
شبكة النبأ: السلفية في مفهومها العام
والمبسط هي تيار من الإسلاميين يطالبون بتطبيق أسلوب عيش صحابة النبي
محمد صلى الله عليه واله حسب وجهة نظرهم. والسلفيون كباقي التيارات
الإسلامية المعتدلة أوالمتشددة كانت منكفئة ومنحلة تقريبا طيلة فترة
حكم الرئيسين السابقين زين العابدين بن علي ومن قبله الحبيب بورقيبة
الذي تبنى تيارا علمانيا وحداثيا مناهضا للتيارات الإسلامية.
لكن بعد ثورة 14 يناير/كانون الثاني ارتفعت وتيرة نشاط الحركة
السلفية في تونس. وشكلوا ظاهرة جديدة لم يعرفها المجتمع التونسي، اذ
تحرم هذه الجماعة الصور والتصوير وتعتبرهما مساس بالذات المقدسة لله،
وتهاجم حرما جامعيا بفتوى امير المؤمنين دون ان يتدخل الامن الجامعي.
وكما يبدو أن الأمن لا يستطيع أن يتدخل في هذه المؤسسات التعليمية
طالما أن مديري هذه المؤسسات لم يطلبوا منهم ذلك تحقية لرغبة في
استنفاذ الأساليب السلمية وتغليب الحوار مع هذه الجماعات المتشددة،
واحترام حق التعبير عن الرأي، وهذا ما يمنع جهاز الأمن اليوم من
استخدام العنف الذي استخدمه خلال نظام بن علي لقمع المظاهرات. وهنا
إطلالة على هذه الجماعة التي تثير قلق المجتمع المدني التونسي.
التعليم التونسي
اذ فوجئ التونسيون بعد الثورة بظهور فئة من التونسيين كانت غريبة عن
المجتمع التونسي من حيث لحاهم الطويلة وطريقة لباسهم وأحاديثهم
وتجمعاتهم وتحركاتهم وأنشطتهم. فئة تعرف نفسها على أنها من السلفيين.
هذه الفئة التي يتكاثر عدد أفرادها في كل مناطق البلاد وخاصة في
المناطق الشعبية والفقيرة، تتبنى رؤية خاصة للإسلام وتجاهر بولائها
لتنظيمات تعد متطرفة.
إلا أن السلفية جاهرت بظهورها بعد شهر من سقوط نظام بن علي حيث قامت
باقتحام ماخور العاصمة مطالبة بغلقه باعتباره مصدرا للفساد والمجون.
كما اقتحموا كلية في مدينة سوسة مطالبين بحق الطالبات المنقبات
بالتسجيل للسنة الجامعية الجديدة. وكرر السلفيون سيناريو هذه الحادثة
حيث احتجزوا لساعات طويلة عميد كلية الآداب بالحرم الجامعي بمنوبة
مطالبين بفصل الإناث عن الذكور ومنع الاختلاط وإقامة قاعة للصلاة في
قلب الحرم الجامعي.
ظهور السلفيين أيضا لوحظ بشدة خلال استقبال جثمان التونسي يسري
الطريقي المتورط في تفجير مرقد الإمامين في مدينة سامراء العراقية عام
2006 والذي تسبب في اندلاع حرب طائفية أودت بحياة عشرات الآلاف من
العراقيين والذي أعدم مؤخرا في العراق. حيث حمل السلفيون لافتات منددة
بعملية إعدامه وأخرى تبايع أسامة بن لادن وتعده بالثأر وأخرى تحسبه
شهيدا وبأن مثواه الأخير الجنة..
تحركات السلفيين أثارت مخاوف لدى فئة واسعة من التونسيين لارتباط
هذه الأنشطة في أذهانهم بالحركات الإسلامية المتطرفة على غرار طالبان
والقاعدة والجماعات الإسلامية المسلحة في الجزائر... وفي نفس الوقت لم
تبذل الجماعات الإسلامية في تونس جهدا لتفنيد هذه الأفكار بل بالعكس
فقد زادت من تأجيج هذه المخاوف وأضحت تنتهز كل فرصة لاستعراض قوتها،
مستخدمة في ذلك وفي أحيانا كثيرة العنف المادي والمعنوي بالترهيب
والاستفزاز والتكفير. حتى أن البعض أصبح يتحدث عن وجود مجموعات من
السلفيين تسمي نفسها "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" في نسخة
تونسية، تعمد خاصة في المناطق الداخلية إلى "إصلاح حال الأمة" بالترغيب
حينا والترهيب حينا آخر.
السلفيون التونسيون توغلوا أيضا داخل المؤسسات التعليمية والجامعات
التونسية باعتبارها مجالا خصبا للحركة بعد الثورة، مستغلين المناخ
العام في تونس بعد فوز حزب النهضة الإسلامي بأغلبية مقاعد المجلس
التأسيسي، وأيضا ظروف أمنية جديدة من بينها سحب "الأمن الجامعي" من هذه
المؤسسات بعد سقوط نظام بن علي. وقد شهدت جامعات أحداث عنف قام بها
عناصر من التيار السلفي وطلبة وعناصر دخيلة اعتدت على بعض الأساتذة
والطلبة بداعي أن ما يدرسونه ينافي نهج السلف الصلح و"من الواجب
الإصلاح ولو بالقوة".
