شبكة النبأ: نال الاستاذ لطيف القصاب
(الباحث المتميز في مركز المستقبل للدراسات والبحوث) مرتبة الماجستير
في اللغة العربية وبدرجة جيد جدا، من جامعة بابل كلية التربية (صفي
الدين).
جاء ذلك حين ناقش رسالته الموسومة بعنوان: "دلالة الفعل الماضي في
القرآن الكريم " في كلية القانون/جامعة بابل/وفي يوم الاثنين بتاريخ
5/12/2011 حيث استغرقت المناقشة زهاء ثلاث ساعات ونصف. وقد تألفت لجنة
المناقشة من الأساتذة: أ.د صباح عبود، أ.د عبد الستار علي، أ.د رحيم
الحسناوي، أ.م. د حيدر حمزة.
وبعد ان القى الباحث كلمته الافتتاحية تولى رئيس لجنة المناقشة
الدكتور صباح عطيوي عبود ادارة المناقشة بين الاعضاء المناقشين.
هذا وتقدمت مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام ومركز المستقبل للدراسات
والبحوث والشيخ مرتضى معاش بتهانيهم البالغة للأستاذ لطيف القصاب على
نيله درجة الماجستير متمنين له مواصلة مشواره العلمي بالمزيد من
الابداع والتميز والتفوق.
وفيما يلي كلمة الباحث التي استهل بها المناقشة:
بسم الله الرحمن الرحيم
بادئ ذي بدء... لابد لي من القول: إن ما هو بين يدي اللجنة الموقرة
مجرد جهد بشري اجتهد صاحبه ما وسعه في أن يظهره حسنا سديدا لكنه كأي
عمل إنساني فيه ما فيه مما يخالف الحسن والسداد بطبيعة الحال.
أساتذتي زملائي والضيوف الكرام... أرحب بكم أجمل ترحيب وبعد، فإن "دلالة
الفعل الماضي في القرآن الكريم " هي رسالة دلالية تحديدا ما يعني
اعتمادها على سياقات اللغة والحال في الوقوف على المعنى ومعنى المعنى
على أن للمعجم حضورا لا شك فيه من حيث إن مدار الكلام معقود على الفعل
الماضي وهو أولا وقبل كل شيء لفظ من ألفاظ المعجم اللغوي.
وقد بُنيت خطة الرسالة على أساس انتقاء مجموعة من دلالات الفعل
الماضي الواردة في القرآن الكريم. واستقر توزيعها في نهاية المطاف على
شكل أربعة فصول: الأول يُعنى بالدلالة الزمنية للفعل الماضي، والأبنية
الدالة على الزمن الماضي، وفيه كانت الغلبة لآراء اللغويين على
المفسرين في بيان حركة الزمن للشاهد القرآني قيد البحث نظرا لان فكرة
الزمن لم يكن لها حضور مكثف عند قدماء المفسرين إلا النادر منهم،
ولكثرة عناية اللغويين المعاصرين بهذا الجانب. والفصل الثاني دارت رحاه
على دلالة الالتفات بالفعل الماضي منه واليه. والثالث تولى دراسة دلالة
المشترك اللفظي الخاصة بالفعل الماضي القرآني.
ونظرا لوجود عدد هائل من الأفعال الماضية التي تقبل الاشتراك اللفظي
فقد اخترت أربعة أمثلة فقط. أما الفصل الأخير فقد دار في فلك دلالة
المناسبة بين فواتح وخواتم سور القرآن المبدوءة بالفعل الماضي لفواصلها،
ومناسبة خاتمة آخر السورة المبدوءة بالفعل الماضي لفاتحتها، ومناسبة
فاتحة السورة المبدوءة بالفعل الماضي لما يسبقها من آيات في السورة
التي تسبقها على وفق ترتيب المصحف الشريف.
