رسامو الكاريكاتير العرب.... قاب قوسين أو أدنى من الحرية

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: إن الفن الساخر يلعب دورا كبيرا في تسليط الضوء على ظواهر سلبية في المجتمعات، وعلى مختلف المجالات سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية، وهو بذلك يمثل لغة ناقدة، تعتمد المفارقة، والخط المختزل. 

إذ أن الكاريكاتير يسخر ويجرح ويفصح ويوضح ويكشف، فهو موقف مما يحدث، ولذلك لكل فنان كاريكاتير سجل خاص بما منع نشره في صحف ومجلات، لكن فضاء الانترنت واسع لكل ما يحجب، ولا تستطيع المطبوعات نشره، لأسباب عدة، تتمحور حول ثالوث السياسة والدين والجنس، خصوصاً في مجتمعاتنا العربية.

وفي ظل التطورات الحاصلة في الوطن العربي يشهد رسم الكاريكاتير في العراق، ندرة في تجسد شخصيات سياسية عراقية أو غير سياسية بشكل واضح وصريح، ويعلل رسامو الكاريكاتير ذلك بسبب الخوف من رد فعل قد يصل أحيانا الى ما هو غير متوقع من قبل المسؤولين أو الدائرة المحيطة بهم، غير أنه كان من المفترض أن تكون هنالك انطلاقة حقيقية لرسام الكاريكاتير العراقي بعد العام 2003 في أن يكون صريحا ومباشرا في النقد، لكن اكتشف أن هذا غير ممكن في الوقت الحالي حسب ما ذكره المختصون في هذا المجال.

فيما روى رسامون من كل أنحاء العالم، بأقلامهم وأجهزة كومبيوتر نقالة وحس فكاهة، أكثر الأحداث مأسوية، التي شهدتها الثورات العربية، في مصر وتونس وليبيا وسوريا، إذ أن الرسوم الساخرة التي انتقدت الزعماء العرب السابقين، قد جالت العالم بواسطة الانترنت. وأصبحت بمثابة وجبة يومية لدى كثير من القراء في الوطن العربي.

