياء المبيض ان زيادة الاجور ليس الطريقة الوحيدة ولا المثالية لتحقيق العدالة الاجتماعية في الشرق الاوسط فالدول في حاجة الى أن توازن بين زيادة الاجور وغيرها من السياسات مثل اصلاح الانظمة الضريبية لجعلها أكثر عدلا واعادة هيكلة الانفاق العام لتقليل الاهدار في الدعم وزيادة كفاءة الانفاق على الخدمات الاجتماعية وهي اصلاحات مهمة سياسيا واجهت الحكومات صعوبات في تنفيذه، وتضيف قائلة "ما يقلقني هو اصدار تشريعات لرفع الاجور بسبب سياسات لكسب التأييد الشعبي دون التفكير في تداعيات ذلك على الاقتصاد، ذلك سيكون مبعثا لقلق كبير".

الربيع العربي يعزز فرص المصرفية الاسلامية

الى ذلك قال تقرير لبنك دويتشه ان المصرفية الاسلامية في منطقة الشرق الاوسط ستشهد دفعة كبيرة في فترة ما بعد الربيع العربي على مستوى التشريعات المواتية والرقابة، وقال التقرير ان المصرفية الاسلامية التي كان للمؤسسات السياسية التي حكمت هذه البلاد تحفظات عليها "ستحصل على دفعة فيما يخص القوانين المصرفية والرقابة"، وأعلنت ليبيا إثر سقوط نظام القذافي أنها ستسرع وتيرة سن قوانين جديدة للمصرفية الاسلامية، وذكر التقرير أن "النصر السياسي للاحزاب السياسية ذات المرجعيات الدينية في تونس وهو الامر المتوقع أن يحدث في مصر قد يصبح دافعا في المدى القصير لاتساع الظاهرة"، وأضاف "نعتقد أن النتيجة النهائية ستكون اتاحة أرضية متساوية للمصرفية الاسلامية والتقليدية وهذا سيؤدي الى تحقيق المصارف الاسلامية نموا أكبر مما كان ممكنا"، ولفت التقرير الى أن تدشين المصرفية الاسلامية في بلدين مثل سوريا والعراق قد لا يكون له أثر في المدى القريب وانما سيبرز أثره بعد انقشاع القلاقل الحالية وانجاز متطلبات اقامة البنية التحتية للصناعة، وأسس العراق في يوليو تموز الماضي أول بنك اسلامي حكومي على أراضيه برأسمال يصل الى 250 مليار دينار (214 مليون دولار)، وافتتحت سوريا بنك الشام كأول مصرف اسلامي بالبلاد عام 2007، وقال التقرير "هذه المنطقة تمثل جمهورا كبيرا من العملاء المحتملين تعدادهم 170 مليون نسمة سيكون لديهم مستقبلا فرصة الاختيار بين المصرفية الاسلامية والتقليدية"، وعلى المستوى الدولي توقع التقرير أن تتضاعف أصول المصرفية الاسلامية الى 1.8 تريليون دولار بحلول عام 2016 مستفيدة من بيئة التقشف المالي وجفاف الائتمان وغياب الثقة بأسواق الدين التقليدية، وحسب التقرير نما اجمالي أصول المصرفية الاسلامية عالميا بين عامي 2006 و 2010 بنسبة 24 في المئة مقابل 15 في المئة للمصرفية التقليدية وزادت القروض الاسلامية بنسبة 25 في المئة مقابل 15 في المئة للتقليدية وارتفعت الودائع الاسلامية بنسبة 21 في المئة مقابل 17 للتقليدية. بحسب رويترز.

وقد ساهمت التقلبات السياسية في الدول العربية في إحداث تغيرات في المجال الاستثماري، خصوصاً وأن بعضاً منها تدرس إمكانية تطبيق القوانين الإسلامية لتشمل مجال الأعمال والتمويل.وقد يكون التغيير كبيراً، إذ أن الفوائد المالية غير مسموح بها في قانون الشريعة الإسلامية، ولذلك، فعلى البنوك اتباع القوانين الإسلامية، وفي هذا الموضوع يقول آفاق خان، الرئيس التنفيذي للتمويل الإسلامي في بنك ستاندرد آند تشارترد، "مبدأ التمويل الإسلامي ظهر في هذه الدول حتى قبل بداية الربيع العربي، سواء كان ذلك في مصر أو تونس، فكلاهما مارسا التمويل الإسلامي لفترة من الزمن"، ولكن حتى الآن لا يوجد أي تمويل إسلامي في ليبيا، ولكن الحكومة الانتقالية أعلنت نيتها تطبيق مبدأ الصرافة الإسلامية، وهي التي تعتمد على صناعات النفط الكبيرة في الدولة، ويقول خان إن هناك العديد من الأفكار الخاطئة حول البنوك الإسلامية، وإن هذه القضية هي مجرد واحدة من تلك القضايا التي لا يفهمها الناس بشكل جيد، ويضيف بالقول، "حماية الأسعار مسموح بها في إدارة المخاطر، وليس في المضاربة، ولذلك فإن الحماية المحدودة تساعد في إصلاح تكاليف الإنتاج، وهذا شئ معتبر في الشريعة"، ويحاول المسؤولوون الليبيون في الوقت ذاته طمأنة الغرب بأن التوجهات الدينية في ليبيا معتدلة ولن تؤثر على مجرى الأعمال. بحسب سي ان ان.

