الخريف العربي والربيع الأصولي!

متابعة: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: في لقاء تلفزيوني جمع بين احد اعضاء الاخوان المسلمين واحدى الناشطات النسويات المصريات حول الديمقراطية واسلمة المجتمع وحرية التعبير وغيرها من القضايا طرحت الناشطة النسوية سؤالا حول تعاطي الاخوان المسلمين مع الواقع السياحي المصري على اعتبار ان السياحة تشكل عصبا هاما من الاقتصاد المصري.. وفد وصل الحوار بينهما الى تبادل الشتائم واتهام الناشطة النسوية بقلة الادب.

الاخوان المسلمون يتقدمون في الانتخابات المصرية على الكثير من الاحزاب الليبرالية العريفة..انه الخبر الذي يشغل العديد من المتابعين ولعله ابرز الاخبار في سنة ذاهبة الى طي صفحاتها بعد ايام قليلة.

صحيفة الفاينانشيال تايمز اعتبرت التفوق الساحق الذي حققه الإسلاميون في أول انتخابات ديمقراطية تشهدها مصر منذ عقود نقطة تحول في تاريخ البلاد فهي دلالة على نهاية حكم العسكريين الذين سيطروا على الساحة السياسية لسنوات طويلة.

وقالت الفاينانشيال تايمز إن التفويض الذي منحه الناخبون للأحزاب الإسلامية التي فازت بحوالي 60 في المائة من الأصوات في الجولة الأولى للانتخابات أضعف المجلس العسكري الحاكم وقلص مساحة المناورة أمامه في محاولته لفرض نفوذه على الحياة السياسية في المستقبل.

ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي غربي قوله (أعتقد أن المجلس العسكري في مصر يشبه قطعة الصابون بين أيدي أحد الأشخاص والضغط المتزايد عليه سيدفع الجيش إلى العودة مرة أخرى إلى ثكناته وترك الحياة السياسية).

وأضافت الصحيفة أن الجيش المصري يرى نفسه العمود الفقري للبلاد وذلك منذ عام 1952 عندما أطاح عددا من ضباطه بالملكية وأعلنوا إقامة الجمهورية وتولى الحكم من حينها رؤساء أقوياء ينتمون إلى المؤسسة العسكرية.

أما صحيفة الاندبندنت فنشرت موضوعا آخر له علاقة بوصول الإسلاميين إلى السلطة في مصر ولكنه يركز على مخاوف إسرائيل من تحول توجهات الحكومة الجديدة التي ستتشكل في أعقاب ثورات الربيع العربي.

وقالت الصحيفة إن إسرائيل تراقب جارتها مصر بحالة من القلق مع استعداد الإسلاميين إلى الاستيلاء على السلطة وحدوث تغيير جذري في المشهد السياسي في أكبر دولة عربية تعدادا للسكان. وأضافت أن إسرائيل تفكر الآن في مصير اتفاقية السلام مع مصر التي استمرت أكثر من 3 عقود.

وأوضحت الصحيفة أن ردود فعل المسؤولين الإسرائيليين عكست هذه المخاوف بوضوح، فوزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك وصف نتائج الجولة الأولى للانتخابات المصرية بأنها (مزعجة للغاية وستضرب على وتر حساس لدى الكثيرين في بلاده). كما نقلت الصحيفة عن مسؤول أمني إسرائيلي وصفه نتائج الانتخابات بأنها كانت (أسوأ مما كنا نتوقعه).

أما وزير المالية يوفال شتاينتس فقد أعرب عن أمله ألا (تصبح مصر دولة اسلامية متطرفة، لأن ذلك من شأنه أن يعرض المنطقة كلها للخطر).

الخوف من صعود الاصولية الدينية الى سدة الحكم في مصر ينتاب الكثير من المراقبين للشان المصري والعربي والاسلامي عموما، اذ تمثل مصر ثقلا استراتيجيا في منظومة الامن الدولي والقاري والاقليمي.. منذ تفجير مركز التجارة العالمية في 11 ايلول 2001 اكتسب مصطلح الاصولية ذيوعا واسعا، هو في الاغلب انتقاصي.

