
شبكة النبأ: يجزم الكثير من المحللين
السياسيين على ان ما يحدث في سوريا بات حربا دولية خفية احيت بشكل وآخر
الحرب الباردة التي وأدت مطلع التسعينات من القرن الماضي.
ويرجح المتابعون ان الازمة السورية ستكون لها تبعات ارتجاجية على
صعيد العالم والاقليم دون ادنى شك، وسوف يدفع جميع من تورط في تأجيج ما
يحدث ثمن ذلك عاجلا ام آجلا.
فما يحدث في سوريا بحسب معظم المصادر الاعلامية المحايدة اشبه بكثير
بالاحداث التي عصفت بالعراق مع اجتياح القوات الامريكية لاسقاط نظام
صدام عام 2003، حيث الدعم الاقليمي لجماعات العنف والعمل على تغذية
الصراعات الطائفية باي شكل وصورة.
الامر الذي يثير الكثير من علامات الاستفهام حول حقيقة من يقف وراء
ذلك، وعلى الرغم من ادراك المجتمع الدولي لحقيقة الدول الذي تلعبه بعض
دويلات الخليج في دعم الارهاب، الا ان باب الاحتمالات يبقى مشرعا
للكثير من التوقعات المضافة، خصوصا بعد توارد الانباء حول تورط
الاستخبارات الفرنسية في تسليح الجماعات المتشددة، وهو ما تيقنت منه كل
من روسيا والصين بشكل قاطع.
فرق موت سورية
حيث تعمل فرق موت غامضة في مدينة حمص السورية المضطربة حسبما تشير
روايات من ناشطين معارضين للحكومة في البلاد التي تحظر دخول المراسلين
الاجانب. ويقول ناشطون وسكان ان اشخاصا قتلوا مؤخرا في ظروف غامضة أكثر
من الذين قتلتهم قوات الامن الحكومية التي تطلق النار في الشوارع. لكن
لا يعرف الكثير على وجه اليقين بشأن من يقف وراء أعمال القتل هذه التي
تستهدف فيا يبدو مؤيدي الحكومة ومعارضيها.
ومع زيادة الاكمنة وهجمات القنابل من جانب المنشقين على الجيش الذين
شكلوا "الجيش السوري الحر" فان ظهور ميليشيا غير نظامية عقد ما بدأ في
مارس اذار كانتفاضة شعبية ضد الرئيس بشار الاسد.
ويقول مسؤولون بالامم المتحدة ان سوريا قريبة من "حرب أهلية". وهناك
مخاوف أيضا من أن الانقسامات الطائفية يمكن ان تعمق الصراع مثلما حدث
في السنوات الماضية في العراق. ولا تقدم التقارير المتاحة سوى تفسير
جزئي بشأن من وراء خطف وقتل أكثر من 60 سوريا ألقيت جثثهم في مكانين
منفصلين في حمص.
ونقل المرصد السوري لحقوق الانسان ومقره بريطانيا عن شاهد في حمص
قوله انه رأى جثث 34 شخصا "كانوا قد خطفوا من الحي الذي يشهد مظاهرات
ضد النظام".
وقال ناشط اخر مناهض للحكومة في حمص تحدث بشرط عدم نشر اسمه انه تم
جمع 32 جثة على الاقل من مواقع مختلفة ونقلت الى المستشفى الحكومي في
المدينة شملت معارضين ومؤيدين للاسد.
وقال ناشط يعرف باسم شادي ان التفسير قد يكمن في دائرة من اعمال
القتل الانتقامية التلقائية وليست بالضرورة من فعل جماعات منظمة أو
جماعات متواطئة مع الدولة وانما تعكس تقاليد الثأر المحلية التي
فاقمتها الانقسامات القبلية والدينية.
وقال شادي "على سبيل المثال العائلات في منطقة ما تسترد جثث القتلى
من اقاربهم." واضاف "ربما يجلس الغالبية في المنزل ويحزنون. لكن كل ما
يحتاج اليه الامر هو ان يذهب شخص ويقول .. أريد الثأر.. ولذلك وفجأة
تجد هذه الحالات التي يؤخذ فيها بعض الاشخاص ويقتلون..." وأضاف "ثم
يعود بضعة اشخاص من منطقة اخرى ويفعلون نفس الشيء مع أناس من المنطقة
التي يعتقدون ان القتلة أتوا منها."
وتقول حكومة الاسد ان الاضطرابات العنيفة تثيرها جماعات مسلحة منظمة
وممولة من الخارج. وانشق عدة الاف من افراد القوات المسلحة وانضموا الى
المتمردين في الاشهر القليلة الماضية. وفي تقرير تلفزيوني دولي نادر من
داخل حمص قال مراسل لشبكة سكاي نيوز البريطانية ان الاسد "يستخدم
الميليشا لمهاجمة" معارضيه والمحتجين ضده.
وقال جندي من الجيش السوري الحر لشبكة سكاي ان ميليشيا الشبيحة لا
يهمها من تقتل وكل ما يريدونه هو أن يروا الدماء مضيفا أنهم يقتلون
المسنين والاطفال والعجائز. وكان الجندي يرتدي زيا مموها ويحمل سلاحا
اليا وصور في موقع به سواتر من اكياس الرمل قالت شبكة سكاي انها تبعد
100 متر فقط عن قوات حكومية في احدى ضواحي حمص.