من جهته، يقول عبدالرحمن هابيل، رئيس القسم القانوني في مصرف أبوظبي الإسلامي وعضو مجلس البنك المركزي في ليبيا، إن الشريعة الإسلامية لن تمنع أي مستثمر، ويضيف بالقول، "لن تكون ليبيا الدولة الوحيدة التي تنتج النفط وفي الوقت ذاته تتبع مبدأ الصرافة الإسلامية في المنطقة، فدولة الإمارات العربية المتحدة مثال ناجح جداً"، ويؤكد هابيل أنه حتى لو طبقت ليبيا الشريعة الإسلامية  فإن البنوك التجارية ستتمكن من مواكبة أداء المصارف الإسلامية كما يحدث في الدول المجاورة، مطمئنا بذلك بعض الدول المتخوفة، ويضيف هابيل، "لن تفرض ليبيا أي قيود على الشركات الأجنبية لتتوافق مع الشريعة الإسلامية على سبيل المثال، ولكن القضية تصبح مهمة عندما تكون الشركة مستعدة للدخول في أعمال التمويل الإسلامي، فعليها في هذه الحالة الالتزام لمبادئ البنوك الإسلامية إذا ما كانت قادرة على ذلك"، وحالياً، لا تزال الأسئلة المتعلقة بالاستثمارات في ليبيا أكثر من الأجوبة المتوفرة، ولعل ذلك هو السبب وراء تخوف المستثمرين.

حركة السياحة العربية

في سياق متصل زار تونس حتى نهاية تشرين الاول/اكتوبر 2011 اربعة ملايين سائح مقابل ستة ملايين في الفترة ذاتها من 2010، بتراجع نسبته 33 بالمئة، بحسب ارقام رسمية، وجاء التراجع بالخصوص في عدد السياح الاوروبيين (45 بالمئة) الذين لم يزر منهم تونس سوى 1،9 مليون سائح، بحسب احصائية اعدها الديوان الوطني التونسي للسياحة للاشهر العشرة الاولى من 2011، وسجل التراجع بين الاوروبيين، وخصوصا بين الفرنسيين اكبر زبائن السياحة التونسية بمعدل مليون زائر سنويا، حيث لم يزر تونس حتى نهاية تشرين الاول/اكتوبر سوى 730 الف فرنسي، اما السياح من بلدان المغرب العربي الذين شكلوا في السنوات الاخيرة اكبر عدد من الزوار العرب لتونس، فقد تراجع عدد القادمين منهم الى هذا البلد، وتظهر الاحصائيات تراجعا بنسبة 12،9 بالمئة في اعداد الليبيين (1،3 مليون) وتراجعا حادا في اعداد الجزائريين بنسبة 41 بالمئة الذين بالكاد وصل عددهم الى نصف مليون، وتراجع عدد الليالي التي تمت تمضيتها في البلاد بنسبة 41،9 بالمئة بين كانون الثاني/يناير وتشرين الاول/اكتوبر في حين انخفضت العائدات بنسبة 36،2 بالمئة لتبلغ 1،9 مليار دينار تونسي (960 مليون يورو)، وتاثر قطاع السياحة الذي يعد من اهم القطاعات الاقتصادية في تونس بشدة بالاضطرابات التي واكبت الثورة التونسية التي اطاحت بنظام زين العابدين بن علي في كانون الثاني/يناير، ويعيل قطاع السياحة (7 بالمئة من اجمالي الناتج المحلي) اكثر من 400 الف اسرة تونسية ويوفر بشكل مباشر او غير مباشر عملا لاكثر من 900 الف تونسي، وقد بدأ القطاع يتعافى تدريجيا بعد وضع كارثي في الفصل الاول من 2011 (تراجع باكثر من 60 بالمئة) حيث بلغت نسبة التراجع في تشرين الاول/اكتوبر 25 بالمئة، وكثف حزب النهضة الاسلامي اكبر الفائزين في انتخابات المجلس التاسيسي في 23 تشرين الاول/اكتوبر من التصريحات المطمئنة للشركاء الاجانب وايضا للمستثمرين التونسيين في القطاع المثقلين بالديون. بحسب فرانس برس.

