هل انتهى عصر الصحيفة الورقية؟

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: لا تزال العديد من الصحف العراقية تكابر من أجل التواصل والبقاء، لاسيما الصحف التي تصدرها وتمولها مؤسسات إعلامية متمكنة ماديا، لكن بدأت تظهر مؤشرات واضحة تشي بتراجع هذه الصحف، ودخولها في منحدر الموت النهائي، على الرغم من أنها تتمتع بتأريخ لا بأس به، قد ينحصر بين عقد الى عدة عقود من الزمن.

هذه المؤسسات الاعلامية والقائمون عليها، لايعون أهمية الصحيفة الورقية، خاصة أنهم يعولون على وسائل اعلامية اخرى، كالقناة الفضائية، أو الاذاعة، أو دار النشر والتوزيع، وما شابه، وهم يعتقدون بأن الانترنيت والمواقع الألكترونية، ومواقع التواصل بأنواعها، بدأت تأكل من جرف الصحف وتقلل من أهميتها، لكن الواقع يشير الى غير ذلك، فالصحيفة المهنية الناجحة لا تزال تتمتع بحضور جيد في اوساط المجتمع المثقفة وغيرها، ولا يزال المتابع يرى الصحف في أيدي القراء بأماكن مختلفة، كالمقهى والسوق والحافلة والحديقة العامة والدكان وما شابه، ناهيك عن العوائل والافراد الذين يطالعون الصحف مع شاي او قهوة الصباح.

بمعنى أن من يظن بعدم أهمية الصحيفة في نقل وترويج الافكار، فإنم ظنه هذا ليس في محله، ومع أننا نعيش عصر الربح والبحث الدائم عن المال واللهاث المحموم نحوه، بيد أن الصحيفة ينبغي أن لا تخضع لهذه المعايير الاقتصادية، خاصة اذا تحدثنا عن اهمية نشر الافكار، وقد يقول قائل إن الشاشة اسرع واسهل في نقل الفكر، لكن اثبتت التجارب، أن الانسان يتفاعل مع الورقة بخصوص الافكار أكثر مما يتفاعل مع الشاشة، أعني أن القراءة هي الوسيلة الانسب لتوصيل الفكر، ثمة سحر لا احد يعرفه في هذا الجانب، قد يفضل الانسان مشاهدة فلم على الشاشة، لكنه لا يفضل سماع المقالة مثلا من خلال التلفاز، بل يرغب أن يقرأها بنفسه في صحيفة او كتاب، الامر مختلف بين الفلم (الصورة) وبين المقالة (الفكر).

لهذا وتحت ضغط مخاوف القائمين على المؤسسات الاعلامية من أن تذهب اموالهم هدرا، بدأ تراجع الصحف، والسبب الاول في ذلك تقليص الاموال المرصودة لها، وتقليل كوادرها العاملة على الملاك الدائم او وفق نظام القطعة، وبغض النظر عن مشروعية هذا السلوك الذي حاول قانون حماية الصحفيين معالجته مؤخرا، من عدمها، إلا أن الضرر لا يتعلق بالقائم على اصدار الصحيفة فحسب، إنما يتعدى الامر ذلك الوسط القارئ وتقاليد الحفاظ على تأريخ الصحافة نفسه، خاصة اذا كان الحديث يتعلق بصحف لها تأريخها وجذورها العميقة في عالم الصحافة، وقد تكون بعض التبريرات مقنعه في مجال خفوت نجم هذه الصحيفة او تلك، لكن نحن نتحدث هنا عن صحف تصدر عن مؤسسات قادرة على التمويل والدعم، وكل الدلائل تشير الى ذلك، إذ من المؤسف حقا أن يسمح القائمون عليها بالانحدار نحو الموت وهم قادرون على المعالجة.

إن هذه المسألة الحساسة، أي ضرورة إيقاف إنحدار الصحف المهنية الناجحة نحو الموت، تتطلب وقفة جادة من المعنيين، ولابد أن تتعدد الخيارات في هذا الصدد، وتتعدد المنافذ والحلول، على أن يبقى الهدف الاول هو إعادة الصورة المهنية الناصعة لهذه الصحف، ولسنا بحاجة الى ذكر أسماء أو عناوين، فالهدف الأول ينبغي أن يكون، توصيل الافكار الهادفة الى الوسط القرائي، بعيدا عن حسابات الربح والخسارة، وأظن أن الوقفة الصادقة للمعنيين سوف تقود الى حلول مقبولة، لكن هذا الامر لا يتعلق بالمؤسسات الاعلامية المستقلة وحدها، بل ينبغي أن يكون دور الدولة والجهات الرسمية المعنية حاضرا وفاعلا بقوة في هذا المجال، ويبقى الهدف، هو ابعاد شبح الموت عن صحفنا التي رسخت في ذاكرة القراء أعوما، اذا لم نقل عقودا عدة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 13/كانون الأول/2011 - 17/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م