وقال مراسل سكاي نيوز ستيوارت رامزي "توجد مشاعر بأن الاجواء مثل
أحداث سراييفو حقيقية بشأن هذا الوضع". وأضاف ان تسعة اشخاص قتلو في
اسبوع واحد بنيران قناصة عند مفترق طرق في ضاحية متربة بالمدينة "ولم
يكن أي منهم مسلحا".
وأظهر تقريره سوريين يركضون في ارض مفتوحة من ملجأ في بناية الى
ملجأ اخر في مشاهد تذكر بحصار سراييفو في حرب البوسنة في التسعينات.
وقال التقرير ان نيران القناصة والاسلحة الالية منتشرة ليلا ونهارا.
لكن الامر الغامض هو أعمال الخطف ومن وراء هذه الاعمال.
وقال رجل اخر يقيم في حمص "الجميع يتحدثون بشأن اعمال خطف وقتل وقعت.
الشائعات منتشرة في كل مكان. ما هو عدد من قتلوا؟ وما هو عدد من خطفوا؟
ولماذا خطفوا؟". وأضاف "لا أحد يعرف حقا لان الجميع جالسون في منازلهم.
من يدري ما هي الحقيقة؟".
ووصف المرصد السوري بأنه من أكثر الايام فتكا منذ بداية الاحتجاجات
وقال ان ما يصل الى 50 شخصا قتلوا في يوم واحد بينهم 34 جثة راها شاهده
و16 قتلوا في ستة حوادث منفصلة. بحسب رويترز.
وهذا العدد لا يشمل 32 جثة شاهدها ناشط اخر مما يشير الى احتمال
وقوع اعمال قتل طائفية على يد ميليشيات سنية معارضة دون ان تشير اليها
تقارير.
ومثل معظم الناشطين المعارضين للحكومة نفى شادي ان تكون الانتفاضة
تتحول الى حرب طائفية. وقال "لست واثقا من انه يمكن حتى القول انها
معارك واضحة بين مؤيدين ومناهضين للاسد." واضاف "انه الغضب والثأر."
وفي حين أن من المستحيل معرفة من هم وراء كل عملية قتل تشير تقارير
من الجانبين الى شيء واحد واضح وهو أن الجيش السوري الحر يكبد القوات
الحكومية أعدادا متزايدة من القتلى والجرحى.
وذكرت وكالة الانباء السورية أن جنازات عسكرية نظمت لتشييع "جثامين
11 شهيدا من عناصر الجيش والامن استهدفتهم المجموعات الارهابية المسلحة
أثناء تأديتهم لواجبهم الوطني في حمص وحماة وحلب وريف دمشق". وذكر
التقرير أسماءهم ورتبهم.
المنشقون يستهدفون القوافل العسكرية
من جانبه قال العقيد رياض الاسعد أحد المتمردين البارزين على الجيش
السوري ان المنشقين يستهدفون القوافل العسكرية التي ترسلها حكومة
الرئيس بشار الاسد لدعم الحملة الامنية على المحتجين لتنتقل المعركة
بشكل متزايد الى القوات الحكومية ردا على ما زعمه وحشية الدولة.
وقال الاسعد ان المقاتلين في الجيش السوري الحر وهو تجمع فضفاض لعدد
من الوحدات العسكرية تشكلت من الاف المنشقين على الجيش السوري طوروا
قدراتهم الاستطلاعية بما يمكنهم من عرقلة تحركات الجيش.
وفي الشهر الماضي هاجم منشقون عن الجيش ودمروا أجزاء من قافلة من
المدرعات في محافظة درعا الجنوبية وفتحوا النار على مركز للمخابرات على
اطراف دمشق وقتلوا ستة طيارين في قاعدة للقوات الجوية.
وقالت جماعة ناشطة ان المنشقين قتلوا أمس الخميس ثمانية اشخاص في
معركة استمرت ثلاث ساعات مع قوات الامن في مركز للمخابرات في محافظة
ادلب الشمالية. وكان هذا أحدث اشتباك ضمن موجة متصاعدة من العنف دفعت
مفوضة الامم المتحدة السامية لحقوق الانسان الى القول بأن سوريا تبدو
وكأنها على شفا حرب أهلية. وقال العقيد الاسعد ان الهجمات المتزايدة
تأتي ردا على الحملة العسكرية التي يشنها الاسد ضد الاحتجاجات المستمرة
منذ ثمانية اشهر والتي تقول الامم المتحدة انها اسفرت عن مقتل اكثر من
4000 شخص.
وقال في مقابلة عبر الهاتف من تركيا حيث لجأ ان القوات الحكومية لم
تدخل بلدة او مدينة منذ أشهر دون ان تستخدم الاسلحة الثقيلة والمدرعات
والدبابات ضد السكان مضيفا أن من حق القوات المنشقة ان تتدخل لوقف
القوات التي تتحرك لارتكاب انتهاكات بحق الشعب.
وقالت لجنة تابعة للامم المتحدة ان قوات الامن السورية ارتكبت جرائم
ضد الانسانية من بينها القتل والتعذيب والاغتصاب. وقال الاسعد ان
الدفاع في مواجهة ما وصفها بهذه الوحشية التي ليست لها حدود حق طبيعي.