سننتقم منكم يا كفار!!
في سياق متصل، يقول سامي بن عامر، الأستاذ والعميد السابق لمعهد
الفنون الجميلة في تونس، إن استهداف السلفيين لبعض الكليات وخاصة كلية
الفنون الجميلة لأنها تدرس مواد وفنون تتعارض في نظرهم مع "مبادئ
الإسلام" لأنها تتضمن التصوير والتشخيص والنحت وهي "محرمات تدفع للفتنة
والإشراك بالله" كما أن تدريس اللغات كفر لأن من يتحدث هذه اللغات هو
حتما كافر ...ويضيف العميد السابق قائلا "وجدنا شعارات على جدران
المعهد ومعاهد أخرى داخل البلاد" من قبيل "سننتقم منكم يا كفار" ولا
تحلّوا ما حرم الله" والصورة حرام حرام حرام "... وبات من الواضح أن
هذه الفئة من المتشددين قد كفّرت هذه الفنون التي ندرسها في تونس منذ
عقود طويلة ولم تسيء يوما من الأيام إلى ديننا الإسلامي إلا أنها تدخل
اليوم في خانة المحرمات. ويطالب سامي بن عامر بمنع النشاط السياسي في
المعاهد والكليات، كما يطالب بضرورة الحوار مع هؤلاء الذين نصبوا
أنفسهم حماة للدين لأن هذه الأحداث من شأنها أن تهز توازن الهيكل
التعليمي في تونس.
سألت فاطمة جغام وهي أستاذة فنون جميلة في معهد "حي التضامن" الذي
يقع على تخوم العاصمة تونس والتي تعرضت إلى اعتداء عنيف على يد طالبين
سلفيين في اليوم الأول للعودة المدرسية، حيث طلب منها إيقاف دروس
الفنون التشكيلية باعتبارها "تمس بالذات الإلهية وتدفع للشرك بحسب
السلف الصالح". وتقول فاطمة إن أحدهما طلب منها في مناسبة أولى إيقاف
الدرس ثم طلب منها ارتداء الحجاب وفي ظل رفض الأستاذة الاستجابة لهذه
المطالب هاجماها صارخين "الله أكبر". ولولا تدخل عناصر من الإدارة لحصل
لها ما لا يحمد عقباه. مسلسل مضايقات هذه الأستاذة تواصل حيث عمد
السلفيون إلى نشر مقاطع فيديو على "فيس بوك" لها وشتمها ورميها بالفسق
والكفر والمجون. وقال لها أحد الطلبة "إن أمير المؤمنين أهدر دمها"..
ودفعت كل هذه التهديدات والمضايقات الأستاذة للانقطاع عن التدريس في ظل
صمت مطبق من قبل الإدارة كما أن وزارة التعليم لم تحرك ساكنا ولم تتخذ
أي إجراءات ردعية لمعاقبة الطالبين ولمنع تكرار مثل هذه الحوادث. وتوجه
الأستاذة أصابع الاتهام لبعض العناصر من حزب النهضة وحزب التحرير غير
المرخص له، والتي تسللت اليوم إلى كل الإدارات التونسية والوزارات حتى
أن الإدانة أصبحت مطمحا صعب المنال.
موقف الأستاذة فاطمة جغام ليس موقفا منعزلا حيث تحدث الكثير عن
تقصير في عمل الأجهزة الأمنية إزاء هذه الظاهرة الخطيرة، وهو ما ينفيه
المتحدث باسم وزارة الداخلية هشام المؤدب، ولغاية الآن لم يطلب عميد
كلية منوبة ولا مدير أي مؤسسة تعليمية أخرى تدخل الأمن لحل مشاكل
مرتبطة بهذه الأحداث. ويؤكد أن الأمن قادر على فك اعتصام منوبة في ظرف
زمني لا يتجاوز 10 دقائق.
ويشير المتحدث إلى أن وزارة الداخلية التونسية تراقب عن كثب هذه
الفئة من السلفيين، وأن أعدادهم الحقيقية قد ضخمت وهي لا تتجاوز 3000
شخص في كافة أنحاء البلاد. ولئن كان عدد منهم ينتمي إلى القاعدة وعاد
إلى تونس بعد فرار بن علي إلا أنهم اليوم لم يقوموا بما من شأنه أن
يشكل خطرا على أمن البلاد. بحسب فرانس 24.
ونفى هشام المؤدب بشدة الأنباء التي تتحدث عن تخاذل أجهزة الأمن
تجاه السلفيين مذكرا أن الأمن التونسي اليوم قد غير كليا طريقة تعامله
مع الاحتجاجات الشعبية والمسيرات السلمية مهما كان منظمها بفضل دورات
تدريبية مكثفة تلقاها أفراده. ولم يخف المؤدب انزعاجه من الآراء التي
تتداولها مواقع التواصل الاجتماعي والتي تتهم الأمن بالتقصير، وهو الذي
يقوم بجهود مضاعفة لمحاربة الجريمة والقبض على الفارين من السجون
التونسية، وتأمين الحدود والسيطرة على جانب من المسلحين الليبيين الذين
دخلوا البلاد منذ بداية الحرب في ليبيا. وهي مهام مضنية نجح الأمن في
القيام بها لغاية الآن رغم الظروف الصعبة التي تمر بها تونس في هذه
المرحلة الانتقالية. |