رسامو الكاريكاتير في العراق

وفي هذا الصدد بعد خمسة وثلاثين عاما قضاها في رسم الكاريكاتير مازال خضير الحميري احد ابرز رسامي الكاريكاتير في العراق يحلم بمستقبل فيه انتقاله غير متوقعة نحو الأحسن للوضع السياسي العراقي عله يستطيع من خلاله ان يعبر فيه عن ذاته ويخط رؤيته كرسام كاريكاتيري، وعلى الرغم من مرور ما يقارب تسع سنوات على الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003 واسقاط نظام حكم الرئيس الراحل صدام حسين الذي حكم العراق لعقود بقبضة من حديد وهو الحدث الذي ظن فيه الكثير من العراقيين انه سيكون ايذانا ببدء عهد جديد من الديمقراطية والحرية الا ان العديد من رسامي الكاريكاتير مازالوا حتى اللحظة يترددون كثيرا في ممارسة النقد السياسي المباشر في رسومهم ويلجأون الى التعميم، وحتى ألان يجد الحميري واخرون والعديد من اقرانه انفسهم مرغمين على إتباع أسلوب التحايل في رسومهم من خلال رسم شخوص عامة لتجنب الاصطدام مع الحاكم والمسؤول وهو أسلوب يقول انه وبعد عقود قضاها في رسم الكاريكاتير أصبح جزءا من ذاته وصفة مميزة ليس فقط لرسومه بل للعديد من رسامي الكاريكاتير في العراق، وقال الحميري كان من المفترض ان تكون هنالك انطلاقة حقيقية لرسام الكاريكاتير العراقي بعد العام 2003 في ان يكون صريحا ومباشرا في النقد لكن اكتشفنا أن هذا غير ممكن، ويصمت قليلا ويضيف بضحكة ساخرة وتهكم ربما الوضع السياسي العراقي يشهد انتقالة اخرى غير متوقعة نحو الأحسن ربما، وأضاف الحميري الذي غزا الشيب شعره "هذا مؤلم. بعد اكثر من خمس وثلاثين أو أربعين سنة كرسام كاريكاتيري مازلت أتمنى أن تحدث هذه النقلة في الوضع السياسي...اشعر انني لحد الان لم اعبر عن ذاتي كرسام كاريكاتير حقيقي .. بعد كل هذه السنوات مازلت انتظر ان اقول في رسوماتي كل ما أريد قوله، ونادرا ما تجسد رسوم الكاريكاتير في العراق شخصيات سياسية عراقية او غير سياسية بشكل واضح وصريح ويعلل رسامو الكاريكاتير ذلك بسبب الخوف من رد فعل قد يصل احيانا الى ما هو غير متوقع من قبل المسؤولين أو الدائرة المحيطة بهم، وفي صورة رسمها الحميري نهاية عام 2003 يظهر رجلان احدهما يمثل رجل الشارع والاخر مسؤول حكومي يسأل الاول عن الفرق بين الديمقراطية والدكتاتورية فيجيبه الثاني بالدكتاتورية أذا تقول رأيك تموت. وبالديمقراطية ما راح احد يسمعك... لو تموت، وبعد ما يقارب ثماني سنوات رسم الحميري صورة اخرى هذا الاسبوع في صحيفة الصباح الرسمية يظهر فيها نفس الشخصيتان يسأل فيها رجل الشارع وهو يحمل بيده كرسي ضئيل الحجم المسؤول الحكومي الذي ظهر جالسا على كرسي فخم أشبه بتلك التي يجلس عليها الرؤساء والملوك.. هل نتبادل الكراسي.. فيرمقه المسؤول بنظرة تحقير وتجاهل دون ان يكلف نفسه عناء الرد، ويعتقد الحميري أن هذا قد يكون أقصى ما يمكن فعله على الأقل في الوقت الحاضر لتجنب ردات الفعل الغاضبة وغير المتوقعة للسياسيين العراقيين والمحيطين بهم وقال أن عزاءه في هذا أن القارئ العراقي يفهم ما يعنيه وما يعانيه رسام الكاريكاتير، وأضاف هذا تعبير عن وضع لا نحسد عليه... الحرية التي يتمتع بها رسامو الكاريكاتير في العديد من دول العالم مازلنا نحن محرومين منها. ولهذا نلجأ الى النقد العام وليس المباشر، ومع كل احتياطاته إلا انها لم تكن كافيه لتجنب ما كان يخشى وقوعه. فقد ادت مكالمة هاتفية تلقاها عبر جواله عام 2006 الى أعادة النظر بكل ما يرسمه، وقال الحميري أن المتحدث قال له آنذاك انه يقدم له "نصيحة بان لا يذهب بعيدا في رسوماته وان يعيد النظر برسومه التي قال الحميري بانه حاول وقتها ان يكسر فيها الحواجز ويتخطى الخطوط الحمراء، واستطرد هو قال لي انه يقدم لي نصيحة لكني اعتبرتها نصيحة زائد تهديد". ورفض الحميري الخوض في تفاصيل تلك الحادثة وقال "لا تسألني عن التفاصيل. هذه معلومات ليست للنشر. لا تورطنا مازالوا موجودين في السلطة، وعلى الرغم من أن أحداث السنوات التي تلت عام 2003 لم تسجل مقتل رسام كاريكاتيري واحد في العراق الا ان الحميري واخرين مثل احمد الربيعي يعتقدون ان معاناتهم كرسامي كاريكاتير جزء لا يتجزأ من معاناة الصحفيين العراقيين، وتقول المنظمة العالمية لحماية الصحفيين ان اكثر من 150 صحفيا عراقيا ذهبوا ضحية للعنف الذي ضرب البلاد بعد عام 2003،  لكن منظمات عراقية معنية بهذا الشأن تقول ان الضحايا يفوقون هذا الرقم بكثير، ومثل الحميري يعتقد الربيعي ان اسلوب التعميم في رسم الشخوص قد يكون الناجع والاكثر امانا في ممارسة هذه المهنة في الوقت الحاضر لتجنب رد الفعل واسلحة "الكاتم" التي تطال العديد من المسؤولين والتي تحولت الى ما يشبه ظاهرة في العراق وخاصة في العاصمة بغداد، وقبل أيام رسم الربيعي كاريكاتيرا صور فيه اجتماع الكتل السياسية العراقية وبدلا من تصوير القادة السياسيين وهم يجلسون على طاولة المباحثات وضع الربيعي كتلا اسمنتية شبيهة بتلك التي تحيط اغلب الحارات والشوارع في بغداد والتي وضعت قبل سنوات للتقليل من ضحايا العنف وللفصل بين الحارات التي كانت تشهد صراعا طائفيا آنذاك، وقال الربيعي بعد صمت "كلها كتل.. والفرق ليس بكبير، وكثيرا ما تشهد الأروقة السياسية اجتماعات للكتل السياسية التي تحاول ايجاد مخرج للعديد من الازمات السياسية التي تعصف بالبلاد منذ سنين لكن من النادر ان تفضي الى حلول ناجعة وحقيقية للأوضاع في البلاد. بحسب رويترز.