وتقول السلطات السورية انها تقاتل "جماعات ارهابية مسلحة" تحاول
اشعال حرب اهلية وقتلت 1100 من قوات الشرطة والجيش منذ اندلاع
الاحتجاجات في مارس اذار. وتحدثت مصادر بالمعارضة عن تزايد العمليات
التي قام بها متمردون ومنشقون في الايام العشرة الماضية في حمص وحماة
بوسط البلاد حيث تجري اقامة خطوط امداد حتى لبنان والى محافظة ادلب
الشمالية على الحدود مع تركيا.
والمعارضة للاسد أشد شراسة في هاتين المحافظتين وكذلك في محافظة دير
الزور الشرقية قرب الحدود العراقية. ونشر الاسد قوات تدعمها الدبابات
في هذه المناطق. وتكبد المنشقون خسائر ايضا خاصة في بلدة الرستن بوسط
سوريا قرب حمص حيث قالت مصادر بالمعارضة ان 22 من القوات المنشقة من
بينهم ضابطان قتلوا في هجوم قادته الدبابات قبل نحو اسبوعين.
ورفض الاسعد الخوض في تفاصيل خاصة بالعمليات لكنه قال ان المنشقين
غيروا أساليبهم منذ بدأوا تنسيق عملياتهم قبل نحو ثلاثة اشهر عندما
كانت الهجمات تستهدف على حد قوله نقاط التفتيش التابعة للشرطة.
وقال ان القوات المنشقة لا تهاجم الجنود في ثكناتهم وان نصب الاكمنة
لقوات الجيش مبرر لان الدبابات تظل دائما في قواعدها ولا تتحرك الا اذا
كانت في طريقها للتدمير وقتل الناس. واضاف ان هؤلاء الجنود الذين
اقسموا على خدمة وحماية الناس يؤذونهم الان وعليهم ان يتركوا الجيش
ويعودوا الى صفوف الشعب.
وقال ان المنشقين الذين يصل عددهم الى أكثر من عشرة الاف جندي
يحاولون ايضا استهداف مجمعات الشرطة حيث قال ان الالاف من المعارضين
للاسد محتجزون وكذلك مراكز القيادة التي تقود الحملة الامنية. ومضى
يقول ان هذه المراكز أهداف مشروعة في كل انحاء البلاد وانه يتعين عليهم
مهاجمتها لانها هي التي تصدر الاوامر بقمع الشعب السوري.
وشكل الجيش السوري الحر الشهر الماضي مجلسا عسكريا من تسعة ضباط
منشقين يرأسه الاسعد. واصدر المجلس اعلانا يتعهد فيه بحماية الاحتجاجات
السلمية واسقاط النظام وحماية المدنيين من القمع والحيلولة دون حدوث
فوضى بعد سقوط النظام. وقالت عضو بارز في المجلس الوطني السوري جماعة
المعارضة الرئيسية التي تشكلت أيضا في تركيا ان رئيس المجلس برهان
غليون التقى مع الاسعد في اسطنبول.
وقالت ريما فليحان عضو المجلس ان هذا اللقاء كان الاول بين الرجلين
وانهما اكدا أن دور الجيش السوري الحر هو حماية المتظاهرين والشعب
السوري من هجمات قوات النظام السوري. لكنها اضافت ان المجلس الوطني
السوري يؤيد الثورة السلمية فقط وان الجيش السوري الحر ليس تابعا
للمجلس.
من جانبه قال زعيم المعارضة الرئيسية في سوريا انه طلب من المنشقين
العسكريين ان يقصروا عملياتهم على الدفاع عن المحتجين المناهضين
للحكومة لكنه ابدى خشيته من الا يكون لديه النفوذ الكافي لمنع وقوع حرب
اهلية.
وقال برهان غليون زعيم المجلس الوطني السوري انه حث قائد الجيش
السوري الحر الذي ينضوي تحت لوائه المتمردون المسلحون على وقف العمليات
بعد ان شنوا سلسلة هجمات على القوات الموالية للرئيس بشار الاسد. وقال
غليون "نشعر بالقلق من الانزلاق نحو حرب اهلية تضع الجيش الحر والجيش
الرسمي في مواجهة كل منهما للاخر." واضاف "نريد تفادي نشوب حرب اهلية
باي ثمن."
وقال غليون انه طلب من قائد الجيش السوري الحر العقيد رياض الاسعد
ان "يقصر انشطته على حماية المتظاهرين...وألا يشن مطلقا هجمات او
عمليات ضد قوات الجيش السوري." وقال غليون ان الاسعد وافق على ذلك لكنه
اصر على ان ما يقوم به الجيش السوري الحر هي "عمليات دفاعية". وأضاف
غليون "امل ان يفي بوعده وان من الضروري لنجاح ثورتنا الحفاظ على
طبيعتها السلمية وهو ما يعني القيام بمظاهرات شعبية." وتابع "لا نريد
التحول الى ميليشيات تحارب ضد الجيش."
ويزور غليون فيينا لحشد التأييد لمجلسه المعارض الذي يضم 260 عضوا
وتشكل في اسطنبول قبل ثلاثة اشهر. وقال ان التدخل الاجنبي في سوريا قد
يكون حتميا اذا استمرت اراقة الدماء لكنه اوضح ان الاسد سيتحمل
المسؤولية اذا حدث ذلك.
