أمريكا وإيران... معارك الحرب الناعمة

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: خلال الأيام القليلة المنصرمة كشف الستار بشكل جلي عن سخونة ما بات يعرف بالحرب الناعمة بين الولايات المتحدة وإيران، خصوصا بعد قضيتي السفارة الافتراضية والطارئة الاستخبارات الأمريكية بدون طيار.

وتؤشر تلك الأحداث المتعاقبة بهذه السرعة على وجود معارك حامية الوطيس تجري في الخفاء بين تلك الدولتين، ارتأى طرفي النزاع الكشف عن بعض فصولها لمآرب سياسية بحته، منها الابتعاد عن شبح المواجهة العسكرية التي قد تكلف جميع الأطراف نتائج كارثية في حال وقوعها.

يخشى المجتمع الدولي من اشتعال فتيل حرب بين امريكا واسرائيل من جهة وايران من جهة أخرى في حال احتدام المواجهة، خصوصا بعد التهديدات الاسرائيلية المتكررة حول نيتها استهداف المنشآت النووية الايرانية.

انشطة تجسس امريكية

فقد كشف تحطم طائرة دون طيار تابعة لوكالة المخابرات المركزية الامريكية (سي.اي.ايه) في ايران النقاب عن سر كانت اجهزة المخابرات الامريكية تحبذ ان يبقي طي الكتمان الا وهو انشطة التجسس المكثفة في دولة ليس للولايات المتحدة اي وجود رسمي بها. واذاع التلفزيون الايراني وسط احتفاء كبير صور الطائرة التي بدت سليمة الى حد كبير. وامتنع المتحدثان باسم وزارة الدفاع (البنتاغون) ووكالة المخابرات المركزية التعليق عما اذا كانت تلك هي الطائرة الامريكية من طراز ار.كيو-170 سنتينال المفقودة.

وأكد مصدر مطلع على الامر أن الطائرة دون طيار التي تحطمت كانت في مهمة تجسس في اجواء ايران. وقال مسؤول امريكي رفض نشر اسمه انه يعتقد أن الطائرة تحطمت نتيجة عطل ولم يسقطها الايرانيون ولم يتسللوا للكمبيوتر الخاص بها. ورغم المخاطر المتمثلة في محاولة ايران تطبيق تكنولوجيا الهندسة العكسية أو بيعها لدولة اخرى مثل الصين الا ان المسؤولين الامريكيين يعتقدون ان ايران لن تتمكن من النفاذ الى أنظمة الكمبيوتر الخاصة بالطائرة لمعرفة تفاصيل عن مهمة التجسس الامريكية.

ويقول مسؤولون امريكيون وغيرهم على دراية مباشرة بالوضع ان الولايات المتحدة تتجسس على ايران بوسائل مختلفة. وقال خبير دفاعي أمريكي مستقل طلب عدم نشر اسمه انه تبين له عندما زار مقر قيادة في قاعدة عسكرية امريكية في منطقة الخليج في عام 2008 ان المنشأة تستقبل عدة بيانات مراقبة الكترونية من أكثر من مصدر في ايران. واضاف الخبير انه يبدو ان بعض البيانات تنقل من طائرة على ارتفاعات شاهقة والبعض من مجسات الكترونية قامت الولايات المتحدة بتركيبها على الارض في ايران.

ولا يوجد للولايات المتحدة وجود رسمي في ايران لذا فمن الصعب تحديد ما يجري داخل الحدود. ولم يكشف النقاب كليا حادثة وقعت في الاونة الاخيرة. فقد خرجت انباء متناقضة من ايران عن وقوع انفجار في مدينة اصفهان حيث يوجد موقع نووي مهم. وقال ديفيد البرايت رئيس معهد العلوم والامن الدولي انه فحص صور المنطقة ولم يرصد اي ضرر في موقع اصفهان النووي. ولكنه استطرد "من الممكن ان يكون ثمة انفجار ولكن ليس في الموقع النووي."

وأضاف ان الشيء المحير ان الايرانيين قالوا بصراحة ان انفجارا في مستودع للصواريخ كان حادثا ولكن لم يتحدثوا بنفس الوضوح عما حدث في اصفهان. وتابع "نحاول معرفة ما حدث بالفعل. وذكر البرايت "تحدث انفجارات في ايران وتهون ايران من شأنها. يصفونها بانها حوادث او ينفون وقوعها ومن ثم فان استمرار هذه الحوادث قد يكون نتيجة اعمال تخريبية لوكالات مخابراتية."

وفي واقعة سابقة قالت ايران ان انفجارا ضخما وقع في قاعدة عسكرية بغرب طهران اسفر عن مقتل 17 شخصا من الحرس الثوري الايراني بمن في ذلك رئيس برنامج الصواريخ في البلاد وذلك نتيجة حادثة أثناء نقل أسلحة. وحين يقع حادث يستعصي تفسيره ويبدو انه يستهدف برنامج الصواريخ الايراني يتساءل خبراء ما اذا كان للمخابرات الامريكية او الاسرائيلية يد في الامر.