وهكذا اعتبر من هم مسؤولون عنه اصوليين اسلاميين، بينما وصفت الولايات المتحدة الامريكية نفسها بانها اصولية سياسية.. وقمع اسرائيل للفلسطينيين يقف وراءه اليهود الاصوليون في حين ان الفلسطينيين انفسهم هم ايضا اصوليون.

وغالبا ماتكون الاصولية مرادفة للارهاب، او هي تصبح في الاقل في الاستعمال الشعبي اساس الارهاب، وهناك استعمال مهم اخر هو فيما ينكره الليبراليون الجدد من مواقف يحكم عليها بانها غير عملية، ويتمثل اشهر الحالات عليها في الاصولية النسوية والاصولية البيئية.. في مثل هذه الحالات تتبادل الاصولية المواقع مع (الفاشية).. والافتراض في ذلك ان اي شيء يهدد الثقافة الغربية الليبرالية يكون اصوليا من حيث التعريف.

بدأت الاصولية في الدوائر البروتستانتية المسيحية في بواكير القرن العشرين، وقد استعملت على نطاق واسع كمصطلح ازدرائي لوصف الخصوم الموهومين، الذين غالبا مايكونون دينيين او سياسيين وليس لوصف المرء لنفسه..وفي الاصل كان استعمالها ينحصر في النقاشات داخل النزعة البروتستانتية الانجيلية.. وهي تستخدم الان للاشارة الى اي شخص او جماعة تتسم بالتشدد والصرامة وعدم التسامح والتسلح..

وللمصطلح استعمالان، الاقدم منهما ايجابي لوصف الذات، ثم تطور لاحقا الى استعمال انتقاصي هو الان واسع الانتشار.. وكظاهرة فان الاصولية هي تكوين ثقافي خاص، ديني / ايديولوجي وسياسي لم يزدهر الا مؤخرا.

ما هي الصورة المستقبلية لفوز الاخوان المسلمين وتقدمهم في الانتخابات المصرية؟

يرى الصحفي البريطاني ناثان براون في تحليل نشره بعد الانتخابات وحمل عنوان (الإخوان المسلمون ومعضلة الديمقراطية) ان فوز الاخوان تكمن فيه مشكلة،لان نجاحهم ربما يكون كبيراً للغاية بحيث يعمل ضد مصلحتهم (ولمصلحة مصر).

ويشرح ذلك بالقول: طوال سنوات، كان منتقدو الإخوان المسلمين في مصر يوبخون الجماعة لحثّها على إثبات التزاماتها الديمقراطية. طبعاً من دون إجراء انتخابات حرة وعادلة في البلاد، لايمكن للجماعة إلا أن تطلق الوعود. لكن مع توافد المصريين الآن إلى أقلام الاقتراع للتصويت في الانتخابات البرلمانية الأكثر ديمقراطيةً التي تشهدها البلاد منذ عقود عدة، أصبح بمقدور الإسلاميين أخيراً أن ينتهزوا فرصةً ذهبيةً لإظهار مؤهّلاتهم الديمقراطية مقرونةً بأفعال. وهنا بالتحديد قد تكمن المشكلة: نجاحهم ربما يكون كبيراً للغاية بحيث يعمل ضد مصلحتهم (ولمصلحة مصر).

بعد سقوط الأنظمة السلطوية، كانت النتيجة التي فضّلها معظم الإسلاميين على المدى القصير هي انتخابات تمنحهم أكثرية لا أغلبية. فالسيطرة على الكتلة الأكبر من البرلمانيين، على سبيل المثال، من شأنها أن تمنحهم دوراً هاماً في العملية السياسية، وتتيح لهم الفرصة ليطوّروا مهارات وخبرات سياسية، من دون أن يظهروا وكأنهم يشكّلون تهديداً أو يثيروا ردّ فعل قوياً داخل البلاد وخارجها. مثل هذه النتيجة الانتخابية تمكّن من تطبيق استراتيجية التغيير التدريجي المفضَّلة لدى الإسلاميين، وتسمح للحركات بتفادي تحمّل عبء المسؤولية الكاملة عن المشاكل الاقتصادية والأمنية الهائلة التي تعانيها المجتمعات المضطربة.

لقد أدّت الانتخابات التونسية والمغربية الأخيرة إلى مثل هذه النتيجة بالتحديد. فالإسلاميون في كلا البلدين سيكونون في موقع القيادة، في وقت تصوغ فيها تونس دستورها، ويجرّب المغرب الإصلاح الدستوري المحدود.