وقال "تقع على النظام الحالي مسؤولية تجنب وقوع حرب اهلية وتعني
وقوف جيش ضد جيش وتدخل عسكري يريد الجميع تجنبه." ومضى يقول "اعتقد ان
مسألة (التدخل) ليست متروكة لنا لنطلبها لكنها ستحدث من تلقاء نفسها
على اية حال. اذا واصل... النظام قتل المئات يوميا فلن يستطيع المجتمع
الدولي ان يقف ساكنا ولا يفعل شيئا."
وتحدث غليون امام نحو 500 من انصاره في فيينا. وأكد غليون الذي كان
محاطا بحراس على اهمية وحدة المعارضة والمظاهرات السلمية. ويرأس استاذ
الجامعة مجلس المعارضة الرئيسي ولكن ليس واضحا مدى النفوذ الذي لديه
على المحتجين داخل البلاد او الدور الذي سيقوم به في سوريا اذا اطيح
بالاسد.
وسئل عما سيفعله لمعالجة مخاوف الاقلية من المسيحيين والعلويين
والاكراد في سوريا بعد الاسد فقال غليون ان الشعب السوري موحد وان على
اي حكومة مستقبلية ان تحافظ على المساواة في الدولة التي اغلبها من
السنة.
وقال "بعد التوترات التي جلبها النظام للشعب فان هناك حاجة لتعزيز
المشاعر الوطنية من خلال وضع خطة لدولة ديمقراطية علمانية تحترم جميع
مواطنيها وتجرم جميع اشكال التمييز العرقي او السياسي او الديني."
وقال غليون انه يعتقد ان نظام الاسد سيسقط ولكن من المستحيل التكهن
بموعد حدوث ذلك. وقال "لا أحد يستطيع ان يقول (متى). اعتقد انه فقد
شرعيته تماما كرئيس." وأضاف "امل ان يتخلى عن السلطة بنفسه."
نسف خط أنابيب نفط قرب حمص
في سياق متصل أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن خط أنابيب لنقل
النفط من شرقي سورية الى مصفاة في حمص قد نسف الخميس. ولم ترد تقارير
عن وقوع إصابات كما لم تتضح هوية الجهة المسؤولة عن الانفجار. وقالت
وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" إن "مجموعة إرهابية مسلحة قد
قامت بعملية تخريبية". وصرح مسؤول سوري بأن الانفجار تسبب باشتعال
النيران على مدى ساعات.
ويلاحظ ان الانتفاضة السورية التي ابتدأت سلمية بدأت تأخذ منحى
عنيفا مع تزايد اللجوء الى السلاح. في هذه الأثناء فرضت تركيا والاتحاد
الأوروبي والجامعة العربية عقوبات تهدف الى إجبار النظام على وقف العنف.
وقد حظر الاتحاد الأوروبي استيراد النفط من سورية وهو ما يكلف النظام
السوري ملايين الدولارات كل يوم.
يذكر أن الحكومة السورية تقول ان الانتفاضة هي بفعل قوى خارجية
متطرفة لا قوى داخلية تطالب بالإصلاح والديمقراطية، وهو ما تنفيه الأمم
المتحدة التي تتهم النظام بارتكاب جرائم قتل على مستوى واسع وكذلك
أعمال تعذيب واغتصاب، وترى الأمم المتحدة أن النظام اقترف أعمالا قد
ترقى الى مستوى "جرائم ضد الإنسانية".
ونفى الرئيس السوري بشار الاسد أن يكون قد أصدر أمرا الي قواته لقتل
المتظاهرين السلميين وأبلغ قناة تلفزيونية امريكية انه لا يأمر بقتل
شعبه الا زعيم "مجنون". ويواجه الاسد ضغوطا دولية متزايدة من بينها
تهديد من الجامعة العربية لفرض عقوبات على سوريا بسبب الحملة الامنية
العنيفة التي يشنها على المحتجين المعارضين لحكمه.
ونقل موقع قناة (ايه.بي.سي نيوز) على الانترنت عن الاسد قوله "نحن
لا نقتل شعبنا... لا توجد حكومة في العالم تقتل شعبها الا اذا كان
يقودها شخص مجنون." وقال الاسد "أغلب الذين قتلوا من المؤيدين للحكومة
وليس العكس."
ورفض البيت الابيض تصريحات الرئيس السوري. وقال المتحدث باسم البيت
الابيض جاي كارني "هذا غير جدير بالتصديق" عندما سئل بشأن مقابلة الاسد
مع شبكة (ايه بي سي) التلفزيونية. واضاف المتحدث "العالم يشاهد ما يحدث
في سوريا. والولايات المتحدة والدول الكثيرة الاخرى في شتى انحاء
العالم التي التقت معا لتدين العنف الوحشي في سوريا الذي يرتكبه نظام
الاسد تعرف بالضبط ما يحدث ومن المسؤول عنه."
وتابع قائلا "لا اعتقد ان أحدا ممن شاهدوا المقابلة سيجد اجابات
السيد الاسد جديرة بالتصديق."
وهددت الجامعة العربية بفرض عقوبات على سوريا اذا لم تنسحب القوات
بشكل يمكن التحقق منه من المدن والبلدات وتبدأ الحكومة حوارا سياسيا مع
المعارضة. وتدعو القوى الغربية الكبرى وتركيا والاردن المجاورتان
لسوريا الاسد الى التنحي.