وكان الربيعي الذي ينشر رسومه في صحيفة الصباح الجديد قد عاد منذ سنتين بعد اربع سنوات قضاها في المهجر عقب تلقيه رسالة تهديد، وقال عودت نفسي أن ابتعد عن المواضيع الحساسة .. ومع انه يؤلمني اني ابتعد عن مواضيع تستوجب تناولها وانتقادها.. لكن هذا هو واقع الحال وهذه هي ظروف بلدنا، وبعيدا عن الشخصيات السياسية فان غالبية الرسامين يتجنبون المساس بالشخصيات الدينية ايضا رغم ان العديد من هذه الشخصيات بدأت تخط لنفسها ادوارا سياسية بارزة في فترة ما بعد عام 2003 ، وقال الربيعي قد أفكر أن أمارس النقد لسياسيين في رسوماتي بشكل واضح. لكن لا يمكن حتى ان افكر ان ارسم رسوما كاريكاتيرية انتقد فيها رجال الدين بنفس الطريقة... لا توجد عندي مثل هذه الرغبة ولا يمكن أن أفكر بها، ويعتبر انتقاد المؤسسات الدينية او شخوصها في العراق من غير الجائز، واستشهد الربيعي بحادثة اغتيال الصحفي العراقي والمذيع الاذاعي هادي المهدي الذي عرف بجرأته في النقد الصريح والمباشر، واغتيل المهدي في سبتمبر ايلول وسط مدينة بغداد بسلاح مزود بكاتم للصوت. وتركت حادثة اغتياله صدى كبيرا في العراق. ولم يعرف حتى الان من هي الجهة التي تقف وراء اغتياله، وبحذر وتوجس شديدين تحدث الربيعي عن عمليات القتل المتزايدة في بغداد والتي تتم باستخدام أسلحة مزودة بكواتم للصوت، وقال نجحوا في أن يضعوا الجميع في اطار وقالب معين. تمكنوا من وضع الصحافة والصحفيين في قالب وخط معين لا احد يستطيع ان يخرج عنه او يحيد عنه سواء كان كاتبا أو رساما.