وقد بلغ العدد المستخدم من مصادر ومراجع هذه الرسالة أكثر من مائة
وثمانين مصدرا ومرجعا. وبقدر ما يتعلق الأمر بالفصل الأول فقد اعتمد
البحث فيه بشكل رئيس على كتاب اللغة العربية معناها ومبناها للدكتور
تمام حسان، وكتاب في النحو العربي نقد وتوجيه للدكتور مهدي المخزومي
وكتاب الفعل زمانه وأبنيته للدكتور إبراهيم السامرائي، أما بشأن ذكر
الشواهد القرآنية (التطبيقات) فقد جاءت متناسبة مع أبنية الفعل الماضي
المبحوثة، ولم يراع فيها تسلسلها في المصحف الشريف لأن ذلك يستلزم جردا
لجميع الأفعال الماضية الواردة في القرآن في كل بناء صرفي ولا تترتب
عليه جدوى كبيرة ؛ نظرا لاقتصار البحث على ذكر بعض الشواهد القليلة من
كل بناء.
وقد كان التعويل الأهم في جمع ودراسة الشواهد القرآنية في هذا
الفصل مرتبطا بتعرض المفسر لفكرة الزمن، بيد أن اللافت في هذا الجانب
قلة عناية المفسرين بهذه الفكرة.
وبخصوص الفصل الثاني فقد كان الاعتماد على تفسير الكشاف للزمخشري (ت
538 هـ)، وعلى كتاب أسلوب البلاغة القرآنية للدكتور حسن طبل لاسيما
الاستفادة من الإحصائية التي أوردها في نهاية كتابه، وحصر فيها مواضع
الالتفات في القرآن الكريم.
وقد اعتمد الفصل الثالث على معاجم اللغة العربية خاصة معجم مفردات
ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني (ت 502 هـ) بحكم اختصاصه ببيان معاني
الفاظ القرآن الكريم , وكذا على عدة من تفاسير القرآن لاسيما تفسير أبي
السعود، أما الشواهد القرآنية المعتمدة في شرح أمثلة المشترك اللفظي
فكانت مستقاة على وفق ترتيب المصحف الشريف. وبخصوص العمل في الفصل
الأخير فقد كان التعويل على الشواهد القرآنية استنادا إلى ترتيبها في
المصحف. وقد استعان البحث بهذا الفصل فضلا عن معجم الراغب بالتفسير
الكبير للرازي (ت 606 هـ) وكذلك بكتاب نظم الدرر لبرهان الدين البقاعي
(ت 885 هـ)، وكتاب تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي (ت 911 هـ).
وتمثل أبنية الفعل الماضي المجردة والمزيدة منها نقطة الارتكاز في
فصول هذه الرسالة جميعها. لكن البحث يتطرق في فصله الأول إلى أبنية
اللغة العربية الأخرى التي تتضمن معنى الزمن الماضي لعلاقة بعض تلك
الأبنية بفصول الرسالة اللاحقة. وبوجه عام فلن يكون من وكد البحث
التعرض إلى الأمور الخلافية بشان إثبات أو نفي قضية لغوية ما، وسرد ما
قيل فيها من آراء. ومع تقديم الاحترام الفائق لجميع وجهات النظر حتى
النادرة منها غير أن العمل في هذه الرسالة سيكون بمقتضى الأخذ بقاعدة
الإجماع أو أكثر الآراء شيوعا في الدراسات القرآنية ؛ ذلك أن موضوع
الخوض في عمليات النقض والإبرام بين المؤيدين والمنكرين لهذه الفكرة
اللغوية أو تلك سوف يستلزم وقتا وجهدا ثقيلين ثم تكون العاقبة ترجيح
أحد الآراء اعتمادا على الذيوع والشهرة، وبالتالي فانه سيغدو من قبيل
التطويل بغير طائل تجشم هذه الغاية، مادامت النتيجة معروفة سلفا وهي
الركون إلى ترجيح الرأي الأشهر وطرح ما عداه. غير أن هذا الأمر إذا كان
منطبقا بشكل كبير على المسائل اللغوية الصرفة فإنه لن يكون بهذا الحسم
في بعض المسائل التي تتعدى حدود اللغة إلى الفقه والعقائد والتفسير
فهاهنا سيكون احتمال الأخذ برأي لم يتوافر فيه الإجماع والشهرة واردا ؛
ليس من باب التبني لهذا الرأي أو ذاك ولكن من أجل الدفاع عن الفكرة
اللغوية في المقام الأول. ولكن بسبب أن النص اللغوي المختار هو القرآن
الكريم تحديدا فلا غنى للباحث عن الرجوع إلى كتب الفقه والتفسير التي
تتباين الرؤى فيها أحيانا على وفق مشارب الفقهاء والمفسرين.
