الأسرة أول من يكتشف طفلها الموهوب

عدنان العلي الحسن

لقد أنعم الله سبحانه وتعالى على الإنسان وميزه من سائر المخلوقات بالقدرة على التفكير والإبداع والموهبة التي هي من أهم العمليات التي اختص بها الإنسان دون سواه من الكائنات.

وقد دلت الدراسات والبحوث على أن الأطفال الموهوبين يتمتعون بشخصيات أقوى من سواهم، وبقدرة بناءة أعظم على معالجة المشكلات التي تواجههم، وأن العناية بالموهبة جزء مهم لا يمكن إغفاله داخل المحضن التربوي من خلال البرامج الإثرائية والعلمية وتوفير البيئة التي تناسب مواهبهم لأنهم قادة المستقبل وأن هناك ما نسبته 2 ـ 5%من الناس يمثلون الموهوبين والمتفوقين حيث يبرز منهم صفوة العلماء والمفكرين والقادة والمبتكرين والمخترعين الذين اعتمدت الإنسانية منذ أقدم عصورها في تقدمها الحضاري على ما تنتجه أفكارهم وعقولهم من اختراعات وابداعات وإصلاحات.

من الأمور المتفق عليها تربوياً أن الطفل تتبلور سلوكياته، ويكتسب عاداته وقيمه، وتتكون شخصيته، وتنمى مهاراته في المراحل الأولى من حياته، أي منذ الطفولة المبكرة، وبالتالي تكون الأسرة هي المنبع التربوي الأول الذي يستقي منه الطفل صفاته الشخصية وعاداته وقيمه ومهاراته الاجتماعية، وسلوكياته الحياتية. ولم لا؟ والأسرة هي الحضن التربوي الأول الذي ترعى الإنسان منذ ولادته، ومنها يكتسب الكثير من الخبرات والمعلومات، والمهارات، والسلوكيات والقدرات التي تؤثر في نموه النفسي، إيجاباً وسلباً، وهي التي تشكل شخصيته بعد ذلك.

والطفل الموهوب تعريفه: هو ذلك الفرد الذي يظهر أداء متميزاً مقارنة مع المجموعة العمرية التي ينتمي إليها ـ في واحدة أو أكثر من الأبعاد التالية:

1ـ القدرة العقلية العالية.

2ـ القدرة الإبداعية العالية.

3- التحصيل الأكاديمي المرتفع.

4- القدرة على المثابرة والالتزام، والدافعية العالية، والمرونة، والاستقلال في التفكير...الخ.

وبالتالي، فالأسرة أول مكتشف لقدرات أبنائها، ولاسيما أنها الحاضن الأول لهم منذ خروجهم إلى هذه الحياة، وعندئذٍ يقع على عاتقها مسؤولية اكتشاف ورعاية وتنمية مواهب أبنائها.

ويلاحظ الوالدان أحياناً أن ابنهما يميل إلى مصاحبة الذين يكبرونه في السن، بينما لا يلقى قبولاً من أقرانه من العمر نفسه أو من والديه أو من مجتمعه أيضاً ويتمتع بمهارات فائقة في الإقناع حتى يفوز برأيه، وهو قادر على أن يقنع الطرف الآخر بالوجه النقيض للمسألة نفسها، وحين يتحدث يستخدم مفردات صعبة وألفاظاً غير عادية.

يُبيّن أحد الباحثين (كورنيل- 1983م) أن الأم هي أول من يكتشف أن طفلها موهوب.. وإذا كان هناك خلاف بين الأبوين حول أن يكون طفلهما موهوباً فإن الأب هو المتشكك في إطلاق هذه الصفة على الطفل. ويذكر بعض الاختصاصين التربويين أن دور الأسرة في الكشف عن الموهوب يتركز في الخطوات التالية:

الخطوة الأولى: التعاون مع المدرسة عن طريق عقد اللقاءات مع معلّم الطفل لإعطائه المعلومات الكافية عن موهبة هذا الطفل، لأن المعلِّم قد لا يكون لديه الوقت الكافي لكشف الموهبة لدى جميع التلاميذ.

الخطوة الثانية: عقد لقاءات مع الاخصائي النفسي أو المرشد الاجتماعي كي يمده بالمعلومات اللازمة عن سلوك الطفل الموهوب، والتعرف إلى أساليب التعامل الصحيح معه، ومراعاة الخصائص النفسية والاجتماعية للطفل الموهوب، ورعاية قدراته الخاصة عبر برامج فردية.