فيما سجل عدد السياح الوافدين الى مصر ارتفاعا بنسبة 23،2% في الفصل الثالث من العام مقارنة بالفصل السابق في اطار موسم سياحي سيء بالنسبة لهذا البلد الذي يعيش مرحلة انتقالية مضطربة اثر الانتفاضة الشعبية التي اطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك وفقا لارقام رسمية نشرت مؤخر، وزار 2،7 مليون شخص مصر في الفصل الثالث اي بزيادة بنحو نصف مليون عن الفصل السابق كما اعلنت هيئة التنمية السياحية، وكان وزير السياحة المصري منير فخري عبد النور اعتبر في 27 ايلول/سبتمبر الماضي ان الحركة السياحية تنتعش في مصر، وتوقع الوزير انذاك ان يرتفع عدد السياح الى 11 مليون قبل نهاية العام اي 57% من عدد السياح الذين زاروا البلاد العام الماضي وان تبلغ العائدات السياحية عشرة ملايين دولار، وفي الفصل الثاني من 2011 انخفض عدد السياح الى 35،4% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق وفقا للهيئة العامة للاحصاء، وكان الفصل الاول سجل هبوطا بنسبة 45،7% عن الفترة نفسها من عام 2010 مع مليون و900 الف سائح.وسجلت عائدات السياحة انخفاضا بمقدار 1،94 مليار دولار خلال الفصل الاول من عام 2011 مقارنة بالفترة نفسها عام 2010 اي بانخفاض بنحو 35%، وتسببت حركة الاحتجاج الشعبي التي اسفرت عن رحيل مبارك في 11 شباط/فبراير الماضي في انهيار النشاط السياحي وهو القطاع الحيوي بالنسبة لاقتصاد البلاد.

مصرفيون يدعون لحالة طوارىء اقتصادية

بدورهم دعا مصرفيون الى تأسيس صندوق تمويل عربي واعلان حالة طوارىء اقتصادية للتخفيف من تأثر اقتصادات الدول العربية بالاضطرابات والثورات التي تجتاح بعض الدول العربية، وقال رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب ورئيس جمعية المصارف في لبنان جوزف طربيه في المؤتمر المصرفي العربي المنعقد في بيروت "ندعو الى قيام صندوق تمويل عربي تدعمه الدول العربية الغنية على غرار مشروع مارشال الذي اقامته الولايات المتحدة الامريكية لاعادة اعمار اوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وذلك من أجل اعادة الاستقرار الى الدول العربية المضطربة عن طريق اعادة الاعمار ورعاية مشاريع التنمية الاقتصادية والبشرية"، أضاف "ان ما يحصل على صعيد منطقتنا لا سابق له وان تأثيراته على الصعيد الاقتصادي لن تكون أقل اهمية من تأثيراته على الصعيد السياسي وانه اذا طالت الازمة في المنطقة فان نتائج ما سمي بالربيع العربي قد يتحول الى شتاء اقتصادي قارس"، وأدت انتفاضات شعبية الى مقتل الزعيم الليبي معمر القذافي ومثول الرئيس المصري السابق حسني مبارك أمام المحاكمة وهروب الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي الى السعودية، ويسعى المحتجون في سوريا واليمن للاطاحة بنظامي الرئيسين بشار الاسد وعلي عبد الله صالح كما تشهد البحرين مزيدا من الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية، وقال طربيه "الكلفة الاقتصادية لما يحصل من ثورات في عدة بلدان عربية وتوالي سقوط الانظمة كبيرة جدا وتضعنا جميعا أمام تحديات مصيرية تتناول اعادة البناء السياسي والمؤسساتي والاقتصادي والاجتماعي والانساني أيضا". بحسب رويترز.