ونقل تلفزيون (ان.تي.في) التركي الخاص عن وزير التجارة التركي قوله
ان بلاده ستفرض تعريفة جمركية نسبتها 30 بالمئة على كل السلع السورية.
وفيما يبدو فان هذه الخطوة رد على ضريبة مماثلة فرضتها سوريا على السلع
التركية.
وقالت الوكالة العربية السورية للانباء (سانا) ان الجيش تصدى
لمسلحين حاولوا قطع طريق حلب السريع في منطقة حماة التي يسودها التوتر
وقتل "ارهابيا" واحدا. وقالت الوكالة "فككت عناصر الهندسة العسكرية في
محافظة حماة اليوم سبع عبوات ناسفة زرعتها مجموعات ارهابية مسلحة في
منطقتي حماة ومحردة" وأضافت الوكالة ان طيارا بالجيش قتل بالرصاص امام
منزله.
وذكر موقع لنشطاء على الانترنت ان ناقلة جند مدرعة دمرت في اشتباكات
بين قوات ومنشقين عن الجيش قرب محطة الاذاعة في مدينة سراقب على الطريق
السريع بين حماة وحلب. وأشارت تقارير الى اطلاق نار كثيف في مدينة حماة.
وقال سكان قرى تركية ان قوات سورية فتحت النار عند الحدود مع تركيا.
وقوبلت الاحتجاجات ضد الاسد بردود قوية بمجرد اندلاعها في مارس اذار.
وتقترب سوريا الان من الانزلاق الى حرب اهلية حيث تنظم المقاومة
المسلحة صفوفها وتتحرك نحو بعض أحياء المدن.
واعترف الاسد بأن بعضا من افراد قواته المسلحة ارتكبوا تجاوزات لكنه
قال انهم عوقبوا. وقال للمذيعة باربرة وولترز "كل 'تصرف وحشي' كان
تصرفا فرديا وليس مؤسسيا.. هذا هو ما يجب أن تعرفوه... هناك فرق بين
اتباع سياسة قمع وارتكاب بعض المسؤولين أخطاء." واضاف قائلا "لم تصدر
أوامر للقتل أو التعامل بوحشية."
وعندما سئل عما اذا كان يشعر بالاسف بسبب العنف الذي يعصف ببلاده
اجاب أنه بذل كل ما في وسعه "لانقاذ الناس". وقال الاسد مجددا انه
يستحدث اصلاحات وانتخابات لكنه اضاف انه لا يمكن التسرع في اجراء
التغييرات.
ومضى يقول "لم نقل قط اننا بلد ديمقراطي... نحن نتحرك قدما في
الاصلاحات.. خاصة خلال الاشهر التسعة الاخيرة... يستغرق هذا وقتا طويلا..
التحول الى نظام ديمقراطي راسخ يتطلب قدرا كبيرا من النضج." وذكر أن
الجهود الدولية المتزايدة لفرض عقوبات على سوريا لن يكون لها أثر يذكر.
وأضاف قائلا "نخضع لعقوبات منذ 30 أو 35 عاما. هذا ليس امرا جديدا...
لسنا منعزلين. هناك أناس يأتون ويذهبون.. هناك تجارة.. يوجد كل شيء."
وقال جيفري فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية الامريكية بعد محادثات في
بيروت مع رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي "يجب على الاسد وزمرته وقف
اعمال القتل والتعذيب والسجن." واضاف قائلا "نريد استخدام كل الادوات
المتاحة للمجتمع الدولي لتغيير ما يحدث في سوريا بالوسائل السلمية"
ويشمل هذا رفع الحظر على دخول وسائل الاعلام الاجنبية والمراقبين الذي
تفرضه "هذه الشركة المملوكة لاسرة والتي يطلق عليها اسم حكومة سوريا".
وقالت روسيا والجزائر انه يجب اعطاء وقت لخطة السلام التي اعدتها
الجامعة العربية والتي تدعو الى دخول مراقبين. وفي بروكسل قالت بسمة
قضماني العضوة بالمجلس الوطني السوري -وهو جماعة معارضة في المنفى تسعى
الى نهاية لحكم الاسد- ان المجلس سيقدم في الايام القليلة القادمة خطة
من اجل انتقال للسلطة. واضافت قائلة "الخطة ستكون خارطة طريقة لانتقال
سلمي والبند الاول فيها هو أن الاسد يجب ان يستقيل ويرحل."
وقالت قضماني اثناء اجتماع مع اعضاء من البرلمان الاوروبي "نأمل بان
تحظى الخطة بالدعم من العالم العربي والمجتمع الدولي." وحذرت مجددا من
خطر حرب اهلية في سوريا. وقالت "الهدف الاول هو حماية السكان المدنيين
ووضع نهاية لاعمال القتل التي قد تزج بنا الي حرب اهلية."
الشرق الاوسط والقوى العالمية
ومع تصاعد الانتفاضة في سوريا لتتحول الى حرب أهلية صريحة تستدرج
دول أخرى قد لا يؤدي هذا الى مواجهة اقليمية أوسع نطاقا فحسب بل ربما
يثير عداء بين القوى العالمية الكبرى.