الخطوة الثالثة: اللجوء إلى مصادر الدعم في المجتمع من جامعات ومؤسسات مجتمعية لتقديم المساعدات المادية والفنية لرعاية التلاميذ الموهوبين. ولكن يبدو أن الأسرة ــ كما يؤكد خبراء في تربية الموهوبين ــ لاتزال تجهل أهمية دورها في الكشف عن الطفل الموهوب، وأن عدد الأسر التي لديها طفل موهوب دون علمها أكثر من عدد الأسر التي تعتقد بأن لديها ابناً موهوباً وهو ليس بموهوب. ويبين [كولانجلو وداتمان عام 1983] أن أهم مشكلة تواجُهها الأسرة في هذا المجال هي قلة المعلومات التي تمتلكها عن طبيعة الطفل وخصائصه وأساليب الكشف عنه.

كما تبين الدراسات أن الوالدين يواجهان صعوبات متعددة فيما يتعلق بمسألة الكشف عن الطفل الموهوب، ومن أهم هذه الصعوبات عدم توافر المعلومات الكافية حول طبيعة الموهوب وخصائص الموهوبين، وأساليب الكشف عنهم، وكذلك في تحديد ما إذا كان طفلهما موهوباً أم لا؛ لهذا تتجلّى لنا أهمية وجود أخصائيين في التربية متخصّصين في رعاية الموهوبين والمتفوقين في كل مدرسة تعليمية، على ألا يكون ذلك حصراً على عدد معين في المدارس، بل أن توضع برامج لرعاية الموهوبين تلازم كل مؤسسة تربوية تبني أفراد المجتمع.

كان الاهتمام بالمتفوقين منذ عام 1920 من خلال إعداد برامج لتربية الموهوبين مثل برنامج استور للأطفال المبدعين الذي يستهدف إعطاء الأطفال المبدعين برامج خاصة يتم من خلالها إشباع حاجاتهم النفسية من احترام وحب وتقبل، وتنمية الاستقلالية والاعتماد على الذات، والقدرة على حل المشكلات بهدوء، وتقبل وجهات النظر الأخرى، أما عن أساليب الكشف فكانت عن طريق الاختبارات، الفردية أو الجماعية للذكاء، واختبارات التحصيل، وقوائم مراقبة السلوك لملاحظة المهارات والقدرات، والمقابلة الشخصية.

تهدف برامج التربية الابداعية ورعاية الموهوبين المستقبلية إلى تحقيق هدفين هما:

1- إثراء موهبة وإبداع الأطفال وإغنائها، وخاصةً إذكاء روح المبادرة وتدعيم الثبات والدأب لديهم.

2- تربية إنسان يناسب تحديات القرن الحادي والعشرين، ويكون مؤهلاً للاستجابة لمكتشفات العلم الحديث بإيجابية، وذلك من خلال الاهتمام بإنماء الذكاء، والتدريبات الفعلية في مرحلتي الحضانة والطفولة المبكرة، وكذلك تحسين شروط التعليم والصحة والتغذية، والاهتمام بشكل خاص بالمعلمين الذين يرعون الأطفال الموهوبين وذلك بالتزام برنامج مكثف ومعمق وصارم.

وسورية اليوم بدأت بوضع القواعد التي تكرم المتفوقين أكاديمياً في إطار التعليم العام والجامعي، وكذلك ذوي المواهب الخاصة في مجال الآداب والفنون، والتكريم يكون على شكل مادي أو بعثات دراسية داخلية أو خارجية، أو رحلات ومعسكرات داخلية أو خارجية.

إن من يتأمل في تاريخنا الإسلامي يرى بوضوح إشراق وجه حضارتنا الإسلامية.. فقد سخر الله لها رجالا أفذاذا من المفكرين والمبتكرين المبدعين في شتى نواحي العلوم حيثُ وضعوا العلم في موضعه اللائق احتراماً وتعلماً وتطبيقاً وقدوةً لأبناء أمتهم العربية وفق منهجها الرباني الذي ارتضاه لها الله في قوله جل من قائل (كنتم خير أمة أخرجت للناس) الآية 110 من سورة عمران. وعلينا أن نستمر في ذلك من أجل بناء الوطن ونهضته وعزته.

[email protected]

..............................................

المراجع:

1- مؤتمر (الإبداع والمبدعون) والتربية الجزء الأول والثاني لعام 2004م جامعة حلب - سورية.

2- علم النفس دراسة التكيف البشري د: فاخر عاقل _ ط11

3 - التربية الخاصة بالطفل د: مها زحلوق وغسان أبوالفخر ودرغام رحال –كلية التربية جامعة دمشق 2007م.

4 - الموهوبون: رومي شوفان – ترجمة:وجيه أسعد وزارة الثقافة دمشق- سورية.

5- مفاهيم وبرامج عالمية في تربية المتميزين والموهوبين، ط1 دار الفكر عمان – الأردن

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 15/كانون الأول/2011 - 19/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م