أضاف "فعلى صعيد الاستثمارات الوافدة الى المنطقة العربية في العام 2011 تراجعت هذه الاستثمارات حتى الان بنحو 83 بالمئة من أكثر من 20 مليار دولار الى حوالي 4.8 مليار دولار نتيجة أجواء عدم الاستقرار الاقليمي"، كما سجل تراجعا حادا في نمو المصارف في المناطق التي شهدت اضطرابات وثورات وان خفض التدفقات المالية والاستثمارات والزيادة في عجز الموازانات يستتبع تدهورا في مجالات اخرى كخفض النمو الاقتصادي وارتفاع التضخم والبطالة وازدياد المديونية العامة وخفضا في الاحتياطيات الاجنبية وكذلك في قيمة العملة وارتفاع اسعار الفوائد وخفض نمو الودائع وهبوط الاسواق المالية وخفض التصنيف السيادي"، اما عدنان يوسف رئيس مجلس ادارة اتحاد المصارف العربية فقال في المؤتمر الذي جاء تحت عنوان "مستقبل العالم العربي في ظل التطورات الراهنة" انه "بات من الضروري اعلان حالة طوارىء اقتصادية عربية للحد من تأثيرات هذه الدول من جهة وتخفيف تأثر الدول العربية الاخرى بالازمات الاقتصادية الخارجية من جهة اخرى"، وأضاف "يبدو أن الاحداث التي تشهدتها بعض دولنا العربية الشقيقة ستكبد اقتصاديات هذه الدول خسائر كبيرة في ظل اعلان مؤسسات مالية ومصرفية اقليمية ودولية عن توقعات منخفضة لمعدلات النمو وتشير الى توقع تباطؤ في بعض هذه الدول وانكماش في بعضها الاخر".

واشار الى ان بيانات حديثة لصندوق النقد الدولي اوضحت ان الاقتصاد المصري سيحقق معدل نمو بواقع 1.2 خلال العام الجاري مقابل 5.1 في العام الماضي في حين سيتجمد الاقتصاد التونسي عند المستوى نفسه للعام الماضي وبمعدل نسبته اقل من واحد بالمئة، ويقول يوسف ان البيانات نفسها نبهت الى ان "الاقتصادين السوري واليمني سينكمشان العام الحالي بحوالي 2.2 بالمئة للاول و2.4 للثاني"، ومضى يقول "ومع ذلك فاننا نعتقد أن الاداء الاقتصادي وخاصة لمصر وتونس سوف يتحسن خلال السنوات القادمة حيث ان الحالة السياسية الراهنة هي حالة مؤقتة كما ان مؤسسات التصنيف الدولي حافظت على تصنيفاتها لهذه الدول وبالتالي فان هذه الدول سوف تشهد مرحلة من النمو الاقتصادي والجذب الاستثماري حالما تدخل مرحلة الاستقرار السياسية".

تراجع الاستثمارات الأجنبية بالدول العربية

من جهة اخرى انخفضت نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الدول العربية بشكل عام لتصل ما بين 55 إلى 60 مليار دولار مقابل أكثر من 66 مليار دولار في الفترة ذاتها من العام الماضي حسب ما اورده تقرير منظمة "أونكتاد"، وأكد محللان، أن هذا التراجع الكبير، نتاج حالة عدم الاستقرار السياسي وبالأخص في دول الربيع العربي بالإضافة إلى الهزات التي لا زال يشهدها العالم ابتدءا بأزمة البنوك العالمية وانتهاء بأزمة الديون الأوروبية، وقال المحلل الاقتصادي محمد أبو الغنم إن تقرير منظمة  أونكتاد الذي يشير إلى انخفاض قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة بما يقارب 17 مليار دولار مبني على توقعات متفائلة حيث تشير الأرقام الأخيرة الصادرة عن عدد من الهيئات الرسمية العربية إلى معدلات انخفاض تتجاوز كل التوقعات، من جهته قال المحلل ينال أبو زينة إن الأرقام الحقيقية للانخفاض تتجاوز كل التوقعات وخصوصا مع تطور الأحداث في المنطقة العربية ودخول معطيات جديدة على الساحة السياسية والاقتصادية تباعا. بحسب سي ان ان.

وأضاف أن ما تشهده اقتصاديات الدول العربية ما هو إلا بداية لسلسلة طويلة من الآثار السلبية تتفاوت في تأثيرها بين دولة وأخرى وبالأخص تلك الدول غير النفطية التي تعتمد بشكل أساسي على تدفق هذه الاستثمارات لتحقيق نسب نمو اقتصادي تساعد في حل عدد من المشاكل على رأسها البطالة بالإضافة إلى رفع احتياطها من العملات الأجنبية وغيرها، ما "سيشكل فجوة ستتنامى مع مرور الوقت في هذه الاقتصادات الهشة"، وبحسب بيانات أونكتاد، فمن المتوقع أن تقود مصر دول الربيع العربي في معدلات الانخفاض مع العلم أن مصر احتلت المركز الرابع والثلاثين بين دول العالم في قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد إليها العام الماضي، والتي تمثل نسبة نحو 0.5 في المائة من إجمالي الاستثمار الوارد الدولي البالغ 1.2 تريليون دولار، أما عربيا فقد احتلت مصر المركز الثاني بعد السعودية من ناحية حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والثاني في أفريقيا بعد انغولا، والرابع بالدول الإسلامية بعد اندونيسيا وكازاخستان وتركيا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 15/كانون الأول/2011 - 19/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م