وبعد شهور من المظاهرات التي غلب عليها الطابع السلمي في مواجهة قمع
حكومي عنيف أصبح مقاتلون تابعون للمعارضة السورية فيما يبدو وراء عدد
متزايد من الهجمات التي تستهدف القوات الموالية للرئيس السوري بشار
الاسد.
ومن الممكن ان يمثل هذا في حد ذاته بداية لحرب أهلية طويلة دموية
ومفتوحة. بل ان الحديث عن احتمال تدخل عسكري اجنبي قد يشعل مواجهة على
غرار الحرب الباردة بين روسيا والولايات المتحدة.
ويقول محللون وحكومات أجنبية منذ زمن طويل انهم يعتقدون أن ايران
تقدم الدعم العسكري واللوجيستي لدمشق ويعتقد البعض الان أن المعارضة
أيضا تتلقى أسلحة من الخارج. ويخشى البعض أن يؤدي هذا الى اذكاء
المواجهة الاقليمية المتصاعدة بين طهران وخصومها في المنطقة خاصة دول
الخليج ودول صاعدة مثل تركيا.
قال انتوني سكينر محلل شؤون الشرق الاوسط في مؤسسة ميبلكروفت ومقرها
بريطانيا "المشكلة في الصراع بسوريا هو أن احتواءه أصعب بكثير مما كان
عليه الحال في ليبيا." وأضاف "له تداعيات اقليمية أوسع كثيرا تم
تجاهلها بصورة كبيرة. وهذا يؤثر على ما يحدث بالفعل في الخليج وفي
مناطق أخرى أيضا."
وفي الوقت الراهن ما زالت الخطوات الدولية ضد الاسد تقتصر على
العقوبات والضغط الدولي. ولم يغير تعليق جامعة الدول العربية لعضوية
سوريا كثيرا في الموقف الراهن فيما يبدو مما يثير احتمال تبني أسلوب
مباشر بدرجة اكبر.
وبعد أن رأت قوى صاعدة أخرى مجلس الامن التابع للامم المتحدة وهو
يصدر قرارا بشأن ليبيا أدى الى تغيير النظام هناك ترغب هذه القوى مثل
الصين في وضع خطوط حمراء. ولا يتوقع كثيرون أن يحدث تدخل عسكري في
سوريا على غرار ما حدث في ليبيا مع تعقد الوضع في سوريا الاكثر تفوقا
من الناحية العسكرية. لكن فرنسا تحدثت عن اقامة نوع من "الممر الانساني"
الامن وربما يكون تحت حماية "مراقبين عسكريين".
وتقول تركيا التي من المرجح أن تكون المصدر الرئيسي لاي قوة خارجية
انها لا تستبعد أي سيناريو. ويعتقد أن واشنطن عازفة عن الانخراط في
الشأن السوري. لكن وجود أحدى حاملاتها للطائرات على مسافة تمكنها من
ضرب سوريا أثار تكهنات.
يقول نيكولاس جفسوديف وهو أستاذ لدراسات الامن القومي في الكلية
الحربية البحرية الامريكية "يلمح الروس الى أنه في الشأن السوري لن
يكون موقفهم هو الاحتجاج في العلن ثم الموافقة سرا." وأضاف "الخطورة هي
أنه ليس من الواضح ما هم مستعدون للقيام به لمنع التدخل الصريح."
ومضى يقول ان المواجهة العسكرية الصريحة بين القوى الكبرى ما زالت
غير مرجحة بصورة كبيرة لكن تدهور العلاقات سيكون له ثمن حقيقي. اذ بدأت
موسكو بالفعل الحديث بلهجة حادة متزايدة عن درع صاروخية أمريكية مزمعة
في أوروبا قائلة انها ستعيد تصميم صواريخها النووية ذاتية الدفع لتمر
من هذه الدرع اذا لزم الامر.
وقال نايجل انكستر وهو نائب سابق لرئيس جهاز المخابرات البريطاني (ام.اي
6) وهو الان مدير المخاطر الدولية والمخاطر السياسية في المعهد الدولي
للدراسات الاستراتيجية بلندن "أعتقد أن الروس أغضبهم بالفعل ما حدث في
ليبيا وهم مصرون على ألا يروا هذا يحدث مرة أخرى."
وبالنسبة لكثير من المحللين يتمثل المبعث الاساسي للقلق فيما يتعلق
بسوريا في أنها قد تذكي التوترات الموجودة أصلا بشأن ايران. ويعتقد
البعض أن سوريا أصبحت بالفعل أحدث ساحة للمعارك في حرب خفية بصورة
كبيرة تستعر في أنحاء المنطقة.
وفي حين أن وسائل الاعلام الاسرائيلية على وجه الخصوص مستمرة في
التكهن باحتمال توجيه ضربة عسكرية للبرنامج النووي لطهران يعتقد أغلب
المحللين أن مثل هذا العمل ما زال غير مرجح.
ويقول كثير من المحللين انه لا اسرائيل ولا الغرب لديه المقدرة
العسكرية على تدمير البرنامج النووي الايراني من الضربة الاولى في حين
أن احتمال توجيه ضربة انتقامية مدمرة لاهداف نفطية في الخليج يمكن أن
يكون لها نتائج مدمرة على كلا الجانبين.