ولذا فقد كان الاعتماد الأساسي في جمع مادة البحث في الفصل الثاني
والثالث والرابع على تفاسير القرآن الكريم بما تحتويه من مناهج مختلفة
فلم ينحصر الكلام على الجانب اللغوي بل تعداه إلى البحوث العقائدية
والفقهية ذات الارتباط المباشر بالمادة اللغوية قيد البحث. ولم يعدم
البحث بعض المشكلات الناجمة عن الخلاف العقائدي والفقهي بين المفسرين،
كل بحسب مرجعيته الفكرية، وبما يغير من مسارات بعض الأفكار اللغوية
أحيانا.
وبقدر المستطاع فقد حاول البحث أن يكون موضوعيا ومنصفا في جمع
الآراء والموازنة بين عناصر الاختلاف وتقاطع الرؤى الفكرية الفقهية
والعقائدية، مع التأكيد بأن الغاية الرئيسة من هذا البحث هو اللغة
واللغة فحسب. وبالنظر إلى كثرة أعداد التفاسير وسعة أحجام بعضها فقد
اكتفى البحث بانتخاب مجموعة منها روعي فيها ذيوع الصيت بين دارسي
القرآن الكريم مع اشتمال مصادر الرسالة على عدد من التفاسير الأقل شهرة
وشيوعا. وقد يلحظ المتتبع لسطور هذه الرسالة قفزات تاريخية بين تسلسل
كتب التفسير عند تناول قضية ما. ولعل ذلك الأمر راجع إلى تعذر إحصاء كل
ما كتب في الآية المبحوثة الواحدة بالقياس إلى الزمن المحدد ما أدى إلى
ضرورة الاختصار والاقتصار. وقد سبق عرضَ مادة كل فصل تمهيد (مدخل) يقدم
للفكرة الرئيسة التي تتناولها فصول الرسالة الأربعة، ويتضمن أبرز ما
أثير من مسائل نظرية خلافية في كل فكرة بقصد ترجيح الرأي الذي يجده
البحث أكثر قبولا من سواه.
ويمكن إيراد ابرز النتائج التي رصدها البحث في هذه الرسالة بما يأتي:
1- يعبر بناء (فَعَلَ) عن دلالات الأزمنة الثلاثة (الماضي، والحال،
والمستقبل) حينما يرد بسياقات مختلفة وتحفه قرائن معينة تصّير معناه
إلى أحد تلك الأزمنة بعينه.
2- ينفرد الفعل الماضي الناقص (كان) الوارد في القرآن الكريم بقدرته
على تأدية جميع الأزمنة الثلاثة (الماضي، والحال، والمستقبل) بتعبير
واحد، وذلك في سياق بيان صفات الكمال والجلال الإلهية.
3- جميع أبنية الفعل الماضي المجردة والمزيدة المذكورة في القرآن
الكريم لها ما لبناء (فَعَلَ) من دلالات زمنية شرط خضوعها إلى ظروف
سياقية مماثلة.
4- إن الأبنية المركبة في القرآن الكريم تتميز بالقدرة على كشف
دلالة الزمن بشكل أكثر وضوحا، وتفصيلا، قياسا بالأبنية المفردة.
5- المزيد على الرباعي المجرّد بحرفين (السداسي) بوزن: اِفعنلَلَ (مزيد
بالهمزة والنون واللام). لم يرد بوصفه فعلا ماضيا في القرآن الكريم.
6- لم يرد في القرآن الكريم مثال موافق لما ألحقه النحويون بالفعل
الماضي الرباعي المجرد منه والمزيد.