يرسمون الربيع العربي

الى ذلك يروي رسامون من كل أنحاء العالم، وعلى رأسهم الفرنسي بلانتو، بأقلامهم وأجهزة كومبيوتر نقالة وحس فكاهة يطوع أكثر الأحداث مأسوية للثورات العربية، ويقول بلانتو رسام الكاريكاتير في صحيفة لو موند الفرنسية كل الرسامين الذين يخاطرون بحياتهم هم نماذج للمقاومة الحقيقية...أعمال المقاومة هذه تغذي فكرنا الذي نحاول أن نعبر عنه بالرسوم، ورسوم المقاومة هذه عرضها بلانتو في لقاء دعا إليه معهد الاستشراف الاقتصادي للعالم المتوسطي ايبميد الذي يتخذ من باريس مقرا، في المعهد العالي للأعمال في بيروت، وهي لرسامين منضوين ضمن جمعية كارتونينغ فور بيس رسوم من اجل السلام التي أنشئت العام 2006، احد هذه الرسوم بقلم بلانتو يصور رسام الكاريكاتور السوري علي فرزات مضمد اليدين وقد حمل قلما في فمه وهو يقول لتحيا الحرية، لاعتداء بالضرب المبرح تسبب له بكسر أصابع يديه، وبجروح مختلفة، وهو موجود حاليا في الكويت للمعالجة، وجاء ذلك اثر نشره مجموعة رسوم ينتقد فيها النظام السوري ورئيسه بشار الأسد، ويروي بلانتو انه قبل يوم واحد من تعرض فرزات للاعتداء، رأيت رسما له يسخر فيه من بشار الأسد، فاتصلت به وسألته هل رسمت ذلك في دمشق فرد بالإيجاب، وقال انه لا يزال في دمشق هذه شجاعة نادرة، شجاعة استحق عليها فرزات جائزة ساخاروف لحرية الفكر التي يقدمها البرلمان الأوروبي وقال فرزات انه يتقاسمها مع شهداء الحرية، وجائزة صحافيون بلا حدود التي سيتسلمها خلال أيام في مقر صحيفة لو موند في باريس، وتضامنا مع فرزات، نشر رسامون في كل أنحاء العالم رسوما تحيي شجاعة الرسام السوري وبينهم ستافرو الرسام اللبناني الذي قال أن رؤية أصابع فرزات المحطمة جعلتنا نثور، كسرت أصابعه لأنه يعمل بواسطتها..هذا غير انساني، وبين الرسوم التي يعرضها بلانتو واحد للرسام الليبي قيس الهلالي الذي جال برسومه الساخرة للزعيم السابق معمر ألقذافي على كل جدران بنغازي، الى أن تسببت هذه الرسوم بقتله، ويصور ستافرو الأنظمة العربية رجلا يجلس على كرسي، والكرسي موضوع على نعش مليء بالجماجم والجثث.

وفي رسم آخر، بشار الأسد يطل من التلفزيون وتخرج رقبته الطويلة من الشاشة، قائلا كل شيء هادئ في سورية، فيجيب شاب جالس قبالة التلفزيون وعلى حضنه جهاز كومبيوتر نقال لمعرفة المزيد اذهب الى فيس بوك او يوتيوب.

وعلى موقع كارتونينغ فور بيس الالكتروني، رسم للكيني غادو حول مصر يصور ضابطا مزينا بالأوسمة على بزته العسكرية مكشوف الرأس مع عنوان مصر تحت مبارك، ثم ضابط آخر بالبزة نفسها والأوسمة نفسها مغطى الرأس بقبعة عسكرية تصل الى العينين وعبارة مصر بعد مبارك، للدلالة على استمرار الحكم نفسه مقنعا، بينما يسخر التونسي زاد نسبة الى آخر حرف في الأبجدية باللغة الفرنسية من تصدر الإسلاميين نتائج الانتخابات التونسية الأخيرة، فيرسم امرأة أثناء الولادة مع عنوان أول ولادة لديمقراطية عربية، وصحافيا يسأل الطبيب قل لي دكتور، سيكون ملتحيا أو محجبة، ويقول بلانتو الثورات العربية، يمكن روايتها بألف طريقة. والرسم هو أحداها، مضيفا أن لغة الرسم تسمح بتخطي صعوبات وحواجز كثيرة، ويتابع بفضل رسامين من العالم اجمع، تمكنا من نقل عالم يغلي بالثورات بين أوروبا وإفريقيا، وقبل سنة من الآن، كان تصوير زعيم عربي بالكاريكاتير ضربا من المستحيل. لكن منذ ديسمبر، تاريخ اندلاع الثورة التونسية حتى اليوم، سقطت محرمات كثيرة. بحسب فرانس برس.

فالرسوم الساخرة التي تنتقد الرئيسين السابقين التونسي زين العابدين بن علي والمصري حسني مبارك والتي تنتقد والزعيم الليبي الراحل معمر ألقذافي وبشار الأسد والرئيس اليمني علي عبد لله صالح...جالت العالم بواسطة الانترنت خلال الأشهر الماضية، وقال الممثل العام لايبميد جان لوي غيغو معلقا على عرض الرسوم كلما كان الوضع مأسويا كلما وجدت السخرية طريقة لتحويله الى كوميديا، وأضاف غيغو الذي يهتم معهده بتنمية التعاون الاقتصادي بين أوروبا والدول العربية ستكون هناك ديمقراطية على جانبي المتوسط، وسنبني المستقبل معا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 14/كانون الأول/2011 - 18/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م