ويعتقد الكثير من المحللين أنه بدلا من ذلك فان ما تشهده المنطقة هو
تصاعد في العمل السري من كلا الجانبين. وهم يعتقدون أن ذلك يمكن أن
يفسر سلسلة من الانفجارات "العارضة" في عدد من المنشات النووية
الايرانية في الاونة الاخيرة وأيضا ضربات صاروخية تستهدف اسرائيل
تطلقها حركات ينظر لها على أنها تعمل بالانابة عن طهران.
ويقولون ان تشديد العقوبات واقتحام حشد ايراني غاضب لسفارة بريطانيا
في طهران كلها أحداث تمثل جزءا من الصورة الكبيرة. وكذلك سوريا التي
تمثل حافزا محتملا لدول خليجية مثل المملكة العربية السعودية وقطر
للضلوع بدور أكثر فاعلية في مساعدة أي معارضين.
وقالت ريفا بالا وهي مديرة التحليلات في مؤسسة (ستراتفور) الامريكية
الخاصة "ما نشهده في الشرق الاوسط مع انسحاب الولايات المتحدة من
العراق هو تحرك ايران لموقف أقوى بكثير." وتابعت "اذا استمر الاسد في
سوريا سيكون اكثر عزلة واعتمادا على ايران بصورة متزايدة مما سيعزز من
المخاوف الاقليمية الحالية من زيادة نفوذ ايران."
ويعتقد كثيرون أن ما يشعل الاحداث صراع أوسع بكثير على النفوذ مع
ادراك أن المنطقة ربما تكون بصدد طي صفحة نحو قرنين من سيطرة القوى
الخارجية التي تمثلت أولا في بريطانيا وفرنسا الاستعماريتين ثم
الولايات المتحدة.
وقال توماس بارنيت وهو خبير استراتيجي في مؤسسة (ويكيسترات)
للاستشارات "يجب ألا نفاجأ بأن الروس الى جانب الاتراك والايرانيين
يشعرون أنهم حصلوا على فرصة لتوسيع نفوذهم السياسي العسكري في شرق
البحر المتوسط." وأضاف "الطبيعة تمقت الفراغ وكذلك القوى الكبرى
الصاعدة."
المالكي يحذر من عنف طائفي
من جهته حذر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي من التداعيات
الاقليمية التي ستحدث اذا تصاعدت الاحتجاجات في سوريا المجاورة الى عنف
طائفي أو الى الاطاحة بالحكومة لاسباب طائفية.
وتسلط تصريحات المالكي الضوء على المخاوف لدى القادة الشيعة
وحلفائهم في ايران من امكانية انتشار الاضطرابات في سوريا الى العراق
أو ان تنتهي هذه الاضطرابات بالاطاحة بالرئيس السوري بشار الاسد وتنصيب
نظام سني متشدد.
وتحسنت العلاقات بين بغداد ودمشق وطهران منذ سقوط نظام صدام حسين
بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003. وقال المالكي
لتلفزيون المنار في مقابلة اذيعت مؤخرا "دولة مثل سوريا.. دولة محورية
محاطة بتحديات وازمات حادة وعنيفة.. المنطقة كلها معرضة للاهتزاز
والارتباك اذا ارتبك الوضع الداخلي في سوريا وتحول الى حرب طائفية او
حتى اذا حصل التغيير على خلفية طائفية."
وحاول العراق تحقيق توازن صعب بين الحث على التغيير تخفيفا
للاحتجاجات وبين دعم سوريا المجاورة التي من الممكن ان يغير مستقبلها
توازن القوى في العراق والمنطقة بأسرها. والتزم المالكي وهو شيعي
تتقاسم حكومته السلطة مع كتل سنية وكردية الصمت نسبيا فيما يتعلق بما
يدور في سوريا اذا قورن بغيره من القادة العرب الذين وجهوا الانتقادات
للاسد وسحب بعضهم سفراءه من دمشق احتجاجا.
وقال المالكي "بصراحة نحن نعتقد ان سوريا قادرة على تجاوز ازمتها من
خلال خط الاصلاحات الذي نسمع عنه... ونحن نشجع هذه الاصلاحات." ومنذ
سقوط صدام حسين وصعود الاغلبية الشيعية الى الحكم تحدث بعض القادة
السنة عن ظهور "الهلال الشيعي" الذي يمتد من ايران الى العراق الى
سوريا التي يحكمها العلويون الى حزب الله في لبنان.
وتعقدت العلاقات بين سوريا والعراق في الماضي بسبب تكرار اتهام
بغداد لدمشق بالسماح للاسلاميين العرب السنة بعبور الحدود بين البلدين
لمهاجمة القوات الامريكية والقوات العراقية خلال ذروة الحرب في العراق.
وبنى المالكي منذ ذلك الوقت علاقات عملية بدرجة اكبر مع دمشق وفاز
بتأييد الاسد للحكومة الائتلافية التي شكلها بعد الانتخابات غير
الحاسمة التي شهدها العراق العام الماضي.
لبنان قد يتحول الى متنفس لسوريا في ظل
العقوبات
من جانب آخر يرى خبراء ان لبنان قد يتحول الى ممر اقتصادي اجباري
لسوريا يخفف من وطأة العقوبات العربية والدولية المفروضة عليها بسبب
قمعها للحركة الاحتجاجية القائمة على ارضها.