8- إن بعض ما توصل إليه علماء اللغة العربية من تجديد لغوي في نطاق
الدلالات الزمنية للفعل الماضي، كان بهدي إشارات سابقة جادت به قرائح
الأوائل. وإن قسما من هذا التجديد اللغوي ناتج من تأثر المحدثين بمناهج
البحث اللغوي الغربي الحديث.
9- لاحظ البحث أن بعض المفسرين يختلفون أحيانا في تحديد عنصر الزمن
حتى في نطاق الآية لاسيما في بناء (يفعل).
10- لا توجد تطبيقات قرآنية للفعل الماضي بصيغتيه المركبتين (قد كان
فعل)، و(كان قد فعل).
11- بناء (قد فعل) يأتي في الأسلوب القرآني مرادا به التعبير عن
الزمن المستقبل بخلاف الرأي السائد الذي يذهب إلى أن المراد بهذا
البناء معنى الزمن الماضي القريب المنقطع.
12- لاحظ البحث أن الأعم الأغلب من الظواهر الدلالية، ومنها ظاهرة
الالتفات تعتمد على المزاوجة بين الدلالتين المعجمية والسياقية. وعليه
فان البحث يرجح الرؤية التي تذهب إلى إنكار وجود دلالة للسياق بمعزل عن
دراسة الدلالة المعجمية التي تمثل النواة الأصلية لكل معنى سياقي.
13- إن البحث في ظاهرة الالتفات اثبت أن اللسان العربي بوجه عام ما
يزال مفطورا على توخي الأساليب الفصيحة، حتى على مستوى اللهجات العامية
الدارجة.
14- يقترح البحث أن يُدرج أسلوب الالتفات في جملة أبحاث اللغة
والمستوى الدلالي منه بوجه خاص، وأن تُرّحل جميع الأساليب البلاغية
المماثلة لأسلوب الالتفات من مباحث الأدب إلى المباحث الدلالية
المرتكزة في الأساس على دراسة الدلالتين المعجمية والسياقية.
15- لاحظ البحث وجود نوع جديد من الالتفات سمّاه (الالتفات بالصلة)،
وهو الانتقال من صلة الماضي إلى المضارع والعكس لدواع بلاغية. وهذا
النوع من الالتفات لم ينصّ عليه صراحة أحد من الباحثين المتقدمين منهم
والمتأخرين وإن وردت الإشارة إليه ضمنا في أبحاث أبي حيان الأندلسي.
16- وجد البحث أن هناك من الآراء ما غدا كالميراث الذي يتوارثه
المفسرون جيلا بعد جيل لاسيما ما ردده المفسرون من آراء الزمخشري بخصوص
ظاهرة الالتفات.
17- لاحظ البحث ظهور وجه جديد من وجوه تعدد معاني المشترك اللفظي في
لغة القرآن لا وجود له في عموم العربية، وذلك عند إسناد بعض أفعال
المشترك اللفظي ومنها الفعلان (خشي، ونسي) إلى الله سبحانه وتعالى إذ
يخرج به هذا الإسناد إلى معان يتفرد بها الخالق عزَّ وجلَّ عن سائر
مخلوقاته.
18- لاحظ البحث أن ظاهرة المشترك اللفظي في الفعل الماضي القرآني
ناشئة في المقام الأول من تعدد المعنى نتيجة تطبيقات الاستخدام أو
اختلاف السياق اللغوي.
19- لاحظ البحث وجود انسجام ووحدة موضوعية في تناسب فواتح سور
المصحف المبدوءة بالفعل الماضي مع فواصل آياتها، وكذلك بينها وبين ما
يسبقها من سور، على الرغم من أن المصحف الشريف لم يُرتب على وفق النزول
وفي هذا وجه إعجاز واضح لكتاب الله المجيد.
وختاما أسأل الله أن أكون قد وفقت بفضله في إحراز نسبة معتد بها من
الدقة والصواب ومجانبة الخطأ والخطل وشكرا لكم جميعا.
|