لاشك أن هذه الاستراتيجية القائمة على إثبات المؤهلات الديمقراطية من خلال عدم العمل للفوز في الانتخابات مثيرة للسخرية وغير ديمقراطية. في الحالة المصرية، سعى الإخوان المسلمون إلى انتهاج هذه السياسة عبر أداة غريبة وغير ديمقراطية: إذ عملوا جاهدين لإقامة تحالف من الأحزاب السياسية المختلفة لعرضها على المصريين كلائحة واحدة. وبدلاً من السماح للناخبين أن يختاروا ممثّليهم، أراد الإخوان تشاطر المقاعد مسبقاً.

لكن في الأشهر التي تلت الثورة، حاولت جماعة الإخوان في مصر التملّص من تعهداتها السابقة الخاصة بإثبات مؤهلاتها الديمقراطية بمثل هذه الطرق غير الديمقراطية؛ وهي تظهر الآن بوادر على عزمها التخلّي عن عدم عرض قوتها. لكن في حين أنها قد تنال العديد من الأصوات على المدى القصير نتيجة لذلك، قد تندم على قرارها على المدى الطويل.

مع بدء المصريين بإدلاء أصواتهم، تبدو إمكانية بروز أغلبية إسلامية أمراً حقيقيا. وحتى إذا لم يحصل الأخوان على هذه الأغلبية، فإن تحالفهم البرلماني مع السلفيين وغيرهم قد يضعهم بسهولة في موقع الصدارة. وقد لاحظ مراقبو الانتخابات إلى الآن الانضباط، والتنظيم، والدقة التكتيكية للإخوان المسلمين حين يتعلّق الأمر بالعمل السياسي.

ويضيف الكاتب: بيد أن جماعة الإخوان المسلمين قد تندم يوماً ما على وضعها السياسي النافذ. فإذا ما فازت بالغالبية البرلمانية، منفردةً أو إلى جانب حلفائها المتبقّين، ستجد نفسها وجهاً لوجه مع الحكام العسكريين الذين أبدوا رغبةً قويةً في الحفاظ على دور رقابي دائم وفي رفض الإشراف المدني عليهم. لقد حاول قادة الإخوان المحنّكون سياسياً تفادي مثل هذا الوضع تحديداً طوال عهد مبارك. لكن في ظلّ السلطة الرئاسية التي يمارسها المجلس العسكري الآن، قد يغرق الإسلاميون في لجج خصومة حادة. وقد تجد جماعة الإخوان أن الجهات السياسية الأخرى لاتقف إلى جانبها في أي نزاع، مفضّلةً دوراً عسكرياً مطوّلاً على سياسة يقودها الإخوان.

قد تعيد الجهات الفاعلة الدولية، ولاسيما الولايات المتحدة وأوروبا، النظر في تقبّلها الخجول للحركات الإسلامية في بيئة ديمقراطية شرق أوسطية. ثم ان النصر قد يؤتي أكلاً مرّاً آخر، ذلك أن الحركة قد تضطر إلى مواجهة أسئلة كانت تفضّل تفاديها، بما فيها كيفية حلّ مشكلة مصر الاقتصادية، والتعامل مع العلاقة المزعزعة بين مصر وإسرائيل، وتحقيق التوازن بين التزامها التقليدي بالقيم الدينية وبين اكتشافها الجديد للديمقراطية وحقوق الإنسان.

إذا ما جاءت النتيجة مماثلة للنتيجة في تونس، حيث من المستحيل تفادي الإسلاميين سياسياً وحيث يصبح من الضروري العمل مع الآخرين لتحقيق الأهداف، فذلك سيخدم مصر والإخوان على السواء. لكن شهية الإخوان الانتخابية، والقيادة الخرقاء للجيش، وعجز اللاعبين الانتخابيين الآخرين، هي كلها عوامل قد تجتمع لتقويض مثل هذه النتيجة.

ما لم يجد الإسلاميون والليبراليون طريقةً للتعايش معاً في السياسة المصرية، فقد تسقط مصر في قبضة نظام سلطوي جديد، حيث الجيش والليبراليون يقوّضون العملية الديمقراطية لمنع الإسلاميين من المشاركة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 13/كانون الأول/2011 - 17/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م