الانسحاب الأمريكي منجز وطني أم خطأ استراتيجي

علاء الخطيب

مثلما أثارت عملية دخول القوات الأمريكية الى العراق زوبعة من المواقف المتضادة كذلك تثير عملية إنسحابها كثير من المواقف التي توزعت بين الإشادة وبين الرفض بين منْ أعتبر العملية منجزاً وطنياً يؤسس لمرحلة السيادة الحقيقية واستقلال القرار العراقي وبين من إعتبرها خطأ إستراتيجياً كبيراً أقترفه الساسة العراقيون بحق بلدهم كون أمريكا هي القوة الأعظم في العالم وهي القادرة حلى مساعدة العراق في العبور من أزماته، فيما شكك آخرون في نوايا الأمريكان. ولكل الأطراف مبرراتها وأدلتها.

 الرافضون للإنسحاب قالوا أن هناك تداعيات كبيرة ستخلفها هذه العملية على الحالة الأمنية الداخلية مبررين ذلك بعدم قدرة القوات الأمنية السيطرة على البلاد في ظل تصاعد الهجمات الارهابية ضد المصالح الحكومية وعدم وجود جهد إستخباري قادر على منع حدوث هذه العمليات، أما المؤيدون فقد اعتبروا الإنسحاب منجزاً وطنياً يعادل الإستقلال الحقيقي، والمشككون كان لهم رأي يعتمد على نظرية المؤامرة وهو أن الأمريكان لا يريدون الانسحاب وهم يختلقون الحجج للبقاء أو لإبقاء قواعد عسكرية ثابتة في العراق والرأي الأخير أثبت عقمه وفشله بعدما أعلن الأمريكان أنهم سينسحبون كلياً من العراق ومن جانب آخر أن الولايات المتحدة لا تحتاج الى قواعد عسكرية في العراق باعتبار أن ما يحيط بالعراق من قواعد كافية ولا حاجة للمزيد منها فهناك قاعدة أنجر ليك التركية وقاعد أمريكية في شمال الكوت لا تبعد عن الحدود العراقية سوى 15 كيلو متر ناهيك عن قاعدة العديد والسيلية في قطر ومقر الاسطول الخامس في البحرين وفي الظهران وغيرها. من هنا ندرك عدم أهمية القواعد العراقية بالنسبة للولايات المتحدة. من هنا يرى الكثير ان الانسحاب ليس في صالح العراق.

ولابد لنا كمراقبين أن نثير حزمة من الأسئلة على صعيد الداخل العراقي والمحيط الإقليمي لفهم الموقف الصحيح، فهل الانسحاب هو منجزاً وطنياً حقاً؟ وهل يستفيد الشعب العراق من هذه العملية فكما يقول البرجماتيون أن صدق أي قضية ما: هو في كونها مفيدة للناس؟

 يرى بعض المراقبين ان السياسة العراقية لا تمتلك هوية واضحة وذلك للتجاذبات الكبيرة التي تتملك الاطراف الحاكمة، فعدم الانسجام في الفعل السياسي وعدم وجود وحدة خطاب ولا حتى مواقف واضحة بالاضافة الى المشاكل الداخلية المتمثلة في المناطق المختلف عليها ووقوع البلد تحت طائلة البند السابع والتعويضات التي تثقل كاهل البلد وغيرها من المشاكل تدلل ان البلد بحاجة الى مزيد من الدعم والتنظيم، فهو غير قادر على حل هذه المشاكل بنفسه فلابد ان يعتمد على الولايات المتحدة في هذا الشأن خصوصاً وان هناك أطراف إقليمية تهيمن على القرار العراقي مما يجعله تابعاً في كثير من الاحيان وهذا ينبأ بخطر تفكك العراق وتقسيمه.

 ومن جانب آخر فأن تنظيم شكل العلاقة المستقبلية بين العراق ومحيطه الإقليمي أمر مهم لاستقراره، وهنا يحتاج الى ضغوط الولايات المتحدة على بعض الاطراف الاقليمية لتصحيح مسار العلاقة المتدهورة مع المحيط العربي، وهناك تخوف لدى بعض المراقبين من الانسحاب لاعتقادهم أن الانسحاب سوف يفتح الباب على تدخل دول الجوار في الشأن العراقي في ظل ما يشاع عن عدم قدرة العراق على حماية أرضه وأجواءه، وهنا يُخشى على وحدة العراق بعد الإنسحاب في ظل الدعوات المتصاعدة حول إقامة الأقاليم فيما اعتبر البعض ان الأقاليم تهدد الوحدة الوطنية ولا تعززها.

 أما المؤيدون للإنسحاب فلا يأخذون هذه النقاط السالفة بعين الاعتبار، ويعتبرون كل ما يقال في هذا الصدد يدخل في باب التهويل، فالعراق قادر على حماية ارضه وشعبه وأمنه الداخلي واما الاجواء والمياه والحدود فانهم يقولون ان العراق لم يعد مصدر قلق لأحد وبالتالي فهو لا يهاجم احد فمن غير الطبيعي ان يكون هناك تخوف من ذلك ثم يضيفون فيقولون ان العراق لابد ان يعتمد على نفسه لبناء جيشه وقواه الامنية ولا مانع من وجود علاقة متكافئة بين البلدين دون وجود قوات أجنبية على ارضه، وهي وجهة نظر لا تخلو من صحة.

 ولكن مها تكن وجهات النظر بين الاثنين فهناك حقيقة ثابتة وهي أن هذه العملية التي غيرت خارطة العلاقات في المنطقة والعالم العربي لابد أن يكون لها وقع غير عادي سواء في الداخل العراقي أم خارجه، ولابد أن يكون لها تداعيتها وانعكاساتها وتأثيراتها على العراق. والأمر الآخر هو أن العراق ما كان له ان يتحرر من الدكتاتورية لولا دخول القوات الأمريكية اليه، هذا والايام كفيلة بصحة الآراء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 14/كانون الأول/2011 - 18/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م