ويقول الباحث في مركز "الدولية للمعلومات" للدراسات محمد شمس الدين
لوكالة فرانس برس ان "لبنان قد يصبح ساحة خلفية لسوريا تمر عبرها السلع
التجارية ومنها يتم الالتفاف على العقوبات المتعلقة بالمصارف وحركة
الطيران".
ويوضح ان "الاقتصاد السوري يعمل بنسبة ثلاثين او اربعين في المئة
كحد اقصى من طاقته، وهذا يترجم بالبطالة واقفال معامل وتراجع القطاع
السياحي كليا، بالاضافة الى تدهور سعر الليرة السورية بنسبة 24 في
المئة". بحسب فرانس برس.
وبالتالي، فان "هذا الاقتصاد اصلا في ازمة قبل فرض العقوبات التي
ستضيف عبئا بسيطا". ويرى ان "عدم التزام لبنان والاردن والعراق
المجاورة لسوريا بالعقوبات سيخفف من وطأتها".
وتضمنت العقوبات حظر التعامل التجاري مع الحكومة السورية ووقف كل
التعاملات مع المصرف المركزي السوري ووقف حركة الطيران الى الدول
العربية. وفرضت تركيا من جهتها عقوبات شملت تجميد الصفقات التجارية مع
الحكومة السورية والمبادلات بين المصرفين المركزيين السوري والتركي.
ويورد شمس الدين امثلة على كيفية الالتفاف على العقوبات، وقال ان "كل
السلع التي لن تتمكن من دخول سوريا ستاتي الى لبنان ومنه تذهب الى
سوريا. كما ان التاجر السوري يمكنه ان يودع المال نقدا في المصارف اما
مباشرة واما عبر لبنانيين".
ويتوقع ان تكون "حركة التعامل النقدية اكبر من الشيكات او التحويلات"،
مشيرا الى "وجود طرق عدة للالتفاف". وفي حال وضع قرار وقف الرحلات
الجوية بين سوريا والدول العربية موضع التنفيذ، فان سوريين كثيرين قد
ينتقلون برا الى العراق او لبنان ليسافروا انطلاقا من هذين البلدين.
ويقول الخبير الاقتصادي في مركز كارنيغي للشرق الاوسط للدراسات حسن
العاشي ان "لبنان والعراق قد يشكلان الرئة التي ستتنفس منها سوريا في
ظل العقوبات"، مشيرا الى احتمال تكثيف عمليات تهريب السلع المختلفة عبر
الحدود التي "قد تستفيد منها بعض الجماعات والافراد، لكن ليس لبنان
كدولة".
غير ان الخبراء يرون ان افادة لبنان من عزل سوريا ستظل محدودة
لاسباب عدة اهمها رغبته في تجنب اي ضغوط دولية عليه، وخصوصيته السياسية،
بالاضافة الى تراجع الامكانات الاقتصادية السورية الى حد بعيد.
ويقول العاشي ان "الاقتصاد السوري اصبح مرهقا بالعقوبات بشكل عام
وامكاناته بدات تتقلص (...) ان حظر بيع النفط السوري خصوصا من جانب
الاتحاد الاوروبي حرمه من السيولة بالعملات الاجنبية وسيعاني من نقص في
امكانات اقتناء سلع او خدمات من الخارج".
على الصعيد اللبناني "قد يتسبب اي خرق فاضح للعقوبات بضغوط ومتاعب".
وبدا المسؤولون اللبنانيون مدركين تماما لهذه التداعيات المحتملة، اذ
اكد وزير الاقتصاد والتجارة نقولا نحاس لوكالة فرانس برس ان لبنان
"ملتزم بتنفيذ العقوبات العربية" على سوريا، رغم عدم تصويته عليها.
كما اكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عدم وجود ودائع للحكومة السورية
ولا للمصرف المركزي السوري في البنك المركزي اللبناني.
وقال مسؤول مالي رسمي لوكالة فرانس برس رافضا الكشف عن هويته "لا
يمكننا ان نخالف اي قرار دولي. لذلك المصارف ملتزمة بقرارات الاتحاد
الاوروبي والولايات المتحدة بعدم تحريك ارصدة مسؤولين معينين تطالهم
العقوبات".
وكان مسؤولون مصرفيون اكدوا لفرانس برس ان المصارف اللبنانية تتعامل
بحذر كبير مع السوريين الراغبين بفتح حسابات مصرفية جديدة وترفض العديد
من الطلبات، بالاضافة الى انها شددت رقابتها على كل المعاملات المالية
التي يقوم بها زبائن سوريون.
ويرى شمس الدين ان الكوة التي قد يفتحها لبنان لسوريا على العالم لن
تعود عليه بالنفع لسبب بسيط يكمن في تعقيد الوضع السياسي الداخلي.
ويقول ان "لبنان سيعاني ليس نتيجة العقوبات انما نتيجة الازمة
السورية بشكل عام والانقسام اللبناني بين مؤيد لسوريا ومناهض لها الذي
قد يفجر ازمة في كل لحظة"، مضيفا "الحدث السوري يكاد يكون حدثا لبنانيا
بامتياز".
ويتابع شمس الدين "لو كان وضع لبنان متماسكا ودولته قوية، كان في
امكانه ان يستفيد اقتصاديا بشكل واسع من الوضع السوري، كما استفادت
سوريا وتركيا خلال مرحلة فرض العقوبات على العراق". |