كما كشف النقاب عن مزاعم تدبير ايران عمليات سرية ضد الغرب ألقت الولايات المتحدة القبض على رجل اتهم بالتورط في مؤامرة حاكها عملاء ايرانيون لاغتيال السفير السعودي لدى واشنطن.

واتهمت الحكومة الامريكية ايران بتسليح وتمويل ميليشيات عراقية مسؤولة عن الهجوم على قوات امريكية في العراق. بحسب رويترز.

ولا يظهر المسؤولون الامريكيون ادنى قدر من القلق ازاء مشاكل البرنامجين النووي والصاروخي في ايران بما في ذلك فيروس ستاكس نت الذي هاجم اجهزة الطرد المركزي في موقع نطنز النووي. وقال مسؤول امريكي طلب عدم نشر اسمه "سواء كانت مشاكل فنية او عدم كفاءة أو أسباب اخرى فان تعرض الانشطة الايرانية لبعض الانتكاسات موضع ترحيب."

لن نعيدها

فيما أعلن مسؤول عسكري إيراني رفيع، أن بلاده لن تعيد طائرة الاستطلاع الأمريكية دون طيار. وذكر أن نائب قائد القوات المسلحة الإيرانية، حسين سلامي، قال إنه "لا توجد دولة على الإطلاق تسمح بوجود أجهزة تجسس على أراضيها، ولا يتم تسليم هذه الأجهزة لبلد المنشأ.

وقالت البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة، إنها تقدمت بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي بخصوص طائرة استطلاع أمريكية دون طيار تدعي طهران أنها حلقت فوق شرق البلاد، قبل أن تتمكن من إسقاطها.

وذكر محمد خزاعي مندوب إيران لدى الأمم المتحدة وجه رسالة إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، ومندوب روسيا الدائم لدى المنظمة الدولية، فيتالي تشوركين، الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية لمجلس الأمن. بحسب السي ان ان.

ودعا خزاعي المنظمة الدولية إلى "إدانة الاستفزازات العسكرية الأمريكية، وذلك في إشارة إلى إسقاط القوات المسلحة الإيرانية لطائرة تجسس أمريكية من دون طيار في شرق إيران مؤخرا." ووصف خزاعي تحليق الطائرة بأنه "عدوان وعملية سرية، وبمثابة إعلان الحرب،" مطالبا الأمم المتحدة "اتخاذ إجراءات فعالة لوضع حد لهذه الأعمال الخطرة وغير الشرعية،" وفقا لما نقلته وكالة مهر.

إيران تستدعي سفير سويسرا

كما أفاد التلفزيون الحكومي بأن وزارة الخارجية الإيرانية استدعت السفير السويسري الذي يمثل المصالح الأمريكية في البلاد للتنديد بما وصفته بأنه انتهاك أمريكي للاجواء الإيرانية.

وقال التلفزيون "استدعت وزارة الخارجية الايرانية السفير السويسري واعترضت بشدة على انتهاك أمريكا للمجال الجوي للبلاد بطائرة تجسس بدون طيار... كما طالبت إيران الحكومة الأمريكية بتقديم توضيح واتخاذ اجراء تعويضي."

وليس لواشنطن بعثة دبلوماسية في إيران منذ عام 1980عندما اقتحم طلبة إيرانيون سفارتها واحتجزوا 52 أمريكيا رهائن لمدة 444 يوما. ويأتي حادث الطائرة بدون طيار في وقت تحاول فيه طهران احتواء غضب خارجي بشأن هجوم وقع على السفارة البريطانية بعد أن فرضت لندن عقوبات على البنك المركزي الايراني بسبب برنامج التخصيب النووي المتنازع عليه.

واعلنت ايران عدة مرات انها اسقطت طائرات بدون طيار أمريكية أو إسرائيلية أو بريطانية في حوادث لم تسلط عليها الكثير من الاضواء.

وطهران على خلاف مع واشنطن وحلفائها بشأن البرنامج النووي المثير للجدل للدولة الإسلامية الذي يشتبه الغرب في انه يهدف لصنع أسلحة نووية. وينفي مسؤولون إيرانيون هذا الاتهام قائلين ان البلاد تريد التكنولوجيا النووية لتوليد الكهرباء. ولم تستبعد الولايات المتحدة وإسرائيل اجراءات عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية اذا فشلت الدبلوماسية في حل الخلاف. وقالت إيران انها سترد على أي هجوم بمهاجمة إسرائيل والمصالح الأمريكية في الخليج. بحسب رويترز.

وقالت ايران انها اسقطت طائرتي استطلاع غربيتين غير مسلحتين بدون طيار في منطقة الخليج. واضافت انها أسقطت طائرة تجسس أمريكية بدون طيار فوق مدينة قم المقدسة بالقرب من موقع فوردو النووي.

السفارة الافتراضية

من جهتها حجبت ايران موقع "السفارة الافتراضية" الذي انشأته الخارجية الامريكية للتواصل مع المواطنين الايرانيين حسب زعمها، والذي وصفه نواب ايرانيون بارزون انه محاولة لخداع الشعب الايراني وفصلهم عن الحكومة. ولم يعد بالامكان الدخول الى موقع السفارة من داخل ايران، حيث يظهر الموقع عبارة بالفارسية تقول "بموجب قوانين جرائم الكمبيوتر، فانه لا يمكن الدخول الى هذا الموقع".

وتحجب السلطات الايرانية كذلك عددا من المواقع التي لا توافق عليها ومن بينها موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" ومواقع غوغل غير الانكليزية والعديد من مواقع الاعلام الاجنبي. وقال علاء الدين بوروجيردي رئيس لجنة الامن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الايراني ان الموقع الاميركي الجديد هو محاولة فاشلة لجعل الايرانيين يعتقدون ان واشنطن ترغب في التواصل معهم. بحسب فرانس برس.

وقال ان "افتتاح الولايات المتحدة لسفارة افتراضية هو خداع جديد يمارسه الشيطان الاكبر"، واضاف ان "الشعب الايراني لن يقع ضحية هذا الخداع". ونقل عن النائب المتنفذ حسن غفوري-فارد قوله ان الموقع انشأ "لان الولايات المتحدة تريد بث الشقاق بين الشعب الايراني والحكومة". واستبعد اعادة العلاقات الدبلوماسية الرسمية مع الولايات المتحدة. وقال "ان الشعب الايراني ليست له اية رغبة في اقامة علاقات (مع الولايات المتحدة) حتى لو كانت على مستوى السفارات الافتراضية، الا بعد ان تتخلى الولايات المتحدة عن مؤامراتها ودبلوماسيتها المعادية لايران".

من جانبها ندد البيت الابيض بقيام ايران بحجب موقع "السفارة الافتراضية" اقامتها وزارة الخارجية الامريكية للتواصل مع المواطنين في الجمهورية الاسلامية. وقال البيت الابيض في بيان "من خلال هذا العمل برهنت الحكومة الايرانية مرة أخرى على اصرارها على بناء ستار الكتروني من الرقابة والمنع حول شعبها."

وحجبت السلطات الايرانية في وقت سابقا موقعا الكترونيا بعد ساعات من قيام وزارة الخارجية الامريكية باطلاقه ليكون "سفارة افتراضية" على الانترنت. وجاء في بيان موجه لكل من يحاول زيارة موقع (iran.usembassy.gov) "وفقا لقانون الجريمة الالكترونية فان الدخول الى هذا الموقع غير ممكن."

وموقع "السفارة الافتراضية في طهران" --الذي يعلن صراحة انه لا يقدم خدمات قنصلية-- هو محاولة من وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون لاعطاء الايرانيين نظرة ودية للولايات المتحدة التي تطلق عليها النخبة الحاكمة في طهران وصف "الشيطان الاكبر". وعلقت وكالة انباء فارس شبه الرسمية على حجب الموقع قائلة "أبطل قرار حاسم للسلطات الايرانية مؤامرة خبيثة أخرى للامريكيين. بحسب فرانس برس.

ولا يزال باستطاعة الايرانيين الدخول الى الموقع باستخدام شبكة افتراضية خاصة او (في.بي.ان) وهو برنامج يمكنه اختراق الحصار الحكومي واساسي للملايين من مستخدمي موقع فيسبوك في ايران. وفي واشنطن قالت وزارة الخارجية الامريكية انها على علم بحجب الموقع لكنها تعتقد انه لا يزال بامكان الايرانيين الدخول اليه بواسطة (في.بي.ان) او وسائل اخرى.

فيما حذر وزير الاستخبارات الايراني حيدر مصلحي الايرانيين وخصوصا الشبان من الدخول الى موقع "السفارة الافتراضية" ويهدف في نظره الى دفعهم نحو "التجسس". ونقلت وسائل الاعلام عن الوزير قوله ان انشاء هذا الموقع الالكتروني يشكل "طعما او شبكة لايقاع شعبنا في شرك التجسس، وخصوصا الشبان الذين يتوجب عليهم التيقظ". بحسب فرانس برس.

واضاف مصلحي محذرا ان السفارة الاميركية في طهران المغلقة بعدما هاجمها ثوار ابان الثورة في 1980، "كانت وكرا للجواسيس استولت عليه الامة (...) وكذلك هي السفارة الافتراضية التي ستلقى المصير نفسه". الا ان واشنطن دانت حجب الموقع واعتبرت ان "الحكومة الايرانية اظهرت مرة جديدة التزامها بوضع ستار الكتروني للمراقبة والرقابة حول الشعب".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 15/كانون الأول/2011 - 19/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م